وممّا رواه الإشكيمو عن نفسه، بعد أن صار الناس يُنادونه الفرندس، أنّه خرج مساء يوم من أيام السبت يتسكّغ في شوارع العاصمة ولم يكن في جيبه من المال سوى نصف دينار واحتار في ما سيصرفه فاكتفى بسجائر معدودات وشيء من قلوب عبّاد الشمس المقليّة مضى يقضمها ويلفظ قشورها وهو يسير. ومن حظّه العاثر أنّه لفظ قشرة فأصابت رجلا في وجهه. قال: كان الرجل أنيقا رشيقا، وكان يضع ربطة عنق والأرجح أنه كان على موعد مع إحداهنّ. فلمّا وقعت عليه القشرة وأيقن أنّها قد صدرت منّي حدجني بنظرة فيها الكثير من الغضب والاستياء فتوقّفت عن السير وقلت له ببراءة (سامحني يا عمّي) ولكنّه لم يسامحني وانهال عليّ بسيل من الشتائم. وكنت، وهو يشتمني ويسبّ أمّي وأبي، أزيد في الاعتذار ولكنه لم يقبل ذلك وهمّ بضربي فلم أدر كيف وقعتُ عليه وظللت أرفسه بقدميّ ولم ينقذه منّي أحد. كان جمهور العابرين يتكاثر من حولنا ويراقب المشهد بنهم. سمعت أحدهم يقول "كفّ عنه يا فرندس" ونظرت وإذا هو أحد زملائي فكففت عنه ومضى هاربا والجمهور يهتف " أحسنت يا فرندس". شعرت وقتها بنخوة النصر فتطاولت في مشيتي وانفض الجمهور ولم يتبعني إلاّ اثنان وهما زميلي الذي ناداني ورجل آخر لا أدري من هو ولكنه تعلّق بي وأصرّ على استضافتي ودعاني إلى قهوة في إحدى مقاهي شارع قرطاج أعتقد أنه مقهى فلورنسا. لم أتردد في قول الدعوة بل إني دعوت زميلي فانضم إلينا ودخلنا ثلاثتنا المقهى. وكان ذلك أوّل تجربة لي مع شراب ليس من القهوة في شيء.