فوز حمزة - إغراء بالمطاردة

استيقظت هذا الصباح، لأجد في نفسي رغبةً شديدة في الانتحار، شعرت كأنني امتلك عيونًا أخرى للحياة خالية من الدهشة التي فقدتها عندما كان عمري ثلاثة عشر عامًا.
سأتحلى هذه المرة بالشجاعة أكثر من المرة السابقة التي انتهت بالفشل عندما تم إنقاذي في اللحظات الأخيرة، أو ربما كانت لدي بقايا رغبة في العيش، فلم أتمم الأمر كما ينبغي.
فكرت في وضع الرسالة التي كتبتها لأبي قبل الشروع في الانتحار في مكان يسهل العثور عليها، أريد لسطورها أن تتحول حين يقرأها إلى سياط ملتهبة تجلد في كل دقيقة مشاعره القاسية!
جعلني أشعر كأني فتات طعام تحت مائدته.
مع كل حرف كتبته، استرجعت اللحظات المؤلمة التي مررت بها!
في البداية كنت أهرب من مشاعري، لم أُدرك أنني بالهرب منها أغريتها بمطاردتي.
عدت للحياة خائبًا على يديه، تحولت بعدها من مراهق صاخب إلى آخر صامت، أراني الآن أضحك وأغص بالضحك حد البكاء عندما أتذكر طريقته لمنعي من التفكير مجددًا بالانتحار.
حبسني في غرفتي لأيام دون طعام أو شراب إلا ما يمنع الموت عني، لم يكتفِ بذلك، بل سرق إنسانيتي حينما أجبرني على قضاء حاجتي في نفس المكان، بعدها تجذر إحساس في أعماقي من أني وهذه الفضلات شيء واحد.
سمعته يقول لأمي: بنت الجيران التي تزوجت هي سبب انتحاره، أراد بذلك رمي عن كاهله إحساس المسؤولية تجاه ما حصل. اكتفى بالمراقبة من خلف الستار. ليته عَلِم أنني كنت آكل من ثمار الموت لأعيش حتى تحولت روحي لمقبرة موحشة.
لم يقلق حينما أخبرته برغبتي في ترك المدرسة " المدرسة لا تخلق التجار، بل الأغبياء"
أجابني بهذه الكلمات دون أن ينظر إليّ.
في السوق، فقدت بقيتي حين أمسيت عرضة للسخرية بعد تحول اسمي إلى العاشق المنتحر ثم العاشق الصامت.
ما مغمور في صدري يوشك على الانفجارِ في أيّة لحظة.
حين فكر هو وأمي في تزويجي، لم يجدا عائلة ترحب بمخلوق مثلي، وبذلك رميا آخر شيء قد يجلب لهما تأنيبًا للضمير.
ربما يسأل نفسه: لماذا كتبت له هذه الرسالة؟!
حقاً، لِمَ كتبت هذه الرسالة بعد مرور عشرين عامًا على تلك الليلة؟!
لا أريد لشعور الذنب أن يفارقه حين أخبره بأمر اغتصابي من قبل قريبه القادم من مكان بعيد والذي سمح له بالمبيت في غرفتي تلك الليلة. ربما سيتوقف عن القراءة لحظات كمحاولة فاشلة منه لاستيعاب الأمر، بعدها يعود للقراءة ثانية.
في تلك الليلة،وأنا بين النوم واليقظة، أحسست بيد باردة تعبث بجسدي وأخرى تكمم فمي، وهو يباعد بين ساقيّ، باعد بيني و بين الحياة، بين الأمنيات، بين الموت كنهاية جميلة، قربني من العذاب الذي تمثل لي في تلك اللحظة في صورة رجل.
لحظتها، تمنيت أن يُفتح الباب وتُنقذ طفولتي.
ما زال صوت لهاثه ماثلًا في الذاكرة.
وهو يرتدي ملابسه بعد أن نهض من فوقي، شهر المسدس أمام وجهي وهددني بالقتل إن فتحت فمي، ليس الخوف فقط سبب صمتي، بل العار.
أدركت حينما أتكلم، سأكون الضحية التي تعرض نفسها للجلد والعذاب.
تلك اللحظات جعلتني أواجه بكل ليلة حاضري ومستقبلي وأنا مكبل بمشاعر الدونية والتحقير لنفسي!
آنَ الآوان لأستريح من معاركي مع ذاتي وأمنحها السلام.
هذه المرة لن يفلح في إنقاذي، فالسم وسيلة سريعة وفعالة للموت.

فوز حمزة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى