عيدروس سالم الدياني - انتقام صغير...

تَرقْرقتَ الدموعُ في عَيْنَيّ، وبظهرِ كفّي مسحتُها، بكيتُ عليهِ بحرقةٍ...

لا أذكرُ أنّني حزنتُ على فقدِ أحدٍ قبله، كان عمُري حينها اثني عشر عاماً.

قبل موته بعامين أخذتُه من حفرةٍ صغيرة، بعد أن اطمأننت إلى غياب أمه!

كان جرواً جميلاً، أبيضَ اللون إلا رأسَه فكانَ مبرقعاً، يلتف البياض حول عينيه، ثم يغطي السواد ما تبقى من رأسه وصولا إلى رقبته، لكنّه كان بثلاثِ أرجلٍ فقط، وله عينان ليس فيهما قطرة براءة! لم أهتم لذلك، فقد أحببته وأشفقتُ عليه!

صديقي ناصر كان خبيراً بتربيةِ الكلاب -يكبُرنِي بعامين- أخبرني أن أمّهُ هي من أكلت رِجلَهُ الرابعة!

- "ولماذا؟"

- "إن الكلبة عندما تجوع ولا تجد ما تأكله فإنها تأكل أحد أولادها "

فأمه أكلت بعضا منه، ربما أنها لم تحتج بعد ذلك إلى أكله كاملا !

كلام ناصر زادني إصرارا على أخذه ، لقد أشفقتُ عليه من أمه !، اهتممت به كثيراً ، وكان لا يفارقني إلا حين أدخل البيت، فقد حذرتني أمّي، إني إن أدخلته البيت فستخرجني معه، ولا أدخل من جديد!

كان يكبرُ أمامَ عينيّ، لطيف جدا، يهزُ ذيله طرباً بملاقاتي، ولا يهاجم إلا الغرباء، إلا أنّ جارنا الأقرع ذا اليدين القصيرتين كان يتهمه بأكل دجاجاته التي كان يفقدها من حينٍ لآخر، إنه لا يحب الكلب ذا الأرجل الثلاث، بل يتشاءم منه، وهو يتحجج بفقد الدجاجات كي أطرده أو أقتله!

سمعتُه مرةً يكلِّمُ زوجته: " إنّ كلباً بثلاثة أرجلٍ يجاورُنا لهو نحس دائم "

زوجتهُ البدينة طيبة القلب تتوسل إليه أن يطرد هذه الأفكار السوداء من رأسه، وتقول له: "إن الشؤم غراب ينعق في رأسك!"

في المرة الأخيرة أتاني بشهود رأوا كلبي يمسك بإحدى دجاجاته ويفر بها بعيدا! لم أصَدّقهم فمن السهل اتهام كلبٍ لا ينطق! رأيت ملامحَ مؤامرتهم، يرسمها لحنُ حديثِهم.

قال لي:" إنْ رأيته يأخذ إحدى دجاجاتي فسأقتله هذه المرة ".

وقد فعلها في يوم الأربعاء الأسود، الذي علق بذاكرتي كيومِ فَقْدِ صديقي الكلب.

أطلق رصاصة واحدة في الرأس، فقد كان على مقربة منه، ولو لم يكن كذلك لما أصابه، إنه بالكاد يعرف كيف يضغط الزناد !، أخبرني أحدهم أن يديه كانتا ترتعشان حين أطلقَ النارَ على الكلب.

مر أسبوع ولم تختفِ دجاجة وتحدث أهل قريتنا أن كلبي كان يستحق الموت، فلم يغب عن عالمنا الصغير سواه "إنه شيطانٌ بثلاث أرجل!"

عزمتُ أنْ أنتقمَ ممن عبث بسمعته، ألا يكفيهم أنه مات، وأنني لا أجد من يهزّ لي ذيله، ولا من يسير خلفي، أتلفتُ فأرى خياله يطاردني وحين أبتسم له يختفي!

في الأيام التالية بدأت الدجاجات تختفي واحدة تلو الأخرى، كنت أذبحُ كلَّ يوم دجاجة ، ثم أدفنها بجوارِ كلبي الذي دفنته، ووضعتُ عليه حجرين كبيرين كما يفعلون لقبور البشر هنا. كانت اتهاماتهم تذهب شرقاً وغرباً، وتمت تبرئة ذي الأرجل الثلاث الذي كان حينها جثةً متحللة، أما أنا فكنتُ راضيًا عن نفسي، لقد كنتُ وفياً جدا له، وفياً حدَّ القتل!

عيدروس سالم الدياني
* من مجموعة تحمل العنوان نفسه "انتقام صغير"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى