شاكر مجيد سيفو - نص في المكان في ذكرى المحذوف مني.. من كالخو الى كوماني

من هنا بدأ العالم ماراثونه المقدس من ضلع سابع لـ(كلخو) ولدت البرية، ومن ضلع ثالث لشقيقها لاماسو ولدت السماء والكائنات والوهيات نبتت لها اجنحة بعدد حدقات اطفال الكون والبشرية، كلخو تارة إله يرقد فوق خضرة إله يجمع آلهة من ذهب وفضة. كل مساء ويدعهم ينتشرون على مساحة اكبر من مسافة طيران اجنحة لا مرئية في ليلة خرافية أفقت من حلم ثخين كان قد أودعه آب الطباخ فوق وسادتي، أفقت فرأيت سبعاً وسبعين ندبة زرقاء وسوداء نبتت فوق جبيني، مثلما نبتت ثلاث وثلاثون ندبة او شامة بنفسجية فوق خدي عشتار، كان آب يضج بمرجل الآباء مثلما يضج مرجل ذاك الجد العنيد بعرق المسيّح والعرق المحلي المغشوش، كم مرة ثملت من هذه الأعراق ايها الكالخوي النافر المجنون؟من كلخو تمتد طرق العالم الى العالمين، طرقات في الليف الزجاجية وفي الروح، طرق تقفه احزان الجغرافيا، جغرافيات سعيدة تنهض من نتوءات مرمرية، لحراس يسيلون خضرة وبسالات، جغرافيات سعيدة، كنت أقص عليها حكايات امي شمورامات فأيقنت بأن دجلة هو الشريان الأبهر لآشور بانيبال، وان نينوى رئته اليمنى وكلخو رئته اليسرى، وان جمجمته تحتضن مخ الرب الأول، وايقنت بأن الفرات هو الشريان الأبهر لنبوخذ نصر وان بابل قلبه، ولا زال يشخر عند بوابة الحكمة والكلام. وقرأت في امعاء الجغرافيا البعيدة وعلمت بان المسسيبي هو المصران الأعور لاوربا وان انكلترا امرأة عاقر، وان باريس عاشقة ترسل عطرها لي في الظلام عبر الانترنيت.. خلخال عشتار سلسلة تاريخية للذهب وعمره الذي ليس له رقم، خلاخيل، خلاخيل من عنق كلخو حتى العمود الفقري لنوهدرا، وحتى اصابع كوماني ، خلاخيل ليست لها ارقام، عطرها تشفره الطرق، طرق تؤدي الى طرق تتلوى م ن اجل جغرافيا سعيدة واحزان هذه الاشجار المعلقة والمصلوبة على هامات الجبال منذ فجر الخليقة، لا تزال تشخر هذه الجبال حين يمر موكب عشتار بعطرها وخلاخيلها المرقّطة.. نتوءات ليست لها بدايات ولا نهايات، الا انها تمتد بنا الى ما لا نهاية، تطلع من قرحة في العين، وتتشمّع في الكبد، وتعدو بنا الشاحنات، مثلما تعدو بالنفط الأبيض لتقايض به لحوم البشر، ديباجات تتمم كهولتي وتعدو بي، مهرجان اليف كي لا اكل من جسدي اربي مطعماً في السماء، لا أعتقد بأني جائع، انا انسى الجوع حينما أرى نينوس صديقي يهش بعصاه فحولة الغيم والساعات تعدو امامه لا لخطل في عنق الزمن لكنه يرى الاوقات كلها قاسية ولذيذة، ارواح تعدو الى مسرّاتها الارض تزجها كأنها تقف في راحة عفريت نافر خرج للتو من مقام سيد يلتهم حشداً من السيوف ويرسل ثغاءاً امام حشود أفاع خارجة من بطنه، لكنه لا يمل منه الخارج المصاب بالفصام الذي رقد امام تكية (بختيشوع) الكبير ليطرد عنه هوس نومه الطويل في ارجوحة مجنونة هاربة من مصحات الف ليلة ونهار تكدست فيها المنايا مع حشد من الورد الذابل، اكره الحلم واحب الفوضى، تسري بنا سيارة التاكسي الى شارع فرعي لنصل الى بناية تحط في وادي عميق، تحتفظ بلافتة معلنة مهرجاناً سنوياً او ذكرى لمهرجانٍ روحي وكهربائي وترابي لمجموعة من الناس يحتفلون بالنرجس كلما شاء النرجس ان يعلن عن ميلاده اليومي والسنوي ويقرّب من انفه الجبال كلها بما فيها (سفين وكارا وصديقي حصاروست)، ذلك الذي تركت بين اخاديد قمته ذات ليلة ظلماء بعضاً من نطفٍ كان يخبئها تفاحي وبالوني، كانت تنام على احلامه ورقاده الخفافيش تلك التي لا تستطيع النوم في الظلام، تذكرت صحارى افريقيا تلك التي تسطع فيها الأفاعي من دون نقاط تفتيش، لي عقاري الوحيد هو ان ألقم حلق المغيب بجنية من شجرة الانساب والتخييل، بدتُ اكثر غروراً وكبرياءً لم يفهم الآخرون حياتي، كانت كلها عذاب، حرصت عليه لأكون اكثر من ساعة في معصمي مطيعاً لآلامي التي كنت اطبخها كلما داهمتني جنية من شجرة الأنساب، لهذا أحببت كيركجارد وجون اوزوبورون، تمنيت ان اشعر بالمرض الى الابد... مرض الحنظل الذي سقط من فمي وانهمر على المارة حينما دخلنا(كلي زاويتا) ، الا ان (ك) اطاح بالمرارة حينما لمحته يقترب منّا حاملاً قنينة ويسكي سكوج، كان ذلك ترجماناً للصمت الذي ساد المكان وسطوح قمم تحلم باقدامنا المرمرية التي حملنا معها ذرات تراب كلخو حناناً الى اله رقد هناك حتى هذه الساعة، لكن جسده لا زال كاملاً بالتمام والكمال... كانت الجنادب تهزج في الليل، وعبر قناة (62) كنا نتصور شهوات بعيدة ترسلها حشود من البشر يلمِّعون اجسادهم بفضة الكلام وارقام تقرأنا في الحلم صباحاً ومساءاً. كنّا نقشّر آهاتنا وآلامنا في تسريب اهتزازات آنية عبر طقّة حبة البياض بين اسناننا لنلوك قشرة مُرة تظل ترسل مرارتها لساعات تحت لساننا، وفي الحديقة الواسعة الوارفة كنا نقعد لدقائق ليأتي الأصدقاء ضاحكين يذعنون الكهرباء ناقم في اجسادنا، اولاً في حلوقنا وافواهنا وثانياً في كروشنا التي دللناها منذ سنوات انا وصديقي (ن)... بهجات تشابه، نادل ظريف ولطيف ووسيم يعدو في صالة المطعم، يأتيك بكل ما تشتهي، كنت اتفحص ملياً قسمات جبينه، ساعات تجري فيه وتتبارى لتأكل من نضارته، لم يقعد لحظة واحدة، الليل صديقه، الليل جنون و؟ وشياطين وكلام، ضرب من البنيويات واللسانيات الحادة، تنسى احوالها بيننا ونحن نظل نلوكها مثلما تلوك العجائز علوك الماء لتدّر رضابا بحجم دجلة ومياهه المقدسة... أيقنت أن مياه دجلة هي فيوض دمع الإله آشور بانيبال حينما غابت نينوى عن العالم وأصيبت بالحول نتيجة أنهمار غيوم تحمل في طياتها أفاعٍ سامة، أو اقراط لبنات لوط توسخت ليلة ضاجع لوط أحدى بناته، الأثام حصيلة غرق حشود الجنادب في دجلة تحت أشعة شمس غامضة تواطأ معها الأفق وجنياته. المنظر هكذا لم يستطع (س) أختراق أشعة الشمس ظل طريح شجرة تين باسقة بينما كان (خ) يقف في باب المبنى يحرس لافتة الحياة من ذراع موت قادم من أقصى الأرض، وظل (أ) يحدق في مياه النهر حتى رأى رأسه غيمة تنث مطراً. كانت أحلامه تنزع نحو نفائس يحيا الأنسان بها، يقف بين الكينونة والعدم، لحظة حلم تحيا بدون حلم، تحيا الأيام وتظل أجمل الأيام أيام نوهدرا تنتظر ذلك الصعلوك الكبير المهذب الأكثر حناناً من قلبه لذي ظل معلقاً في دولاب نكتة هاربة من مصحات رهبان لا يجيدون قراءة الكف ليلة دخول الوعل مع حبيبته القفص الذهبي... ان ننام هناك في أوتيل (ل) يعني أن نتذكر حبيبتنا الشمس كي يسرقنا الظلام انه سحرياً يأجوج ومأجوج تحف به مظلات وضلالات. وتشبهات، ان نطلق صرخة من قناة أرواحنا معنى ان تتغير برامج التلفاز، وتطيح بها أصابع العم (س2)، انه انسان الساعة يشير بقلبه وذاكرته وأصابعه وعينه إلى ماضٍ ممتلئ باللبن والقهوة و؟ والفلفل الأسود والبهارات، إلى (اسنخ) الجسد اللدن اللذيذ في صدر جبل حالم بالكائنات والخضرة وصرخة قمر يقاوم الحديد، هجر أمه ليلة القبض على المدن المقدسة، وهجرة العكازة من أصابع المطران، لم تفلت فقاعة قوس قزح حتى دنت ساعة خلاص هذا المطران. لكن الشيخ الكبير (س2)، مازال يلقم قلمه الرابض بين أصابعه عسل العمر لتنهمر حياة باسلة من فوهة القلم وينتزع الطمأنينة لإيامه وسنيه السبعين، الهواء هو ملكوت رحلتنا عليها السلام، والأغاني التراثية تشق حيطان سيارة الكوستر، صرخات منتظمة لأجل آذان تصغي لرنين امة بأكملها تفوه في جرح عميق. ارتفاعه بسبعة آلاف كم هائم في ملكوت الأزل والإخلاص وعذاب تفاح يطل من صدر عذراء تحلم باصابع ناشفة، لماذا سلكت هذا الطريق أيها الكالخوي العنيد؟ الطرق كلها جغرافيات حزينة وسعيدة في آن واحد تحن إلى ساعة الخلاص، لن تفلح البربرية ان تقلع شجرة التفاح الوحيدة في غابة من المدينة الجميلة (سرسنك)، المدينة المفخخة بعوينات ربانية، إليها كان أخي (آنو)بقلبه و(نشرا) يشق عباب الهواء ويفصله على قامة سيارته بإطارتها الأربع التي راحت تنهب الطريق نهباً ذكياً، اخصه بالسرور العالي الذي تحرر من رتابة حروفه وببطن الحوت الذي كان قد غادر البحر، اخصه بعضوية في شركة المياه المقدسة والتناول الأول للحياة على تاج حبة حنطة تنغرس في مملكة الجوع وتجوب صحارى العالم بحثاً عن ملاذ في راحتك... هل لازالت أحلامي غامضة أيها الكلام يا زينة اللسان والحناجر الذهبية، يا أعوام الله ويا أيام نوهدرا الباسلة؟ قلادتك في عنقي تزهر كهرمانات وكهرباءات وأذعن لك أيتها القلادة يا أهزوجة الأعناق وكلام الصدور ولمعانات الصباحات الطازجة، زيت الأيام ورولات حياكة الأيام ورائحة النجمات السبع التي تكلل الأحلام بالذهب، زيت شباب الأرض الحالمة بابنائها وآبائها وآجدادها، زيت النرجس ونرجس شباب الأعصاب والأعماق، بين البصيص والأعماق صداقة، صلة صداقة تقاوم، لآن الزيت حر في صداقته مع أهله وأشقائه ومروجه ومزارعه وأقماره ونوره وحسراته وحداده على البرغل الخشن المفقود من أواني الامهات، لا لذكرى عيد الجوع، ولكن لراية تحلق في سماء القمح والآله النفس وحياكات صدى تشفر أفراح العجائز صباح تختلط أصوات الديكة... الرؤيا من الأعلى شريط سوريالي بهذيانات متدفقة من جمجمة غيمة تهذي. يا هدهد سليمان ابن داؤد، لازال طريقي مسدود، إلى أين يا عاصفة فنجان القهوة والسد مسدود؟ إلى أين يا غراب نوح، أبي خرج من تابوته وعلقه على ظهره وطار إلى السماء. اشجار وظلال انفلتت من اليابسة على ضفة النفس فالتهمتها الغيرة، ورجعت شقاوة الآله من المياه المقدسة، من زلال في جسد غائب عن قوس قزحه ورفت الحمامة فوق جثة الأزل، وثقب قوس قزح لي عمود النهايات إلى اللانهايات وسالت السماء عسلاً اسود، تذكرت حينها ألا عسل في جرار الآله، وان تبغ اربائيلو يطيّب ضربة الشمس، وحفنة من زبيب كارا تشطب سرطان الأمعاء، الأرض كلها في كفي، برتقالة صديقة، تقدم موكب أمراء الكلام من تلك المدينة الراسخة في ضرس جبل، العمادية ملكوت خاص بأناس مرت عليهم أحداث ووقائع لذيذة منذ الأزل. كأن تكون منها تساقط شعر الأشجار فوق هامات النسوة، لكي يحلبن منها حناءاً لبعض شعرات الرأس، ظل الإنسان هنا منذ ان عرف ما معنى هذه الكلمات: (بياني باش، وخواحافيز، وقدمتخ برختا وبوش بشينا..)، وما هي إلا دقائق ونحن في (دير لوك) كنت تعذبت فيها أيام الجندية من لسعة نحلة لم أر مثلها في حياتي قط.. تذكرت ذلك المشهد المروع يوم تورّم انفي حتى وصل الورم إلى مقدمة جبيني، أصبحت أرى انفي مثل أنبوبة أختبار، لا يخضع لقوانين حاسة الشم، يومها عرفت بأن لسعة النحلة تقدم معلومات علمية لكل واحد منا اشياء رغم مرارة الحدث، كنت تلقيت نبأ ظهور اسم جديد في الكون يعود تاريخه إلى تقويمي الشمسي الخاص، كان من شجرة الأنساب الشخصية المشعة في قارة آسيا، من أخبار الغيم، أنه لا زال يهذي حتى جعل الغيث يتكلم بغزارة غير معهودة، وصلت إليه أخبار الورد والعطر؟، الورد باق يسرد قصص الربيع على منحنيات الطرق، طرق روحية مقدسة، بأجنحة حجرية تنوه في رنين الحضارة اسماءها، طرق سعيدة لإسماء سعيدة ومياه أكثر سعادة وغابات مسرورة مثل سرور طفلة في صباح تناولها الأول ببرشانتها العزيزة على أصابع الشماس والقس والساعور، طرق سعيدة وأسعد منها جغرافيات تطل من قرون جبال وأضراسها التي لم تعرف التسوس لآلآف السنين، مازال اخي آنو يبوّق في جروح الكلام النقي ويقبض على مقود السيارة بلذة كأنما يقبض على عنق المريخ في لحظة من لحظات حلمه الشاعري، الأصدقاء في الخمر وفي الصيف وفي القمصان، المر في الدنان، وفي الراحات، والكؤوس، انا في الجرار أتذكر خمرة جدي، وجرار كلخو وهي تكتب لي رسالة تشكو من زيادة نتوءات، جسدها كلخو حبيبتي، متى ما أشاء أضع يدي على جبينها لأتفحص درجة حرارتها ومتى ما اشاء أرسل أصابع إلى سُرتها لأتأكد من ثبوتها في موضعها حرصاً عليها من ألا تتقيأ جرارها أصداف قلبي لها، الأفق يحرسها من الظلام، ريشات رجالها تحرسها من الريح والغبار، لماذا عدت الى كلخو أيها الصديق في قلبي نشرا يرفع راية للياسمين، تشاكس خضرة اليدين، المسافة بيني وبين أخي آنوـ بحجم قلب والقلب بحجم حبة كمثرى، ينساب بينهما نهر عائلي يمد قصائدنا إلى السماء، ليعطي للغيم طاقة الهذيان، وآخر ضحكة تطلقها في الريح، لتنهض شمسه من دمي أو من شهقة وردة نبتت فوق خد حبيبته، هناك حيث تلتصق الأصابع بالأصابع ويشتعل الصدى والهواء وتحترق الكف من رائحة المسك ويطل التين من علية في جبل يغفو فوق راحة هذه البشرية، إلى متى يظل الغيم يهذي، هل بإمكانه ان يشيل الأرض إليه، أم بقوة الغيث الذي يتكلم، لا تزال المسافة معبأة بالرنين ومفخخة بالثمر والورد وأصوات الوعول وزقزقات العصافير
وهديل الحمام، لتطرد نعيب تاريخ بومات لا تزال تحفر أصواتها في ذاكرتي منذ لحظة الخلق الأولى، هل ابوح أكثر، أيمكن أن يصير البوم لغة جميلة تكفي لزراعة أصوات غنائية عذبة في أحضان هذه الوديان التي لا تعرف المرء من أين تبتدئ وإلى أين تنتهي..؟ كلما تذكرت هذه الوديان والغناء الذي يطل من أبواقها تذكرت البلاد، وكلام التراب الأول وحماماته التي أغوت السلام بوردة تصغر في حلم النهار يجمعها ملاك يختصر المسافات بفراساته الوردية، والأصدقاء لا زالوا في الزنبق والخمر، ليس هنا على صفحة هذا النهر موقد الضوء غارق بنا يرسل أحزانه من حرارة آب، نحن مجموعات ظلية كأشجار التي تعيش حياتها لوحدها في زوايا البيوت، صديقي الوقور(ع) أضاعني في ورقة شعرية، لكننا كلانا نملك باباً لمفردات نخبئ فيه أحلامنا، ونسكن أثوابنا، نحن حراس الكلمات الطيبة نطهو حدقاتنا لأجل لمعانها ونوغل في السهو عن إلفتنا نوغل في غياب أليف يجمعنا على ورقة الذكرى، نحن حراس حجر السماء، حين تقطر دمعها على هامات الخلق وتمد الأرض شرايينها إلى فجر وابواب تتصل بذكرى السماء في عيد ميلاد القمر، دموع تركت فوق الخدود تواريخها وظلالها ونبض حدقاتها وهي تدلق الوقت في رؤيا كوكب مثقب بإبر الظلام ينتظر رائحة سيدة مخلصة لثديها وأصابعها وعطورها وبواقيتها سماء غسلتها فراشات شعراء، امراء الكلام العاري وأنبياء لغة الحب والخلاص والسلام، هل اصدق ما أقول؟ برج يلمع في ضياع تراب وريح، ينساب منه هديل ملائكي يحتمي به الملوك من عويل ينبت في تاريخ فلكية البرج، هل اصدق هاتين اليدين وهما ترسلان صوتاً وتهمسان للوردة عن أذني جبل غير مبال بالثلج الراقد فوق صلعته منذ شهور؟ هل يرضى الثلج ان يتحول إلى صقيع والياسمين إلى مسك مأجور لراحة ملكة شامخة؟ لم أستطع أن أرد الحب الذي رشقني به صديقي (ن) عندما سالت نكاته على أذني مثل هدير مطر كانون فوق جبال راوندوز وكردمند… رفعنا كؤوسنا في صحة كلمات سالت من أفواهنا عسلاً، كانت ظهيرة تحتضن سحر هؤلاء وتواريخهم وصداقتهم وميلاد سماواتهم وأشعارهم ظهيرة تدغدغ جلد الأرض وهي تميل إلى ثقب الأوزون ويسيل التراب مثلما تميل دهشة الوثنية، من دوران الفلك ببراعة الله… هل أغني للصهيل، صهيل هذه الكؤوس وأطرد الوحشة التي بدت أطول من ضفائر المجدلية؟، وما معنى أن امص مخ العصفور ومعنى العطر حيثما يهذي الورد؟، كل شيء هنا خالد إلى الأبد حتى كهرباء أديسون وصدى المولدات وضجيجها، كأنها تشير لا بل تهتف إلى يوم الشعانين أو يوم كربلائي حطم أسطورة الصقيع.. كنت أحبل جبين الهواء القارس من وحشة داهمتني، حين انسل الأصدقاء إلى كبريائهم الروحي والغوا عطلة الحزن في أول الأسبوع وغسلوا اقداحهم بقميص غربتي ودهشتي معاً، ربما راحوا يزورون نجمة وديكاً وثلاث دجاجات تحت معطف كهف ضال من عوامل التعرية التاريخية والوثنية السحرية، لم أعد أقدر على مقاومة غربتي طرقت كعب حذائي على الأرض كأني أرقص مثل بلبل يريد الهرب من القفص وفي فمه حبة حنطة لغرس موهوم للبلابل في تذكار الطيران وعلو أجنحة كواكب تمشي إلى كرسي في (الكبرا)، وأنا أنشد للزنجبيل الهندي وأسفاره الغائبة التي لا تزال تؤرخ أحزاني في لوح من ألواح كلخو، مصباحي في الزاد وزادي في الزيت، ودمعي في فرن الطباخ، ظلام ثقيل ثقيل يخيم على مدينة كلها جبال، جبال تعانق الجبال واسلاك تعلن عن برامج جبال ليست لها بداية ولا نهاية، أطل على الأرض أنقي مزاميري من أخطاء في الجغرافية والورق، تاريخ النبوءات، أخطف سيرة حائط وكهف وأفخخه بالشذى من حنين الأصدقاء وحكايات جدي مؤسِّسَةُ شجرة عائلة الأنساب السحرية، أسترد منها طفولتي التي ذرقت تاريخها ذات مساء فوق تلة كلخو وتماثيل أشقائها الذين رقدوا بخضرة الرب وتراتيل نجمة هاربة من متحف كلكامش، اسرقيني أيتها العشبة من أصابع كلكامش كي أصل إلى أصدقائي وأصنع مائدة من سراب وشراب ورغيف للجمال والحق، حين يهجر الأنبياء نراجسهم اركض في المدى لألتقط نرجسة حبيبتي وأحمل نهراً من الأخطاء إلى دار الجمال ودار العدالة حتى أحطم ماضٍ عصف بالآباء في لحظة البرق/ هكذا أوحت لي الأرض، أمي التي أسميها دائماً ـ بلادي لن أعود إلى أمرأة سرقت أسرارها ولعنت وردتي وذكراها سأعود إلى فجر بحجم طيور الكون أنبثق من حدقاتها وسال نشيدي على خديه وشفتيه، وجعلت الياسمين مثل باب يهوي على قدميه، أنا لي نهر من الضفائر، منها ضفائر كلخو التي كنت أشد بها أجنحة لماسو كي لا يطير بعيداً مني وأفخخ الأمكنة المقدسة بالذكريات وشذاها وأذر رسائلها على نتوءاتها، عليّ أن أصدق سبعة عصافير في آب رقدوا لصفاء أبدي وزرقة انحنت لجباههم يطل منها باب أرى عبره برزخاً فوقه برزخين، عليّ أن أصدق كل هذا الجمال وأسرِّح له شعره الملكي، عائداً إلى مائدة الأصدقاء، منفى محبة الأرض وذكراها ورؤى العالمين لن أغلق بابي عليّ، ساطلق طير الحنين إلى ما لانهاية، لأرى أصدقائي يطلون من كتف جبل يقبّلهم ويودع حبات كمثرى إلى جانب قلوبهم، شموس لا تزال تهمي الورد على كل الجهات، عطر يحوّطني وأنشد الكلام.. شممت عطراً من بعيد، فأتاني الجواب من قافلة خرجت من عين لقرية هائلة في القداسة، تسمى أرادن ـ ليست هذه القرية لوحدها تحكي قصص البطولة والمجد لبشر زرعتها أصابع الله منذ بدء الخليقة، قرى تتناثر لتكوي تجاعيدها وتجاعيد أناسها بعدما سرقت طفولاتهم، وحين مررنا بها، كانت أرادن تنام على موسيقى تعزفها أصابع الله والمنشدون الملائكة، أطفالها الذين إنبثقوا من مهودهم، التي عزّموا عليها الآباء، مثلما يعلن التعزيم سدنة جائعين إلى خِرَقٍ لسماء مطوية في لفافة تبغ لشيخ نسي اسمه لوصوله إلى مائة عام من الحياة والعزلة، رأينا مهداً معلقاً تحطمت قوائمه، كانت رصاصة طائشة من الجهات الاربع قد حطت على أحد أكتافه فافسدت تعويذة وثمان خرزات زرقاء وخيط بنفسجي كان يلم جسد طفل يتوق السفر مبكراً إلى الرب، هكذا هي القرى سلسلة من بيوت صغيرة تتعانق في فضاء الغيرة والألبان وقطعان الماشية وعكازات الجدات اللائي أصبحن أقرب إلى سلحفاوات ماطرة محبتها لأحفادها في كل وقت . أعود إلى طفولتي التي تذكرني بتلك الدشداشة البسيطة والتي تذكرني بمنخل أمي وتجاعيد كفيها والدعم الأزرق فيها، ها آنذا الآن في اليوم الثامن من آب أجلس إلى منضدتي المتواضعة أكتب ما يروق لي، أتذكر يوم كنا نقطع شارع السعدون، كانت امرأة تجلس في شقتها وقد علت زغاريد النسوة، كنت أنا وصديقي(ب) نقطع الشارع والمرأة ترشقنا بطاستين من الماء البارد إحتفاءً بشيء غامض أو استذكاراً لعيد الصعود (السولاقا) أو لأمر وطني كانت تضج به البلاد ويرسل سروره إلى العالمين، أما قبله بيوم واحد فقط كانت ورود البنفسج تلتصق بقلب آنو وتصعد مع نشرا إلى السماء وتؤرخ لها تذكاراً في أسطورة الحزن والجنازات وتقدح في موكب العزاء مرسلة أناشيد وتراتيل لتلهج بها الأجيال حتى قيام الساعة... تذكرت حزن الأطفال في القائمة الثانية، هؤلاء الذين أحبهم أكثر من روحي، من أمثال (بهرا ونُهرا ولاتا ولماسو) الذي تدلعه أمه ب(لمو)، لأن أحزان هؤلاء لترسل أمواهاً لشجرة اللبلاب، لهذا سأكتب مع نارنجتي ولن أكتب بعد... وبعد يعلم الله والأرض أني أحبها وإنني غرست أصابعي في راحة كلخو وصبغت راحتي... بحنائها، توغلت كثيراً في نهر كان الأصدقاء يطوفون فيه بشوق وحسرة، حسرات سنوات غصت بها حناجر أمهات لم يصل إليها النداء السماوي وانقطعت الأصوات عن ذاكرة الأيام وظل الصدى معلقاً في ذرات الهواء على ذمة التحقيق مع الصوت متواطئاً مع ياسميناتي سيدات الحياة في كلخو وحتى كوماني امتدادات لأخيلة ميتاسحرية لبشر عجنوا مخلوقات التاريخ بمياه حياتهم، كلما مر نيسان في استهلالة تصعد الآلهة إلى تماثيلها تزينها وتنزل تنفخ في ابواقها لتعلن عن مسيرة ماراثون الحياة حنيناً إلى عشتار الأولى التي سطع جبينها في كتاب القراءة الخلدونية الآشورية ونزيف جراح أمتد لأكثر من ستة الآف عام، أكاد أطير بين هذه المسافة واسحب معي كل فراشات أولئك الأطفال الذين يكتبون على ساعدي (اولف بيث، كَومل، دولث) لحساسية في مخي وقلمي وأصابعي، حساسية من نوع الإنقضاض على المتعة في الألم، لأوجاع خفير يقف أكثر من ست ساعات في باب الندم ويحرس حسراته وشهواته البعيدة، ماذا بقي لك أيها الكالخوي السعيد؟ سجائرك أنطفأت ورمادها في عينيك، حكايات لجدات لا يستطعن النوم فيكفّ الظلام، لأجلك تقطر عيونهن دماءاً ودموعاً مثلما شمعاتك الأربعين تهجر حفلة عيد ميلادك لوعد وردي من مزيونة تحلم بالتوراة وتختتم حياتها في مصح رهبان بعيدين عن الشرق، هل وصلت قافلة الأصدقاء؟ من يدري الأصدقاء كلهم أخوة ربما لن تصل قافلتهم، قد تكون أبتدأت من رفة جفن الإله ينفخ في نايه كالخو وحتى تجمع أولئك البسطاء في باحة كنيسة، لاحتفال (شونايي دمتمريم) سوانح تهرب مني، وتقبض على مخي كلمات رابي (ر) ما بين السطور ينخل الذهب، أنه على علاقة بأجداده وآبائه الأوائل الذين كانوا يفقهون في اللغة القديمة وآداب الياسمين والجوهر وكرازة الجوهر، والناقوس يعلن ميلاد قداس من طراز خاص الناس يتبارون في الحصول على المكان، أمكنة جميلة ممتلئة بالبراءة والجمال والطمأنينة، حتى أطيار السماء يطيب لها الجلوس في المقاعد الخلفية، نساء بألوان، كرنفال ميثولوجي يسر القادم من مدن ضخمة ابتلعها دخان المصانع وظلام اجازات الكهرباء، وحيف نساء أمام طحين نمرته لا تقع تحت حسابات معينة أو لوغارتمات معاصرة ولا رياضة لرياضيات حديثة، لكنه في أحسن الأحوال يسعد المرء حين يتذوق طعمه حالما يخرج من التنور، صلتي بالخبز سعيدة وعلاقتي أرضية، وحين يضعه الأب في فمي تكبر العلاقة لتظل سماوية وسعيدة في آن واحد، اللعنة على الحر الشديد، لعنات عديدة، كل ظلام لعنة، وكل سخونة في هكذا شهر لعنة، كيف يتوطأ الزمن مع اللعنة لأنها تزجيه أوقاتها وضحكاتها على صيحة الشيخوخة والطفولة معاً، الشمس فوق كوماني تكاد تكون فرعونية تبسط ذراعيها على جماجم الجبال القريبة، لتصدر أحكامها على الشيوخ والعجائز بسرعة هائلة، الشمس هنا طبقات، شمس ارستقراطية وأخرى دكتاتورية تضيف آلاماً فوق آلام في هكذا أزمان، في تموز مثلاً وفي آب ربما أكثر، آب الطباخ، هكذا طبخ أخوة لنا في مستهله، آب لم يظهر مقروح الآدميين لكنه دائماً كان يبعث قروحه لياسمين يغفو فوق جبيني.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى