كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (تابوتُ العدمِ).. مجموعة شعرية

* معجم العشاق..
لو تقتلينني دفعةً واحدةً
كنتُ سأشكرُكِ
وأسامحُكِ بدمي
وبكلِّ سنواتِ عذابي
وكنتُ سأمتدحُكِ أمامَ العشّاقِ
كي لا يذمَّ بِكِ أحدٌ
وسأبرِّرُ الأمرَ لكِ
أمامَ قصائدي
التي تفهمُكِ تماماً
وتعرفُ كلَّ شيءٍ
عن علاقتِنا التي لم تكن
أسامحُكِ بعمري
الذي لم أملكْ سواهُ
وبدموعي التي ذرفَتْها روحي
لا عليكِ منَ الليلِ
سيرتاحُ من شكوايَ
ولا تلقي بالاً بالقمرِ
سأقولُ لهُ لا تتدخّلْ
سأرتّبُ لكِ الأمورَ
مع كلِّ مَن يهمُّهُ أمري
فقط عجّلي واقتليني
دفعةً واحدةً بلا تردّدٍ
تعبتُ من موتٍ مجزأٍ
فكم مرحلة تجتازينَها
في قتلي؟!
وما زالَ قلبي ينبضُ باسمِكِ
وأصابعي ما زالت تخطُّ لكِ القصائدَ
حتّى أنّ روحيَ المكلومةَ
ما زالَ عندَها مساحةٌ من فضاءٍ
يتّسعُ لكثيرٍ من حبِّكِ
أناشدُكِ..
باسمِ الندى أطلقي سهامَكِ
دفعةً واحدةً
باسمِ قلبِكِ الطّيبِ
أجهِزي علَيَّ بقوةٍ أريحيني
وكوني على ثقةٍ
لن أكرهَكِ
أو أعاتبَكِ
فما أنا إلاّ طريدتُكِ
قدري أن أتذوّقَ
.كلَّ أصنافِ العذابِ
على يديكِ
ثمّ تقتلينني بأصابعَ باردةٍ
أعدميني..
واكتبي عندَ جثتي
هذا جزاءُ مَن يتجرأُ
على حبّي بجنونٍ
وتسوّلُ لهُ قصيدتُهُ
الأمارةُ بالسُّوءِ
أن تخلّدَني
كقطرةِ النّدى
في معجمِ العشّاقِ
فاقتليني..
لأحبَّكِ أكثرَ.*
إسطنبول
* سخرية السّراب..
اهترأتْ صرخاتُ الحنينِ
في أوجاعِ صمتي
وتعالتِ انْكساراتُ الرّمادِ
في سراديبِ بوحي
تهاطلت من قلبي حممُ الاخْتناقِ
وأنا أطرقُ بوابةَ الرجاءِ
ولا مِن مجيبٍ
إلآ سخريةُ السّرابِ
بُحَّ سقوطي
وأنا أتمسّكُ بظلمةِ الهاويةِ
آهٍ من حبٍّ طافحٍ بالخيبةِ
في فضائِهِ يرفرفُ إعصارُ الدمارِ
حبٌّ يقتلُ الأمنياتِ
ويلتهمُ أوراقَ العمرِ بجنونٍ
عاقبَني الضوءُ
لمّا تفتحت عيونُ نبضي!!
وهجَرَني الماءُ
حينَ ثغا حلمي
تلاحقُني لعنةُ قصيدتي
كلّما غنّى الشهيقُ في دمي
توزعُ الجحيمُ على قامتي
وكلّلَني التبعثرُ
في الدّروبِ التائهةِ
ويلتقطُني يباسي
من شرفاتِ المدى
أقتاتُ على الهُراءِ
وأنا أهدهدُ اْحتضاري
الحبُّ أفكُ التسابيحِ
إعدامُ الوردِ
لغةُ النهايةِ
خيانةُ الإبتسامِ
وأنا أتعهّدُ لانحسارِ المسافاتِ
ما بيني وبين غيابي.*
إسطنبول
* ولهذا..
حين أموت
ستشيّعني قصائدي
على أجنحة الحروف
فاستقبليها
إن جاءت تعزّيكِ
هي لا تعرف إلاكِ
وما سمعت يوماً بسواكِ
ستغدو يتيمة
فكوني عليها أمينة
أخاف يبعثرها الضياع
وهي ثروتي الوحيدة
وقد خصّصتها لكِ
ريعانها لقلبكِ للأبد
وصيّتي أن لا تهمليها
هي عصارة اختناقي
وثمرة دمعي
وأحصنة دمي الصّاهلة
اجلسي تحت شجرة
ستقرؤها لكِ تفرّعات الغصون
وسيكون النّدى حاضراً
يبلّل يباس دمعكِ
وستقوم الفراشات بشغبها
وإيقاظ قلبكِ من ثباته
وسيدقّ الضّوء
أبواب روحكِ المقفلة
يا أنتِ..
يامن تسكنين حنجرة الكلمات
تشكّلت أحرفي من قامتكِ
أنتِ قصيدتي التي تبحر في المدى
لأجنحتكِ كان الفضاء
لأنفاسكِ يهفو قمر السّماء
رسمتكِ بالكلمات على مرايا السّراب
حفرتها في باطن النّسمة
علّقتها على عنق البهاء
يا مهد الضّحى
يا نبيذ الشّفق
كان حبّي أكبر من هذا الكون
ضاقت عليه مجرات الحنين
صارت تسبح فيه البحور والمحيطات
ولهذا..
تستمدّ منّكِ الشّمس اشعّتها
وهذا..
ما يثير غيرة قلبي.*
إسطنبول
* ولكنُّي.. رجعت..
حين تعثرت كنجم
كبا في حضن الأفق
وتناثر ضوئي
على أدراج العتم
على دهشة البكاء
وتساقط مني ورد الغيم
وصار الثلج أعرج
يستند الصهيل على كتف المرارة
وتحول القمر إلى خفاش
يتمسك بسقف الخواء
وانثال من الجرح
بهاء الدروب
وارتطم الصدى بالهسيس
ظنّ أنّي انتهيت
كان يكبو على فيضي
ينحني لسعالي
يمجد غبار نعلي
يلهث خلف ما أرميه
يستجدي أسوار ظلي
وحين ألمّت بكبريائي وعكة
ظنّ أنّي انتهيت
راح انكساره ينهض
وانبعثت ضحكته في الجرد
تسامق على جدران ذله
اعتمر قبعة الدهاء
وراح يرسم لخطوته الدرب
امتدت يده لتلمس سهوبي
حاول معاقرة الندى
تطاول على فراشات قصائدي
توهم أنه يكبر
علق صدره على حائطي
دق مساميره على أحرفي
اتكأ على اعتقالي
أراد أن يمضغ اسمي
هاجم مقعدي
وصَفَقَ الباب بوجه ذاكرته
كتب بأحرفٍ خائرة
ولغة جرباء
صفّقَ لنفسه مراراً
أمام ضآلته
صرخ بأعلى اختناقه
أنا شاعر الأمكنة
فلم تسخر مني
الأزمنة؟!
كان يغطي أفقي بحقده
يعضّ شمسي بانهزامه
يطوق مطري
بدمعه
ويهتف من فوق منبر
الانهيار
أنا شاعر المرحلة
لكنٌ.. الجمهور خائن
سأكتب به التقارير
وأغير لغتي.*
إسطنبول
* نجمةُ الإبتهال..
يا وجهَ الضّوءِ
وصوتَ الرحيقِ
يا قامةَ السكرِ
وواحةَ الاشتهاءِ
متى أضمُّ بهاءَكِ؟
وأحضنُ فيكِ المدى؟
متى أرتحلُ إلى سهوبِ التألقِ؟
وأنزعُ عنكِ غبارَ الشهيقِ؟!
إنّي أحبُّكِ..
والحبُّ باحَ بحرائقي
نبضي يقطرُ ناراً وإعصاراً
دمي يكاتبُ أنفاسَكِ
وقصيدتي تتوجعُ بالأماني
متى أصابعي..
تشبكُ رهافةَ الخصوبةِ؟
ويتسلقُ الندى
أسوارَ التوهجِ..
الراعفِ بالهروبِ؟!
سأغفو ذاتَ موتٍ
في حضنِ دمعتِكِ
وأمدُّ توقي لبحةِ شعرِكِ
وأمشطُ جدائلَ الإبتسامِ
يا هامةَ الإشراقِ
يا نبعَ الذرا..
لو يظللُني رمشُ الأنوثةِ
لو ألثمُ جبينَ صوتِكِ
أحتاجُ ضحكتَكِ
كي لا أموتَ
اخلعي ثوبَ ظلالِكِ
ودثريني
في راحتيكِ.. تسكنُ جداولُ الهناءِ
وفي شفتيكِ
يختبىءُ عمري
أشعلي سهادَ غيومي
ودعيني أمطرُ شبقي
فوقَ التنهيدةِ
بلدي أنتِ..
قِبلة شوقي
محرابُ الرؤى
نجمتي الشهيدةُ.*
إسطنبول
* تابوتُ العدمِ..
أفكُّ أزرارَ العراءِ
فتحُ أبواب فرحتي
نادي على أحصنةِ المدى
وأشدُّ لجامَ البوحِ
فيهفو الضّوءُ على أجنحةِ نبضي
وترفرفُ بي لغتي
لتجتاحَ قصيدتي دروبَ البهاءِ
ولي قبثارةُ السّدى
ووهجُ الأمنياتِ البكرِ
وشبابيكُ الشّغبِ الموشّى بالأصداءِ
أنا جنونُ الاشتياقِ
أكلّم قامةَ الضحِكِ
في حضرةِ بلاطِ السّديمِ
أنثرُ شتائلَ الضّحى
على شغفِ النّدى
وعنقِ الشّذى الموجوعِ
أطعمُ للغيثِ مافي أوردتي
من سرابٍ
وأسقي الليلَ نبيذَ الدّفلى
لي حكاياتُ الهجيرِ
وسطوةُ الذكرى الهائجةِ
من أجلِ قلبٍ
يثبُ به الموجُ
على شطآنه يستريحُ الاحتراقِ
وتابوتُ العدمِ.*
إسطنبول
* ظلال الندى..
تعضُّني أصابعُ الغُربةِ
ويقشِّرُني عطشي إليكِ
يشربُني حنيني
ويعتصرُ دمي الصّاهلَ نحوَكِ
والمسافاتُ تتكوَّرُ في لهفتي
تمتدُّ إليكِ اختناقاتي
يَخطفُني لحاءُ دمي
ويحملُني موتي
على أشرعةِ جنوني
لتنزفَني الدّروبِ
على قارعاتِ غيابِكِ
وتستدلُّ عليكِ حرقةُ السّماءِ
الأرضُ تمجِّدُ أنفاسَكِ
وتثمرُ آهتي أغصانَ المدىٰ
العابقِ بندىٰ ظلالِكِ
وأحسبُ الضّوءَ طيفَكِ
وأظنُّ الأفقَ صوتَكِ
ويختلطُ عليَّ السّحابُ
مِنْ خُطاكِ
أنتِ قيثارةُ السّعادةِ
وبحرُ الأُمنياتِ
أنتِ رموشُ القُبُلاتِ
حينَ يعانقُ الفجرُ النّدىٰ
أنتِ همسُ المستحيلِ
حينَ تأتي القصيدةُ
كيفَ يلتمُّ دمعي مع تنهُّداتِكِ؟!
كيفَ يحضنُ قلبي
غمامَ شفتَيْكِ؟!
يا خليَّةَ الكونِ الأولىٰ
يا بَدْءَ ما أبدعَ اللهُ
يا حضنَ الخليقةِ
سأمشي على موتي
وأجيءُ لرحابِ أزهارِكِ
سأقفزُ من نافذةِ انكساري
وأدقُّ بابَ عرشِكِ.*
إسطنبول
* نامي!!!
نامي!!!
وتدثّري بغرامي
واتركيني أسهر
مع عذاباتي وهيامي
ومهما صرختُ
وناديتُكِ
لا تستمعي لِكلامي
يقتلُني شوقي إليكِ
ويذيبُ لي قلبي
يفتكُ في عظامي
وأنتِ على سريرِكِ
تنعمينَ بالدّفءِ والأحلامِ
إن صادَفْتِني بأحلامِكِ
ليتَكِ تردّينَ على سلامي
تكسّرَتْ أصابعي
وأنا أكتبُ القصائدَ عنكِ
وانبرَتْ أقلامي
ودفاتري عنْكِ امتلأتْ
باختناقاتي وحطامي
قلبي ينبض باسمِكِ
يا غصّةً انتابَتْ أحلامي
كوني رحيمةً
وترفّقي بي
يا سماءَ عمري
وندىٰ أعوامي
ليسَ لي في الدّنيا.. سواكِ
فليتَكِ.. تعدلينَ عن قتلي
وَخِصامي
ما أملكُ أنْ أتحدّاكِ
ولا عندي من يُحامي
باللهِ حبيبتي
أنقذيني من هواجسي وأوهامي
ضاعَ عمري
وأنا أدفعُ عنّي آلامي
والزّمنُ يا عمري
واللهِ
حرامي.*
إسطنبول
* مواجهة..
أختبىءُ من حلمي
لا أدلُّ قلبي عليّ
وأهربُ من روحي
إن صادفتُها تبحثُ عني
أبتعدُ عن قصيدتي
لا أحملُ أحرفي معي
وأنجو من الشوقِ.. إن طارَدَني
لا أريدُ صحبةَ دمي
سأعتزلُ رفقتي
وأرحلُ.. بعيداً عن غيابِكِ
أعلنُ باستسلامٍ ..
انهزامي من ساحةِ عشقِكِ
ولا أريدُ احتضانَ الموتِ
سئمتُ أنفاسَ الانتظارِ
وعطرَ الخيبةِ المريرةِ
هجرَتني غماماتُ الرؤى
تخلّت عن بسمتي.. قامةُ السكينةِ
لا دربَ يعبرُ لهفتي
والشوقُ أشعلَ أوجاعي
الأرضُ تعضُّ مضجعي
وغصتي لا تنامُ
أتوارى خلفَ عذاباتي
وأهمسُ للّيلِ.. لا تقتربْ
من نجوايَ..
مخبأي نسمةٌ شاردةٌ
أتعلقُ بأذيالِها.. بقوةِ المستجيرِ
لن أمنحَ للوقتِ.. وقتاً ليجدَني
أضناني حبُّكِ الوحشيُّ
نهشَ مقلةَ عمري
وأنتِ..
تطاردينَ الفراشاتِ
وتمنعينَ عنها الوردَ.*
إسطنبول
* مقصوف القلب..
وأعضُّ جنونَ لوعتي
أهشّمُ صدى احتراقي
وأمسكُ بأجنحةِ اللهفةِ
لا أريدُ لقلبيَ الموتَ
مرّتين
هو.. طيّبُ السّريرةِ
متسامحٌ
أبسطُ من نسمةِ صبحٍ
لا يحتملُ لدغةً من ندى
عاشَ في سراديبِ صمتِهِ
يداري أشواقَهُ بالجلطةِ
يختبئُ في ظلِّ غصتي
ودائماً دمعتي تغسّلُ قهرَهُ
وتمسّدُ له قصيدتي جراحَهُ
يلوذُ بآهتي
يحتمي بشقوقِ الأمنياتِ
فلا تلوّحي له بمناديلِ الغمامِ
فكم نهشَ السّرابُ من عطشي؟!
وسرقَ الضّبابُ لي جهاتي؟!
مشيتُ فوقَ حبالِ الانهزامِ
وكانَ اللظى في انتظاري
لن أسمحَ للبرعمِ بالتفتحِ
سأعترضُ مسارَ الرّياحِ
وأسدُّ على قلبي منافذَ نبضِهِ
وأمنعُ الحبَّ عنّي
بأوامرَ عسكريةٍ
ممنوعٌ..
اقترابُ الندى
منِ اختناقي.*
إسطنبول
* من فضلِ ربي..
سأكونُ حَذِراً
يقظاً ومنتبهاً
وسأحتاطُ من كلِّ الجوانبِ
لَنْ أذيعَ سرِّكِ
وحدي خصّني اللهُ
بمعرفةِ حقيقتِكِ
الناسُ لا يدرونَ بتاتاً
حقيقةَ الأمرِ
وأنا..
لأنّي أغارُ عليكِ
وأخشىٰ أنْ يأخذَكِ منّي أحدُهُمْ
لَنْ أقولَ:
- إنَّ العالَمَ ينعمُ بالسّعادةِ
لأنّكِ موجودةٌ
لو لاكِ لأصابَهم الهلاكُ
منذُ البدايةِ
لأجلكِ تشرقُ الشّمسُ
والبشريّةُ تنعمُ بضوئِــها ودفئِــها
من دونِ معرفتِهم الأسبابَ
الهواءُ أيضاً
والماءُ.. وكلُّ شيءٍ
الكونُ مرتَّبٌ مِنْ أجلِكِ أنتِ
ما مِنْ ذرّةٍ في هٰذا الكونِ
إلّا وَمُدانَةٌ لكِ
فمن أجلِكِ تواجدَتْ.. وَخُلِقَتْ
فأنتِ سرُّ التّكوينِ
ورحمةُ اللهِ لكلِّ ما خلقَ
والنّاسُ في جهلٍ
يظنّونَكِ إنسانةً عاديّةً
يتعاملونَ معكِ ندّاً لندّ
لا تغضبي منهم
ولا تعاتبيهم
أنا لَمْ أَشَأْ إخبارَهم
بحقيقةِ مَنْ تكونينَ
هناكَ خطرٌ عليكِ.. وخوفٌ
ماذا لو أغواكِ غيري؟!
وتلاعبَ بمشاعرِكِ!
وأنتِ طيبّةُ القلبِ
قد تصدّقينَهُ
لا أحدَ يحبُّكِ مثلي
لأنّهم في الأصلِ يجهلونَ
مَنْ أنتِ
وسأكونُ أنانيّاً.. وكتوماً
ولعيناً
وَلَنْ أُطْلِعَ الجميعَ
على سرٍّ أعرفُهُ لوحدي
وأملكُهُ
وَلَنْ أفرِّطَ بِهِ
وبهٰذهِ الطريقةِ
ستجبَــرينَ أنتِ أيضاً
على حبّي
فلا أحدَ هناكَ
يحبّكِ بحجمِ حبّي
وهٰذا مِنْ فضلِ ربّي.*
إسطنبول
* أنتِ لي..
ويطلُّ مِنْ صوتي
شوقٌ واحتراق
ونحيبُ السّؤالِ
خبّأتُ عنكِ الأرضَ
أخفيتُ عنكِ السّماءَ
وعصبْتُ عينَيِ الشّمسِ
حتّىٰ أجبرَكِ على اللجوءِ إليّ
ستدقّينَ بابَ انتظاري
وتهرعُ إليكِ لهفتي
أفتحُ لكِ مساماتي
لأضمَّ هواجسَ بردِكِ
خُذي نبضي دِثاراً
توغّلي في دمي
فلا سَكَنَ لكِ خارجَ قلبي
يأكلُكِ الذّئبُ
فلا تفتحي نوافذَ الهروبِ
سجينةُ روحي أنتِ
في زنزانةِ عمري ستعيشينَ
وذنبُكِ..
أنّي أحبُّكِ بجنونٍ
سأكونُ أوّلَ عاشقٍ
يعتقلُ حبيبَتَهُ
وأوّلَ شاعرٍ يأكلُ قصيدَتَهُ
وسأسوِّرُ الكونَ من حولِكِ
بيقظتي
وأفرشُ لَكِ الفضاءَ بالنّدىٰ
لا يقتربُ منكِ إلاّ هوايَ
ممنوعٌ علىٰ النّسمةِ
أنْ تسرقَ منكِ شعرةً واحدةً
ممنوعٌ علىٰ الأرضِ
أنْ تحملَ أجنحتَكِ
أنتِ لي
لي.. وحدي
وخارجَ حُلُمي
لَنْ تبرحيهِ
وَلَنْ تكوني.*
إسطنبول
* تنازل..
أعفيكِ مِنْ عذابِ الضّميرِ
مهما تسبّبْتِ لي مِنْ آلامٍ
وجراحٍ تنزفُ آمالي
معفيةٌ أنتِ من أيِّ اعتذار
فقد وهبتُكِ سعادتي
وسخَّرْتُ قلبي لينبضَ لَكِ
لكِ مطلقُ الحرّيّةِ في معاملتي
يسعدُني أنْ تبتسمي لاحتراقي
لا يهمّني الاختناقُ
طالما هٰذا يفرحُكِ
ولا أكترثُ لحياتي
طالما أنتِ تتلذّذينَ بقتلي
سكّينُكِ تثيرُ شهوةَ عُنُقي
فأرفعُ أمامَكِ ذراعَيْ قلبي
لِتطعنيهِ.. كما تشتهينَ
لَنْ أقاومَ موتاً لذيذاً
علىٰ يديكِ الحنونتينِ
وتأكّدي.. لن أكرهَكِ
مهما أحرقْتِ كبريائي
خصّصْتُ عمري لحبِّكِ
دونَ اعتراضٍ
وروحي لحبلِ غرورِكِ
فأحكمي عليها الخناقَ
ميّتٌ أنا سواءٌ ذبحتِني
أو تجاهلْتِ حنيني
فلا تعتذري
ليسَ الأمرُ بالمهمِّ
ولا تتردّدي
فلا من داعٍ.. لهٰذا
أجهزي عليّ بقوّةٍ
إنْ كانَ الأمرُ.. يريحُكِ
ويحقّقُ لكِ التّواجدَ
في ساحةِ التّباهي والافتخارِ
قولي لهم
أخبري الجميعَ
بعنجهيةٍ.. وَأَنَفَةٍ
أنا من تخلّيتُ لكِ
عنّي..
وتنازلتُ بإرادتي.. ورغبتي
عن وجودي
لأجلِ سعادتِكِ
حبيبتي الوفيًّة.*
إسطنبول
* احتجاج..
تحتجُّ كلماتي
كلّما أردتُ إرسالَها إليكِ
وتعاندُني
وتهربُ من شبابيكِ قلمي
تصرخُ مِلْءَ أسطري
لَنْ أطاوعَ
كرامتي لم تَعُدْ تسمحُ لي
فأنا لستُ حُروفاً من خشبٍ
لكنّي لا أثيرُ حبيبتَكَ
وهي لا تستقبلُني بلهفةٍ وشغفٍ
تقرأُني ببرودٍ.. لِتضحَكَ
وترضي بي غرورَها
فأنا لا ألامسُ قلبَــها
الذي يدقُّ برتابةٍ
وهي.. لا تضمُّني إلى صدرِها
ولا تشمُّ عبقَ حِبري
وليتَــها تتأمّلُ ما أحملُ مِنْ معانٍ
أنفاسُها.. لا تضطربُ
تطالعُني بحيادٍ
وأصابعُها لا ينتابُها الارتعاشُ
ثمّ ترميني جانباً
كقطعةِ حلوى شبعَتْ منها
لا.. لَنْ أذهبَ
وإنْ أرغمَتْني
سأخفِّفُ من حرارتي
وأتظاهرُ باللامبالاةِ
وقد أُحْدِثُ في غرفتِــها الفوضى
أدلقُ لها فنجانَ قهوتِــها
فوقَ أوراقِها المتناثرةِ
أو أحبسُ أنفاسي أمامَها
وأكتمُ المعاني في داخلي
وأصبحُ غامضةً.. مبهمةً
هي.. لا تحبُّكَ
ولا تتعاطفُ معكَ مهما شكوتَ
فلماذا تكتبُ إليها؟!
ما عساكَ أن تستفيدَ
منِ امرأةٍ حمقاءَ؟!
لا تقدّرُ مشاعرَكَ
أو تعرفُ شيئاً
عن الحبِّ والأشواقِ!!
لا تكنْ غبيّاً وتقدّمُ أمامَها التّنازلاتِ
لا تستحقُّ منكَ
كلَّ هذا السّهرِ
وهذا التّفكيرِ المحمومِ
فكم مِنْ مرّةٍ
قلتُ لكَ: استبدلْها؟!
وتأمّلِ اللواتي يطاردْنَكَ
ويطلبنَ رضاكَ
ويذبنَ من كلامِكَ
الذي لم تخصّهنَ بهِ
اكتبْ قصائدَكَ.. عن سِواها
عن حبٍّ ممتعٍ.. فيه فرحةٌ
وسأنفِّذُ لكَ كلَّ أوامرِكَ
وأهرعُ نحوَ حبِّكَ الجديدِ
بجنونٍ ورغبةٍ
أنتَ.. أضعْتَ عمرَكَ يا مسكينُ
فأنا أشفقُ على عشقِكَ
وأحزنُ على ما آلتْ إليهِ
أحوالُكَ
فما أنتَ إلاّ مجرَّدُ طيفٍ
ظلَّ ينكبُّ فوقَ أوراقِهِ
تكتبُني من مِدادِ دمِكَ
وتحترقُ
وتختنقُ
وتبكي فيكَ الأماني
وهي..
تثملُ من فرحتِها
وتتطاولُ
من شدّةِ الغرورِ
والتجبّرِ.*
إسطنبول
* ضيافة..
تبكي منكِ القصيدةُ
تشكو لي ما تلقاهُ منكِ
من فتورٍ.. وبرود
هٰذهِ ليسَتْ مجرَّدَ حروفٍ
هي روحٌ وَدَمٌ
يا حبيبةُ
تحسُّ.. وتتألّمُ
وتموتُ
لو أنّها أُهْمِلَتْ
وخاصّةً منكِ
قصيدتي
بعضٌ من قلبي
جزءٌ مهمٌّ من روحي
فلا تحسبيها كلماتٍ
مِنْ خشبٍ
تأتي إليكِ متلهِّفَةً
كطفلٍ رضيع
تريدُ أن تغفوَ في حضنِكِ
وكنتُ قد أوصيتُــها
أنْ تعانقَ نبضَكِ.. بِتَوْقٍ
وتغمرُ غمّازةَ وجهِكِ بالقبلاتِ
فلا تقتليها.. أو تهمليها
هي كائنٌ مِنَ أشواقٍ
تصبو أنْ تشاركَكِ غرفتَكِ
وتتمدّدُ بأريحيّةٍ على سريرِكِ
أوصيتُــها أن تسهرَ وترعاكِ
وتمشِّطَ شعرَكِ بحنانٍ
وتصبَّ لكِ الماءَ
حينَ تستحمّينَ
هي حارسٌ لفتنتِكِ
فليتَكِ بحبّ تقرأينَها
وإنِ اجتاحَها بردٌ
أمانةٌ عليكِ أن تدفئيها
هي حنيني إليكِ
ولوعةُ قلبي
آهٍ.. لو أنّكِ
تتأمّلينَها.. وتصدّقينَها.*
إسطنبول
* يبكيني قلبكِ..
لو أدخلُ قلبَكِ
وأتلمّسُ نبضَهُ
لأتأكّدَ إن كان يدقُّ
وأتفحصَ جدرانَهُ
علّني أزيلُ عنهُ الصدأَ
وأنظفُ حجراتِهِ
من خرابِ السّنين
سأوقظُ له الحواسَ
أدفّئُ لهُ أصابعَهُ
وأدلّكُ أنفاسَهُ
وأضمُّهُ إلى روحي
لأعيدَ لخفقانِهِ الأمانَ
فقلبُكِ مرعوبٌ يا حبيبتي
منكمشٌ عنِ الضّوءِ
متحفّزٌ منَ الحبِّ
كأنَّ بهِ أثرَ طعناتٍ غادرةٍ
خياناتٍ لئيمة
يبكيني قلبُكِ
يُدمي آهتي
أقسمتُ ألاّ أتخلّى عنهُ
سأداريهِ..
وأشفيهِ
وأتركُ لهُ خيارَ حبّي.*
إسطنبول
* عقوبة..
لن أسمحَ لقلبي بالكلامْ
مهما بكى.. مهما غضبَ
مهما شكى منَ الآلامْ
حَجَرتُ عليهِ.. وعلى نبضِهِ
قيّدتُهُ بينَ ضلوعي
ممنوعٌ منَ التنفّسِ
محظورةٌ عليهِ الأحلامْ
لا.. لن أستجيبَ لَهُ
إنِ استجارَ.. أو توسّلَ
حتى إن أشفقتْ عليهِ
الليالي والأيامْ
سيبقى حبيساً.. مهما عشتُ
مكتوفَ الأجنحة داخلَ قبري
محرّماً عليهِ تعاطي الغرامْ
أصدرت حكمي عليهِ
كانَ يستحقُّ عقوبةَ الإعدامْ
لا تقلْ لي يا حبُّ
هذا كثيرٌ عليهِ.. بل هذا حرامْ
قلبٌ أوصلني إلى المذلّةِ
ضيّع عمري وسطَ الزّحامْ
لم يرأَفْ بحالي
قادَني إلى مشارفِ الحطامْ
طوالَ عمري.. كنتُ معهُ
على خلافٍ وخصامْ
في حبِّهِ كان أعمى
لم يُعِرْ لنصائحي اهتمامْ
كانَ يتقافز أمامي
مثلَ الحمامْ
كتبَ القصائدَ باْسمي
حرَمَ عينيَّ المنامْ
لا يؤتمنُ لو أفرجتُ عنهُ
سيشقُّ عصا الطاعةِ
ويذهبُ إليكِ
تحتَ أجنحةِ الظّلامْ
ويحوّلُ ما تبقى من كبريائي
إلى كومةٍ من ركامْ
لن أفرجَ عنهُ
مهما ذاقَ الظلمَ
طالما هو..
في حالةِ هيام.*
إسطنبول
* لو ينام قلبي..
لو ينامُ قلبي ليلةً واحدةً
ويرتاحُ من عناءِ حبِّكِ
كنتُ سأدفئهُ
وأتركُ دمَهُ يستحمُّ
وأمشّطُ لهُ نبضَهُ الأشعثَ
وأداري جراحَهُ
وأنظّفُهُ من الهواجسِ
سأقتلعُ من أرضهِ الأوجاعَ
وأنثرُ في سهولِهِ
بذورَ النّدى
وسأخلعُ عن جدرانِهِ
مساميرَ الأشواقِ
وأرمِّمُ فضاءَهُ المأزومَ
وأرشُّ الضّوءَ على خلجانِهِ
أسقي حنانَهُ الهائجَ.. بالسّكينةِ
وسأقلّمُ أغصانَ غصّتِهِ
وأمسحُ الدّمعَ عن أحلامِهِ
وأهدهدُ لعصافيرِهِ
طوالَ الليلِ
لو ينامُ..
وينسى عذاباتِكِ
أغطّيهِ بأهدابي
أفرشُ له أنفاسي
أعلّمهُ فنونَ الصّبرِ والانتظارِ
ليلةً واحدةً.. بأكملِها
يتحرّرُ منكِ
وينامُ عارياً من نارِكِ
بعيداً كلَّ البُعْدِ
عن نزيفِ الأشعارِ
ومناداتِكِ
التي لا تردّينَ عليها
آهٍ..
لو ينامُ قلبي.*
إسطنبول
* موتٌ لا يُنَفَّذُ..
أنا إن متُّ بعيداً عنكِ
يا بؤسَ هٰذا الموتِ
سيكونُ موتاً مميتاً لي
وخانقاً لأشواقي
لا أقبلُ – والله – تلكَ النّهايةَ
الحزينةَ
سأرجمُ جنازتي بغصصي
وسأنثرُ قبري على الملأِ
وأصرخُ بكلِّ ما أوتيتُ من دمعٍ
لا أريدُ الموتَ بعيداً
عن صدرِ حبيبتي
أنا إنْ متُّ قربَكِ
سيكونُ موتي هنيئاً
ستحسدُني الملائكةُ وتغارُ منّي
فَمَنْ يَمُتْ إلى جوارِكِ
لا يموتُ
ولا يحاسَبُ على ذنوبِهِ
وسيكونُ بابُ الجنّةِ مفتوحاً له
يا طُهْرَ المدىٰ في حضنِكِ
يا نقاءَ النّدىٰ على سفوحِكِ
يا فرحةَ التّرابِ الذي يضيءُ
سأهرِّبُ موتي وأندسُّ تحتَ غيومِكِ
سيحملُ قلبي نعشي
وَتُحَلِّقُ بي أجنحةُ لهفتي
أقسمتُ أنْ لا أدفنَ
إلاّ في طيّاتِ أنفاسِكِ
لأبدأَ حياةً جديدةً
لا يعرفُ الموتُ لها عنوان.*
إسطنبول
* أذرع التوهان..
أفترشُ غربتي لأنامَ
أتمدّدُ فوقَ أوجاعي
لحافي آهتي
ووسادتي دمعةٌ تحترقُ
أشعلُ صمتي لفّافةً
وأتركُ لحنيني أنْ يقضمَ نبضي
كم مضىٰ على موتي
في هٰذا الفِراقِ؟!
والثّلجُ يسقطُ في ذاكرتي
تعصفُ في جوارحي الأسئلةُ
وتمشي بي هواجسي
إلى دروبِ الانتحارِ
ينتظرُني مدىٰ من هلامٍ
وأنا أجثو فوقَ السّرابِ
ألاحقُ سماءً نَبَذَتْ أجنحتي
ويطوّقُني العدمُ
مِنْ كلِّ جهاتِ البَوْحِ
والأرضُ تدهسُ لهفتي
والهواءُ جارحٌ
تمزِّقُني مناقيرُ الندىٰ
وأنا أشربُ نزيفَ السّقوطِ
يقتاتُ القهرَ على حنجرتي
ويعبُّ من غصّتي
جحيمَ المستحيلِ
طالَ انتظارُ جثّتي
انكساراتي تحملُ تابوتي
وتدورُ على أبوابِ الصّدىٰ
والهزيمةُ لا تفتحُ لي قبرَها
لأبقىٰ بلا وطنٍ
يرتدي سُحُبي
توضّأتُ بالزمهريرِ
وكانتْ صلاتي
تبحثُ عَنِ القِبلةِ
في زحمةِ الجهاتِ
الهاربة.*
إسطنبول
* صليل الصدأ..
وكانَ الرّحيلُ
يقرعُ بوّابةَ عمري
ويمدّني بدروبٍ لا تنتهي
تخطو في دمي.. كأفعىٰ
تسعىٰ نحوَ جبالِ شهقتي
تندسُّ الأرضُ تحتَ عرائي
في وهني يختبئُ الصّقيعُ
في لغتي يتمترسُ الصّمتُ
والسّماءُ تتكوّرُ في دمعتي
كرغيفٍ مقدَّدٍ
أحملُ في حنجرتي
جمرَ الكلامِ
وألوبُ على ينابيعِ الجفافِ
لأسقيَ أوردةَ النّزفِ
يعتليني التّشردُ
يقودني إلى أفقٍ تائهٍ
ضلَّ عن أسرابِ الظّلامِ
ويهاجمُني عويلُ التّرابِ
فأحفرُ باطنَ خوفي
لأحميَ قبري عن التّشرّدِ
ويقهقهُ الرّمادُ
على شفتَــيْ النّدىٰ
والرّيحُ تلطمُ خطواتي
ويبعثـــرُني الغبارُ
تتساقطُ منّي أشجارُ الصّدىٰ
يا موجَ الدّمِ أغثني
ظمئي متشقِّقُ النّبضِ
والخرابُ بنىٰ قصرَهُ
فوقَ ارتمائي
إنّي أبحثُ عن جُزُرِ السّرابِ
سأبحرُ في لجّةِ العَدَمِ
هناكَ ترزحُ مدينتي
يسكنُها الهباءُ
يحكمها الرّميمُ
بناها صليلُ الصدأ.*
إسطنبول
* تماثيل الماء..
تهطلُ من جرحي المسافاتُ
تعمّرُ في دمعتي براكينَ أشرعةٍ
وينوءُ الموجُ بالرحيلِ
يصحبُني الصدى إلى شرنقةِ الظّلالِ
وهناك أبصرُ قامتيَ السّاقطةَ
تتلظّى فوقَ رمالِ الشّهيقِ
يناديني وجعُ الكلماتِ
منقوشةً على بوّابةِ السّدى
وتركضُ دروبي باختناقي
تشمُّ العتمة دهشتي
وتقبضُ عليّ يدايَ
تجرجرُني كالغيمِ
في شقوقِ تنهداتي
أنا يباسُ النارِ
في وهجِ الهواجسِ
حائطُ الخرابِ في العدَم
والماءُ يعبثُ في عطشي
يغمرُني بنشوى السّرابِ
أمدُّ خطوتي
داخلَ صمتي
أفتشُ عن قصائدَ دعجاءَ
تشربُ ملحي
وتأكلُ اْرتعاشي
تتقاطرُ الجِبالُ فوقَ هشاشتي
وتذرُوني أصابعُ الانتظارِ
ينبجسُ الغبارُ من أوراقي
وتتساقطُ عصافيرُ النّدى
من سماءِ خيبتي السّابعةِ
يا سخطَ الموتِ الطّافحِ بالمَدى
هل مسّتْكَ مدينتُنا بالسُّوءِ
تراخت حجارتُها فوقَ لهفتِنا
وانداحت من حناجرِنا
صنابيرً الهواءِ
وتكسّرت تماثيلُ الماءِ
فوقَ شفقِ الاندحارِ.*
إسطنبول
* النسيان..
لا تلحّي على ذاكرتي
أنا نسيتُكِ منذُ زمنٍ
وقلبي لم يعد يعرفْكِ
غابَ عنّي شكلُكِ
هل أنتِ بيضاءُ..أم سمراءُ
قصيرةٌ أم طويلةٌ؟!
تحبينَ الشّعرَ
أم تقتلينَ القصائدَ؟!
لا أذكرُ أنّا التقينا
أو إن كنتُ أحبُّكِ
كلُّ ما أعرفُهُ
أنّي لا أطيقُ الغرورَ
وأنّ كرامتي لا تسمحُ لي
بالاستمرارِ في حبٍّ مذلٍّ
قصائدي غيّبتِ اْسمَكِ
وقلبي تعقّلَ من طيشِهِ
هُوَ الآنَ ينامُ مِلْءَ جفنَيهِ
وتعافى من جراحِهِ الكثيرةِ
وعادت لغتي البيضاءُ لي
استردت أحرفي أنفاسَها
وصارَ ليلي مضيئاً
وفراشي أوسعَ
يتسعُ لروحيَ المطمئنةِ
لا تعودي
فقد تعودتُ على التّنفسِ
وراحةِ البالِ
وتعودت ضحكتي على التواجد.*
إسطنبول
* ندم..
يا ليتَ ترابي يتفتّتُ
ومياهي تجفُّ
سأطعمُ دمي للريحِ
وألقمُ روحي في جهَنَّمَ
وسأنتقمُ من قلبي
أشرّ انتقامٍ
يا موتُ خذ لي حقّي منّي
مزّق فؤادي.. وأرحنِي منهُ
كانَ على لغتي أن تعضَّ
على لسانِها
وكانَ عليّ أن أدخلَ
جرحَ الرّمادِ
أكرهني..
ولن أسامحَني
مهما تكررتِ انْتحاراتي
أنا غيمةٌ
تعلقت بأذيالِ البرقِ
فانصعقت
أحتضنُ الغباءَ وأمشي
يا ويلَ عمري
من حماقاتِ نبضي
تكسّرَ الهواءُ في حنجرتي
وتعالى الخرابُ على كاهلي
سأصفعُ لهفتي إن طلّت
وبالنارِ سألاحقُ حنيني
لم يبقَ للحبِّ مكانةٌ عندي
سأخمشُ وجهَهُ إنِ اْقترَبَ منّي
هو لعنةٌ بتّ أمقتُها
سأغرزُ خنجري في قصيدتي
ولن أمسحَ دموعَ ذكرياتي
سأمنعُ عني خطواتي
ولن أشفقَ على اْنهياري
سأختبئُ في جوفِ الموتِ
وأمنعُ عنّي أخباري
لن أذكرَ اْسمَكِ
أمامَ النّسيانِ
ولن أخبرَ جراحي
عمّا فعلتِ
لن أغفرَ لنفسي
ذنوبَكِ
كلُّ جرائمِكِ تنسَبُ إليّ
أنا المسؤولُ عن قتلي
سامحتُكِ بكرامتي
التي أهدرتِها
وبانكساراتي.*
إسطنبول
* أشهدُ أنّي بكيت..
أنا اكتفيتُ من عذابِكِ
اتخمتُ بالأوجاعِ
وارتوت النّارُ من دموعي
وحازَ قلبي على شرِّ الهزائمِ
ماعادَ نبضي يقوى
على الهتافِ باسمِكِ
ولا عادتِ الأرضُ تطيقُ انتظاري
قصائدي أضرمتِ النيرانَ
في حروفِها
وانتحرت شبابيكُ لوعتي
تعجّب (أيّوب)
من مقدارِ صبري.. عليكِ
واستغربَ الحبُّ منّي
هذا التّحملَ.. الغريبَ
ما كنتِ في حياتي إلاّ جحيماً
وانتقاماً من صدقي
فاذهبي من دمي
واحملي أوسمةَ انتصاراتِكِ
أتيتُ إليكِ عاشقاً
لا محارباً
كانت أيامي إليكِ
تلوّح بالحنينِ
وكانت أيامُكِ
تغدقُ على أنفاسي
الأنينَ
اتركيني.. أضمّد انكساراتي
وأرتّق خيبتي
فقد طالَ بيَ الوجعُ
يا أنتِ.. ياجلادَ آهتي
يا نيرانَ دفاتري
يا سقوطي
من علياءِ ذاتي
كانَ حبُّكِ صليبي
أشهدُ أني بكيتُ
طويلاً على أعتابِكِ
وأنتِ لم تشفقي
أو تترفقي!*
إسطنبول
* لعنةُ الحبِّ..
وكانَ الوردُ يقطفُ لي
من وجهِكِ شعاعَ النّدى
كلَّما جنَّ اشتياقي
وتسرقُ لي الفرلشاتُ
بعضَ ظلالِكِ الوارفةِ
أيّتها السّاطعةُ بقلبي
حبُّكِ أهدى إليَّ الجنونَ
فكيفَ أُقَبِّلُ نارَكِ
وألتهمُ عناقيدَ السّحرِ فيكِ؟!
وأنا أخافُ إن لمستُ طيبَكِ
أن أمحقَ وأن لا أكون!!
قد تلتهبُ الأرضُ تحتَ ارتجافي
وقد يخطفُني البرقُ
أو ربّما تتلبّسُني دهشتي
وأتوهُ
في سراديقِ الضّياعِ
أنتِ من تدورُ في أفلاكِكِ
كلماتيَ العطشى لاحتضانِكِ
ولأجلِكِ عمري يمطرُ الرّيحانَ
على نوافذِ غيابِكِ
تعالَيْ يا امتدادَ البحارِ
أمامَ قاربِ مناجاتي
إنِّي أطاردُ صدى صمتِكِ
وأتمسَّكُ بأذيالِ شهوقِكِ
كم بذلتُ من موتٍ لألقاكِ؟!
وشيَّعتُ جنازاتي
من تحتِ شرفتِكِ
وأنتِ لم تلوِّحي لنعشي
ولم تترحَّمي على خرابي!!
أعيدي إليَّ الدُّنيا
التي خسرتها لأجلِكِ
أعيدي إليَّ آفاقَ بسمتي
وشمسَ دموعي
ليتَكِ لم تكوني الهواءَ
ليتَكِ لم تكوني السّماءَ
ليتَكِ لم تكوني الماءَ
وليتَ الحبَّ لم يكن
لعنةً على الأغبياء.*
إسطنبول
* برزخ الانتظار..
أحتمي بالوردةِ
جراحي يمسّدها النّدى
يحاوطني زئير العدم
وتنهبُ الأيام شمسي
لا الأرض عادت تحملني
والسّماء أرخت حملها على أنفاسي
تتخاطفني الدّروب
يتنفسني الاختناق
ويبحر التّراب
في أوردتي
تتلكأ الغيوم في دمعتي
وأنا لا أحتمل غيابي
كم مضى على خطوتي
من شرودٍ في قفرِ السّديم
بنى السّراب فوق قلبي
خيمته
والسّماء استظلّت بصرختي
اليابسة
إنّي أبحثُ عن برزخٍ
أعمّر فيهِ مرقداً لكلماتي
وأزرع هناكَ أشجار ضحك
ونوافذ انتطار
سأكتب للموت رسائلي
وسأعطيهِ دفاتر صمتي
وأدفن في براريه فضائي.*
إسطنبول
* ابرِيقُ السَّرابِ..
تَقرؤُنِي القَصِيدَةُ
تَتَصَفَّحُ رُوحِي
تَتَفَهَّمُ ما بِدَاخِلِي
فَتَشعُرُ بِالتَّعَاطُفِ مَعِي
ألمَحُ الدَّمعَ في عَينَيهَا
تَقتَرِبُ مِنْ أوجَاعِي
تأخُذُ أصَابِعَهَا تُمَسِّدُ آهَتِي
وتُغَطِّي حَنِينِي بَصَدرِهَا
تَحمِيهِ مِنَ البَردِ
وعلى وَجهِي تَفرُشُ شَعرَهَا
وَتَطرُدُ عَنْ أنفَاسِيَ الخَوفَ
لِأوَّلِ مَرَّةٍ أُحِسُّ
أنَّ هُنَاكَ مَنْ يُوَاسِينِي
وَيَهتَمُّ بِأمرِي
أنا وُلِدتُ في قَلبِ النَّارِ
رَضَعتُ الزَّمهَرِيرَ
زَحَفتُ على السَّعِيرِ
وَكُنتُ كُلَّمَا كَبُرتُ
بِدَاخِلِي تَتَفَاقَمُ جَهَنَّمُ
لا نَافِذَةَ لِي لِأُطِلَّ على الكَونِ
والبَابُ مُقفَلٌ بِالشُّرَطِيٍّ
الهَوَاءُ مُسَيَّجٌ بِالأسلاكِ الشَّائِكَةِ
الرَّغِيفُ مُختَبِئٌ وَرَاءَ المَوتِ
وَالماءُ مَحبُوسٌ في ابرِيقِ السَّرَابِ
أَمَّا الحُبُّ
فَهُوَ على مُرتَفَعَاتِ الهَلاكِ
تَغتَصِبُهُ ثُلَّةٌ مِنَ الأثرِيَاءِ
وعلى جُدرانِ وطَنِي
مَنقُوشَةٌ صُورَةُ الخَلِيفَةِ
يَتَعَمَّمُ بِالدَّمِ
وَ يَبتَسِمُ بِجَلافَةٍ مُرعِبَة.*
إسطنبول
* أنا لا أغيب..
أحاسيس : مصطفى الحاج حسين.
شَتَائِمُكَ دَائِماً تَصِلُ إليَّ
سَاخِنَةً
تَنبَعِثُ مِنهَا الغيرَةُ
وَرَائِحَةُ الكَرَاهِيّةِ السَّودَاءِ
تُؤلِمني صَدَاقتُكَ المَزعُومَةُ
فَأَنتَ أمَامِي
تَنحَنِي لِحَدِّ مَا أُشفِقُ عَلَيكَ
كَرَامَتُكَ تُلامسُ التُّرابَ
تَكادُ تُقبّلُ أطرَافيَ السُّفليَّةَ
لَكنّكَ عَجِزتَ عَن مُنَافَسَتِي
فَشلتَ أن تَكُونَ أمَامِي نِدَّاً
وهذا ما يَجعَلُكَ تَثورُ عليَّ
في غِيابِي
فَتَصرخُ وتَشتمُ وتُجنُّ
وتَبكِي
وَلَكِنَّني أنا لا أغِيبُ
اسمي فَوقَ رَأسِكَ
سَيبقى حَاضِرَاً مُنتَصِبَاً
مَكَانَتِي تُهَيمنُ على فَضَائِكَ
فاحذَرِ النٌَسماتِ الّتي تَسخَرُ مِنكَ
والجّدرَانَ الٌتي سَتُطبقُ عَلَيكَ
اِحتِجَاجَاً على خِيانَتِكَ
أنتَ إن أرَدتَ كِتابةَ قَصِيدَةٍ
تَتَجرَّأُ وَتَقطفُ مِن لُغَتِي فَاكِهةَ الكَلام
تَسرِقُ نَبضِي لِتَشحَذَ نَبضَكَ
تَسطُو على عيوني
لِتبصرَ عَماءَكَ
كانَ عَلَيكَ أن تَعتَرِفَ
لِأُعَلِّمَكَ مَعنَى حُروفِ الأبجَدِيّةِ
القَضيَّةُ لَيسَت بِالنُقُودِ
يا ثَرِيَّاً
وَنَحنُ نَعرفُ كَيفَ أَنتَ أغتَنَيتَ
هِي لَيسَت
باكتِنَازِ الدّهُونِ والشَّحمِ
وَمُصَارَعَةِ الدّيُوكِ
لِتَبطشَ بِتغرِيدَاتِ قلبي
الشِّعرُ
أَوسَعُ مِن شَهَادَاتِكَ المُزوَّرَةِ
وَأَكبَرُ
مِن أَن تَكُونَ لَكَ حظوَةً
عِندَ مَن يَغتَالونَ الشُّعَراءَ
الشِّعرُ يَختَنِقُ
إن تَنَفَّسَ مِن خِلَالِ مَسَامَاتِكَ
لأنّكَ لَستَ بالشّاعرِ يا غَبيّاً
لَستَ بالشّاعرِ
يَا مُتَلبِّدَ الضَّمِيرِ والعَاطِفةِ
فابتَعِد عَن طَرِيقِي * .
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
* نَجِم..
صديقي..
الذي أحبُّهُ
والذي لا أنامُ
قبلَ أن أطمئنَّ عليهِ
أودعَ خنجرَهُ بقلبي
وذهبَ برحلةِ استجمامٍ
وقالَ لذكرياتِنا:
- حاذري أن تتبعيني
كما أوصى طَيفي
بعدمِ الاقترابِ منهُ
وحذَّرَ
الخبزَ الذي تقاسمناهُ
أن لا يتسبّبَ لهُ بالغصَّةِ
ولكي لا يبقي أثراً
لي بداخلِهِ
أحرقَ
الكتبَ التي قرأناها رفقةً
ومزَّقَ الضّحكاتِ
التي تركناها على الأريكةِ
أمّا قصائدي
فقد شطبَ اسمي منها
وحشرَ اسمَهُ عليها
وأعلنَ
من فوقِ المنابرِ
أنَّهُ شاعرٌ
ونالَ الجّوائزَ والأوسمةَ!*
مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - معجم العشاق
02 - سخريةَ السراب
03 - ولهذا
04 - ولكني.. رجعت
05 - نجمة الإبتهال
06 - تابوت العدم
07 - ظلال الندى
08 - نامي!
09 - مواجهة
10 - مقصوف القلب
11 - من فضل ربي
12 - أنتِ لي
13 - تنازل
14 - إحتجاج
15 - ضيافة
16 - يبكيني قلبكِ
17 - عقوبة
18 - لو ينام قلبي
19 - موت لا ينفّذ
20 - أذرع التّوهان
21 - صليل الصّدأ
22 - تماثيل الماء
23 - النّسيان
24 - ندم
25 - أشهد أني بكيت
26 - لعنة الحب
27 - برزخ الانتظار
28 - إبريق السّراب
29 - أنا لا أغيب
30 - نجم
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى