د. محمد الهادي الطاهري - صدمة

يخرج من مكتب البريد فرحا براتبه الشهري. ينزل السلم مسرعا. يشق الطريق دون التفات. برفع عينيه فجأة. ما أجمل هذه المرأة! لولا رائحة عطرها ما كان ينتبه إليها. يسير ورأسه إلى الوراء. يتابعها بعينين غائرتين وقلب فارغ وجيب لا شيء فيه سوى راتبه الهزيل وعلبة سجائر رديئة وقداحة صيتية الصنع. يستمر في السير ورأسه إلى الوراء. تختفي صورة المرأة في الزحام. يتنهد بعمق. يغمض عينيه لعل صورتها تعود إليه.يمشي. خطوتان أو ثلاث خطوات. آه يا فخذي. لقد اصطدم بعامود الكهرباء صدمة مزدوجة. لم يشعر بغير الألم في أعلى فخذه. ضربة الجبين من فوق لم يشعر بها. ظل يمشي مشية الأعرج. زال عنه الألم التحتي وانتبه إلى الألم الفوقي. صدق ماركس وصدق الماركسيون.البنية التحتية هي الأصل. ولا معنى للبنية الفوقية إلا بها. ها هو جبينه ينتفخ ويمتد الانتفاخ ليحجب العين كلها. لم يعد يرى إلا قليلا. ظل يتفقد جيبه. أين الراتب الشهري؟ لا شك في أنه ذهب من أثر الصدمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى