د. محمد الهادي الطاهري - أبو رأس

بوراس رجل لا يعرف له الناس اسما غير هذه الكنية. هل كان وحده ذا رأس وبقية الناس بلا رؤوس حتّى يختصّ بهذه الكنية دونهم؟ طبعا هذا مستحيل، ولكنّ شكل رأسه الغريب هو الذي منحه هذا الامتياز. لقد كان رأسه أقرب ما يكون إلى مطرقة ضخمة، ولو نظرت فيه مليّا لوجدته مركبا من أربع قطع متلاصقة، قطعة مربّعة هي الأكبر تمثّل القفا وجزءا من الجمجمة، وقطعة مستطيلة هي الوجه بجلّ ما فيه، ومثلّث صغير يقترن بها هو الأنف، ودائرة صغيرة محفورة في وسط المستطيل هي الفم. أمّا عيناه فلا يكاد الناظر إليه يدرك منهما شيئا فقد كانتا غائرتين في خط التماسّ بين المربّع والمستطيل. وقد جنى عليه هذا الرأس جنايات كثيرة، منها أنّ أمّه أنكرت أن تكون قد ولدته، وأن اباه تخلّص منه في اليوم الذي ولد فيه، فنشأ بوراس لا يعرف له أمّا ولا أبا. ومنها أنّه لم يتسنّ له بهذا الرأس أن يندمج في أيّ وسط يحلّ به. وانتهى به الأمر إلى العمل في ماخور المدينة العتيقة فكان يشرف على تنظيف الغرف وترتيبها في الصباح ويتولى في بقيّة النهار مراقبة المدخل الضيّق المؤدّي إلى الماخور. وكان له بفضل هذا العمل راتب شهري قارّ يتقاضاه من وزارة الداخليّة لا يكفي نفاقاته اليومية لولا بعض الدنانير التي يجود بها زوار الماخور عند الدخول أو عند الخروج. والأهم من الراتب والصدقات أنّ بوراس صارت عنده بطاقة مهنية تحمل صورته وعليها ختم وزارة الداخليّة. وبفضل هذه البطاقة اكتسح بوراس مدينته وصارت له فيها منزلة معتبرة.فبهذه البطاقة اقتحم مكتب رئيس البلدية وأجبره على إدراجه في قائمة العمّال المختصّين المترسّمين، وبفضلها دخل على الوالي مرات عديدة حتّى أنّه كلّفه بمراقبة زوار الماخور وإعداد قائمة إسمية فيهم. وسرعان ما نمت نشاطات بوراس الاستخبارية فكلّف بمتابعة جميع النشطاء في المدينة وجمع ما يفيد من معلومات عنهم. وكان في كل مرّة يقدّم فيها تقاريره إلى الولاية يلقى من عبارات الشكر والثناء عليه ما أوهمه بأنّه صار ضابطا في أعتى أجهزة الاستخبارات. فتجرّأ ليلة على دورية من دوريّات الشرطة كانت تراقب إحدى مداخل المدينة وأقنع أفرادها بأخذ قسط من الراحة فاسترخوا جميعا وغرقوا في النوم فانتزع قبّعاتهم ومضى بها إلى مقرّ الولاية وطالب بمقابلة الوالي لأمر خطير فلمّا خرج إليه الوالي صاح في وجهه: أبمثل هؤلاء الشرطة يُحفظ الأمن يا سيادة الوالي؟ دولتنا تضيع بين أيدينا وأنت نائم وحرسك نائمون. ماذا تنتظر؟ ومن الغد استفاقت المدينة على وال جديد ورجال شرطة جدد. أمّا بوراس فقد عاد إلى الماخور ولكنه لم يجد ماخورا يعمل فيه. لقد غادره كلّ من كان فيه من المومسات وصارت المدينة كلّها ماخورا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى