د/محمد عباس محمد عرابي - حنان الأم بين الشاعر الدكتور أحمد الهلالي والقاص الأستاذ خلف القرشي شعرًا ونثرًا


إعداد /محمد عباس محمد عرابي​

بمناسبة اليوم العالمي للأم نتذكر المقطوعة الشعرية (دمعة إلى أمي) للشاعر الكبير الدكتور أحمد الهلالي والتي يقول عنها :القصيدة اليتيمة منذ وفاة أمي عام 1426هـ "يرحمها الله"القصيدة التي لم أستطع إلقاءها في أي مناسبة" والتي يبين فيها غروب شمس الأمومة ،وأن المرء مهما مر به العمر ينعم بحنان الأم وعطفها وحنانها حيث يقول:

اللهُ أكبرُ يا أمي وقد غربتْ

شمسُ الأمومةِ وانقضّتْ عوالمُها

لو شاب شاربي المقهورُ من زمني

مازال في الروح طفلٌ لا يسالمُها

الطفلُ أحمدُ ما انفكت ملاعبُه

تشتاقُ أنواءَك الدَفْأى براعمُها

كما نتذكر أنه من القصص القصيرة التي يشار إليها بالبنان في الحديث عن الأم قصة "أمِّي ترضع عقربًا "
للقاص والمترجم خلف سرحان القرشي، وهي قصة * فازت بجائزة منتدى رواق السرد بأدبي جدة للعام 2020.وخصص لها نادي الباحة أمسية أدبية في الندوة التي أدارتها القاصة مسعده اليامي وإشراف الشاعر الكبير رئيس نادي الباحة الشاعر حسن الزهراني، وقد لاقت القصة الاستحسان ونشرت في العديد من المواقع كموقع منابر ثقافية

وقد نشرتهاهيئة الأدب والنشر والترجمة في معرض الرياض الدولي للكتاب ضمن المجموعة القصصية الرابعة والتي تحمل عنوان: قصص من السعودية 2020، كانت بمشاركة عشرين قاصاً بنصوصٍ كُتبت في عام 2020، وهم: (أمي ترضع عقرباً) خلف سرحان القرشي

تقول القصة
ما وقع لأمِّي تلك الصبيحة الشتائية يعدُّ استثناءً. كلُّ شيءٍ كان غريبًا في ذلك الفجر الذي استيقظت فيه على صوت الديك كما هي عادتها.. تنهض، تتوضأ وتصلي ركعتي الصبح. ثمَّ تدعو الله لأبي ولنا، ولمن تراه مستحقًا للدعاء. الأمرُ مختلفٌ اليوم. أطالت الدعاء كأن أَمْرًا إدًّا قد وقع، أو أن شيئًا ملِّحًا تريد الله أن يحققه عاجلًا. لم ننتبه للأمر. رغم أنَّها أيقظتنا أيضًا، ألَّا إنَّنا كنَّا شبه نيامٍ نصارع لذَّة النوم عند الفجرِ ولكننا واثقين من أنَّها قد شرعت في أعمالها اليوميَّة؛ فهي تعدُّ خبز الإفطار، ثم تلحق بأبي في حظيرة الأغنام لتساعده في حلبها وإرضاع صغارها، وإطعام البهم. نعود نحن ننام بعمقٍ حتى ترجع من الحظيرة لتوقظنا نحن أولادها الثلاثة؛ أنا أوسطهم، استعدادًا للذهاب مشيًا إلى المدرسة. دائمًا ما يصلنا صوت دعائها إلى مسافةٍ طويلةٍ ضمن مشوارنا حاملين حقائبنا لنقطع بضع كيلومترات. ومن ثمَّ توقظ أختي الصغيرة ذات العامين: نورة لتُغَيَّرَ لها، وترضعها وتعيدها للنوم ثانيةً.
وعلى خلاف رويتنها المعتادَّ، لم تلحق بأبي إلى حظيرة الرَّعي في هذا اليوم. ظللت أرقبها من طرف عينٍ ناعسةٍ، انتصبت جالسًا. اقتربت من الباب لأراها بشكلٍ أفضلٍ. إنَّني أراها تدقق في جوار الحظيرة في مكان فيه صدوعٌ بين الصخور، وفي يدها عودٌ صغيرٌ تدخله في الصدوع، وكأنها تبحث عن شيءٍ ثمينٍ أضاعته هناك. أو تكون قد فقدت زِمَامَها أو خُرْصَها أو إِسْوَرةً من ذهبها القليل؟
رأيتها تنحني بين الشقوق ونظرات عينيها على اتساعهما تمسح المسافة الضيِّقة بين الشقوق من الأعلى إلى الأسفل مرَّةً وبالعكس مرَّةً أخرى. فجأةً أبصرت عقربًا كبيرةً تطل برأسها من بين فتحتي صدعٍ هناك. تهللت أساريرها.. ثمَّ وبلحظةٍ غافلةٍ تحمل غرابتها، قربت أمِّي ثديها من العقرب كأنها تقرب روحها، ثمَّ ضغطت على ثديها ليدِّر قطراتٍ من الحليب. والأغرب أيضًا أنَّ العقرب بدأت تمص أو تشرب من تلك القطرات. وثمَّة حكايةٌ شعبيّةٌ ترن في الآذان إن رضعت عقربٌ من ثدي امرأةِ تصبح أختًا لأبنائها، لن تمسّهم بعد ذلك بسوءٍ أبدًا.
كثيرًا ما كانت أمِّي تسرد علينا تفاصيل تلك الحكاية. كنت أصغي إليها في كلِّ مرَّةٍ باهتمامٍ بالغٍ. في كلِّ مرَّةٍ تكرر الحكاية، كنت أبذل قصارى جهدي لاستيعاب فكرتها، وكأنِّي أسمع واحدةً من حكايات شهرزاد لكنَّها حكايةٌ واحدةٌ فقط. لقد صَدَّقت أمِّي الحكاية كما صدَّقنا نحن، وإن شئنا الدقَّة جاهدت نفسها، وأرغمتها على تصديقها. كانت ترتجي أن يكون مضمونها حقيقةً.
وعلى الرغم من أنَّ أمِّي كانت مسترخيَّةً وهي تقوم بإرضاع العقرب، لكنها في غمرة انشغالها بالإرضاع نسيت أو تناست أنَّ العقرب تلدغ ... قانونٌ إلهيٌ ... تلك طبيعتها فلم تنتبه حين قرَّبت ثديها كثيرًا الأمر الذي جعلها وفي لحظةٍ خاطفةٍ وبحركةٍ سريعة كالبرق توجه شوكتها لثدي أمِّي، لتلدغها. صاحت ... خافت ... فرَّت من المكان ... وصدرها يعلو خوفًا وألمًا. هرعت إلى المنزل... وضعت قليلًا من الثوم على موضع لدغة العقرب التي كانت تؤلمها أشدَّ ما يكون الألم.
لم أفهم أيضًا مسارعتها في الابتعاد عن المكان. كان النعاس كما هو الحال في كلِّ فجرٍ يستغرق مني الكثير لأستيقظ. لذا تخيلت أمِّي لحظتها تحدث العقرب:
"لماذا يا بنيتي ... فعلت بي هذا؟ أريد إرضاعك لتكوني أختًا لأبنائي، وتريدين هلاكي! أريد عقد صلحٍ أزليٍّ، وعهدٍ معك وتريدين بثَّ سُمَّك الزعاف في جسدي المنهك الواهي الضعيف الذي ينوء بحمل أعباء الحياة المستمرة التي أبدؤوها كلَّ يومٍ في غبش الظلام، ولا أنتهي منها إلا بعد صلاة العشاء".
ثم تمسح دموعها وتواصل حديثها:
"سامحك الله. حتمًا لم تجرِّبي شعور الأمومة، لو كُنْتِ أُمًّا لَرَضَعْتِ وأرْضَعْتِ، وأشفَقْتِ على أمٍّ ليس عندها أغلى من فلذات كبدها الذين توخى حِمَامُ الموتِ ثلاثةً منهم ... ما زلت أبكيهم ... ما فتئت أفتقدهم .... وسأظل بحسرتهم ما حييت! وأسأله عزَّ وجلَّ أن يبقي لي من عندي يرون يومي، ولا أرى أيامهم".
الاحتمال الذي رجحته حينها أنَّ أمِّي تفهم لغة العقارب. لذا أشعر بها تحدثها. ومن يدري؟ فلربّما سمعت العقرب كلَّ ذلك وَوَعَتْهُ. ولعلّها شعرت بالخجل من فعلتها تلك! ولكن كيف يكون ذلك على افتراض أنَّه قد كان؟ وأنَّى للعقرب أن تسمع أو تفهم حديث نفسٍ صامتٍ لم يسمعه من البشر من كان قاب قوسين أو أدنى من أمِّي حينها، ولكن من قال إنَّ اللغة البشرية هي الوحيدة للتواصل من بين مفردات هذا الكون العظيم، ومكوناته ومقاطعه؟ لعلَّ تلك العقرب، بل كلُّ العقارب -في تلك اللحظات الأموميَّة بامتيازٍ، اَلْمَهِيبَة باقتدارٍ، المكلَّلة بكلِّ الجلال والجمال- سمعن كلَّ كلمةٍ وكلَّ حرفٍ، لعلّهنَّ سمعنه بغرائزهنَّ ... بفطرتهنّ ... بإحساسهنَّ ... بشعورهنَّ، ولعلَّه وصلهنَّ بتوقعهنَّ وبحدسهنَّ.
قررت العقرب الاستجابة لرغبة الأمِّ الحنون المشفقة. واستجابت معها كلُّ عقارب الأرض، وقررن ألَّا يؤذين أحدًا من أبنائها. فلم يُلْدَغْ أيٌّ منا منذ ذلك اليوم، رغم كثرتها حولنا، ونحن نقيم في منزلنا المتواضع بذلك الجبل القصيِّ، علمًا بأننا نسمع بين حينٍ وآخرٍ عن أطفالٍ كثرٍ ممن هم في مثل أعمارنا لدغتهم عقارب أودت بحياة بعضهم.
أجزم أن تلك العقرب لم تر أمي قبل ثلاث سنوات من إرضاعها العقرب، وهي تركض حاملةً روحها مع لهاثها لتلحق بجدي وأبي وهما يحملان أخي عليوي لدفنه في المقبرة المجاورة، وهي تصيح فيهم مناديةً بكلِّ ما أسعفها به صوتها حينها من قوَّةٍ: "أرجوكم ... ردُّا لي (عليوي) ... لا تدفنوه... دخيلكم لا تدفنوه"، في لحظةٍ فقدت فيها القدرة على التركيز والتفكير.

*التعليقات على القصة :

ومن تعليقات القراء التي جاءت على هذه القصة في موقع منابر ثقافية

ورد المستشارة الإعلامية ناريمان الشريف حيث تعلق على القصة بقولها :أهلاً بباكورة إنتاجك أخي خلف

مبدع بلا شك

( إرضاع العقرب )

معلومة لأول مرة أسمعها .. مع أنني عشت في السعودية أربعة عشر عاماً ..ولم أسمع بهذا .. علماً بأن المنطقة التي كنت أعيش فيها مليئة بالعقارب ..

أما القصة

مليئة بالصور الأدبية .. فيها تضمين..محفزة .. مثيرة

تشد القارئ من عنوانها .. ومن أول السطور تجبره على مواصلة القراءة حتى آخرها

مستمتعاً بهذا السرد البسيط والبرئ من غير تكلف وبألفاظ متينة ..

مفعم بكل المشاعر .. مشاعر الأمومة التي فاقت الوصف .. فهي لولا خوفها على أطفالها لما غامرت بإرضاع العقرب ..

لكن الملفت للنظر .. أن هذه الحكاية الشعبية المتداولة أثبت صدقها بدليل ورد في القصة أن العقارب كلها لم تؤذ أحداً من أطفال الأم

بالمختصر ..

تستحق الفوز وبجدارة

أنت رائع .. فشكراً على الإمتاع

تحية ... ناريمان

ويقول الكاتب أحمد صالح في مقال له بعنوان شهريار خلف القرشي قدرة خلف القرشي في صياغة الأحداث بأسلوب جمع بين الأدب والتشويق ، فجذب الانتباه بمقدمته ، وحبكتها التي تناولت الأحداث





ورد الأستاذة ياسمين الحمود سلمت على هذه القصة التي تستمد أحداثها من واقعنا
استمتعتُ حقاً بهذا القص السلس الجميل ..
و لجمالية الطرح ودهشة الحدث.
قاص وأتمنى أن أقرأك دوماً أيها الرائع.
شدني أسلوبك ،،
دام قلمك ،،

ويقول الكاتب أبو هتان :"أتذكر ذلك الناقد الذي أصر على كون القصة من وحي الخيال ،رغم التأكيد المتكرر أنها حقيقية إلى حد بعيد ،لذلك قلت يومًا :الواقع أشد غرائبية من الخيال أحيانًا "

ونقول إن حنان الأم البشري يعم أثره جميع كائنات الأرض حتى لو كانت العقارب،نعم حتى في عالم العقارب الإحسان جزاء الإحسان ،ومن يفعل الخير لا يعدم جوازيه



المراجع :


https://twitter.com/ahmad_helali/status/1770790553568891366?t

https://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=27221

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى