د. محمد عبدالله القواسمة - يوم الطفولة العالمي في غزة د. محمد عبدالله القواسمة‎ ‎

ما يجري لأطفال غزة في الحرب الدائرة الآن يكشف زيف كثير من الدول والكيانات السياسية في الاحتفال بيوم الطفولة العالمي، الذي أقرته الأمم المتحدة في العشرين من تشرين الثاني من كل عام؛ إذ ذهب ضحية هذه الحرب التي بدأت في السابع من تشرين أول الماضي أكثر من ثمانية آلاف طفل، لقد قضوا تحت ردم منازلهم، أو وهم لاجئون هربًا من الموت إلى المستشفيات والمساجد ومدارس وكالة الغوث. لقد لاحق الأطفال القنابل الفسفورية المحرمة دوليًا والقنابل المتفجرة إلى هذه الأماكن التي من المفترض أن تكون آمنة كما تنص المواثيق الدولية.

لعل أبشع ما حدث للأطفال كان في المستشفيات. ففي المستشفى المعمداني الواقع وسط غزة، والتابع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية بالقدس قُتل في الغارة التي شنتها الطائرات الإسرائيلية في ليل السابع عشر من تشرين أول ألف من النازحين المدنيين أكثرهم من الأطفال والنساء. ويقول رئيس قسم العظام بالمستشفى: إن القنبلة التي استخدمت من القنابل المخصصة لإحداث جروح قطعية في الأجساد والأطراف، حتى إنهم في صباح اليوم التالي وجدوا جثة طفل فوق أحد أسطح المستشفى، وفي المساء وجدوا جثة طفل آخر في الكنيسة الموجودة داخل المستشفى، ووجدوا رؤوس أطفال فوق المباني.

وفي مستشفى الشفاء قتل عدد من الأطفال الخدج جراء انقطاع الكهرباء، ونفاد الوقود، وإمدادات الغذاء والمياه والأدوية. وعندما اقتحمته القوات الإسرائيلية أمرت بإخلائه من المرضى والكوادر الطبية، وسمح لمنظمة الصحة العالمية في 19 /11 بإجلاء ما بقي حيًا من الأطفال الخدج وعددهم واحد وثلاثون، ونقلهم إلى مصر للعلاج. ومثلما جرى للأطفال والنازحين في مستشفى الشفاء جرى لهم في المستشفيات الأخرى مثل مستشفى الإندونيسي ومستشفى الرنتيسي.

لا شك أن هذا الاستهداف الإسرائيلي لتدمير الطفولة في غزة، وضرب عرض الحائط لاتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها إسرائيل في 3 أكتوبر عام 1991، ثم وقعت على البروتوكول الاختياري لهذه الاتفاقية في 18 يوليو 2005م يجيء ضمن رؤية عنصرية ولاأخلاقية ولا إنسانية للطفل الفلسطيني، تلك الرؤية التي نجد مرجعياتها في فتاوي حاخامات إسرائيل وتشويهات اليمين المتطرف للكتاب المقدس (التوراة)، والكتابات العنصرية، والفن اللاإنساني الذي يسوغ القضاء على الأطفال الفلسطينيين، وحرمانهم من حقهم في الحياة والتعليم، وضمان صحتهم وكرامتهم.

فهذا الحاخام يسرائيل روزين يقول: "إنَّ حكم التَّوراة ينصُّ على قتْل الرِّجال والأطْفال وحتَّى الرضَّع والنساء والعجائز والبهائم". ونسبوا إلى النبي حزقيال قوله: "لا تشفق أعينكم، ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، واقتلوا للهلاك." ثم خرجت علينا وزيرة القضاء إيليت شاكيد، بدعوتها إلى قتل الفلسطينيين في أرحام أمهاتهم، وقتل الأمهات الحوامل. وهذا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوجه رسالة إلى الجنود الإسرائيليين في غزة، عنوانها "اذكر ما فعله بك عماليق " في إشارة إلى الفلسطينيين، يقتبسها من كتاب صموئيل، الفصل 15، تقول الآية 3: "والآن اذهب واضرب العماليق وحرموا كل ما لهم ولا تعفوا عنهم. بل اقتلوا على السواء الرجل والمرأة، الطفل والرضيع، بقرًا وغنمًا، جملًا وحمارًا"

كما قامت هيئة الإذاعة الوطنية الإسرائيلية "كان" في اليوم العالمي للطفل، الذي يواجه فيه أطفال غزة الموت في معركة "طوفان الأقصى" بنشر فيديو لأطفال إسرائيليين يغنون أغنية لدعم الإبادة الجماعية لأهل غزة عنوانها" الصداقة 2023 "

وتقول كلماتها:

"مساء خريف على سواحل غزة

المقاتلات تقصف، دمار، دمار

قوات الدفاع الإسرائيلية تعبر الحدود

اقضوا على حاملي الصليب المعكوف

لن يبقى هناك أي شيء في عام آخر

سنعود إلى منازلنا آمنين

سنقضي عليهم خلال عام كامل

ثم سنحرث حقولنا

وسنذكرهم جميعا"

يلاحظ بأن هذه الأغنية تتحدث عن الحرب الجارية في غزة، وتدعو صراحة إلى التخلص من سكان غزة جميعهم، وتدمير بلدهم بسلاح الجو الإسرائيلي. والغريب أنها تؤدى بلسان الأطفال وتتوجه إلى الأطفال الإسرائيليين لتغرس في الجميع الكراهية والتعصب.

هكذا ترك العالم الحر أطفال غزة وفلسطين إلى القتل، أو إلى السجون على يد القوات الصهيونية في هذه الأيام التي تصادف الاحتفال باليوم العالمي للطفل الذي أعلن عام 1954م، وباتفاقية حقوق الطفل عام 1989م، التي تنص على حق الطفل في الحياة والتعليم واللعب وضمان صحته وكرامته.

في النهاية نقول: إن الطفولة مرحلة مهمة في حياة الإنسان، يترتب عليها ما سيكون عليه في المستقبل فإما أن يكون صالحًا يحب الناس كما يحب الحياة، وإما شريرًا فاسدًا يضر نفسه ويضر الآخرين؛ لهذا فالاتفاقيات والقوانين والمواثيق التي تصدرها الهيئات والمنظمات الدولية، بما يتصل بالطفولة، لا قيمة لها ما دامت لا تجنب أطفال العالم، الذي يسمي نفسه العالم الحر وعلى رأسه الكيان الصهيوني التربية الشريرة، التي تملأ عقولهم بالأفكار القاتلة، وتفسد أرواحهم، وترسخ في قلوبهم القسوة والكراهية. وما دامت لا تمنع ما يجري لأطفال فلسطين من قتل وحرق، وحرمان من التعليم والصحة والحياة الكريمة. فأي تناقض تقوم عليه الإنسانية المعاصرة عندما تجمع بين قتل الطفولة والاحتفاء باليوم العالمي للطفل؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى