سيدة بن جازية - تــاج الجـمــر ...

تناثر دمعي على أنقاض جدار ساقط، وسط الضوضاء التقطت مشهد فستاني الأبيض بالحقيبة الكرتونية يناجيني بحرقة :
" تعالي نحتفل بالعرس، تماسكي ، هيا لا تفقدي الوعي .. كل الزخارف والماسات موجودة تنتظر نظمك و المساحيق وو .. "

التاج المرصّع باليواقيت و الزبرجد يتأرجح على منضدة التسريحة، يناديني بلا انقطاع،أسرعي، عودي يا فاتنة الشباب

اغبرَّ كل الفضاء، تخلخلت الأركان، اهتز الصولجان
كيف السبيل لترتيب كل شيء من جديد؟ ربما يتطلب الأمر أكثر من عقود و عقود . يا زمان العز ببيتي القديم...

تأخّر موعد الزفاف ، وانفضّ المدعوون في هلع تحت القبة الذهبية . ." هل يمكننا إتمام المراسم؟ وقد أردانا التفجير شتاتا !! هل نتمكّن من إنجاب ألف مناضل . هل تسعفنا الأقدار؟
صوته يتردد كحفيف الأوراق :
_ قومي، انهضي، الوقت ليس في صالحنا أيتها العروس .
افركي عينيك، انظري حواليك ، مازال الباب مواربا و المشروبات في القنان حمراء قانية تنعش الشاربين. انهضي...

تملل جسدي المنهار، يبحث عن توازن، فتحت زاوية من عيني لمحت أزهارا منثورة بكل مكان. فستاني ماثل كتمثال عاجي للحسان كالسراب . ما أبهاه!!!

تمالكت نفسي صوب الشارع الرئيسي،تفيّأت عطر الشام ، عقدت العزم على نبش الركام، حجرة حجرة كومتها جميعا على شكل مربعات و تركت فرجة للباب كي يدخل المدعوون.

صوب الحقيبة توجهت ، فتحتها بلهفة، الحمد لله لم يدنّس بياضه الغبار، ناصعا كما تركته منذ زمن، لا أعرف كيف ارتديته ممدّدا، سترت كامل الجسد تغطى الوشم و الكمد. ففاح رَوْح الجنة عطّر المكان وازدان الموكب بالأهل والأجوار وكل من كان يتأهّب للاحتفال، شيّعونا بالزغاريد و لفّوا حوالينا الأعلام... ترفرف السماء والأطيار.
ينشدون لا إلاه إلا الله والشهيد حبيب الله... الله أكبر، الله أكبر.... تهاليل العيد تعيدني لحضن الطفولة أيام الدفء و الأمان.

تتسلل دون حياء نحو غرفتي، تتوغّل، كالحية السوداء تبسط الذراع، و السم منفوث في الثنايا و الدروب،
امرأة قبيحة المنظر شمطاء، سرقت التاج و انتصبت ملكة على منضدتي تحكم الرقاب في اختراق لكل الآداب و الطقوس و العادات. لم تحترم حرمة الأموات ، لم تسمع صولة اللحود تنتظر الإيواء .

تركونا في منتصف الطريق و خرّوا لها ساجدين في خنوع ، أحنوا الرقاب، قبّلوا التراب .

_ أين فستان الزفاف؟
لم تجده رغم محاولات التنقيب و التفتيش ، رغم مساعدة كل الناس، اعتلت الموكب عارية مكشوفة النوايا ، صفّق لقبحها الجميع، باركوا حسنها الوهاج والعورة قبحا و قذارة بادية للعيان .
من يهتم لهذه العاهرة!!
العريس في الضفة الأخرى يرتعد من المصير، على صفيح من الجمر يتلظى دون إرادة، من يتخفّى بغرفة القيادة؟

_ تنطلق الأفراح والفرقة تعزف مدجّجة ، الكمان و البيانو و الطبل والقانون مزيّف النوتات و الأوتار، رقص الجميع في المحفل كمن يدوس الشوك حافيا فتدمى الأكعاب. سكر الطغاة على نخب الدنس و الغدر. لم ينبلج الصباح بعد .

عند الفلق تذكّرني اللئام، آووني بالحفرة السحيقة، غمروني بالدموع والدماء، وعدني شيخهم الحكيم، مسألة وقت و تنتهي مراسم الزفاف، سيتقيّأ المشاركون زفر الخداع.

نفخ في البوق فاستيقظ العدل والشاهدان و العروسان، صاح بهم المخرج : صه، سنعيد المشهد لكن بعد تغيير المكان.

سيدة بن جازية/ تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى