محمد عبدالعزيز أحمد (محمد ود عزوز) - خضراء كانت سماء المدينة...

خضراء كانت سماء المدينة
لأننا كنا أشجار
قبل أن تحكمنا الفؤوس
خضراء كانت لغاتنا
لأن الافواه كانت برك مُسالمة
ولأن قشور الكلمات كانت من الطحالب
خضراء كانت الدماء القروية بين الشرايين
لأنها لم تعرف الخنجر
عرفت دفء الحبيبة
وقسوة الغابة
ورطوبة الحب
خضراء كانت اسناننا
قبل أن تتزوج السيف
وتشاركه غداء الرؤوس
خضراء القصائد
خضراء الأحلام المُبللة بالرمال
خضراء الرمال الملتصقة بسيقان الحبيبة
في النهر المسعور
خضراء احذية الاطفال الخارجون من بيضة
اليقطين
خضراء شفاه الصبيّة الراكضة صوب البلوغ
عارية تماماُ من أي باب او قفل
خضراء الآلهة التي انتحرت
لأنها رأت اطفال موتى لم تشملهم كشوفات العصافير
خضراء الليالي التي قالت لي فيها
قبلني
خضراء الليالي التي همست لها في صدرها
أنا متعب
خضراء اصابعها التي حكت صدري
وكشطت منه احذية ومشاوير
واصابع بلا طلاء او اظافر مكدسة باللحم
خضراء كانت ابتسامة المتسول الذي رفع يده
يطلب جنيه
وعاد بلا ايدي
وبرب كامل
خضراء النافذة الحديدية التي علق طرفها بفستانكِ
في الحنين اللص
ومزق عنكِ كل تلك السنين
خضراء جثة ( كشة ) التي ابتسمت في وجه الطلقة
لتصيبها بالموت
خضراء جثة العلم الوطني
التي كُفنت بجثة جنرال
خضراء المياه القادمة من امطار الصيف
تلك التي نزفت اقصاب
ومراكب
وأكواخ
خضراء الأسئلة المكررة لليل
ماذا تفعل الأيدي الوحيدة بعد الواحدة وحدة ؟
خضراء الخريطة الدموية للسودان
في أطلس الحديقة
خضراء الجروح التي احدثتها المراكب في سُرة النهر
خضراء القطع المعدنية بين نهدي جارتي
تلك التي تقرأ لكامو ودرويش
وتجيد نزع الأقمصة دون صوت
خضراء الأيادي التي فقعت عين الرصاصات
كل شيء كان اخضر
من خلع اضلع الليل والبسه للجنود
من سحب الخنجر المغروز في السماء
ليسيل كل هذا الليل
من وضع الطست فوق المدينة
ليخبئ عننا كل ذلك الفجر
الزمان الجريح
يسير الآن على أمشاط الغبار
يرتكب الدوار
في حاقة الكأس العاشرة
والصبايا الذين لقوا حتفهم في انقلاب شاحنة حظ
يبتسمون
كسكان المرآيا
ويسردون قصصهم الصاخبة
ويقولون
خضراء الجنائز التي صلت لها الغابات
الشيوخ الذين نسوا أن يموتوا
يجلسون خارج محطات العدم
يسألون المغادرين الوسمين
عن موعد الرحلة القادمة
يقولون أجابتهم نفسها
راقبوا الضوء
فخضراء تذاكر الأحتضار
العمال الذين اشتروا تذاكرهم
في المناجم, في مصانع الأوقية الذكورية
في القطارات السريعة
وفي اثداء شريرة
يجلسون في مائدة العدم
يشعلون التبغ يتحدثون عن الثورات
و عن نساء كن يلعقن الملح
عن الإبط بلذة كافرة
يضحكون بخضرة ملساء
ويصرخون جميعاُ
خضراء ايادي الضحايا
كالعناقات
من يسحب كارة الليل عن الغابة
عن مقعد الجدة
وعن قصتها والمحرمة
اُغنيات الزمان الجريح
تغطي تجاعيدها
بالبثور
من يكشط عن الجثة شهوتها والطحين
أيتها الملائكة في الأعلى
كناسوا البلاد القتيلة
جامعوا ضرائب الآلهة
مفتشي أمن الخطايا
منقبي الفولاذ البشري
هل يمكن أن تجيبوا
حين سحبتم الخنجر من قلب هابيل
حين فعلتم ذلك
هل كانت دماءه خضراء ؟
#عزوز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى