محمد محمود غدية - برج الثور

كانت السماء فى ذلك اليوم ملبدة بالغيوم، وصفحة البحر كمرآة مقفرة، وقوارب الصيد متناثرة، تتمايل وتطوح كلما عصفت بها الريح، حبيبها الشاعر يقرأ كل يوم، صفحات عديدة من كتاب الشمس، وحياته دونها معتمة، لا نبض فيها ولا حياة، مازال يكتب القصائد فى عينيها البنيتان الشقيتان، التي تسحبانه نحو الأعماق، يكتبها شعرا فتنبثق من الكلمات رائحتها الذكية، فيدوخه عطرها، الكتابة تحمل عبق الإنسان، وهى أكثر الحالات صفاء وإنسجاما مع تفاصيل الحياة، تخفف حدة الألم والغياب، تغدو مثل الأمطار التى تهطل بعد شحوب السماء، تمنح ربيعا من البلابل والحدائق والزهور، تدفيء فى صقيع الشتاءات، تكتبه القصيدة، فيشعر بنشوة السكر، دون أن يشرب الخمر، حمل بريده الإليكتروني رسالة تهنئة من حبيبته، فاليوم عيد ميلاده وهو من مواليد برج الثور، الذى يعيش أصحايه التخبط والعذاب، واللهفة والقلق، والأمل واليأس، يطيب لدمعه أن يسقي الورد، وهو يعيش الوحدة والغياب،
مثل هذا اليوم من العام الماضى، كانت بقربه الحبيبة التي إرتدت أجمل أثوابها، مثلما تتزين الأشجار بأجمل ثمارها وأزهارها، يومها أشترى كل الورد من البائعة الصغيرة، وصنع منه عقد يزين جيدها، وتاج برأسها بدت فيه مثل كليوباترا، وهو مثل أنطونيو
وهو يغني :
عدت يايوم مولدي / عدت يأيها الشقي
عيد الميلاد دونها عدم، هى كل أفراحه وموسيقاته وناياته، لولاها لمات بلوعته وشقاوته وكآبته، هى رسم جميل عبقري من فن هذا الوجود، دنيا من الأناشيد والأحلام، يكفى أن لوجودها أريجا جميلا فواحا، يرطب حياته رغم الغياب، توقف طويلا أمام السطر الأخير فى رسالتها، وهى تسأله قائلة : أرسلت روحي تعانق روحك، فهل تشعر بها الآن ؟ - نعم أشعر بروحي وقد إستكانت وهدأت بعد أن إلتقيتك، فأنت مدينتي التي تعشقني وأعشقها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى