علي محمد تيراب (علي المجينين) - موسيقا المنفى ..

ولأننّي تعلّمت الرّقص في طفولتي على إيقاع قريتي
تعلّمت كلّما داهمني الجوع
أن ألعق أصابعي!
وألهث خلفي
ألهث خلف طائرتي الورقية
ألهث خلف سحابة قد تمطر في قرية مجاورة،
ألهث خلف ظلّي
ألهث خلف شيء ما
وأعود دائما
وأنا أحمل على ظهري خيبة وأبكي
ولأننّي تعلّمت الرقص الحديث في المنفى
بعد أن ابتلع الهواء آخر معزوفة
بعد أن غادرت أميرتي الحفل
ولم تنس إحدى فردتي حذاءها على الدرج
ظللت هناك
وحيدا
وسط كلّ الرّاقصين
وسط أصوات
الكمنجة
والسايكسفون
والناي
والشيلو
ظللت هناك وحيدا
كسودانيٍّ أقفز وأقفز وأقفز
فلم يسمّوا ذلك رقصا
ولم يصفّقوا لي
ظللت هناك
كسودانيٍّ هزيل
يرقص
ويواسي نفسه بالضّحك على نكتة قديمة
يرقص
ويواسي نفسه بالحزن
على جرح قديم
يرقص
ويواسي نفسه
بالسخرية
من لون ربطة عنق لشخص مجهول، يجيد الرقص!
في بلادي
لا يرقص الفقراء على إيقاع موسيقى البلوز
لا يبحثون عن أميرات نسين أحذيتهن على درج أو رصيف
أو في حفل رقص صغير
في بلادي الحزينة
بلادي الأرملة
بلادي التي اجهضت أولادها
وتركت من نجا
ليموت في تمام الوسامة !!
في السودان
يأتي الموت دفعة واحدة للناجين فقط
كي لا تقدّم لهم تذاكر قطار
يسافر بهم في رحلة تعيسة
ليشاهدوا
الموت بطرقه
الكلاسيكية
والحديثة
والباردة
والعشوائية
و..
في السودان
لن ينجو الأعمى بعكازه من الاصطدام
لن ينجو من الدهس
لن ينجو من سخرية الرصيف
لن ينجو من شجرة تدس ظلها خوفا من الحريق
سيحاول أن يهش على جرحه
وسيلوح في وجه الهواء
في الاخير سيصاب بالتعب
ويسقط مغشيا عليه
من
الأحزان
في بلادي لم أجد وقتا
لتعلم الرقص
على إيقاع البلوز
أو الريغي
هنا في السودان
في أوقات فراغنا
أوقات اللعب
والحب
في مواسم المطر
وفي الشتاء
في الصيف
وفي المدرسة
نكون مشغولين
بحياكة
حيل
صغيرة
للنجاة
نكون
مشغولين
بمرواغة الموت
فلا
نجد وقتا للرقص!

علي المجينين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى