عبدالجبار الحمدي - العربجي...

لم يتغير شيء منذ عشرون سنة، لا زال عربجيا يمتهن ما ورثه عمن أنجبه في صحن الحياة... حياة خالية من اي طعم لا بهارات هندية ولا غيرها سواء حاذقة كانت ام باردة، إلا من تلك الرائحة النتنة التي يحملها على ظهر عربته الصغيرة وهو يجوب الطرقات مثل حماره يعبث ببواطن حاويات للنفايات، يخرج من بين كومة صفيح تشاركه الكلاب والقطط والجرذان المضجع الذي ينفق فيه عدا لأيام سنين عجاف، يمد رأسه ليشهد الحمار و هو يهز ذيله ثم رأسه بعد ان غطاه الذباب، يلعق مخاطا له مُلهيا نفسه، يُلهي لسان ضجر من طعم قطعة الحديد الصدئة التي نالت منه، أما ذباب فيتذوق طعم دم إهرق نتيجة لذعة سوط حاقدة، أو يستطعم بقايا جروح متقرحة، الحمار الذي كثيرا ما سمع حكايا فائز و الاحلام التي لم تتحقق إلا بتلال من النفايات، لا انسى ابدا مقوله قاله احد المارة ( إن الذين يصعدون قمة جبل افريست لا يمتلكون سوى الثقة بالنفس، أما من يصعد قمة تل من النفايات لا يحتاج إلا أن يكون قذرا)، كنت لوالده قبل ان ينفق مثل بقية دواب الله التي خلقها على هذه الارض، الأرض التي لا أمتلك منها سوى القذارة، يتطلع صاحبي الى مكب النفايات الكبير وهود يدفع بنظره الى السماء بعد ان خرجت الشمس الى يومها الجديد دون كلل أو ملل، تدفع بخيوط أشعتها الى الأرض ليخيط منها من يرغب ثوب دفئ بما انه في اول الصباح، فعند الظهيرة تكون تلك الخيوط لاسعة بعد ان توقد بباطنها حمم اليأس فلا جديد تراه، تحاول الغيوم رأفة بالمخلوقات ان تفرش اذيال اثوابها على الشمس تغطي لهيبها وهي تقول: ما ذنب هذه المخلوقت لتحريقها بحمم بطنك، كُفي عنهم و إلا ساغطي وجهك و لا اجعل لك وجه تعيشين به، تضحك الشمس على الغيوم التي بحركة من رياح تتطاير الى حيث، اسطوانة مشروخة يرددها للتهكم من واقعه، يتحسر كثيرا ثم يلتفت الى العربة فيقول:
العربة متهالكة، نعل عجلاتها حلت دواسره، اخشاب بالت عليها الدواهي فغيرت معالمها، بقايا نفايات بين فواصل اسنانها، البعض منها سكنت فيه الطفيليات تماما كما اخذت من جسمي، تعتاش في اماكن متحرشفة لا أظن يوما ان الماء قد ذاقت طعمه...
لا تكذب عَقَب الحمار... بل ذاقه، اتذكر!!؟ ذلك اليوم الممطر الذي اغتسلت فيه حين غرزت اقدامي في وحل من الطين، ههمت يقوة و عزيمة البغل التي تمتلكها، ثم دفعت به الى الخارج، بعدها رفعت يديك نحو السماء ورحت تزيح الحشرات التي اعتاشت ببيت ابطيك، فركت وجهك المتجرب، ثم شعرك، تدفع بالوحل بعيدا ذلك يوم لا انساه لأني حينها تمنيت ان اموت او تكسر لي ساق، تمنيت اصبح معاقا فتعمد الى قتلي او على الاقل أتخلص منك و من العذاب الذي اشركتني فيه مع أيامك، حتى قطعة الحديد التي تضعها في فمي تعيق حريتي في التعبير تكممها كما يفعل من يمتلك السلطة، ألجمتني كما تلجم السلطة عندكم البشر عندما يتفوهون الحقيقة، او ينتقدوا الوضع، نهقت ليلا فلم يكن هناك من مجيب، نهقت نهارا فلم يكن كذلك اي مجيب، ألا يصيبك الممل او القرف من حياتك ايها العربجي التعس؟ لم أشاهد طوال حياتي الحمورية مثلك و مثل من انجبك؟!! إنكم من ملة ترفض بيئة الحيوانات ان تكونا من صنفها او تستجيرا الى اي نوع او فصيل فيها كطنيب، فمن هم على شاكلتكم بقيا عوالق بشرية متوارثة عن تأريخ مزيف، و جودكم كالعوالق ينتفي ما ان تشهد نتانة البقية من بني جنسكم، عوزكم، احتياجكم، صوتكم، كل ما فيكم يرفضه من نصبوا انفسهم ولاة امر عليكم، عاركم بني جنسكم و جلدتكم... الجلدة... أنظر الى ظهري!!؟ كيف تريد ان يرحمك من هو من بني جلدتك وانت قد ازلت جلد ظهري ضربا بسوطك الذي تتشدق فيه بين الناس حين تمر و انت مزهوا كأن تقود عربة الخلود؟ نحو المدينة الفاضلة، قاذورات انت جامع قاذورات ماذا تريد ان تصبح؟...
عفوا اسحب جملتي فكثير من جامعي القاذورات صاروا في السلطة، مشطوا شوارع غير التي إتخذوها وطنا، يجمعون القاذورات تلك التي صنعوا منها عروش سلطتهم بسياط النفاق والرياء، محشوة المساند التي يتكأون عليها بحشوة مهاترات دين، اعود فأقول حتى انا لم أخلص من جبروتك، فكيف إن صرت في مكان سلطة او كلب حراسة لمسئول فيها؟ في كل مرة عندما تضيق بي الدنيا ألجأ الى نفس الحديث بعدها اقول انا حمار وانت عربجي، لعلي منحتك الاسم والصفة فبات من يعرفك يعرفني فانت دوني لا شخصية لك ولا مسمى، فمن الآن عليك ان تحترم مشاعري ولا تعود الى ضربي، اغتسل لربما في ذلك الخلاص من النتانة التي تفوح منك، لا تسأل لم أضحك؟؟ فالنتانة ليسن معروفة صدقني فتانة الساسة أو رجالات في السلطة اسوء من نتانتك، لا تغريك تلك العطور التي يستخدمونها لتغطية نتانتهم فما هي سوى عفطة عنز فتتطاير تلك العطور بعدها تزكم انفك رائحة افواههم العفنة بمهاترات كاذبة، انا مقتنع بإني حمار و مقتنع بأنك خير من يمثلني بعنوان عربجي، حالنا بسيط نعم، لنا طموحات حيوانات فقيرة ناطقة نعم، شرفاء ابصم بذلك... نزيهين أشك في أظافري فلا نزاهة في عالم الفساد الحكومي، منافقين لا، فلا يوجد متسع لنا بين تلك المجاميع التي وقفت تشهد الحشر الدنيوي بشهادات اساتذة ودكاترة متسوقين الرفعة من بيوت عاهرة فاسدة بجيوب فتقت كما فتقت النوايا التي تسربلوها ولاء الى غير الوطن بألقاب وهمية مزيفة، اسحب كل سخطي الذي صببته عليك، كما عليك ان تسحب سخطك عني لأننا وجهان لعملة واحدة فلا عربحي دون عربة وحمار، و لا حمار وعربة دون عربجي، هيا اصعد متون الفلك و حرك اللجام مثل فارس سار على الشوك ليحارب اشباح السلطة، متخيلا إياها مثلي ذباب متطاير، مدة حياته أيام بعمر من بيده عناوين واسماء لا تسأل عنه سأخبرك إنه القدر... اظنه سيكون كفيلا بتغيير المقدرات تلك التي يغير كل شيء فيها إلا ان يجعلك حمار او يجعلني عربجي..
حسنا لكن عليك ان تدرك شيئا و تعيه جيدا في هذا الزمن، لا تدعي الحكمة فأكثر الأغبياء يظنون أنهم حكماء لذا يتخذون من تفاهات العقول وعاظ سلاطين.


القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى