محمد علاء الدين - يقين...

كان الماء ينساب على وجهه بسلاسة حتى يصل إلى قاع الحوض ، عابرا تجاعيد وجهه التي توحي بآثار أقدام الزمن في الجسد والنفس ، نظر في المرآة فشعر بكفوف الذاكرة تتحسس موضع السنين المليئة بالألم والوحدة ، أعد لنفسه الفطور ، ووضع براد الشاي على النار ، وككل يوم ، أنتظر أن يدق الباب .

مر النهار ولم يدق باب الشقة ، ربما سيدق في المساء ، قال لنفسه ، فالجميع يكونون في أشغالهم طوال النهار ، هذا طبيعي ، قال ، وفي المساء بعد أن تناول وجبة العشاء ، جلس على الأريكة أمام التلفاز مع كوب من الشاي وبعض من اللب والسوداني ، كان ينظر إلى الشاشة بعين شاردة يملؤها الحنين والترقب ، حنين إلى ماض بعيد ، وترقب لمستقبل ربما لن يأتي أبدا ، وأنتظر أن يدق الباب .

ظل على هذه الحال كل صباح ومساء ، لأيام وشهور وسنين ، ينتظر أن يدق أحدهم الباب ، أن يؤنس أحدهم وحشته ، ويكون له عونا وسندا فيما تبقى له من أيام في هذه الدنيا ، فقد تخطى الخامسة والستين من عمره ولازال وحيدا ، بلا زوجة أو ولد ، ولأنه كان طفلا وشابا ورجلا أنطوائيا ، فلم يكن له أصدقاء أو زملاء عمل ، وبالرغم من كل ذلك أنتظر أن يدق الباب .
كان يجلس على الأريكة كل صباح ومساء حالما بماضي سعيد ربما يأتي من جديد في يوم من الأيام ، كثيرا ما كان يتذكر أمه ، المرأة الوحيدة التي عرفها وأحبها أكثر من حبه لنفسه ، وكيف كانت تحيطه برعايتها وحنانها وتملأ أيامه بهجة وسعادة ، تذكر عندما طلبت منه أن يتزوج من احدى البنات رأت فيها أنها مناسبة له ، لكنه رفض لأنه لا يريد أن يتركها ولأنه يعلم أنه لن يحب أحد مثلها ، ماتت أمه ولم يتزوج ، وأنتظر أن يدق الباب .

في أحد الصباحات المشابهة لبعضها البعض ، بعد أن تناول الإفطار وجلس على الأريكة ليشرب الشاي ، وبينما هو منغمس في ذكرياته كالعادة ، دق أحدهم الباب ، تسارعت ضربات قلبه ، وعجز لسانه عن الرد ، وتسمر في مكانه ، لكنه أستجمع قواه ورد بصوت متقطع : من بالباب ، ملك الموت ، قال طفل سخيف ، وهرب ، لعن الظروف التي جعلته عرضه لسخافات الأطفال ، وأنتظر أن يدق الباب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى