محمد محمود غدية - صخب وأمواج...

لا أحد ينتفض من البرد، لأنه لا برد هناك، والوقت ربيع، الصقيع فقط بداخلها وحدها، دمعها معلق فى محجر العين، لا يفيض ولا يذهب، أتعبتها الحياة وحملتها جراحات عميقة، وهزائم لم يعد بالقلب متسع لأحزان جديدة، كيف تغادر النوارس شطآنها، ويذهب حنين عطشها، لصحراء مجدبة مقفرة ؟
إنها امرأة ميتة، لأنها لا تعيش الحب، يوما ما تستكين كل الموجودات، وتهدأ كل الأصوات، حتى ذرات الغبار، تتوقف عن تحليقها، وتتعلق فى الهواء، الفجر لاحت طلائعه، وامتلأت قبة السماء، ببواكير ضوء النهار الصافي الناصع، وتفتحت مسارات الحنين فى الأرواح، وتتجلى الحواس، لاشيء يبقى على حاله، فالحياة بين صخب وسكون، وجميعنا إصطدم بصخور الأيام، أبدا لا تغيب عنها ملامحه، التى تنم عن عراقة أصل، حين تقدم لخطبتها، وإصطدم برفض أسرتها له، مفضلين العجوز الثري، أحلام كل منهما، كانت مثل قطعة الزبد، فوق سطح صفيح ساخن، كل يوم تصافح صورته، غاضبة لهجرته وخسارته،
فى غياب الحب، تهجر الطيور أعشاشها، والنوارس شطآنها، وتتمدد فى النفوس ظلال الكآبة، وسحب الإنطواء، الحب جزء من وجود الرجل، وكل وجود المرأة، إنتشرت الشمس فى الأجواء، أنوار الصباح بددت العتمة المتكاثفة،
فى مكان بعيد، حطت طائرة، وسط أجواء باردة، وصقيع وشتاءات وجليد، كان هناك راكب ثلاثيني، بدا مثل كهل متعب، أنهكته سنوات الفقد والوحدة، إعتاد أن يقسو على نفسه بشدة، لم يكن يهتم بتناول وجبات الطعام الجيدة، بعد هجرة وطنه، الوطن عنده حبيبته، التى لا يدري أنها طلقت بعد ستة شهور زواج، كلاهما يتجرع المرارة، ويمضغ الألم، وحدها تحدق فى الظلام، ساهمة قبل أن تغمض عينيها، وتغرق فى العتمات،
المهاجر مابين إغفاءة وإفاقة، تلتهم الوحدة عظامه، ويغرق فى ليل ماطر لمدينة باردة .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى