يعقوب عبدالعزيز - تلك الروح الغائرة بالجفاف....

تلك الروح الغائرة بالجفاف تزحف بتعبها المزمن
مثل حصانٍ جريح يبكي
على خشب الأسطبل
الأخشاب تحترف المواساة أيضًا
والروح المصابة بالتعفن
في جروحها الغير مضمّدة
تنتظر الخرقات القذِرة
حين يمرّ قطار
المناديل وتوخذها الجِراح
وحينها ستشعر بالتسمم
حتى وإن عالجت الدمالة
اشتري لنا من حصّالتك سيدتي ضمّاد للعمر
المشروخ ، نيئة هذه الجراح
الدود يطلب المبارزة
ونحن نلصقها بعلكة مثل قصاصة
ورقيّة صغيرة؛ ونجازف بأعضاء قابلة
للطّي
تضحك فينا البغبغاء وتنتف الريش بمنقارها
العاجيّ وتهدم كوخ الطفولة القديم
ذاك الذي حلمنا به في الضفّة
وشيدناه من رمال الشاطئ
قطعنا من ضفائر أمهاتنا وربطناها على
المراجيح أمامه وغنّين معهن
مسكنا شمس الظهيرة وصوبناها
على العتمة
هددنا غيلان الظلام
صبٍي لنا من كأسك
نخب الوسائد
المحشوة بالسوس وتنهيدات الرّجال
أدخلي للجّسد من أرواحه السّبعة
القط فينا واهن المخالب
والمواء لغة للبكاء يمكننا أعادة تدويرها
كضحكة لغسيل الحائط
من يتسلّق طوابق الحزن بسبعة أذرع
فذراع واحدة ستكفي لعناق
إن توفر أكسجين
البسيطة النّادر قبل ان يلوثه ضباب لندن
ذراع واحدة تكفي لجمع دبابات الحروب
وصهرها لدرابزون الحدائق
ذراع تكفي لمسح دمعة
ذراع واحدة لتشييد مدينة موسيقي
تستريح عليها الكمنجات
وذراع تكفي لاشعال سيجارة
شائك هو درب العمر سيدتي ونحن نتوكّأ على عصا
الأحزان
ونضغط تعب الرّصيف مرّتين
الرصيف الذي يئن من وطأة المدرعات
القتاليّة
لم نلحظه ابداً حين يبتسم لعربة البوشار
كنّا آنذاك منشغلين بنبش جيوب آبائنا
وماذنب الدينار الضحيّة
الدينار المصبوغ بلون الفحم
يصير ذهبا
حين نغسله بأيادينا الطفولية
وما أجمل أن نمضي وذاكرة الضباب تمطر
فينا أغاني قديمة
تمطر حكايات غابرة، تمطر أسلحة أخشاب
تمطر أباراً مهجورة تمطر قطنًا أسود
تمطر وتمطر ثم تجفّ كجهنميّة
في سورٍ مهجور.


- من مجموعة "أفراس الوحشة"، الصادرة عن دار متون المثقف-القاهرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى