محمد مزيد - شكسبير يلتقي د. مالك المطلبي

رن موبايل د. مالك المطلبي، وهو مستلق على فراشه في غرفته، يقرأ بكتاب لايمّل قراءته ، عنوانه " سمكة موسى " ، وغرفة المطلبي عبارة عن مكتب مصغر، تحتوي كتبا كثيرة بالعربي والانكليزي ومخطوطات روائية وشعرية لاصدقائه، ينتظرون أن يبدي رأيه فيها ، غرفته منعزلة بعيدة عن صخب الاحفاد ، كان راقدا على سريره، يضع ساقه اليمنى على اليسرى وبين يديه الكتاب ، ولما شاهد على شاشة الموبايل أسم المتصل ، أبتسم وقال في نفسه " هل هذا وقتك يا نصيف ؟ " فأجاب بدون سلام، وقد خالط في صوته، ضحكته المجلجلة المحببة للنفس :
- شتريد نصيف ، هذا وقت قيلولتي .
جاء صوت نصيف لاهثا ، سريعا، متدفقا ..
- استاذي ، هذا شكسبير في بغداد ، يريد أن يلتقي بك، ومعه اوفيليا فتاة شقراء تشبه الموطا ، قال شكسبير ، انه يود اللقاء بك حالا ؟
ضحك د. مالك من اعماقه وقال باسترخاء :
- نصيف ، كم شربت من العرق ، روح اغسل رأسك، ضعه تحت الحنفية ، اصحو من هذا الشراب، الذي يجعل خيالك مثل الفراشات يحلق في ممالك الاكاذيب .
رد نصيف غاضبا :
- استاذي ، يا خيالات يا ممالك تتحدث عنها ، هذا الرجل بصلعته جالس معي الان في اتحاد الادباء، يريد لقياك وانه يرفض ان يلتقي باحد سواك ، ارجوك اترك القيلولة اليوم ، انه يريد ان يكتب شيئا عن حرائق العراق، ولايثق باحد من رواد بار الاتحاد ، يقول كلهم غارقون بنرجسيتهم الا انت .
ظهرت على سيماء الدكتور مالك بعض الجدية :
- وكيف اتى الى العراق ؟
- كان مارا بمدينتي مالمو بالسويد فالتقيت به هناك، يسير خلفه ادونيس ، كان ادونيس يترجاه أن يتدخل عند لجنة نوبل، فلما التقيت به قال لي عندكم عالم كبير في النقد والالسنيات اسمه د. مالك المطلبي، فهل مازال موجودا ، فاخبرته عنك، وقلت له ساجعلك تلتقي به لانه صديقي، ولكن ادونيس ذبحني ، كارثة ادونيس بشرفي ، يلح علي اخبره عني اخبره عني ..
رد د. مالك بهدوء :
- سأفكر يا نصيف، امهلني دقائق قليلة، وسأتصل بك .
- استاذي يا دقائق ، هؤلاء الادباء السكارى احاطوا به ، وانا اريد ان انقذه من الحاحهم، كلهم يريدون أن يلقوا قصائدهم امامه ، فهل ستعطيني موافقتك بالمجيء حتى اطمئن .
بعد صمت قصير ، قال المطلبي :
- حسن يا نصيف .. سأوافيك بعد حين .
عندما دخل د. مالك المطلبي الى بار اتحاد الادباء ، وجد الشعراء يتحلقون حول شكسبير، يريدون ان يسمعوه قصائدهم ، يجلس بجانبه نصيف الناصري ، فوقف المطلبي عند الباب ، زكمت انفه الروائح ، فهو منذ تغيير النظام ، لم يأت الى هذا المكان، الا مرة واحدة ، القى فيها محاضرة عن بصرياثا محمد خضير ، وقد اكتظت قاعة المحاضرات بالادباء والفنانين ليصغوا الى المعلم الكبير في الالسنيات ، ولم يعد هناك مكان للجلوس لاحد فازدحمت الممرات بالحاضرين في القاعه وخارجها ، لاحظ المطلبي ان فتاة شقراء تجلس الى طاولة اخرى مع احد الشعراء الصعاليك وقد وضعت ذراعيها على المنضدة وهذا الشاعر يتحدث معها ويلمس بشرة ذراعيها الناعمتين وقد سال لعابه ، فاستغرب الناقد الكبير ان ينفرد شاعر صعلوك بفاتنة انكليزية ترتدي ثوبا قصيرا يكشف فخذيها ، رحب نصيف وقوفا بمقدمه ثم التفت الى ضيفه الكبير وقال له اسمه فنهض المؤلف المسرحي وصافحه على الطريقة الانكليزية ورأى المطلبي أن نصيف لم يكن ليكذب هذه المرة ، وحين جلس بين شكسبير وبينه، بقي صامتا يصغي الى ما يقوله شكسبير الى احد الشعراء " ان للالم سرا يتصل بينبوع السرور " ، قال المطلبي انه فعلا شكسبير، وليس سواه، سأل المطلبي نصيف عن الفتاة ، فقال له انها اوفيليا حبيبة هاملت رافقت كاتبها الشهير شكسبير، ثم دار حوار شيق بين المؤلف المسرحي والناقد الكبير ، عن مضامين بعض مسرحياته، كيف انه اخذها من بعض المصادر الاسكتلندية ، دافع شكسبير عن نفسه، وقال للمطلبي ، انكم تسمونه في هذه الايام بالتناص ، انا اقوم بذلك . في تلك الاثناء نهضت اوفيليا متذمرة من سلوك الشاعر الصعلوك وجلست بجانب المؤلف المسرحي الكبير، تركته لأنه تمادى معها .. غير ان الصعلوك بعد جلوس اوفيليا بجانب شكسبير ، نهض بصعوبة ، ثم بالكاد حاول ان يمشي اذ دبت الخمرة في عروقه دبيبها ، ولما اقترب من الجالسين قال الشاعر الصعلوك للدكتور المطلبي وهو يشير الى شكسبير " من هذا المرحاض الذي تتحلقون حوله " ضجت القاعة بالضحك ، لمعرفة الجميع أن جان دمو بدأ يطلق سيل شتائمه التي لا تتوقف، فقال جان لشكسبير " انت ومسرحياتك كلها عبارة عن مرحاض " .. في تلك الاثناء توجهت الانظار الى الباب بعد ان اقتحم المكان شخص يرتدي ملابس القرن السادس عشر شاهرا سيفه " انا هملت ، اكون او لا اكون، هيا يا اوفيليا تعالي معي لنقتل زوج امي الملك الذي اغتصب العرش من والدي " فقال له جان دمو " هذا المرحاض من اين خرج علينا " واطلقوا ضحكاتهم وكشفت ضحكت جان عن سنه الوحيد النابت مثل الناب في فمه.. شعر المطلبي ان الجلسة صارت مهزلة في مهزلة ، نهض متأسفا لأنه ترك القيلولةـ واستأذن ضيفه الكبير، ثم خرج ، اخذ تكسيا وعاد الى كتابه " سمكة موسى " قبل أن ينام القيلولة .
كاظم الشويلي
خيال مذهل..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى