دخل الإشكيمو إذن المدرسة الخاصّة وأقام في المبيت الخاص التابع لها والتزم بأن لا يزور خاله في حيّ الزياتين إلاّ مرّة في الشهر. وكانت الثلاثون يوما تمرّ عليه ثقيلة، ثم صارت لا تعني شيئا فسرعان ما انخرط صاحبنا في شبكة علاقات أنسته الأخوال والأعمام وأنسته الأب والأمّ أيضا. قال: كنت أعتقد أنّ الهذبة أجمل بنت وإذا بي أرى كل يوم هذبات كثيرات لا تساوي الهذبة الأولى أمامهن شيئا. صحيح أني لا أعرف الهذبة عيانا وأن صورتها من نسج خيالي وأنّ أقصى ما بلغه خيالي أنّي تخيلتها بعينين سوداوين وشفتين غليظتين وشعر فاحم معقوص وحاجبين معقوفين ولكنّ الهذبات هنا أشكال مشكّلة، منهنّ السمراوات والشقراوات وهنّ بأطوال متباينة. حتّى القصيرات منهنّ يقدرن على مدّ قاماتهنّ بانتعال أحذية ترفعهنّ. وأهمّ من ذلك كلّه أنّهن بارزات بلا ذلك السفساري الذي يغطّي الهذبة ومثيلاتها هناك. ولأكون صريحا فقد أصابني في أوّل الأمر ذهول، حتّى أنّني اصطدمت بعمود الكهرباء عشر مرّات في يوم واحد من فرط افتتاني بمن كنّ يعبرن الشارع أمامي. وأذكر أنّي حين دخلت على زوجة خالي وفي وجهي كدمات ورضوض أنشبت أظافرها في خدّيها ورفعت صوتها بالعويل وهي تسألني: من فعل بك هذا؟ وأذكر أنّي كذبت عليها وبكيت وقلت: لصوص أرادوا سرقتي فقاومت فأشبعوني ضربا. قال الإشكيمو: وكانت تلك الحادثة درسا عظيما، وتدرّبت شيئا فشيئا على فنّ السير في الشوارع وعلى الاكتفاء بمشاهدة العابرات دون متابعتهنّ. أمّا في المدرسة فقد جلست إلى زميلات كثيرات كنّ في الغالب يقرّبنني منهنّ للاستمتاع بأسلوبي في الحديث، ثمّ صرن يعوّلن عليّ في حمايتهنّ لما وجدنه فيّ من غلظة واندفاع. وكان ذلك سببا في ذيوع صيتي بالمدرسة ومحيطها والأهمّ من ذلك في ذيوع كنية جديدة أسقطت كنيتي القديمة. لقد سقط الإشكيمو وحلّ محلّه الفرنتسي. والفرنتسي كلمة كانت تدور على لسانه باستمرار لوصف حالات الاندفاع التي تنتابه إذا هبّ لحماية إحدى زميلاته فيقول عن هجومه العنيف على أحدهم (لقد دخلت عليه فرنتسي). فإذا سئل عن معنى ذلك اكتفى بالإشارة بيديه لتصوير نسق اللكمات السريع وهو ينهال على هذا أو ذاك بالضرب.