محمد مزيد - شهرزاد تنصب نفسها ملكة

أرسل ملك بوركينا فاسو بطلب كبير المستشارين في الرابعة والنصف فجرا، فجاء راكضا وآثار النوم في عينيه مثل غيمة تريد أن تمطر، همس الملك بأذنه شيئاً، فركض الرجل الستيني بإتجاه قاعة صغرى، تجتمع فيها بعض الحاشية من المحظيات الجميلات والخدم والاطباء ممن يترقبون أوامره ونواهيه على مدار الساعة ، فأستعدت بعض المحظيات للنهوض، لكي تلبي حاجات الملك الجسدية، في هدأة هذا الفجر الخريفي المعطر بنسائم الياسمين والقداح، يعلم جميع أفراد الحاشية أن الملك الأسود لم ينم منذ خمسين يوما، وكانوا يسمعون صوته صارخاً " أليس فيكم من يمنحني القليل من النعاس ؟ " قال كبير المستشارين شيئا الى أحد حكماء المملكة بصوت خافت لا أحد يسمعه، فعقد الحكيم حاجبيه ونهض معه باتجاه الملك الذي يجافيه النوم. ولما دخل عليه بلحيته البيضاء ورقة نظراته وأبتسامته العذبة، كان هو الوحيد الذي سمح له الملك بعدم الانحناء له، لكبر سنه وغزارة علمه ولنكبته التي مر بها قبل ستة شهور، اذ لطالما أنقذ الحكيم المملكة من أزمات اقتصادية وسياسية وأخلاقية، وجنبها الخوض في حروب على قضايا تافهة، فقال الملك للحكيم العجوز المبتسم " أنت صفرت لنا الكثير من المشكلات التي كانت تعترض تقدم المملكة، الا يمكنك تصفير مشكلة عدم نوم مليكك ؟ " ثم طلب منه الجلوس بجانبه، وراح يتأمل وجه الحكيم، فقال له الاخير " يا ميلكي يمكننا أن نجد الحل لدى شخص أيطالي أسمه كالفينو يعيش في روما " وبدون تردد أمر الملك كبير المستشارين بإحضار هذا الـ " كالفينو " حتى لو كان ذلك بطائرته الخاصة .
حلقت طائرة الملك، وطارت الى روما، وهناك تم الاتفاق مع الروائي الشهير كالفنيو، لإيجاد حلٍ لمعضلة ملك بوركينا فاسو، ولما أستفسر الرجل المهذب كالفينو عما يعاني منه الملك؟ فأخبره كبير المستشارين، بأنه لاينام منذ خمسين يوما، فانبرى الروائي الشهير وقال له " الحل بسيط، بدون الذهاب معكم الى فاسو ، اجلبوا له فتاة تدعى شهرزاد تعيش في العراق لتروي له الحكايات، وقبل أن يأتي الصباح، يمارس معها الحب، أظنه سينام بعدها " .
أحضرت شهرزاد وهي فتاة حنطية ذات قوام رشيق وجسد بض شعرها أسود مثل شلال يتدحرج الى مؤخرتها الكبيرة العريضة، أُدخلت الى غرفة الملك الواسعة المعطرة المزدحمة بالدمى وعظام الغزلان ووجوه النمور والاسود، لاحظ الملك، أن وجهها المبتسم المدور بعينيها العسليتين، يأخذ القمر منها ضوءها ليسلي بها ليل الدنيا، وعرف عنها انها تتحدث بكل لغات العالم، فلما تحدث معها الملك باللغة السواحلية، أجابته بصوتها الناعس الجميل بطلاقة ومن دون تردد، فأهتزت دعامات الملك المغطى بالشرشف الحريري حيث كان مجردا من الملابس، خفق قلبه بسرعة لمجرد سماع صوتها الموسيقى العذب، فخرج كل الذين كانوا يرافقونها من الحاشية، وقال لها بعد أن فرغت الغرفة " هل تبدأين بالحكايات الان ؟ " فسألته "قبل البدء بذلك، ممن يعاني الملك من آثام تثقل ضميره ؟" فقال لها "خضت حروبا مع دول غنية صغيرة ودول كبيرة كان يجب عدم الخوض بها ، أعدمت كبار الضباط وعلماء وفلاسفة وادباء، لا جريرة لهم سوى انهم لم يظهروا أعجابا بسياسة المملكة " فقالت شهرزاد وهي تنظر الى القمر عبر نافذة طويلة نازلة من السقف حتى أرض الغرفة" حل هذه المسألة سيكون بسيطا ، عليك أن تخرج عاريا في الصباح، وتمشي في طول وعرض مملكة فاسو، لتخبر الناس إنك نادم على المجازر التي ارتكبتها، ثم بعد ذلك سترى كيف يأتي اليك النوم " .
استدعى الملك كبير الحكماء ليفهم منه جدوى هذا الاقتراح الغريب ، ولان كبير الحكماء قبل ستة اشهر قد أعدم الملك ولده لانتقاده سياسته الرعناء وقد بقيت تلك الحادثة، حسرة تأكل قلبه، فقال للملك " انه حقا اقتراح سديد وعادل قد ينجح في ازالة السهاد في عينيك " وفي صباح اليوم التالي خرج الملك على الناس عاريا، رافعا ذراعيه نادما عن الجرائم التي ارتكبها بحق الضحايا، توافد الناس الى الشارع الرئيسي الذي يتمشى فيه الملك ورأوا مليكهم على هذه الحال وهم منبهرون من جمال ملابسه ، الا أن مجموعة من الاطفال كانوا بسخرون من ذويهم ويسألوهم " كيف تكون ملابسه جميلة وهو عار ، أن الملك عار تماما " وقاموا يركضون خلفه ويرموه بالحجارة ويصيحون عليه " الملك مصلخ" ، واخذ الناس يصيحون على الاطفال " بويه عيب لاتفلكونا ، بويه لا تدهرونا " لكن الناس شعروا ان هذه هي فرصتهم ليركضوا مثل الاطفال ويرددوا الكلمات نفسها التي يقولونها ، دقت النواقيس في جميع انحاء المملكة، بعدئذ، واعلنت اجهزة التلفزة والاذاعة في المملكة عن قيام شهرزاد بالانقلاب على الملك لانه أصبح مجنونا ولايقوى على ادارة البلاد وعينت نفسها ملكة لكل الازمان.
  • Like
التفاعلات: عصمت محمد بدل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى