محمد مزيد - المُضَمِّد

تزدحم الصالة من أول العصر وحتى منتصف الليل ، بكبار السن والشباب والفتيان والأطفال، تأتي بهم أمهاتهم ليصم آذاني صراخهم بسبب خوفهم من منظر " السرنجه " . أنا مولع بزرق الحقن. منذ صغري. حلمت كثيراً أن أكون مضمداً. ولهذا الحلم حكاية سآتي على ذكرها فيما بعد. المهم إنني نجحتُ بولعي هذا من تمضية خدمتي العسكرية بعيداً عن الحافات الأمامية لحرب الثمانينات ، حيث الموت العشوائي طوال ثماني سنوات . وبعد إنتهاء الحرب تمكنّتُ من جعل غرفة الصالة في بيتنا العتيق الى " عيادة " للتضميد وزرق الحقن، بعد خبرة كبيرة تلقيتها في قسم الطبابة بوحدتي العسكرية . ولعي هذا ليس فيه شذوذ لرؤية المؤخرات كما قد يذهب بخيال الذين في نفوسهم مرض، بل هو نتيجة ذكرى قديمة حصلت معي، وبقيت آثار تلك الذكرى تداعب خيالي سنوات عديدة.
سأخبركم الآن كيف تمكنت ممرضة من الأخذ بيدي الى غرفة في خفارة ليلية ، حيث كنت وقتها راقدا في المستشفى المركزي في مدينتي الجنوبية أتلقى علاجاُ لإنتفاخ الغدد، وبقيت طوال شهر في المستشفى ترافقني أمي وأنا سعيد برقودي بسبب أبتعادي عن الدراسة والدوام الصباحي في المتوسطة طوال تلك المدة .
ذكرت المتوسطة لأنها تعني إنني كنت مراهقاً ، وفي ليلة كانت الممرضة البيضاء الجميلة هي الخافرة، حين أقتادتني الى غرفتها لتزرق الحقنة في مؤخرتي ، كانت حذرة تتلفت يمينا وشمالا والى الخلف كأنها خائفة من شيء ما . وبعد أن أغلقت الباب من الداخل بالمفتاح أستردت أنفاسها وأخذت تنظر لي نظرة غريبة " تعال يا أسمر يا المكحل " سحبتني من يدي الى سريرها " نم على ظهرك أولا " .. لم أكن أريد مخالفتها لأي أمر تصدره ، بالرغم من أن زرق الحقنة تستدعي النوم على البطن . صعدت الى السرير وأحاطت وسطي بين فخذيها وهي تمسد على خدي لمداعبة الأنتفاخ في الغدد . لحد الآن لا أعرف كيف شعرت بالدفء ، كانت قد أنهت وصلتها ثم قلبتني على بطني وزرقتني بالحقنة .
منذ ذلك اليوم بقيت مولعاً بزرق الحقن ، حتى أصبحت أشهر زراق حقن في منطقتي . وفي سنوات الحرب تتلمذ على يدي العديد من الشباب لزعمهم بأنني أمتلك أخف يد .
قصتي ليست هنا ، بل في مكان آخر . بعد تسريحي من الجيش ، أصبحت مشهوراً وتوافد علي المرضى من كل حدب وصوب .. حتى جاءت " أم شامة " مع أبنها بعمر خمس سنوات ، وهذه المرأة جميلة جدا ، بيضاء ، عيناها سوداوان ، لها جسد بض تصرخ فيه بنات آوى ، علمت فيما بعد إنها زوجة المسؤول الحزبي في منطقتنا وهو شخص كريه قاس لا يرحم زج المئات من الشباب وأصحاب المهن في الجيش الشعبي ، وترملت نساء عدة بسببه ، زوجته ام شامة تصغره بعشر سنوات .
ذات يوم ، كنت جالسا أقلب بمجلة أباحية حين دخلت " عيادتي " .. ( عيني أبني مريض والطبيب اعطانا ثلاث حقن ) ، شفتاها متورمتان مصبوغتان بالأحمر الصارخ ، عباءتها تدحرجت على كتفيها ، رقبتها عمود من المرمر معرقة .. زرقت أبنها ورفضت تلقي الفلوس منها " أنت جارتنا ولا يصح معاملتك مثل الآخرين خصوصا وأنت بهذا الجمال " قبل ان تقول شكرا لاحظت إنها بلعت ريقها اكثر من عشرين مرة . وفي اليوم التالي جاءت بابنها وجلست على كرسي معد للزبائن واضعة ساقاً فوق الآخرى . أزاحت العباءة ، لتظهر لي فخذيها المبرومين ، أعددت " السرنجه " وأنا أقف خلفها أبحلق بظهرها نزولاً الى مقعدها العريض . تأسفت حقا ليكون هذا الجسد المثالي تحت ذلك الخنزير البشري .
مرت شهور ولم تطل " أم شامة " حتى يأست تماما ، وشبعت أحلامي بها ، لكن ذات صباح أيقظتني أمي من النوم ، رفضت في البدء الأستيقاظ لأنني كنت في الحلم مع " أم شامة " .. لكن أمي صاحت باعلى صوتها ( استيقظ ولك .. أم شامة تنتظرك في الصالة ) .. في تلك اللحظات ، لم أنهض ، بل قفزت الى الصالة بخطوتين وأنا أسرح شعري وأعدل منامتي .
كانت جالسة على كرسي الزبائن ، جلستها نفسها التي أعشقها ، واضعة العباءة على كتفيها ، ولكنها بدون أبنها . وما أن رأتني حتى أبتسمت ( هذه المرة أنا المريضة ، وأريدك أن تحقنني ) .. لم أحقن أمرأة في حياتي المهنية أبدا ، غير أن هذه المرأة سهّلت علّي الأمر ، نهضت بدون عباءتها ورفعت ثوبها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى