سمير بية - صوتُ الوريد..

يا واخزا فيّ دمي
هذا وجهك على بلوّر الحكاياتِ
ينجلي في اللّيل المخنوق بالبكاء
هذا حلمُك وارفُ الشّجر
يبزُغُ من أرض تُحرقُ في الغيم
هذا نبضُك حارقُ الصّوت
يدقّ في حناجر البنادق
هذه أسجادُ الرّفاق غيماتٌ توزّعك
في الجرح البهيّ
مطرا مفتوح الأيادي
هذه كفّك اليمنى تضخّ القلق في شريان الصّمت
هذه كفّك اليسرى تصفعُ وجه الشمس الهاربة من عينيْ غزّة
هذه عصافير وجعك الأخضر تنقر دقّات قلبي
أسألها عن شجر ضلوعك
يتسامق على أكتاف الأيّام
يتناسل ظلّه في عيون الليالي
ترقب دبّابة تغنّي للعصافير أغنيات حمراء
تدكّ عظام الأمنيات وذاكرة الزيتون الخجول
هيّا مرّ على جثّة الموت
دع خطواتك تدحرج القمر
في أزقّة اللّيل المحاصر
دع قدميك تسكبا الشمس على أرصفة الصّباح المذبوح
****
يا حجر الخليل المنحوت من عظامي
مذ جزّوا أذنيك
ولسانك قطّعوا
وعينيْك قصفوا
وأنا أولد لاجئا في أفكارك
المطار صوتك اللاّمع
الجواز شراييني
الختم صوت أمّي:
ولدي شجر البرتقال الرّاكض في دمك
يلوّن وجه الرّيح بالعصافير والفراشات
يغزل المطر أمنيات للرّفاق
سأهبك للحجر غيمة وخبزا
للفجر وردة وعصفورا
لأحزان الخليل أغنية وحلما
آه يا أمّي
آآآه يا أمّي
إذا نزفتُ فخبّريهم
أنّي وحشيّ الأمنيات
أنّ كبدي غيمة قهر وصبر تهطل ثوّارا
أمّي أهذا نشيجك يعلو نخيله في صدري؟
أم ثوبك البنفسجيّ يتهدّل فرحه على ألمي؟
أدمعك الأخضر يبلّل خطواتي؟
أمّي كلّ شوارع فلسطين عيون تصلي في كفّيْكِ
أنا اللّاجئ فيّ
في عينيْك المشرّدتيْن في أنباء المساء الحزين
أنا المسفوك على اللّيل الأخضر
أشقّق ظلاما لآخر نعال سوداء تدوس جبين الصّبر
أنا المصقول عذابي
أمشي على الرّوح
برتقاليّ الخطو
زيتونيّ الصّوت
أنا البرتقال والزيتون في أرض مغروسة بالجثث
أبحث عن حثّتي
أقرأ شظايا حلم
وبقايا قبر أبي وأخي المفتوح على السماء
لولاك يا برتقال
لولاك يا زيتون
ما كنتُ مسجّى
في دموع الغيمات
في صوت الأرض
ما كنتُ مرفوعا
على أكفّ الرّيح
على أكتاف الرّعد
الدموع رسائلي الحمراء على الوجوه
الأصوات خطوي الهارب في العروق
الأكفّ ذاكرتي الممتدّة أصابعها في حنجرة الوقت
الأكتاف دهشتي العارية الرّأس
لك يا برتقال
لك يا زيتون
أن ترفعني
أن تشبّهني لغزاة روحي
أن تذروني رقصا غريب الوقع يدقّ صدورهم
هم يعدّون اللّيل للنوم بلا رصاص
يمنعون البندقيّة من الرّقص على كتف الفجر
يقتلون الفجر لو تأبّط نبضي
آه يا برتقال يا عالي الفجر
يا أبعد من وجه الموت القبيح
ألا تغنّيني؟
لأوّل مرّة
لآخر مساء حزين
ألا ترقص في قلبي؟
آه يا زيتون
يا صوت الوريد دون حنجرة
يلاقي القدس فاتحة نوافذها
لي
للغيمات
للعصافير
يا برتقال
يازيتون
لكما كلّ النّوافذ تدمع بلا مآق
لكما رجّة السّماء والأرض
ورجّة الرّوح
هذا جرحي تتدفّق منه صبايا الرّفض
قصفوا فتحته بوجوه مصفّحة
هذا عُرسي عرسُكما صادروا زغاريده
والموسيقى الحزينة منعوا أحزانها
هذا المدفع الحقود يقصف مخيمات القصيدة
هذه اللّغة تبتسم حين علّقوها في عنق الدّبّابة
هذه أمّي تراني هناك
وأراها هنا تضحك في وجوه كلّ البشر
وهنا أراكما حجريّا الرّؤى
وأرى الصّوت مفتوح الفوهة
وألف ممرٍّ للرّيح المسيلة للدّموع
للرّعد المقلاع
للبرق النّاسف
للغتي الحمراء بأنفاسها المحمومة

سمير بية/ تونس:

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى