صباح بن حسونة - يوم الأحد

تسلّل الصباح عبر النافذة و داعبت خيوطه الفضية وجهها المستسلم لنومة هادئة لم تنعم بها من زمن بعيد .نهضت تضجّ بالنشاط و هي تراجع برنامجها الذي أعدته مسبقا لهذا اليوم، فقد ألمّ بوحيدها مرض مفاجئ جعلها تدور حول نفسها و لم تهدأ الا وهي تراه يتعافى و يترك الفراش الذي لازمه لأكثر من أسبوع .

إنه يوم الأحد، سأعدّ طبخة رائقة لابني الذي يتماثل للشّفاء، ثم أرتّب المنزل بعد أن تركته على حاله مدّة أيّام المرض، و لم لا أعتني قليلا بوجهي مثل باقي السيّدات؟ قد أتخلّص من بعض تجاعيدي و يعود إلي شبابي، زلال بيضة واحدة و ملعقة صغيرة من القهوة و أسرق من الدهر بعض سنين!

وقفت أمام المرآة تتملّى وجهها، ما يزال محافظا على جاذبيّته رغم التعب المرسوم عليه و التّجاعيد التي بدأت تحتلّه و تنغرس على جبينها و على جوانب عينيها. مرّرت الخليط السحري بتؤدة على جبينها ثم على خديّها في شكل دوائر تضيق حينا و تتّسع أحيانا أخرى، و كلّما نشف الخليط و التصق بوجهها أضافت إليه طبقة أخرى و أخرى حتى غطّته بأكمله و ذهبت بعد ذلك إلى المطبخ.

كانت قد أخرجت سمكة القاروص من المجمّد منذ الصّباح الباكر، سمكة كبيرة فضيّة لامعة ترقد في عمق الآنية غير عابئة بما ينتظرها من سوء المآل.قالت وهي تتلمس وجهها و قد صار يابسا و مشدودا حتى أنها لم تستطع فتح فمها للكلام:

«ما أجمل سمكتي! سأصنع منها طبقا لذيذا يرممّ عظمي وعظم ابني و يفتح شهيّته للأكل بعد طول انقطاع !»

فتحت الحنفيّة لتغمر قاروصتها بالماء و تشرع في تنظيفها، عندما صكّ سمعها صرير مزعج انطلق من الحنفيّة الخالية من الماء، المليئة بالهواء. أغلقتها بسرعة المفاجأة ثم أعادت فتحها فعاد الصّرير يخترق أذنيها بأكثر حدّة.

ها هي تجلس منذ ساعة أمام السّمكة، بوجه بنّي يعبق برائحة القهوة و زلال البيض. وجه مشدود يروم الغسيل ولا يجد الماء، و بين الفينة و الأخرى تفتح الحنفيّة فيعود الصّرير ليسخر منها و من سذاجة انتظاراتها في هذه المدينة التي تقطع عن سكّانها الماء صباحا مساء وحتّى يوم الأحد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى