أمل محمد منشاوي - جريمة قلم...

يهتز السرير الحديدي أسفل منه مصدرا أنينا شجيا ينفذ إلى أعماقه فيزيد اضطرابه فوقه، يسمع ارتطاما رتيبا كأنما عامل حفر يضرب الأرض بفأسه أسفل البيت، تمتزج ضربات الفأس بأنين السرير و أنفاسه المتلاحقة التي تبدو وكأنما يعدو في سباق، سيمفونية مزعجة لكنه ألفها فغط في النوم، قطعها فجأة صوت قرقضة تأتي من جهة اليسار فانتبه، فتح عينيه مدهوشا، ارتطم بصره بسقف الحجرة شبه المعتمة، ما زال راقدا على ظهره فاردا ذراعيه ومفرّجا بين ساقيه، لم يتغير وضعه منذ أن استلقى على السرير وقت الظهيرة بعدما عاد من عمله الذي لا يذهب إليه إلا لصرف راتبه، على الضوء المتسلل عبر النافذة من عمود الإنارة المنتصب في الشارع؛ رأي الفأر في زاوية الغرفة يقرض قطعة خبز جافة كانت آخر شيء اشتراه ليأكله منذ يومين، لم يأبه له وعاد ينظر إلى السقف، رغم اعتدال الجو؛ كان العرق يغطي جبينه وعنقه الأسمر بطبقة زيتية تلمع تحت الضوء، رأى أن نسمة هواء خفيفة تحرك شيش النافذة بلا هوادة، تغلقها محدثة ارتطاما مزعجا لكنه غير محكم؛ وسرعان ما تفتحها ثانية ثم تعود وتغلقها من جديد. أضاء شاشة هاتفه ليعرف الوقت..." الثالثة وخمس دقائق" لمح الوقت قبل أن تنفد البطارية وينطفئ الهاتف، الظلام من حوله ينبئ أن الوقت فجرا، ظل مستلقيا على ظهره يحاول أن يضبط أنفاسه، شعور لذيذ تسلل إليه فارتخت له أعضاء جسده، ابتسم ابتسامة ماكرة، ما زال يحلم بها، لا يدري كيف احتلته وهي من صنيعته، مجرد خيال يحيا بين الأوراق.
تناول علبة سجائره المتخمة، قبل أن يفتحها ظل يسعل حتى انتفخت أوداجه، أفاق يلعن من علمه التدخين ورغم ذلك أشعل واحدة، التهمها بشراهة ثم أشعل الثانية، قبل أن يرتفع الأذان كان يفتح علبة سجائر جديدة، نهض عن الفراش عازما على شيء هام، أخذ يفرك شعره الأشعث بأطراف أصابعه، أشعل الموقد ووضع القهوة وانتظر فورانها، ألقى نظرة على كومة الأوراق القابعة فوق المكتب المتهالك والساكن في زاوية غرفته القذرة، اهتزت الأوراق اهتزازا خفيفا فقهقه بصوت عال.
_ تلك العاهرة!... تراقبني!
قال محدثا نفسه بنبرة ماكرة، وضع كوب القهوة عن يمينه وأمسك الورقة الأخيرة من الرواية التي لم تكتمل بعد، أخذ نفسا طويلا من سيجارته فازداد توهجها، نظر مضيقا عينيه وهو يتفحص الأسطر، أمسك القلم وعزم الأمر، بدأ يكتب، ( شبه عارية، تتقلب على الفراش بغنج، انحناءات جسدها الخمري تغريه أن يعاود الكرة لكنه أمسك نفسه، وقف أمام المرآة يهندم ملابسه، تتجول عيناه في أرجاء الغرفة يبحث عن شيء يسرقه، يعلم انه ليس الأول الذي دخل إلى هنا ولن يكون الأخير، لكنه يريد أن يخرج فائزا، لمحها بطرف عينه، علبة تختبئ تحت ملابسها داخل الخزانة غير محكمة الغلق، فتح الخزانة بهدوء لكنها انتبهت كأنما تُصدِر لها الأشياء إشارات تنبهها لما يجري حولها، قفزت صارخة كلبؤة تنشب مخالبها في وجه عدو
_ بتعمل ايه يا حرامي؟
صفعها فوقعت على الارض، استمر في نهب الذهب الممتلئ به الصندوق، قامت من جديد تدافع عن مالها، أخرج من جيبه الخلفي مطواة وشرعها في وجهها) حاولت الاختباء لكنه لم يدعها، تشبثت بأطراف الورقة تريد الهرب لكنه أعادها إلى الرواية بعنف، أرسلت نحوه نظرة فزعة، صرخت في وجهه: ماذا تفعل أيها المجنون، لقد أحببتك أنت!. لم يهتم لقولها واستمر في مطاردتها بقلمه( أخذ الصندوق محاولا الخروج من الغرفة بظهره مهددا لها بسلاحه، لم تر إلا مالها الذي بذلت فيه شرفها وجسدها يُسلَبُ منها ببساطة، اندفعت نحوه وأمسكت بتلابيبه، غرس نصل سلاحه في أحشائها وفر هاربا بغنيمته، سقطت تسيل دماؤها الممتزج فيها الحب بالرذيلة على أرض الغرفة، عيناها النجلاوان متعلقتان بنصل القلم الهارب، تقول دموعها بأسف: كان بإمكانك أن تطهرني بالحب )
كتب بحروف كبير ومتقطعة كلمة (ا ل ن ه ا ي ة) خمدت نيران الرغبة المضطرمة داخله، هدأت أنفاسه المتلاحقة، وضع القلم وراح ينفث دخان سيجارته الذي تشكل بهيئتها للحظات ثم تبدد في الهواء
#أمل المنشاوي
مصر
١٩سبتمبر٢٠٢٢

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى