كتاب كامل مصطفى الحاج حسين - (وأتركُ ما بداخلي لداخلي).. مجموعة شعريّة

* ضجر القلب..
تأخّرتِ..
والعمرُ مهرةٌ تعدو
تأخّرتِ..
وعلى شطآنِكِ أسفُّ السّرابَ
أشعلتُ دمي
غرّدتُ على النّوافذِ
وأنتِ..
لم تعرفي دربي
تأخّرتِ..
وأنتِ السّرابُ الذي غمرَ رؤايَ
وخرابَ جنوني
تسلّقي جذوعَ روحي
تدثّري بقلبي
والجمي براكينَ الموتِ.*
حلب.. عام1984م
* في المنفى..
تبكي في وجهِهِ التّجاعيدُ
ينوءُ قلبُهُ بالهواجسِ
وخطاهُ تسحُّ
تتعثّرُ بالرّيحِ
وعيناهُ تسفّانِ الوميضَ
يمشي..
يلوبُ في العواصفِ
يبحثُ عن كسرةِ دفءٍ
وعن صدرٍ لا يخونُ
يسألُ الأحداقَ
عن بسمةٍ تصافحُ فؤادَهُ
ويسألُ الشّوارعَ عن سرِّ الوجومِ
يمشي..
تنوحُ صواري مقلتَيهِ
وتختلجُ فيهِ الظّنونُ
يجوبُ المدينةَ
يوزّعُ على شرفاتِها
حنينَهُ
ويهوي بقبضتَيهِ
على السّكونِ.*
حلب .. عام1987م
* تمرّد..
تئنُّ أصابعي
الاحتضارُ ينسابُ من شفتيّ
وفي زفيري دمٌ ورمادٌ
آهٍ..
أملي معفّرٌ بالقنوطِ
سوّست أحلامي
في الأقبيةِ الرّطبةِ
أنا عفنُ السّكونِ
سأشقّ فمي على مصراعَيهِ
وأصرخ:
زمنُ الجُبناءِ ليسَ زمني
عصرُ الأقنعةِ لن أحياهُ
وهذهِ مِديتي
تبقرُ قلبَ الرّضوخِ.*
حلب.
* قبس..
وتعلّمنا ألاّ ننطقَ في حضرة الآخرين
وتعوّدنا ألّا نبوحَ حتّى لأسرارنا
تعمّدنا الصّمت في جلساتنا
ماتناقشنا عندما قتلت مدينة
لم نسألْ عن أصابعنا المجندلة
نبكي خفية عن دموعنا
ونصرخُ بعيداً عن أسماعنا
نحذّر القلب من دمه المشبوه
ونصمت إلى حَدّ الاختناق.
هل تعرفُ المدينةُ أمكنةً تلوذُ بها؟!
أوَ تهرب إذ يفاجئُها الرّصاص؟!
عمّا تسألُ أيا غريباً؟؟
عن حجرٍ يُؤوي ذعرَكَ!!
عن ثغرٍ يخبئ غناءكَ !!
عمّن تفتشُ أيا شريداً؟؟
والغيوم كآبة الأفق!!
يزدحم الشّارع بالخلاءِ
وتبكي المدينة في جراحي
أبصرني الشّرطي أقضم كآبتي
فتعالى صمتي..
ماذا تريد من عيونٍ متعبة؟!
باسمك شيدنا المدينة من جماجمنا
المبرعمة
و باسمك نشرب الماء من سواقي دمنا
لم يكن المطر ملكا للسماء
ولا الندى ملك اللهب
ستباغتك المدينة
وفي عينيك السفاحتين سؤال:
- من أين جاء الصمت
بلطمته القاضية؟!*
حلب.. 15/2/1985م
* نشيج الآه المدمي..
- ١ -
تأوّهَ التّأوّهُ من آهاتي
وقالَ:
- آه
والأفقُ ينتفخُ من كثرةِ الآهاتِ
أيا زمنَ الزّفيرِ والأنينِ
شابَ نبضُنا وقلوبُنا بكارى
آهٍ من شمسٍ تطلُّ كحذاءٍ أسودٍ
وآهٍ من لغةٍ..
لا نتداولُ منها غيرَ الآهَ!
- 2 -
أتوخّى البسمةَ كي لا أسَمَّ
وأنأى عن عصاباتِ الصّداقةِ
والحبُّ يرعبُ قلبي كالسّكينِ
آهِ من أينَ لغرفتي هذهِ الأشباحُ؟!
صحراءُ مدينتِنا
تفترسُ أحلامَنا وتدهس الأمنياتِ
بأمرِ الجَزارِ
ورودٌ تشدُّ ضفائرَ الأزهارِ
آهٍ لو ينطقُ الآهُ
هلِ النّدى بعضُ شكواهُ؟!
آهٍ لو يدخلُ الحلمُ في حلمي
ليتعلمَ أبجديةَ الحلمِ
آهٍ لو يمرُّ الغيمُ من قلبي
ليعرفَ أينَ يتّجِهُ
آهٍ لو نلجمُ الآهَ
ونجعلُ الفرحَ مثواهُ
آهِ ما نفعُ الآه
والنّدى محشوٌّ بالبارودِ؟!
احترقت أفواهُنا المقشوشبةُ
والآهُ نشيجُ مآقينا
آهِ النّدى بركانُ آهٍ
والشمسُ شظيةُ القطراتِ
مَن يدخلُ قطرةَ النّدى
ويجوبُ رحابَها
يكتشفُ الآهُ رؤياها
والمَدى المصفوعُ دمعُ عينَيها
والقمرُ المفجوعُ نهدُها المقطوعُ
وهذا البحرُ المحزّزُ الشّفاهِ
بسمتُها المطعونةُ غدراً.
- 3 -
ندى..
تعالَيْ ننشلُ الآهَ منَ الأفواهِ
ينبغي لأطفالِنا أن يضحكوا
ولأرضِنا المجذورةِ أن تزهرَ
هلمّي نفتحُ الجداولَ
ونشقُّ الدّربَ لشمسِنا الجامحةِ
هلمّي..
واسّاقطي فوقَ جراحِنا
تأففتِ الفرشات من قناديلِنا
والعشبُ لا يخضرُّ
إن لم تغمرِ القلبَ
آهِ ما أقصرَ الطّريقَ لو نسيرُ
والخطوةُ..
هاويةٌ إن أخافتْنا
فاركضي واقفزي
الضوءُ مركبُنا..
والحلمُ جوانحُنا
الطّفلُ القادمُ لن يلفظَ الآهَ
فجرُ صوتِكِ..
يرعشُ الأفئدةَ
وفي وجهِكِ أملاحُ التّاريخِ
واستغاثاتُ مَن فاجأهُم الموتُ
بطعنةٍ أو أمرٍ إداريٍّ
فانشدينا..
شعرَكِ كي نقومَ
من شللٍ رضعناهُ في المهدِ
من فزعٍ كابدناهُ في الرّحمِ
فجّري بالسّواعدِ أصفادَ الشّمسِ
لنهتفَ..
لن نقولَ الآهَ
حتّى في أغانينا.*
حلب.. عام1986م
* غنّوا ليضحكَ الطفل..
غنّوا...
فَمِن صوتِكم ينبجسُ الماءُ
ينبثقُ اللونُ الأحمرُ
مضرّجاً بالأخضرِ
ماأروعَ أن يسمعَكم عاملٌ
عائدٌ من عملِهِ
ما زالت آثارُ الشّمسِ موشومةً
على الجبينِ
ما زالت قطراتُ العرقِ
تتساقطُ على الأرضِ
كحبّاتِ قمحٍ لؤلؤيةٍ
ما زالت..
ثيابُهُ لاصقةً على جسدِهِ
غنّوا...
عندما يخرِجُ السّكاكرَ لأطفالِهِ
غنّوا...
عندما يختلي بزوجتِهِ التّعيسةِ
غنّوا...
للسماءِ الزّرقاءِ
عن عشيقَينِ التقيا
عن عشيقَينِ افترقا
عن أرضٍ نائيةٍ عنِ البحرِ
عن بحرٍ ناءٍ عن الشّاطئِ
غنّوا...
لترتفعَ المباني
وتأخذَ الشّمسُ مدارَها الطّبيعيَّ
لصوتِكم يخفقُ القلبُ
تفرّخُ العصافيرُ
يضحكُ الطّفلُ
يتفاءلُ الشّعراءُ
ينهضُ الشّهداءُ
غنّوا...
فصوتُكم.. عاشقةٌ راعشةُ الشّفتينِ
عاشقٌ.. مضطربُ اليدينِ
علّمونا..
كيفَ ينمو الجَنينُ
بأحشاءِ الوطنِ
غنّوا... يا رفاقي
فصوتُكم أقوى من السّدودِ
نابضٌ في عروقِنا
غنّوا...
فصوتُكم صوتُ الحياة.*
حلب.. عام 1979م
* مصباح منير..
يحفرُني صمتيَ المعشّشُ في رئتي
يحرقُني صوتيَ الميبّسُ في حنجرتي
يبصقُني موتيَ المعلّبُ في القلبِ
مصباحُ.. ما سليتُكَ
هو الفزعُ يفترشُ الطّرقاتِ
هو السّاطورُ يهوي
فوقَ عصبِ الحلمِ
مصباحُ.. ما خنتُكَ
هو الظّلُّ يرقبني
هو التّوقيتُ بلا وقتٍ
والنبضُ يقاسُ
عندما يحملُ المساءُ
نعشَ الشّمسِ ويمشي
مصباحُ..
قد تكونُ زنزانتُكَ
أطولَ اتساعاً مِنَ البحرِ
أعمقَ مِنْ أفقِ الحلمِ
قيّدوا منكَ الجَسدَ
واحتجزونا في نظارةِ الرّعبِ
أنتَ تغنّي.. ونحن نهمسُ
أنتَ تحدّقُ.. ونحن نتوجّسُ
فأيّ النقاصلِ أفظعُ
عندما المخنوقُ يغنّي
والطليقُ يخرسُ؟!
مصباحُ..
ماضونَ نحن باليأسِ
ملتفونَ حولَ النّزفِ
طوابيرُ منّا تنتظرُ الموتَ
نتزاحمُ على المقابرِ
ومكاتبُ دفنِ الموتى
لا تستقبلُ زبائنَها
دون (لا حكمَ عليه)
آهٍ مصباحُ..
انطفأَ الضّوءُ في أوردتِنا
جفَّ الأملُ
تقتلُ الكلماتُ شاعرَها
وقناديلُ المنازلِ تكتبُ تقاريرَ
والدّمُ في عروقِنا
جاسوسٌ..
آهِ مصباحُ..
يسألُني عنكَ الرّغيفُ
يتفقّدُكَ العصفورُ
ويستفسرُ عن حالتِكَ الوردُ
فبماذا أجيبُ؟!
مصباحُ..
إنّا تفرّقْنا
وأنا خرستُ
يذكرُني الماضي بما قلنا
والحاضرُ أفعى بفمِها الأرضُ
مصباحُ..
أشعلتَ ضوءَكَ في أحداقِنا
ولم نرَكَ
فهل نستحقُّ منكَ
تلك التّضحيةَ؟!*
حلب.. عام1984م
* طقوس العشق الدّمويّ..
دَعي الجرحَ يشدو
وارقصي على إيقاعِ النّزفِ
وأنيني
عاودي الطّعنَ
هذا خنجري خذيهِ
واملئي حفنتَكِ دماً
وارشقيهِ فوقَ الأرصفةِ
هذا قلبي أحرقيهِ
وانثريهِ طحينَ الأرغفةِ
تابعي الرّقصَ..
دمي سجادةٌ
تابعي لأصفّقَ
دموعي هي الأضواءُ
وضلوعيَ السّكارى
تابعي الرّقصَ تابعيهِ
وامنحيني
من سمِّ شفتَيكِ
جرعةً
هذا حلمي خذيهِ
هذا التئامُ الجُـرحِ
مزّقيهِ
وبلّلي عروقَ الشّمسِ
لأهذيَ برغمِ الألمِ
ما أروعَ النّزفَ!
هذا أنيني اكتميهِ
هذا نعشي احمليهِ
واقذفيهِ داخلَ جهنّمَ
واذرفي عليّ دمعةً
واذكريني عاشقاً
أوقدَ القلبَ شمعةً
أطفأتْها شهوةُ الجُـنونِ
وظلَّ يمارسُ الخدعةَ
حتّى خذلتهُ العيون.*
حلب.. عام1984م
* الكابوس..
فوقَ صدري تهاوتِ السّماءُ
زلزلتِ الأرضَ تحتَ سريري
تراكمتِ النّجومُ والكواكبُ فوقي
الشّمسُ باردةٌ..
القمرُ كتلةٌ شوكيّةٌ
مَن يخرجُني من تحتِ الأنقاضِ؟!
رأسي مهشّمٌ..
وجسدي مسحوقٌ
لكنّ الروحَ الملعونةَ
تأبى أن تفارقَني!
وقلبي يدقُّ
ينفضُ الحجارةَ عنّي
أئنُّ..
أدمدمُ..
أصرخُ..
يهرعُ أهلي لغرفتي
تحضنُني أمّي.. تقبِّلُني
وتهمسُ.*
حلب.. عام 1983م
* الزمهرير..
ريحٌ خاملةٌ
تعتّقت في الظّلِّ
ملأت بالسّلِ أنفاسَنا
ومنِ السّعالِ يتناثرُ فتاتُ القلبِ
دمٌ مهترئٌ يغادرُنا
والرّيحُ تخنقُ الرئتينِ
أصفرٌ وجهُكَ يا دمُ
مسارُك رطبٌ
والعروقُ خرائطُ من شوكٍ
فيا شمسُ!
أيُّ جدارٍ يحجبُكِ
ونحنُ المقيمينَ في غزفٍ
لا جدرانَ لها
أيُّ سكونٍ يعلّبُنا.. يا ريحُ؟!
ونحنُ النّابتينَ في العراءِ
أشجارُ أزقتِنا منَ الاسفلتِ
ودروبُها معبّدةٌ بكآبتِنا
وعنوانُنا الدّائمُ.. كومةٌ مِنَ الأنقاضِ
ونحنُ ننشرُ سجاجيدَنا الباليةَ
فوقَ شحوبِنا
علَّها تدفىءُ القلبَ
نبيعُ العزيمةَ
وكلَّ ما أوتينا مِنَ الوقتِ
لنطعمَ أطفالَنا عروقَنا
ونشعلَ الآلامَ فانوساً
ريحٌ خاملةٌ..
تجثمُ على الخطواتِ
وشمسٌ باردةٌ جمّدت ملامحَنا
وأشجارٌ أقصرُ مِنَ الأرضِ
أطعمتْنا الجوعَ
كلُّ هذا..
لأيِّ شيءٍ يقودُ؟!
والصرخةُ ملءَ القلبِ!!*
حلب.. عام1987م
* المالكة..
يدٌ..
تربّت بالسّكّينِ
حول امتدادي تلتفُّ
تجزُّ دمي
يدٌ..
ناصعةُ القتلِ
أكبرُ من مساحتي
ومن أصحابِها أطولُ
هيَ لا تصافحُ..
تنسفُ
لا تكتبُ..
تخمشُ
لا تبصرُ..
تدلقُ البحرَ وتذرو الشّواطئَ
على الشّوارعِ تخيّمُ
تنظّمُ صمتَ الزّحامِ
الأغاني.. دجّنت لامتداحِها
يدٌ..
في جيبِنا
في القلبِ
بالرّيحِ
تلفعُ عريَنا
تسوقُ المدينةَ نحوَ الهلاكِ
تسلّطُ علينا ظلَّنا
وتغلّفُنا بالوعودِ
لا تشبعُ
وإذا ننهضُ.. تبطشُ بصحوِنا
فمَن يجرؤُ على عضِّها
وقد قاسمَتْنا السّريرَ؟
يدٌ..
تثمرُ الجُوعَ
فهل تدومُ؟
وقد سلبَتِ الهواءَ
وملكت بيادرَنا
احتكرتِ الغيومَ
ولكنّنا.. إذ نقومُ
هل تدومُ؟!؟! *
حلب.. عام 1985م
* احتضار قلب..
للندى أصابعُ جلفةٌ
أظفارُها فولاذٌ
تقتلعُ القلبَ المبرعمَ
تمتصُّ ماءَهُ وترميهِ للموقدِ
للندى أسنانٌ مذهّبةٌ
تنقضّ على الحلمِ السّريِّ
تقضمُ بسمتَهِ وتلقيهِ للأرصفةِ
للندى آهِ ما النّدى
جبلُ جلاميدَ مدبّبةٍ
ليلٌ يتسلّلُ في العشبِ
يسفحُ اخضرارَهُ ويمضي
هذا النّدى سوطُ حبٍّ
يلسعُ القبلاتِ الرّاعفةَ
ندى كرهتُكِ ابتعدي
انزحي عنِ القلبِ
أيأسني البحثُ / ومزّقني التّفكيرُ
اذهبي بصمتٍ
أنتِ الصّدى وأنا المدى
دعيني أنسجُ النّجمَ من أدمعي
وأكوّنُ الغيمَ من زفيري
للندى يتفتحُ القلبُ ويخفقُ
والشعرُ بركانُ حلمٍ
يخمدُهُ النّدى
دميَ النّدى / مسكني
رمسيَ الذي أنتظرُهُ
لكنّكِ كالرّصاصِ لا تستأذنينَ للدخولِ
لكنّكِ الرّوحُ ترفضينَ الخروجَ
تتلظّى أحداقي بجمرِ النّدى
هكذا يسّاقطُ النّدى ولا يدري
يزرعُ الصّدأَ ولا يعلمُ
فارحلي يا ندى
فما وجدتُ بحبّكِ
غيرَ الرّدى.*
حلب.. عام1985م
* حـبّ..
ألقاكِ..
في الحلمِ السّريِّ
نخدّرُ العالَـمَ والكلابَ والقمرَ
أسألُكِ أن نقتلَهُم
أذكّرُكِ..
إنّهم سببُ شقائِنا الأبديِّ
هم أحرقوا قلبَينا
أبعدوا ما بينَنا
وبنَوا شِباكاً وحواجزَ لأحلامِنا
دمعُكِ ينهمرُ
تشكينَ لوعةَ الفراقِ
وتعترفينَ
بأنّ الهوى أضناكِ
لكنّكِ ترفضينَ
وتصرخينَ:
- اصمتْ يا شاعري
الحبُّ..
يعلّمُنا أن نعشقَ العـالَـمَ
ويعلّمُنا..
التّسامحَ والإخـاءَ.*
حلب.. عام1978م
* مَرثِيَّةٌ لِلدَمِ البَاكِي..
- 1 -
لِلَّتِي لا تَأتِي إِلَّا مَعَ الكَلِمَاتِ
لِلَّتِي شَاخَ الصَّمتُ عَلى شَفَتِيهَا
لِلَّتِي تَنحَرُ الآمَالَ بِسَيفِ التَّجَاهُلِ
والَّتِي تَرُدُّ اِبتِهالَ الشَّوقِ
صَدَىً كَلِيمَ النَّبَرَاتِ
أُوَقِّعُ انتِحَارِي.
- 2 -
دَعِي عَينِيكِ تَنهشا قَلبِي
وَاترُكِي صَوتَكِ مُطبِقاً على خَنَّاقِي
سَأَكتُبُ بِالقُربِ مِنِّي
بِدَمِي الظَّامِئِ لِلعِنَاقِ
أنا المَسؤُولُ عَنِ انتِحَارِي.
- 3 -
أََطِيحِي بِالحُلُمِ إِن تَسَلَّقَ قَدَمَيكِ
وَاصفَعِي عَينَيَّ الضَّارِعَتِينِ
لَن أُسَمِّيكِ قَاتِلَةً ة..
فَهَذَا انتِحَارِي.
- 4 -
طَرِيٌّ هَذَا الصَّخرُ
يَشُجُّ بَسمَتِي.. أَعشَقُهُ
يَشُقُّ لَهفَتِي.. أَعبُدُهُ
فاسَّاقَطِي على أَورَاقي الإسمَنتِيَّةِ
دَعِيها تَنصَهِرُ مِن حُمَمِ قَطَرَاتِكِ
وَسَأَقُولُ:
- هَذَا انتِحَارِي.
- 5 -
بِالأَمسِ شَاهَدْتُ / لُوركَا /
يَنثَالُ مِنْ صَوتِكِ النَّدِيِّ
كَانَ يَضحُكُ بِغُرِورٍ
صَرَخْتُ:
- أَيَا صَدِيقَ الطُّفُولَةِ
لَم أَعتَدْ على اِسبَانيَا
لِتَأخُذَ حَبِيبَتِي مِنِّي
اِذهَب إلى أقَالِيمِ بِلادِكَ
فَتِّشْ عَن عَشِيقَةٍ هُنَاكَ
حَدَجَنِي بِبَسمَةٍ.. وَقَالَ:
- اِسمَعْ قَصِيدَتَها عَنِّي
وَأُسَمِّيَ هَذَا اِنتِحَارِي.
- 6 -
نَدَى.. يَاتَشَنُّجَ الرُّوحِ
يَا زَمهَرِيرَ الفُؤَادِ
يَاهَوَىً مَحفُوفَاً بِالمَقَابِرِ
شُقِّي جُمجُمَةَ الدَّوَالِي
لِأَقُولَ:
- هَذَا انتِحَارِي.
- 7 -
أَقتَرِبُ مِن طَيفِكِ الهَارِبِ
صَحرَاءَ أَحتَضِنُ
أَنتِ والسَّرابُ تَوأَمَانِ
وَأَنتِ وَجهُ الضَّبَابِ العَابِسِ
وَأَنَا أَخطُو فَوقَ الوَهمِ
يَجرَحُنِي الصَّمتُ بِبَسمَتِهِ السَّاخِرَةِ
فَأُضَمِّدُ أَنِينِي بِأَمَلٍ يَنُزُّهُ حُلُمِي
وَأَخطُو فَوقَ دُمُوعِي
هَاتِفاً قَلبِيَّ الشَّقِيُّ:
- لَو كَانَت عِينَاكِ مِشنَقَتِي
سَأُطَارِدهُمَا لِلأَبَدِ
وَأُسَمِّيَ هَذَا انتِحَارِي.
- 8 -
نَدَى..
يَا قَطرَةً هَشَّمَتْ ضُلُوعِي
يَا تَجَاعِيدَ الدَّمِ اليَابِسِ
يَا رَمَقَ الضِّحكَةِ المُحتَضِرَةِ
تَوَقَّفِي عَن تَرتِيلِ الصَّمتِ
أَحلُمُ بِنَعشٍ مُكَلّلٍ بالنَّارِ
وَبِرَمسٍ يَعُجُّ بالأَظافِرِ
لأقولَ:
- هَذا انتِحَارِي.
- 9 -
نَاشَدْتُ الدَّهرَ ألَّا يَلُومَكِ
الدَّهرُ الذي أَهَنتيهِ
وَمَحَقتِ أَموَاجَهُ
قُلتُ:
- بَرِيئَةٌ مِن دَمِيَ
وَأَمَرتُ العَصَافِيرَ ألّا تُهَاجر
وهَدَّأْتُ القَمَرَ الغَاضِبَ
منْ عُنفِهِ
كِي لا يِخَاصِمَ شُرفَتَكِ العَالِيَةَ
بَرِيئَةٌ مِن اِثمِهَا المُرِيعِ
وَهَذَا انتِحَارِي.
- 10 -
نَدَى..
يَا شَظِيَّةَ الصَّبَاحِ
تَفَسَّخَتْ أَورَاقِي الثَّكلَى
وَتَيَبَّسَ الشَّوقُ خِنجَرَاً
تَلَوَّتْ لَهُ الشَّكَاوَى
وَأَنتِ لَم تَأتِ
وَلَستِ دَارِيَةً!!
- 11 -
سَأَنقَضُّ عَلَى شَفَتِيكِ بِأَوجَاعِي
أَنَا الصَّدَى الّذِي ضَاعَ
في زَحمَةِ الصَّمتِ
أَنَا المَمزُوجُ بِالخَنَاجِرِ
عِندَمَا تَنفَجِرُ اللُغَةُ في ارتِعاشِي
سَأَنقَضُّ على زَفُيرِكِ الحَارِّ
أَكرَعُهُ خَمرَاً..
وَأُصَلِّي فَوقَ
جنَاحَيهِ
أنا الوَلَدُ الشِّرِّيرُ
الذَي اقتَحَمَ الحُبَّ
فانذَعَرَ
أنا الشَّاعِرُ الدَّجَّالُ
أُوَحِّدُ بَينَ السَّفكِ وَالهَوَى
وَأَقُولُ
عِندَ ضِفَافِ الشَّوكِ:
- هَذَا انتِحَارِي.
- 12 -
نَدَ ..
يَا سَعِيرَ الهَمسِ
يَا رُكَامَ الدَّمعِ الزَّانِي مَعَ الشَّمسِ
يَا جُنُونَ البَرقِ المَخزُونِ بِالنَظَرَاتِ
مَتَى تَرحَلُ آلامُ الرُّوحِ عَنّي؟!
مَنْ يَخلعُ المَسَامِيرَ مِن ضِحكَتِي؟!
مَن يَبتُرُ أَغصَانَ الشَّوقِ؟!
لِيَنبَجِسَ المَوتُ في عُرُوقِي
وَأَقُولُ:
- هَذَا انتِحَارِي.
- 13 -
تَوَضَّأْتُ بِالجَمرِ
فَاستَحَمَّ البَحرُ مِنْ أَنِينِي
أَيُّها القَلبُ الرَّجِيمُ
كَرِهتُ نَبضَكَ الثَّرثَارَ
تَافِهٌ في أَمَانَيكَ السَّرَابِيَّةِ
أَيَا عَنكَبُوتَ الكَلِماتِ المُتَهَدِّجَةِ
يَا رِيَاحَ السُّكُونِ البَلِيدِ
يَا مَوطِنَ الكُفرِ والخُرَافَةِ
سَأَقتُلُ فِيكَ الهَوَى العَقِيمَ
وَأَقُولُ:
- هَذَا انتِحَارِي.
- 14 -
إِنِّي أَنحَرُ خَلَايَا الوَقتِ
أُفَتِّتُ غُبَارَ الوِحدَةِ
وَأَركُلُ دُمُوعَ الأَنوَاءِ
أَنَا النَّسمَةُ الهَرِمَةُ
أَنَا البَسمَةُ النَّزِقَةُ
يُحَدِّدُ انهِيَارِي
شَكلُ انتِحَارِي.
- 15 -
نَدَى..
مَزّقتُ حُبَّكِ وَانهَزَمتُ
إلى وَحلِ الخَرِيفِ
تَمَدَّدْتُ على الغَمَامِ
وَانفَجَرْتُ..
فَرَاشَةً حَامَتْ حَولَ النَّدَى
وَاختَنَقَتْ..
أَشهَدُ أنَّكِ القَاتِلَةُ
وَأَقُولُ:
- هَذَا انتِحَارِي.*
حلب ١٩٨٦م
* زيارة..
اِخفضْ صمتَكَ
اِكتمْهُ
هدّأْ أمواجَ عينَيكَ
لئلّا تكسرَ الأفقَ
وانزفْ بوحَكَ الظامئَ لرعودٍ
فهذا البرقُ قفرٌ
خبئْ حلمَكَ عن عيونِ السّكاكينَ
ولا تسلْ
مَن قلّدَ الموتَ
مفاتيحَ البيوتِ
كي لا يكبرَ الجُرحُ
دعِ الأرضَ تهوي في جراحِك
واغمد سيفَكَ في الغمامِ
فهذا الغيمُ شوكٌ
والنّهرُ فولاذٌ
دع كلَّ شيءٍ
على حافةِ الجُنونِ
كُن وحيدَ وحدتِكَ
واْخفض صمتَكَ
اِكتمْهُ
أوقفْ أصابعَكَ عنِ الإنشادِ
أخافُ أن يفهمَكَ العصفُ
اِخفض صمتَكَ الدّاوي
واكتمْ أنفاسَ أنينِكَ
عبّئْ بوحَكَ في شقوقِ يدَيكَ
ونبضكَ الرّاعف اْدفنْهُ بالعروقِ
واْنتظر ْ
ريثما يرحلُ صديقُكَ عنكَ
وابتسمْ كالثكالى
رحّب بالزائر إكرمهُ
قد يرحمُ ضعفَكَ
في تقريرِهِ الأسودِ
هل تجرؤ
أن تطردَ الأصدقاءَ؟!*
حلب.. عام 1985م
* وأترك مابداخلي لداخلي..
هل تهربُ منكَ الكلماتُ
أم أنتَ تهجرُها؟!
هل تستوعبُ اللغةُ مكنوناتِ الرّوحِ؟!
هل يقدرُ لسانُكَ وعيناكَ ويداكَ
وكلّ ما فيكَ
أن ترسمَ مابداخلِكَ؟!
أنتَ أيّها البائسُ
تصطرعُ أمواجُ قلبِكَ
وأنتَ تعضّ أيامَكَ الرّاحلةَ
أتتكَ الأناشيدُ تسألُ عن سيّدِها
أتتكَ البروقُ تسألُ عن مفجّرِها
أتتكَ الأمنياتُ تسألُكَ عنِ الشّطآنِ
وأنتَ تعصرُ سحابَ الفؤادِ
وتفتّشُ عن بلادٍ لا تجهلُ ما فيكَ
سافر في ومضةِ الحلمِ
داعبْ نهودَ الورودِ
واسكبْ على الصّدرِ أناشيدَك
أيُّها التّائهُ..
الرّاحلُ إلى أقاصي عينَيها
تنشّقْ عبيرَ الضّفائرِ
ما أنتَ بالعاشقِ المهزومِ!
ما أنتَ الباغي بغاءً!
هو الحبُّ يفترشُ مداكَ
هو الحبُّ يطحنُ نبضَكَ
سلها عمّا فيك؟
أتعرفينَ القهرَ؟
والوقتُ الذي يرتدي بزّةَ شرطيٍّ
تفتّشُ أغلالُهُ عن قلبي!
أتعرفينَ الموتَ؟
والعمرُ ممدّدٌ فوقَ السّرابِ!
أتعرفينَ الدّمعَ؟
والبحرُ أصغرُ من دمعتي
لو أطلقتها!!
ماذا تريدينَ وأنتِ ختامُ العمرِ؟!
أبحثُ عنكِ..
فأجدُ يديكِ مكبّلتينِ بالوعودِ الكاذبةِ
وأرى عينيكِ غارقتينِ في أفقٍ أسودَ
يا أنتِ..
يا لثغةَ القلبِ في حبِّهِ الأوّلِ
يقضمُ البحرُ أمواجَهُ وأنتِ لا تتعرّينَ
هلمّي ضمّدي جراحَ الموانئِ
إنّ هذهِ الرّياحَ تعولُ
وأنتِ تختبئينَ وراءَ الصّمتِ
وأسألُ قلبي عن قاتلِهِ
أتعرفُ ملامحَ السّكينِ؟!
هل نطقت بالرفضِ؟!
أم جرّحتكَ اللامبالاةُ؟!
لا..
لن يجدَ الموتُ بوابةً ليدخلَ منها
لن يجدَ الحزنُ دمعةً
ليعشّشَ في عينيكَ
أنتَ سيّدُ الموقفِ
فما الذي يجبرُكَ على الهربِ ؟!
ندى.. حلمٌ جسّدَتها الأغاني
فكانت أنتِ يا آخرَ حسرةٍ
خرجت مِنَ القلبِ
يا آخرَ بسمةٍ نزفَتها شفتاي
أقبلي..
إنّ جراحيَ اتّسعت
أقبلي..
إنّ مروجيَ أينعت
أقبلي..
فوداعاً لكلِّ شيءٍ آتٍ
وداعاً لعمرٍ تهاوى
وداعاً..
لدمعةٍ أنبتت شجراً
لرعشةٍ هدهدت قمراً
قُم أيّها الفارسُ
المرميُّ على الكتبِ
وحّد شتاتَكَ..
لا فرقَ بينَ الهزائمِ
والغنائمِ
أتتكَ القصيدةُ دونَ خاتمةٍ
فابتر أصابعَكَ المتمسّكةَ بالورقِ
وانثر أمانيكَ في الطّرقِ
لن تستوعبَ القصيدةُ ما أريدُ!!
سأعلّقُ مفرداتي من أعناقِها
على أسطري..
وأتركُ..
مابداخلي لداخلي.*
حلب ١٩٨٦م
* شظايا وعناق..
أحبّـكِ...
كلمةٌ تنهشُ صدري
تحرقهُ.. تذيبهُ
سيلُ كلماتٍ في دفاتري
بداخلي حبُّـكِ يغلي
يهزُّني.. يُبكيني
يجعلُني أكلّمُ قناديلَ الشّوارعِ
أشتهيكِ..
شهوةَ المحتضرِ للحياةِ
شهوةَ السّجينِ للحرّيةِ
شهوةَ العاقرِ
لطفلٍ أسودِ العينينِ
منِ الورقِ يصنعُ طائرةً
حرائقَ من كبريـتٍ
عرائسَ من تماثيلَ
أحبُّـكِ...
حباً عنيفاً يدورُ بداخلي
كدورانِ الأرضِ
في صدري..
كما في صدرِ الشّمسِ
أحبُّـكِ...
ورحلتُ أبحثُ عنكِ
خلفَ أبوابِ مدينتِنا
خلفَ جبالِها
وراءَ بحارِها..
أنهارِها..
أشجارِها..
خلفَ الخلفِ
أراكِ أسيرةً وراء الشّوكِ
أدفعُ الرّيحَ بصدري
أغزو قلعةَ الأشرارِ
ألقي قنبلةً مدمّرةً
حرّاسُ الليلِ تنتفضُ
رصاصةٌ تقتحمُ جسدي
أصرخُ..
أقعُ..
أنهضُ..
أصرخُ..
أقعُ..
أنهضُ..
يرتجفُ الحرّاسُ
يهربونَ
دمائي تنهمرُ
عينايّ حقداً تشعّانِ
أدمّرُ أبوابَ القلعةِ
أدخلُ كالريحِ أبوابَها
أنتشلُكِ..
وأركضُ نحوَ الشّمسِ
وعندما نحاولُ أن نرتميّ.. بأحضانِها
تسافرُ في جسدَينا
شظايا قنبلةٍ
فنكبو..
تحتَ أقدامِ الشّمسِ
متعانقَين.*
حلب.. عام 1978 م
* اندحار المدى..
في المساءِ..
حينَ تعتّمُ هواجسي
يرقدُ النّهارُ تحتَ ظلالِ قلبي
حيثُ يبدأُ الموجُ ينهشُ حلمي
يخيّمُ الأسى فوقَ روحي
وتمتدُّ في أضلعي صحارى البكاءِ
ما زلتُ ألهثُ خلفَ حنيني
والشّوقُ يلتهمُ نبضي
تجاوزتُ السّرابَ
عبرتُ الهاويةَ
وأنا أسألُ:
- ماذا وراءَ المَدى؟
غيرُ الهلاكِ!
فمَن يوقفُ انتحاري؟!
ويلجمُ هذا القلبَ!!!
أيّها الموتُ اْقتربْ
نستمعْ لهديلِ العذابِ
فهذا الغناءُ..
يريحُ نجيعي.*
حلب.. عام1986م
* انشطار..
أراكَ بعدتَ..
تلجمُ الشّطآنَ
وتمقتُ أحلامَكَ
كأنّكَ الطّريدةُ إن زمجرت عاصفةٌ
تلوذُ بالجرحِ وتوغلُ في ارتعاشِكَ
تزدردُ صراخَ قلبِكَ
إن عوت فيه الذّكرياتُ
وتسفُّ دمعَكَ إن خانتْكَ الجُفونُ
يا أنتَ..
يا مَن يبحرُ في روحِهِ
ويتلبّسُ أوردتي
ويهربُ من لقائي
أينَ تقودُكَ جوارحي؟
ومّمن تفرُّ إن كنتَ ايايّ
آهٍ.. لو نفترقُ
كي لا أرانيَ حينَ أضعفُ
أيّها الجَسدُ العالقُ بي
الرْوحُ المندسّةُ فيّ
والقلبُ المنحشرُ في أغواري
لو نفترقُ..
فلستُ بحاجةٍ لساعديَ المشلولِ
لعينيّ النّاعستينِ
ورأسيَ الغبيِّ
لو نفترقُ..
سئمتُ أنفاسي
أنا لستُكَ يا جسدي
غيرُكِ يا روحي
أخجلُ أن نكونَ ذاتاً متوحّدةً
فلنفترق ..
أنا لستُ أنتم
إنّي أطردُكم منّي
وسأبقى وحيداً
أفعلُ ما أشاءُ.*
حلب.. عام1984م
* وحدة..
أسألُ الأصحابَ
الذين غادروني توّاً
تذكّروني مساءً
حينَ أطرقُ أفئدَتَكم
لأغفوَ على الألفةِ
فيسخرون
أهجعُ إلى كهوفِ الظّلمةِ
والبردِ..
عن طفولةٍ أفتّشُ
يا أمّي..
أقولُ:
- لا صديقَ ليَ إلاَّ الأرقُ
كلُّ مودّتي ناقصةٌ
لماذا؟!
يا أمُّ لا تلوميني
إن أغلقتُ بابي
وتوسّدتُ دمعتي
فأنا..
في الدّربِ غبارُهُ!*
حلب.. عام1984م
* بطالة..
تلوكُني الدّروبُ..
تزدردُ خطوتي
تتقاسمُني المنعطفاتُ
يزحمُني الرّصيفُ.. بالباعةِ والمهرّبينَ
وتنهشُني اللافتاتُ
عمّن أسألُ في الضّجيحِ؟
وقبضتي تلتحفُ جيوبيَ الخاويةَ!
عمّن أسألُ؟
وخطوتي تكادُ أن تفارقَني!
ومَن يُسدي ليَ التّحيةَ؟!
عبثاً..
أبحثُ عن فضاءٍ ليدَيّ
عن عملٍ لقلبي
وأجوبُ المدينةَ المغلقةَ
آهٍ.. أيّتُها المدينةُ المغلقةُ
يا الّتي انبثقت من ساعدَيّ
وانتصبت كالماردِ فوقَ لقمتي
أيّتها المتخمةُ بالمتخمينَ
دثريني بالرّغيفِ
بهمسةٍ انفلتت من نافذةٍ
هدهدي أحراشَ حزني
وضمّي لأشجارِكِ نجيعي
مابذرناكِ كي تحصدينا
ما أرضعناكِ دمَنا لتنهشي النّبضَ
لأجلِكِ ابتكرْنا الغناءَ
نحنُ مَن شيّدَ النّسغَ
مَن أعطاكِ الاسمَ
فهل تبخلينَ على دمِنا
بالاحتواءِ؟!
نريدُ أن نشربَ ما نزفناهُ
نرتديَ ما تساقطَ منّا
فلا توصدي على فمِنا الرّغيفَ
أيّتُها المدينةُ
هل أستطيعُ احتساءَ دمي؟!
يا أيّها البلدُ القتيلُ
الحلمُ الذبيحُ
يا حبُّ...
لا أملكُ لأشتريَ حفنةً من هواءٍ
ولا أحدَ يشتري ابتسامتي المتعبةَ
سرقوا أسماءَنا
علّبوا أحلامَنا
باعوا مصيرَ القادمينَ
يا أيّها البلدُ القتيلُ
كيفَ نواريكَ.. وأين؟!
غداً يأتي مَن يطردُنا
يكنسُ دمَنا المُراقَ
فهل نطلبُ لجوءاً كالجرذانِ؟!
وننصبُ خيامَنا في المقبرةِ!
كلاباً نحرسُ ثرواتِهم
خيولاً تجرّ دمَنا إليهِم
نطلبُ السّوطَ يداً حانيةً
الرّصاصةَ لقمةً
أيّها البلدُ القتيلُ
كيفَ نسفحُ دمَنا وقدِ استنفذوهُ؟!
إنّهم يصنعونَ مِن جماجمِنا طحينَهُم
مِن دموعِنا نبيذَهُم
آهٍ.. أيّها البلدُ القتيلُ
في زحمةِ الجُوعِ زاغت أنظارُنا
ولكنّنا نذكرُكَ
نصوّبُ نحوَك أصابعَنا
يا بلداً قتيلاً
تأكلُنا الدّروبُ
ونحنُ أسرابٌ تلجأُ إليكَ
هل نكفرُ بالشّمسِ إن ساطَها الليلُ؟!
هل نشتمُ الينابيعَ التي انبثقتْ من عروقِنا؟!
وهل نساومُ على رؤانا؟!
هذه البلادُ لن تستباحَ
مهما فرقعَ الرّصاصُ في أحشائِها
لن ينحنيَ الأفقُ للركامِ
لن يصبحَ القمرُ لافتةً للمرابينَ
يا بلديَ القتيلُ..
يا بلديَ الجميلُ..
يا بلديَ الجميل.*
حلب.. عام1987م
* قصيدة للأصدقاء..
أتهجّى آهتي...
أستقرئُ الغيماتِ
فأبصرُ العمرَ يحترقُ
والنبض خريفا!
أمِن رمادٍ تكدّست هذه السّهوبُ؟!
أمِن رخامٍ كان حلمي؟!
ومهجتي..
أهي من نسيجِ الرّدى؟!
وأسألُ دمعتي عن مسارِها؟!
لمَن تشكو في هذا الصّقيعِ؟!
دثروني بشمسِ أغنياتِكم
أطلقوني للحقولِ والجهاتِ
ماتَ الذي كنتُ أنمو على ضفتيهِ
وظلّت في وجهي
نجمتانِ تفيضانِ بالشرودِ
جئتُكم يا أصدقاءُ...
فمَن يشرعُ صدرَهُ لنشيجي؟!
ومَن يزرعُ سرواً في احتضاري؟*
حلب .. عام 1985م
* رحلة..
تلتهمُ الأرضُ جبالَها
تفترسُ الشّمسُ ضياءَها
والبحرُ يعضُّ موجَهُ
ويخنقُ الفجرُ نداهُ
رأيتها...
دارت بنا الكلماتُ
والشّمسُ ترعى ظلَّها
حلّقت بنا الفراشاتُ
تجاوزتُ جراحي وقلتُ:
- أحبُّكِ..
قبلَ أن أكتشفَ النبوءةَ فيكِ
كنتِ نهايةَ الحلمِ
وبدايةَ التّنفسِ
وقلتُ:
- أعشبَ الموتُ وما نطقتِ!
تشنّجت أشجارُ دمي
وأنا أصافحُ موجَكِ
فيحرقُني الزّبدُ
لكِ ما شئتِ..
اذهبي
حيث لا أدري
فقلبي
يأكلُهُ نبضُهُ.*
حلب.. عام1985م
* انتقام..
محمولاً بيديّ
أصابعي جدرانٌ
ودمعتي كفنٌ
فلمَن أشكو؟
إن كان قلبي
يطلقُ عليّ نبضَهُ!
لمَن أرتجي؟
وساعدي
يطوّحُني إلى الهاويةِ!!!*
حلب.. عام1987م
* النّاضبة..
سيخمشُ قلبي دمكِ
إن كانت أنفاسكِ باردة
لحظة التّلاقي
وأعضُّ روحكِ إن تاهت
عن تسلّق عنفواني
وعيناكِ..
سأهيلُ عليهما حمقي
لو شردتا عن حنيني
أنا العاشقُ النّهم
محترف عبادة الذّكريات
أرضعُ كلّ يومٍ غبار الطّريق
ولا أصل إلاَّ لأحزاني
فكم تبقّى من شهيقٍ
حتّى أتوّج جسدكِ بدمعاتي؟
ياامرأة تزجر الأشواق
وتعربدُ في غصّتي
متى تورق على شفتيكِ
ألحاني؟!
إنّي أحبّكِ
بكلّ ما أوتيتُ من نبضٍ
عبدٌ لوجهكِ أحلامي
سأفرشُ خطوتكِ مدىً للضلوعِ
وأضيعُ في دمكِ حريقاً
حتّى إن متِّ
أكونُ في القبرِ الجثمان التّراب
وإن عشتِ
أكون في وريدكِ السّاقية
كلّ ماأردتهُ منكِ
هو أنتِ
وما تبقّى منّي
لشتاءاتكِ حطبٌ
فانزعيني من وحشتي
غرفتي تابوت
ودمعتي الشّاهدة
كرهتُ أن أموت
وأنتِ الجّامدة
فليأكل قلبكِ الحوت
إن مكثتِ حجراً.*
حلب ١٩٨٧م
* جبروت أنثى..
قويٌّ أمامَ الآخرينَ
أحتملُ الصّعابَ
أتحدى المخاطرَ
وأضعفُ في حضرتِكِ
أنتِ امرأةٌ..
فيكِ تكمنُ السّلاسلُ
تقيّدُني..
تجرجرُني..
تعيدُني طفلاً
فكيفَ لقامتي أن تستقيمَ
أمامَ عينَيكِ؟!
ولِصوتي أن لا يتلعثمَ؟!
أهابُكِ..
وأنتِ الباسمةُ
أجابِهُ الموتَ
لكنّ صدرَكِ الشّاهقَ يرعشُني
ويبكيني
أعشقُكِ..
أكتبُ عنكِ
أضمُّكِ في الحلمِ
وفي اللقاءِ أستكينُ
يا امرأة يجنُّ منها القلبُ
أفضّلُ المعاركَ على مصارحتِها
هناكَ أصهل..
أقفزُ..
أسدّدُ..
ولا أنهزم.*
حلب 1985م
* أنشودة..
كلّما رأيتُ زهرةً
قلتُ لكِ
وكلّما شاهدتُ نعشاً
قلتُ لي
فمدّي يدَكِ
لأتسلّقَ جدرانَ المساءِ
أخلعَ عنِ الليلِ عمامتَهُ
أقبّلَ صلعتَهُ القمريّةَ
مدّي يدَكِ لأعدّ أشجارَها
أجوبَ كفَّكِ كسائحٍ
وأسقط..
في سهوبِها.*
حلب.. عام1985م
* عاشق..
عارياً من دمِهِ
يرتدي بكاءَهُ
يتشظّى في الطّرقاتِ
لافظاً خطاهُ
يدمدمُ انتحارُهُ
نافضاً حلمَـهُ على قارعـاتِ الجـُـرحِ
لا ينهضُ من صمتِهِ
خائرُ القلبِ
كلّما انكفأَ على عشقٍ
أو موتٍ جديدٍ
عالقاً في نزفِهِ
يعاركُ انحدارَهُ
لا ينتمي لحزنِهِ
أو لوقتِهِ
ناصعٌ في قهرِهِ
يلتاعُ من رؤياهُ
ظلَّ عاماً تلوَ سنةٍ
وقتاً تلوَ موتٍ
يناهضُ نبضَهُ الوحشيَّ
ويقارعُ انتماءَهُ
كأنَّ على دمِهِ سحنةً من جنونٍ
فوقَ خطاهُ بعضاً من خواءٍ
في حدقتيهِ هالةً من حنينٍ
يرتدُّ إلى الأمامِ
حينَ الوراءُ يسابقُهُ
يصادفُ شارعاً يعبرُ المارةَ
ينهزمُ إلى حقولِ الخلاءِ
حيثُ الأشجارُ تقطفُ زارعَيها
وهناكَ قمرٌ ينبحُ
أكداسٌ منَ الشّكوى
فيستبصرُ بالغموضِ
يأوي إلى ارتحالِهِ
قالَ:
- لا أدخلُ مدينةً تفرّخُ العهرَ
لا أطأُ أرضاً فقدت سروالَها
لا المطرُ يغسلُ القحلَ
ولا الحبُّ يطهّرُ العشّاقَ
هنا..
انفلقَ حلمُهُ
عنِ اسمِ حبيبتِهِ
وماتَ
وكانت حبيبتُهُ تقشّرُ قصائدَهُ
قطعةَ حلوى.*
حلب.. عام1986م
* الشّاعر..
وحدَكَ..
تغرسُ في الأفقِ النّجومَ
تشعلُ الدّجى بناظرَيكَ
تحنو على الكونِ إذ يبكي
وتكلّلُ بالصحوِ أفقَ الضّبابِ
كأنّكَ..
البحرُ تعاركُ الرّدى
تضمّدُ بهمسِكَ جراحَ الغناءِ
كأنّكَ..
الشّعرُ حينَ الصّمتُ غزاكَ
وأنتَ.. تعتصرُ الصّدى
ترسمُ للمدى خطاكَ
تجوبُ قفرَ البلادِ
توزّعُ النّدى على النّوافذِ
وحيداً..
رأتكَ الشّوارعُ
تزدحمُ في عروقِكَ الأشرعةُ
تلوبُ في عينَيكَ الزّوبعةُ
وأنتَ العاشق الجوّال
تفتشُ..
عن برقٍ يصطكُّ في نشيدِكَ
وحدَكَ..
تمضي إلى عبقِ النّهارِ
والليلُ أقنعةٌ.*
حلب.. عام1986م
* أغنية صباحيّة..
أيّها الجُرحُ البليغُ
أنشد أغانيَ الصّباحِ
ليسَ في البحرِ ماءٌ
ليسَ في الشّمسِ ضياءٌ
ليسَ في الأرضِ
متّسعٌ لوجودي.*
حلب.. عام1983م
في الجيش
* توجّس..
هوت بضحكتي أعاصيرُ القهرِ
وأنا أرتقُ سحابَ التّوجّسِ
وأبحثُ عن دربٍ مسكونٍ بالحنينِ
أيا هذا الوجعُ المشيّدُ من الصّمتِ
يا هذا الحلمُ الملثّمُ بالجمرِ
حَمحَمَ النّبض في ارتعاشي
وانفلتت من نشيدي كلّ الدّروبِ
تفتّشُ عن حمامةٍ تائهةٍ
ضلّ الصّدى وما ارتدّتْ غيومُ خطاي
يا أنتِ يانفيرَ القلبِ
يا سحابةَ السّرابِ
يا شفقَ العمرِ المسمّرِ
يا ارتطامَ القهرِ بالحُلُمِ المبادِ
كأنّه الدّمعُ ينزّ من قصائدي
كأنّهُ الحزنُ يكتسحُ مقلتي
والجُرحُ يمرُّ من لهفتي اليابسةِ
أريدُكِ..
وأنتِ زبدُ الأماني
وأنتِ نعشُ البحرِ الذي انتحرَ
أريدكِ..
والشّوقُ جحيمُ العمرِ
وأنتِ سرابُ الشّمسِ
فردّي إليّ الثّوابَ
لقد أشعَلَني حنيني المرُّ
آهِ يا أنتِ
يا أفقاً يخنقُ دمعتي
يا جمرةً في الحلقِ
فكّي من يديكِ دروبي
ودعي نشيدي ينطلقُ
يعمّرُ البحرَ بالنشيجِ
هذا الشّجرُ بعضُ أحلامي الهاربةِ
وهذا الضّوءُ بوابةُ جرحي
تعالي..
نهدّئُ رعودَ القلبِ
فالدّمُ بنزُّ من بسمتي الشّاحبةِ
تعبتُ من التّأملِ
وصدري عاصفةٌ راكدةٌ
دعيني..
أبصرُ بعينيكِ آفاقي
وغدي المتجهّمَ
هل يبدأُ منكِ موتي؟؟؟
أم تتهشّمُ على صدركِ
صخورُ أوجاعي؟!
سأتجرعُ الكأس ولن أبالي
إنْ كان سمّاً أو رَحِيقاً.*
حلب.. عام 1984م
* مسافات أكبر من الخطوات..
تموجينَ في القلبِ
صبحاً تطلّينَ
عناقيدَ فرحٍ
ابتساماتِ البحرِ في المدِّ
تأتينَ من طنينِ الفراشاتِ
واندياحَ الضّوءِ في الزّهرِ
تجيئينَ في النّبضِ
سنابلَ فرحٍ.. وغفوة
واحاتِ حلمٍ طفوليٍّ
ينزلقُ فوقَ شعاعِ القمرِ
تموجينَ في القلبِ
والمسافةُ بينَنا أكبرُ منَ الخطواتِ
لكِ النّبعُ و لِيَ السّرابُ
تموجينَ في القلبِ
تحتلّيّنَ الأزقةَ في عروقي
قولي أحبُّكَ أوِ اقتُليني
اخرجي..
اخرجي من قلبيَ الشّقيِّ
واتركيني
متعِبٌ حبُّكِ
أخشى على نفسي من الجنونِ.*
مصطفى الحاج حسين.
حلب.. عام1985م
الفهرس:
=======================01 - ضجر القلب
02 - في المنفى
03 - تمرّد
04 - قبس
05 - نشيج الآه المدمي
06 - غنوا ليضحك الطفل
07 - مصباح منير
08 - طقوس العشق الدّموي
09 - الكابوس
10 - الزَّمهرير
11 - المالكة
12 - احتضار قلب
13 - حب
14 - مرثيّة للدم الباكي
15 - زيارة
16 - وأترك ما بداخلي لداخلي
17 - شظايا وعناق
18 - اندحار المدى
19 - انشطار
20 - وحدة
21 - بطالة
22 - قصيدة للأصدقاء
23 - رحلة
24 - إنتقام
25 - الناضبة
26 - جبروت أنثى
27 - أنشودة
28 - عاشق
29 - الشاعر
30 - أغنية صباحيّة
31 - توّجس
32 - مسافات أكبر من الخطوات


--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى