محمد مزيد - الثوب الاخضر .. الثوب البنفسجي

" ستتزوّج رملة أخت محاسن هذا اليوم " طار هذا الخبر في فضاء المدينة الصغيرة الجنوبية، يرى البعض أنه خبرُ عاديُ، مثل كل الأخبار التي يتّم تداولها بين الناس في الصباح أو في المساء ، لكن الخبر حمّلته مناقير الريح والغيوم وأشعة الشمس وحتى مويجاب النهر الصغير المتفرع من الفرات ، ووصل الى مسامع كل أهل القضاء.
فرح بعض الشبان كثيراً، لأنهم سيمضون ليلة غامضة في التمتع بالنظر الى غجريات يرقصن ويغنين في حفلة العريس سامي أبن جبار العطار، وربما سيقتنصون نظرات سريعة، الى فتيات سيحضرن الحفلة، يقفن خلف الأبواب أو خلف النوافذ او من فوق أسطح البيوت .
ولكن من هي رملة أخت محاسن ؟ لينتشر خبر زواجها على كل لسان، أنها فتاة في العشرين من العمر، جميلة الوجه، تعيش مع أختها محاسن التي ترملت منذ زمن قريب بسبب حرب ايران، ولم تتزوج بالرغم من إنها مرغوبة ذات أبتسامة ساحرة، وجسد مترف، غالبا ما ينعش الرجال حين تمر أمامهم في الأسواق، وتغار منها النساء لأنها لا تضع " فوطة " فوق رأسها تحت العباءة، فتجعل خصلات شعرها تداعبها الريح، ولاحظت النساء، أن محاسن عندما تتحدث فانها " تتحدث بالمثاقيل " كما تروي عنها النساء الغيورات .
أشترطت رملة أخت محاسن على خطيبها سامي الجندي الهارب من العسكرية، أن يلتحق بالحيش قبل أن يخطبها من أختها، فمن العار على الرجل أن يكون هارباً من الحرب ، فوافق على ذلك، وفي أول أجازة حصل عليها، تقدم لخطبتها من أختها الكبيرة.
لدى النساء قول لايعجب محاسن، بشأن أختها، مفاده، أن رمله لا تستحق العريس إذ أنها عندما تتحدث يصدر من صوتها فحيح أفعى، وأنها لما تمشي ، تلاعب مؤخرتها كثيرا، فيتراقص ردفاها من خلف العباءة، وهذا يتنافى مع السلوك المحافظ لنساء القضاء، وأنها ترتدي ثوبا بنفسجيا رسمت على صدرها قطة، وتحت القطة ورود ذابلة. بلغت رملة العشرين من العمر ، كانت اثناء مراهقتها تلعب مع الصبيان، وتسبح معهم في البحيرات، وحيكت حولها شائعات، بإنها فتاة ملعونة، لأنها تمارس حياتها بشكل طبيعي وعفوي ولا تعبأ بالرجال، بعد أن رحل والدهما الى وادي السلام، ولم يرد إي خبر عن أخيهما الذي أخذته قوات الأمن بعد منتصف الليل، بزعم انه يقرأ مفاتيح الجنان بصوت عال، كانت محاسن تجد نفسها معجبة بتصرفات أختها رملة، غير المكترثة بأقوال الناس وشائعاتهم حولهما، تمتلك رملة حريتها، تضحك بانطلاق بصوت عال ، ومرات تغني "زي الهوا" وهي تبتاع الخضروات من الرجال، وعندما لا تأتي معها صديقتها نشمية التي تغار منها، الى النهر لتسبح معها، تذهب وحدها الى هناك، في المكان الذي تعتقد، أن أحدا لايستطيع اكتشافها فيه، روى سامي هذه القصة لاحد اصدقائه، بانه يسبح قريبا من المكان التي تلبط فيه رملة، ويعلم أين مكانها بالضبط في المياه ، اذ شعر ذات يوم ، أن شيئا يدبي بالقرب منه، أستطاع الوصول إليه، وبدأت يداه تداعبان رمانتي صدرها ، فقال لصديقه، إنها أحست أن قلبها أنتقل من صدرها الى ما بين فخذيها، فانسل تيار جارف من المياه هناك ، وبقي الشاب الذي كان يسبح مثل سمكة الشبوط، يحوم حولها ، يريد المزيد من اللعب في تلك المنطقة المحرمة،
لدى رملة صديقة واحدة أسمها نشمية، تغار منها كثيرا رغم صداقتهما العميقة، تكاد أن تكون نسخة مطابقة لها في السلوك والضحك والغناء، يذهبن معا الى البحيرة، يسبحن فيها حتى غروب الشمس، ويتبادلن الثياب بعد السباحة ، نشمية لديها ثوب اخضر وفيه رسم قطة ايضا على صدرها بورد ذابلة تحت قدمي القطة، وعندما تمت خطبة رملة، أنطلقت الشائعات التي كانت عبارة عن اقاويل تافهة لا تلقي اذانا صاغية من قبل محاسن التي ترملت بعد زواجها بثلاثة أشهر، لقد خبرت الدنيا وما فيها من مآس، ومن بين تلك الأقاويل والشائعات التي تثير سخرية محاسن، قولهم ان رملة " اعطت نفسها " للجندي الهارب سامي وقد يكون قد تورط في عذريتها ، ويعود سبب تلك الشائعات الى عفوية رملة، وأنهم يقولون أن محاسن، التي تمتلك جمالا آخاذا وجسدا يغمر الرجال بالغيوم الماطرة تحت دشاديشهم، إنها لا تهتم لاختها، ولا تراقب تصرفاتها، تسبل عيون الرجال، كلما مرت امامهم محاسن او رملة، وهم جالسون في المقهى او على وهدة صغيرة تطل على النهر ، اذ لطالما نهرت محاسن العديد منهم سواء بالمودة التي ورثتها من امها او بالزجر .
وصل خبر زواج رملة الى مسامع صديقتها نشمية، ولما عرفت أن سامي أبن جبار العطار ، هو العريس، جن جنونها ، فانطلقت الى بيت محاسن، وقد كانت تهيء اختها للزواج هذا اليوم، فتكحلها وتضع احمر الشفاه والبوطرة على وجهها، دخلت نشمية هلعة مذعورة، لتخبر محاسن ، بأن سامي كان يريدها هي وليست أختها رملة، فضحكت رملة من جانبها وسخرت من صديقتها، لكن الفتاة المذعورة، الهائجة، الباكية، قالت لصديقتها، هل تتذكرين ذلك اليوم الذي كنا نسبح فيه، أنا وأنت ثم جاء سامي بيننا، كنت أنت قد أنهيت السباحة قبلي، فأرتديت ثوبي الأخضر، وأنا أرتديت ثوبك البنفسجي، سار خلفك وهو يظن إنك أنا .. الحقيقة المرة التي لا أقولها الى أحد هي إنني أنا الفتاة التي لامسها تحت المياه، وليست أنت كما قالت الأقاويل، لذلك قالت الناس عنك " أن رملة أعطت نفسها " والحقيقة هي أنا، .. ولم تتمالك نشمية نفسها .. أخذت تبكي وتلطم بين يدي محاسن ، متوسلة منها أن توقف الزواج حالا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى