محمد محمود غدية - لا أحد...

جلس جواري فى القطار كهل أبيض الشعر نحيل القامة، تجري فى صفحة وجهه بعض حيوية، إرتسمت بشفتيه إبتسامة مقتضبة، أخرج من حقيبته الجلدية الصغيرة أجندة وقلم، كتب سطرا إلتقطته عيناي فضولا، يمكنني الإعتذار عنه، لا أنكر هنا أن السطر الذى قرأته، هدهد روحي الموشكة على مغادرة جسدي،
كتب فيه : حتى الحشرة التى لا تستمر حياتها أكثر من ست ساعات، تبتهج بالشمس، الله قلتها فى نفسي،
إستأذنته فى إزاحة ستارة النافذة، لأول مرة أستشعر النسيم الرائع، وحفيف الغصون الذى يبعث هسيسا هامسا، الأرض تضحك وشذا الربيع يفوح مسكرا، أفتح زرار قميصى، وأعبيء صدري بالهواء النقي المنتشر فى الأجواء، قبل أن ألتقي والكهل، كنت مثل عصفور عريان دون جناح، يتخبط وحده فى وجه الإعصار، بارد النظرة، بطيء الحركة، حتى القطار الذي ركبته، لا أعرف وجهته، كأنني ناهض من نوم، أو ماض إلى نوم، غير منتبه إلى ماحولي، هل يمكن للإنسان أن تحييه كلمة وتميته كلمة ؟
لابد من الإعتذار للكهل عن تطفلي وأشكره على كلماته التى نبهتني إلى ضرورة الإستمتاع بالحياة، لست أقل من الحشرات والحيوانات التي تبتهج بالشمس، وبالحياة التي لكمتني لكمة قوية، نهضت بعدها مترنحا، وإنهارت إرادتي الصلبة، لاعبي الملاكمة والمصارعة، يتلقون اللكمات والهزائم المؤقتة، مستخلصين الرغبة فى النجاح، والتفوق من حومة المأساة والهزيمة، لابد من إزاحة كل الستائر، التي تحجب الشمس، لا معنى للحياة حين نفقد إدراكنا للناس وللأيام وللإحساس، الحيوان يمضي ويبتهج
لا تسقطه الأخطاء، إستأذنت العجوز فى مشاركتي القهوة، هو على المعاش يهوى القراءة والشعر، وهو فى طريقه الآن إلى سور الأذبكية، ليبتاع بعض الكتب، نبهني دون أن يدري ان القطار فى طريقه إلى القاهرة، وأنا الذى كنت أجهل وجهته، حدثته عن مآساتي وصديقي الذي خان والحب الذى ذهب، قائلا من بين إبتسامته الواسعة :
الزواج فى مجمله، هو النوم مع العدو، لا تتودد لأحد، ولا يعنيك أحد، هناك أنت ثم
لا أحد، إلتفت فى الجوار فلم أجد أحد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى