تم اصطحابه في سيارة معصوب العينين إلى مكان التحقيق، سرد كل ما حدث، فتم وضع خطة دقيقة مُحكمة للقبض على شريف الفولي متلبسًا وبجميع الأدلة الممكنة.
قبل بضعة أشهر، نشر إعلانًا عن حاجته إلى حديثي التخرج للعمل مندوبين لشركة السياحة. أقنعهم بسهولة السفر لأوروبا؛ وجاء الكثير من راغبي السفر، لكن مندوب شركة السياحة طويل القامة، حليق اللحية والشارب، أخبرهم بالعودة بعد أيام.
تواصل مندوب الشركة مع راغبي السفر ورأى في أعينهم نظرة اليأس؛ فلم يصدم لقبولهم بالسفر إلى أي مكان، حتى لو كان إسرائيل.
في تلك الأثناء، تجاذب رجلان أطراف الحديث مع السيد شريف الفولي الذي أشعل سيجاره الكوبي وقدم منه لهما وأبقى نور إضاءة الغرفة خافتًا ورحب بهما : انتظرتكما أكثر من ساعتين!
أجابه بيومي: كان علينا تأمين دخولنا إلى هنا.
السيد شريف: (أشار بإصبعه إلى ملف ورقي على مكتبه) ها هي الصفقة الأغلى في تاريخ صناعة السيراميك في العالم، ضحك بسخرية: بودرة سيراميك. لقد حاولت جاهدًا أن أجعل كل شيء في مأمن، فأسندت تلك الصفقة إلى علاء الحفني الذي يذكرني بشبابي، قابلته قبل بضعة أعوام، فكان معدمًا، ولم يمتلك والده إلا معاشه الشهري والمنزل الذي يعيشون فيه ثمرة غربته بالسعودية لسنوات طويلة.
نصحه جمال: تيقن أنه مأمون الجانب!
الفولي: يعمل في شركة السيراميك منذ سنوات ومؤخرًا أصبح المدير التنفيذي لشركة السياحة، وكل جلساته مع المسافرين إلى إسرائيل مسجلة بالفيديو صوت وصورة. لا تقلق؛ لن يضحي بما وصل إليه.
هل تعلم من حضرت إلى هنا اليوم؟ هل سمعت عن إقبال جاهين الممثلة المعتزلة؟
بيومي: ومن لا يعرفها؟
الفولي : بعد انصراف الموظفين وجدت الباب مفتوحًا.
جمال : فيم كان حضورها؟
الفولي : تعرض خدماتها في أي وقت وبأي طريقة، ولهذا طلبت مقابلتكما؛ لأرى إن كان وجودها إلى جانبي كزوجة قد يكون مفيدًا.
بيومي: أعرف مدى عشقك للمرأة الجميلة، لكن أعين الأجهزة الأمنية ستكون مسلطة عليها تمامًا.
الأهم من ذلك هو أن تأمن جانب علاء وأن تأخذ ضمانات تمكنك من السيطرة عليه.
الفولي: يتقاضى ما لا يحصل عليه أي وزير.
بيومي: لابد من إغرائه وإغراقه بالمال، وعليك أيضًا بزوجته الإسبانية وألا تغيب عن أعيننا ثانية واحدة.
لم يشعر أحد بغياب علاء؛ إذ انشغل الجميع بتفقد قصره الفخم، الذي اشتراه توًا، ومعرفة محتوياته وقراءة التواريخ المنقوشة على جدرانه والتقاط الصور الذاتية في كل مكان، كما استعانوا بعصا السلفي للحصول على زوايا رؤية أوسع لالتقاط الصور الجماعية.
عاد إلى القصر، فوضعت رانيا يدها على وجهه وشعره وسألته: أين كنت ؟ تلعب وتلهو وتتركنا بمفردنا؟ هل تفكر بشأن ما فعلته زوجتك فور علمها بشراء هذا القصر؟
نزل زوجها الذي كان يتفحص الطابق العلوي من القصر بصحبة إيمان التي لاحظت جرأتها المعهودة، وهنا أظهرت غيرة تلقائية على زوجها، فأنزلت يد رانيا إلى جانبها قائلة:
يبدو أنك اعتدتِ التحدث مع زوجي وتحسس شعره ووجهه!
قاطعتها شيماء: فيم كنتما تتحدثان أنتِ وماهر أمام القصر وأين اختفيتما كل تلك المدة؟
إيمان: فقط كنا نتجول بالقصر ونتحدث عن التصاميم؛ إنه مصمم عظيم!
شيماء: ماذا تصمم؟!
ماهر: تصاميم خشبية تضاهي كراسي الملوك والأمراء.
شيماء: أتوق لرؤية تلك الأعمال.
ماهر: بكل سرور.
عبَّر خالد عن إعجابه الشديد بذوق زوجته وإن أبدى رفضه لشغفها بشراء كل ما يعجبها.
خالد: تتمتع شيماء بذوق عالٍ جدًا، لكنها اقترضت من البنوك بسبب تلك العادة السيئة.
انفجرت في وجهه غاضبة: لم أطلب مطلقًا أن تتحمل عني ديوني. لا أحتاج إلى أية أموال منك ولذا أرجو ألا يتكرر هذا الحديث؛ فالمال يأتي بمنتهى السهولة.
قاطعها: بل لا بد من دفع الثمن غاليًا.
أجابت إيمان: أتفق معك في الرأي!
قاطعتها رانيا: ليس من الجيد أن نضيق الخناق على أزواجنا.
دفعت إيمان زوجها للخلف بانفعال واضح وأصبحت وجهًا لوجه مع رانيا: تذكري جيداً، أنتِ الآن متزوجة.
سألت رانيا موجهة نظرها وحديثها لعلاء: هل ندمت على عدم الزواج بي ؟
صفعتها إيمان على وجهها بقسوة!
أمسك علاء بها محاولًا تهدئتها، فازداد غضب زوجته التي تركتهم إلى خارج القصر، وحاول ماهر تهدئة إيمان، لكن شيماء طلبت منه البقاء وخرجت خلف إيمان.
وقف خالد ينظر ذاهلاً لعلاء الذي يربت على كتف رانيا.
علاء: رانيا، هل أنتِ بخير؟
شعرت رانيا بشيء ما يسيل على شفتها: الدماء تسيل من أنفي!
علاء: ستكونين في أفضل حال.
جلس خالد وماهر معاً على المنضدة بينما كان علاء يساعد رانيا، أما إيمان فكانت تتجاذب أطراف الحديث مع شيماء أمام القصر.
أخذ علاء رانيا إلى غرفة لتستريح بعد هذه المعركة النسائية فوجه لها اللوم: ما كان يجب أن تتحدثي هكذا؛ من النادر أن تجدي من لا يندم بعد زواجه، وبخاصة أن معظم الزوجات يفقدن الشغف بعد إنجاب الأولاد!
رانيا : إذن أنت حقًا …!
نظر علاء في خجل: لقد ارتكبت أخطاء لا تغتفر، لكن الحقيقة أنني أحب زوجتي.
رانيا: تستحق من تقدر قيمة وجودك في حياتها.
هدأت شيماء من روع إيمان وقرر الجميع قضاء عطلة نهاية الأسبوع في هذا القصر الذي يشبه أفخم الفنادق.
بعدما خلدوا إلى النوم، سمعت شيماء صوت صرخة ثم صوت قدم تسير بالخارج في طرقات القصر، لكنها كانت مرعوبة؛ فقامت من سريرها وعادت إليه أكثر من مرة خشية أن يصيبها مكروه، ثم سارت على أطراف أصابعها، تتسارع دقات قلبها حتى وصلت إلى الباب وفتحته في حذر، وجالت ببصرها يمينًا ويسارًا بحثا عن مصدر الصرخة.
عادت بملابس النوم مسرعة وقفزت في السرير محتضنة زوجها، ورغم نومه شعرت أنه المصدر الوحيد للأمن.
استيقظ الجميع في الصباح، وبمجرد رؤية شيماء لعلاء في المطبخ سألته: هل سمعت أي صوت غريب ليلة أمس؟
أجابها بالنفي وأوضح أنه عندما ينشغل بالتفكير، لا يشعر بأي شيء!
شيماء: أين إيمان ؟
علاء: لا أعلم أين نامت؛ لأنني لم أنم أيضًا من التفكير.
تساءلت شيماء في دهشة: فيم كنت تفكر ؟
علاء: حاولت الاتصال بها طوال ساعتين، ولكن هاتفها مغلق أو غير متاح.
شيماء: ربما ماتت أو تعدى عليها أحد أو صدمتها سيارة بينما كانت عائدة سواء لشقة الزوجية أو لبيت أبيها.
علاء: لقد اشتريت هذا القصر لها، لا أحد يعلم الثمن الذي أدفعه مقابل ما هي فيه الآن.
شيماء: لماذا أحضرت خطيبتك السابقة إلى هنا وفي تلك الليلة بالتحديد؟!
علاء: فعلت من أجلها كل شيء.
شيماء: أحضرت خطيبتك السابقة في مثل هذا اليوم ورأتك بعينيها تقبلها في إحدى الغرف ليلة أمس.
علاء: كانت الدماء تسيل من أنفها وتعاطفت معها، لقد أعطيت إيمان كل شيء.
شيماء: أحبت الشقة الصغيرة في بيت عائلتك، ولم تتوقع أن تحضر حبيبتك السابقة لتقول أمامها إنك نادم على الزواج بها، الرجال ليسوا أكثر من مجرد مجموعة من الحمقى الأنانيين!
تركت شيماء علاء بعدما رأته شاردًا ودخلت القصر غاضبة منفعلة فاصطدمت بماهر .
ماهر: مهلًا، هل أنت بخير ؟
شيماء : لا، لست بخير؛ علينا أن نجد إيمان .
سارت شيماء وماهر في الحديقة بحثًا عنها إلى أن سمعوا صوتًا غريبًا من إحدى الغرف الملحقة بالقصر ووجدا علاء يحاول فتحها مستخدمًا حديده كبيرة.
شيماء: هل من الممكن أن تخبرني أين إيمان ؟
علاء: اتركيني أفتح هذه الغرفة، لا أعلم مكانها.
شيماء: حقًا؟ أعتقد أنك تعلم جيدًا! ماذا فعلت بها؟ لا تظن أنك ستنجو بفعلتك!
حاول علاء مراراً حتى تمكن في النهاية من فتح الباب، فوجئ الجميع بإيمان تبكي في انهيار داخل تلك الغرفة، فاحتضنها علاء.
علاء: إيمان، هل أنت بخير؟
أجابت بصعوبة شديدة: نعم، وأشارت بأصابعها: أنظر هناك!
حاول الجميع النظر لكن الحجرة كانت مظلمة؛ فقام علاء بإضاءة الكشاف في هاتفه المحمول، ورأى عظام رجل ميت ومتحلل يمسك بصندوق خشبي.
إيمان: ربما دخل الغرفة ولم يتمكن من الخروج، فمات.
علاء: من المحتمل أن يكون هذا الكلام صحيح.
شيماء: أحضر الصندوق.
أحضر علاء الصندوق واصطحب زوجته للخارج .
جلس الجميع بعدما هدأت إيمان فقالت: خرجت لكي أتمشى وأحظى ببعض الهواء المنعش، فدفعني الفضول لمحاولة دخول الحجرة، لكن الهواء أغلق الباب خلفي.
شيماء: هل هذا عندما سمعت صرختك؟!
إيمان: صرخت ولكني فقدت صوتي فجأة!
علاء: لا يهم الآن سوى أنك بخير، سأعيد هذا القصر لصاحبه وأحصل على إيصالات الأمانة فقط لأجلك أنتِ وكفى ما حدث ليلة أمس واليوم.
إيمان: لا، لا تفعل.
علاء: ماذا تقصدين ؟ لقد كنت رافضة لهذا المكان.
إيمان: أنا فقط أخشى ألا نتمكن من سداد قيمته. ماذا ستفعل إن لم تستمر مع شريف الفولي لأي سبب؟
علاء: أتمنى أن نكون معاً حتى آخر العمر.
إيمان: من الممكن أيضًا أن نكون أفضل حالًا خاصًة بعد عثورنا على الصندوق!
فتح علاء الصندوق وفوجئ الجميع بأنه مليء بالقطع الأثرية الذهبية، فنظر إلى زوجته في دهشة.
إيمان: لم أكن أعرف بكل تأكيد، لكنني ظننت أنه إما ذهب، أو فضة أو ماس أو أي شيء غالي الثمن.
علاء: أتدرين فيم أفكر ؟
إيمان: ماذا ؟
علاء: أفكر في إعادته وتسليمه للشرطة.
إيمان: كما ترى.
جلس علاء وإيمان بمفردهما،
إيمان : ماذا بك؟ لماذا أراك تعيسًا هكذا؟
علاء: أتمنى أن تسامحيني وأقسم أني أحبك جدًا.
إيمان: أسامحك رغم أن تقبيلك لرانيا أمس كان مؤلمًا بحق.
علاء واضعًا يده فوق رأسه: لقد تورطت في تهريب الشباب المصري إلى إسرائيل ولا أعلم إن كانت هناك جرائم أخرى أم لا؛ فقد وقعت مؤخرًا على كثير من المستندات والاتفاقيات والمناقصات والمزايدات لكنني حاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أجهشت إيمان بالبكاء قائلة: هل حقًا ما تقول؟ كيف حدث ذلك؟
استدار علاء ليهرب من عيني إيمان: عملت مع الفولي وتورطت معه في تسفير الشباب المصري بطرق غير مشروعة لأوروبا في بادئ الأمر، ولم أفطن إلا وأنا متورط في تسفيرهم لإسرائيل. منحني الكثير من الأموال وقربني منه، فسافرت للخارج أكثر من مرة.
تلعثم في أثناء اعترافه وكأن الدم قد تجمد في عروقه ثم استكمل : في إحدى المهام الخارجية، تقربت مني صاحبة شركة سياحة إسبانية تقيم في قبرص تدعي روز جونزاليس، ولم تكن إلا وسيط مع رجال أعمال أوروبيين يسهلون تهريب الشباب المصري إلى إسرائيل، وظلت توسوس لي إلى أن تزوجتها.
انهارت إيمان وأجهشت بالبكاء والصراخ بعد معرفة حقيقة خيانته .
أكمل اعترافه: بعد العثور على أوراق ومستندات ومخططات في غاية الأهمية والخطورة ليلة أمس، تواصلت مع أحد الضباط الذين تربطني بهم زمالة دراسة؛ لذا أطلب منك أن تسامحيني، وأتمنى أن يغفر لي أبي.
صدم علاء عندما علم من ضابط المخابرات الذي كان يتولى ملف شريف الفولي إن روز جونزاليس زوجه الأسبانية تعمل مع الموساد بترتيب شريف الفولي نفسه، وأنها استغلته لمساعدتها في تهريب الشباب للعمل ضد مصر، أو لمبادلتهم مع عملائهم من الجواسيس.
على مقربة من الفيلا الفاخرة التي اتخذها شريف الفولي مقرًا لإقامته، وقفت سيارة فارهة بها رجلين، الأول قوي البنية في منتصف الأربعينيات، أما الثاني فكان أبيض البشرة يرتدي نظارة شمسية.
جلس الرجل الأول الذي بدا من سيارته الفارهة وملابسه الأنيقة وابتسامته الرقيقة كأنه يتحدث مع حبيبته هاتفياً.
الضابط: هل زوجك موجود الآن في الفيلا؟
نظرت للرسالة وبقلب ثقيل كتبت: نعم، يستعد للتوجه إلى المطار كما أوضحت لكم في رسالتي المشفرة مساء أمس.
الضابط: ستذكر مصر دوماً ما تقومين به.
الزوجة: بدأ الشك يساور نفسي في أثناء تصوير أحد البرامج في قبرص، شعرت بأشياء مريبة بين زوجي وأصدقائه الأوروبيين؛ فتواصلت معكم فور عودتي.
تم القبض على شريف الفولي الذي أنكر في البداية، لكن بمواجهته بكل الأدلة بالصوت والصورة، تنكد خاطره وانهار في تعاسةٍ: "سأعترف وأقول كل شيء".
ضابط أمن الدولة العليا:"ما قيمة الندم والحسرة؟ ستنال الحكم العادل ليرتدع غيرك".
فور سماع الفولي الحكم عليه بالإعدام، انهار في قاعة المحكمة وأصيب والده بأزمة قلبية حادة.
أما علاء الحفني، فبعد مساعدته للأجهزة الأمنية، حكم عليه بالسجن المخفف لسبع سنوات، ثم خرج بعد نصف مدة العقوبة عقب العفو الرئاسي عنه.
قبل بضعة أشهر، نشر إعلانًا عن حاجته إلى حديثي التخرج للعمل مندوبين لشركة السياحة. أقنعهم بسهولة السفر لأوروبا؛ وجاء الكثير من راغبي السفر، لكن مندوب شركة السياحة طويل القامة، حليق اللحية والشارب، أخبرهم بالعودة بعد أيام.
تواصل مندوب الشركة مع راغبي السفر ورأى في أعينهم نظرة اليأس؛ فلم يصدم لقبولهم بالسفر إلى أي مكان، حتى لو كان إسرائيل.
في تلك الأثناء، تجاذب رجلان أطراف الحديث مع السيد شريف الفولي الذي أشعل سيجاره الكوبي وقدم منه لهما وأبقى نور إضاءة الغرفة خافتًا ورحب بهما : انتظرتكما أكثر من ساعتين!
أجابه بيومي: كان علينا تأمين دخولنا إلى هنا.
السيد شريف: (أشار بإصبعه إلى ملف ورقي على مكتبه) ها هي الصفقة الأغلى في تاريخ صناعة السيراميك في العالم، ضحك بسخرية: بودرة سيراميك. لقد حاولت جاهدًا أن أجعل كل شيء في مأمن، فأسندت تلك الصفقة إلى علاء الحفني الذي يذكرني بشبابي، قابلته قبل بضعة أعوام، فكان معدمًا، ولم يمتلك والده إلا معاشه الشهري والمنزل الذي يعيشون فيه ثمرة غربته بالسعودية لسنوات طويلة.
نصحه جمال: تيقن أنه مأمون الجانب!
الفولي: يعمل في شركة السيراميك منذ سنوات ومؤخرًا أصبح المدير التنفيذي لشركة السياحة، وكل جلساته مع المسافرين إلى إسرائيل مسجلة بالفيديو صوت وصورة. لا تقلق؛ لن يضحي بما وصل إليه.
هل تعلم من حضرت إلى هنا اليوم؟ هل سمعت عن إقبال جاهين الممثلة المعتزلة؟
بيومي: ومن لا يعرفها؟
الفولي : بعد انصراف الموظفين وجدت الباب مفتوحًا.
جمال : فيم كان حضورها؟
الفولي : تعرض خدماتها في أي وقت وبأي طريقة، ولهذا طلبت مقابلتكما؛ لأرى إن كان وجودها إلى جانبي كزوجة قد يكون مفيدًا.
بيومي: أعرف مدى عشقك للمرأة الجميلة، لكن أعين الأجهزة الأمنية ستكون مسلطة عليها تمامًا.
الأهم من ذلك هو أن تأمن جانب علاء وأن تأخذ ضمانات تمكنك من السيطرة عليه.
الفولي: يتقاضى ما لا يحصل عليه أي وزير.
بيومي: لابد من إغرائه وإغراقه بالمال، وعليك أيضًا بزوجته الإسبانية وألا تغيب عن أعيننا ثانية واحدة.
لم يشعر أحد بغياب علاء؛ إذ انشغل الجميع بتفقد قصره الفخم، الذي اشتراه توًا، ومعرفة محتوياته وقراءة التواريخ المنقوشة على جدرانه والتقاط الصور الذاتية في كل مكان، كما استعانوا بعصا السلفي للحصول على زوايا رؤية أوسع لالتقاط الصور الجماعية.
عاد إلى القصر، فوضعت رانيا يدها على وجهه وشعره وسألته: أين كنت ؟ تلعب وتلهو وتتركنا بمفردنا؟ هل تفكر بشأن ما فعلته زوجتك فور علمها بشراء هذا القصر؟
نزل زوجها الذي كان يتفحص الطابق العلوي من القصر بصحبة إيمان التي لاحظت جرأتها المعهودة، وهنا أظهرت غيرة تلقائية على زوجها، فأنزلت يد رانيا إلى جانبها قائلة:
يبدو أنك اعتدتِ التحدث مع زوجي وتحسس شعره ووجهه!
قاطعتها شيماء: فيم كنتما تتحدثان أنتِ وماهر أمام القصر وأين اختفيتما كل تلك المدة؟
إيمان: فقط كنا نتجول بالقصر ونتحدث عن التصاميم؛ إنه مصمم عظيم!
شيماء: ماذا تصمم؟!
ماهر: تصاميم خشبية تضاهي كراسي الملوك والأمراء.
شيماء: أتوق لرؤية تلك الأعمال.
ماهر: بكل سرور.
عبَّر خالد عن إعجابه الشديد بذوق زوجته وإن أبدى رفضه لشغفها بشراء كل ما يعجبها.
خالد: تتمتع شيماء بذوق عالٍ جدًا، لكنها اقترضت من البنوك بسبب تلك العادة السيئة.
انفجرت في وجهه غاضبة: لم أطلب مطلقًا أن تتحمل عني ديوني. لا أحتاج إلى أية أموال منك ولذا أرجو ألا يتكرر هذا الحديث؛ فالمال يأتي بمنتهى السهولة.
قاطعها: بل لا بد من دفع الثمن غاليًا.
أجابت إيمان: أتفق معك في الرأي!
قاطعتها رانيا: ليس من الجيد أن نضيق الخناق على أزواجنا.
دفعت إيمان زوجها للخلف بانفعال واضح وأصبحت وجهًا لوجه مع رانيا: تذكري جيداً، أنتِ الآن متزوجة.
سألت رانيا موجهة نظرها وحديثها لعلاء: هل ندمت على عدم الزواج بي ؟
صفعتها إيمان على وجهها بقسوة!
أمسك علاء بها محاولًا تهدئتها، فازداد غضب زوجته التي تركتهم إلى خارج القصر، وحاول ماهر تهدئة إيمان، لكن شيماء طلبت منه البقاء وخرجت خلف إيمان.
وقف خالد ينظر ذاهلاً لعلاء الذي يربت على كتف رانيا.
علاء: رانيا، هل أنتِ بخير؟
شعرت رانيا بشيء ما يسيل على شفتها: الدماء تسيل من أنفي!
علاء: ستكونين في أفضل حال.
جلس خالد وماهر معاً على المنضدة بينما كان علاء يساعد رانيا، أما إيمان فكانت تتجاذب أطراف الحديث مع شيماء أمام القصر.
أخذ علاء رانيا إلى غرفة لتستريح بعد هذه المعركة النسائية فوجه لها اللوم: ما كان يجب أن تتحدثي هكذا؛ من النادر أن تجدي من لا يندم بعد زواجه، وبخاصة أن معظم الزوجات يفقدن الشغف بعد إنجاب الأولاد!
رانيا : إذن أنت حقًا …!
نظر علاء في خجل: لقد ارتكبت أخطاء لا تغتفر، لكن الحقيقة أنني أحب زوجتي.
رانيا: تستحق من تقدر قيمة وجودك في حياتها.
هدأت شيماء من روع إيمان وقرر الجميع قضاء عطلة نهاية الأسبوع في هذا القصر الذي يشبه أفخم الفنادق.
بعدما خلدوا إلى النوم، سمعت شيماء صوت صرخة ثم صوت قدم تسير بالخارج في طرقات القصر، لكنها كانت مرعوبة؛ فقامت من سريرها وعادت إليه أكثر من مرة خشية أن يصيبها مكروه، ثم سارت على أطراف أصابعها، تتسارع دقات قلبها حتى وصلت إلى الباب وفتحته في حذر، وجالت ببصرها يمينًا ويسارًا بحثا عن مصدر الصرخة.
عادت بملابس النوم مسرعة وقفزت في السرير محتضنة زوجها، ورغم نومه شعرت أنه المصدر الوحيد للأمن.
استيقظ الجميع في الصباح، وبمجرد رؤية شيماء لعلاء في المطبخ سألته: هل سمعت أي صوت غريب ليلة أمس؟
أجابها بالنفي وأوضح أنه عندما ينشغل بالتفكير، لا يشعر بأي شيء!
شيماء: أين إيمان ؟
علاء: لا أعلم أين نامت؛ لأنني لم أنم أيضًا من التفكير.
تساءلت شيماء في دهشة: فيم كنت تفكر ؟
علاء: حاولت الاتصال بها طوال ساعتين، ولكن هاتفها مغلق أو غير متاح.
شيماء: ربما ماتت أو تعدى عليها أحد أو صدمتها سيارة بينما كانت عائدة سواء لشقة الزوجية أو لبيت أبيها.
علاء: لقد اشتريت هذا القصر لها، لا أحد يعلم الثمن الذي أدفعه مقابل ما هي فيه الآن.
شيماء: لماذا أحضرت خطيبتك السابقة إلى هنا وفي تلك الليلة بالتحديد؟!
علاء: فعلت من أجلها كل شيء.
شيماء: أحضرت خطيبتك السابقة في مثل هذا اليوم ورأتك بعينيها تقبلها في إحدى الغرف ليلة أمس.
علاء: كانت الدماء تسيل من أنفها وتعاطفت معها، لقد أعطيت إيمان كل شيء.
شيماء: أحبت الشقة الصغيرة في بيت عائلتك، ولم تتوقع أن تحضر حبيبتك السابقة لتقول أمامها إنك نادم على الزواج بها، الرجال ليسوا أكثر من مجرد مجموعة من الحمقى الأنانيين!
تركت شيماء علاء بعدما رأته شاردًا ودخلت القصر غاضبة منفعلة فاصطدمت بماهر .
ماهر: مهلًا، هل أنت بخير ؟
شيماء : لا، لست بخير؛ علينا أن نجد إيمان .
سارت شيماء وماهر في الحديقة بحثًا عنها إلى أن سمعوا صوتًا غريبًا من إحدى الغرف الملحقة بالقصر ووجدا علاء يحاول فتحها مستخدمًا حديده كبيرة.
شيماء: هل من الممكن أن تخبرني أين إيمان ؟
علاء: اتركيني أفتح هذه الغرفة، لا أعلم مكانها.
شيماء: حقًا؟ أعتقد أنك تعلم جيدًا! ماذا فعلت بها؟ لا تظن أنك ستنجو بفعلتك!
حاول علاء مراراً حتى تمكن في النهاية من فتح الباب، فوجئ الجميع بإيمان تبكي في انهيار داخل تلك الغرفة، فاحتضنها علاء.
علاء: إيمان، هل أنت بخير؟
أجابت بصعوبة شديدة: نعم، وأشارت بأصابعها: أنظر هناك!
حاول الجميع النظر لكن الحجرة كانت مظلمة؛ فقام علاء بإضاءة الكشاف في هاتفه المحمول، ورأى عظام رجل ميت ومتحلل يمسك بصندوق خشبي.
إيمان: ربما دخل الغرفة ولم يتمكن من الخروج، فمات.
علاء: من المحتمل أن يكون هذا الكلام صحيح.
شيماء: أحضر الصندوق.
أحضر علاء الصندوق واصطحب زوجته للخارج .
جلس الجميع بعدما هدأت إيمان فقالت: خرجت لكي أتمشى وأحظى ببعض الهواء المنعش، فدفعني الفضول لمحاولة دخول الحجرة، لكن الهواء أغلق الباب خلفي.
شيماء: هل هذا عندما سمعت صرختك؟!
إيمان: صرخت ولكني فقدت صوتي فجأة!
علاء: لا يهم الآن سوى أنك بخير، سأعيد هذا القصر لصاحبه وأحصل على إيصالات الأمانة فقط لأجلك أنتِ وكفى ما حدث ليلة أمس واليوم.
إيمان: لا، لا تفعل.
علاء: ماذا تقصدين ؟ لقد كنت رافضة لهذا المكان.
إيمان: أنا فقط أخشى ألا نتمكن من سداد قيمته. ماذا ستفعل إن لم تستمر مع شريف الفولي لأي سبب؟
علاء: أتمنى أن نكون معاً حتى آخر العمر.
إيمان: من الممكن أيضًا أن نكون أفضل حالًا خاصًة بعد عثورنا على الصندوق!
فتح علاء الصندوق وفوجئ الجميع بأنه مليء بالقطع الأثرية الذهبية، فنظر إلى زوجته في دهشة.
إيمان: لم أكن أعرف بكل تأكيد، لكنني ظننت أنه إما ذهب، أو فضة أو ماس أو أي شيء غالي الثمن.
علاء: أتدرين فيم أفكر ؟
إيمان: ماذا ؟
علاء: أفكر في إعادته وتسليمه للشرطة.
إيمان: كما ترى.
جلس علاء وإيمان بمفردهما،
إيمان : ماذا بك؟ لماذا أراك تعيسًا هكذا؟
علاء: أتمنى أن تسامحيني وأقسم أني أحبك جدًا.
إيمان: أسامحك رغم أن تقبيلك لرانيا أمس كان مؤلمًا بحق.
علاء واضعًا يده فوق رأسه: لقد تورطت في تهريب الشباب المصري إلى إسرائيل ولا أعلم إن كانت هناك جرائم أخرى أم لا؛ فقد وقعت مؤخرًا على كثير من المستندات والاتفاقيات والمناقصات والمزايدات لكنني حاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
أجهشت إيمان بالبكاء قائلة: هل حقًا ما تقول؟ كيف حدث ذلك؟
استدار علاء ليهرب من عيني إيمان: عملت مع الفولي وتورطت معه في تسفير الشباب المصري بطرق غير مشروعة لأوروبا في بادئ الأمر، ولم أفطن إلا وأنا متورط في تسفيرهم لإسرائيل. منحني الكثير من الأموال وقربني منه، فسافرت للخارج أكثر من مرة.
تلعثم في أثناء اعترافه وكأن الدم قد تجمد في عروقه ثم استكمل : في إحدى المهام الخارجية، تقربت مني صاحبة شركة سياحة إسبانية تقيم في قبرص تدعي روز جونزاليس، ولم تكن إلا وسيط مع رجال أعمال أوروبيين يسهلون تهريب الشباب المصري إلى إسرائيل، وظلت توسوس لي إلى أن تزوجتها.
انهارت إيمان وأجهشت بالبكاء والصراخ بعد معرفة حقيقة خيانته .
أكمل اعترافه: بعد العثور على أوراق ومستندات ومخططات في غاية الأهمية والخطورة ليلة أمس، تواصلت مع أحد الضباط الذين تربطني بهم زمالة دراسة؛ لذا أطلب منك أن تسامحيني، وأتمنى أن يغفر لي أبي.
صدم علاء عندما علم من ضابط المخابرات الذي كان يتولى ملف شريف الفولي إن روز جونزاليس زوجه الأسبانية تعمل مع الموساد بترتيب شريف الفولي نفسه، وأنها استغلته لمساعدتها في تهريب الشباب للعمل ضد مصر، أو لمبادلتهم مع عملائهم من الجواسيس.
على مقربة من الفيلا الفاخرة التي اتخذها شريف الفولي مقرًا لإقامته، وقفت سيارة فارهة بها رجلين، الأول قوي البنية في منتصف الأربعينيات، أما الثاني فكان أبيض البشرة يرتدي نظارة شمسية.
جلس الرجل الأول الذي بدا من سيارته الفارهة وملابسه الأنيقة وابتسامته الرقيقة كأنه يتحدث مع حبيبته هاتفياً.
الضابط: هل زوجك موجود الآن في الفيلا؟
نظرت للرسالة وبقلب ثقيل كتبت: نعم، يستعد للتوجه إلى المطار كما أوضحت لكم في رسالتي المشفرة مساء أمس.
الضابط: ستذكر مصر دوماً ما تقومين به.
الزوجة: بدأ الشك يساور نفسي في أثناء تصوير أحد البرامج في قبرص، شعرت بأشياء مريبة بين زوجي وأصدقائه الأوروبيين؛ فتواصلت معكم فور عودتي.
تم القبض على شريف الفولي الذي أنكر في البداية، لكن بمواجهته بكل الأدلة بالصوت والصورة، تنكد خاطره وانهار في تعاسةٍ: "سأعترف وأقول كل شيء".
ضابط أمن الدولة العليا:"ما قيمة الندم والحسرة؟ ستنال الحكم العادل ليرتدع غيرك".
فور سماع الفولي الحكم عليه بالإعدام، انهار في قاعة المحكمة وأصيب والده بأزمة قلبية حادة.
أما علاء الحفني، فبعد مساعدته للأجهزة الأمنية، حكم عليه بالسجن المخفف لسبع سنوات، ثم خرج بعد نصف مدة العقوبة عقب العفو الرئاسي عنه.