محمد عمار شعابنية - أحلام مزَوّرة

(1)
مثلَ طيْفِ امرأة تجري أمام الريح، أجري
علـَّني أُنقذُ ظلّيّ
من غُبارٍ لوْلبيٍّ لا يُريحُ العيْنَ
أو أخلعُ عن ذاتي قميصَ الصمّتِ
إذْ أجري.. لعلـِّي
ها هُنا أكسِر ساقَ الدَّرب كيْ يقْصُر طوِعًـا
مثلَ كلب صاغر يتبع سيْري..
وأنا رُغم احتراسي
وبقائي فاتحا عيْنيَّ كالأيـّل
في حالة نوْم أو نُعاسَ
ليس لي إلاّ الذي أحمِـل في رأسي:
صُداعٌا من هلام الشعرِ
والأوجاع
والوقت الوَضيعْ
في خريف العمْر
في ما لا أسمّيه ـ كما خاتـلـَني وَهْمٌ ـ ربيعْ
ذاكَ ما يجعلـُني أحلـُمُ...
ماذا لو أنا حقّـَّقتُ حُلمي ؟
سوف لن يسهَر أعدائي
ولن يرقد أصحابي
ولنْ يفرح إنْسِيٌّ وجـِنِّيٌ لغُنمي
لا .. ولنْ ترقُصَ في حوْشيَ شاةٌ أو قطيعْ
إنّما يجْدَرُ بي
أن أراني
واضِعَا عُمْري على ذِمّةِ أتعابي وما بي
رُبّما تـُكبِر جُهدي نمْلةٌ
تسْخـَر من دَوْشةِ صرصار غَبِي.
(2)
ها هنا تنحرِف اللحظة عن ساعتِها
ثمّ لا تلبَثُ أن تُحْدثَ شرْخًا في جدار الوقتِ
كيْ تـُصبحَ رَقْمًا ضائعًـا
يبْحثُ عن وقْتٍ يتِيمٍ للضًّيَاعِ
فالـَّتي تحجبُ وجْه الشمسِ أرجالُ دُخانٍ
كل يوْم في ارتفاعِ
والذي يجري إلى خلف
هوَ اليخْتُ الذي يحملنا
ويُغطّي صورة الشّاطئ عن أنظارنا بالتـّيهِ
كيْ يبْعُد عنّا
وإذا قلنا لماذا
أنتَ لا تمضي إلى غاياتِنا يسخَرُ مِنّا .
(3)
ربما أغسِل ماءَ البحْر من مِلْـحٍ
وأرعى السّمَكَ الأزرقَ في الغابةِ
كي َيسْلمَ من حُوتُ مُهِيبْ
والغريبْ
أنني أحمل في صدري عصايْ
ويدايْ
أكـَلـَتْ أطرافـَـها شبَّابةٌ
لم يحتضن أنفاسَها لحْنٌ جديدْ
فلماذا تضحك الأشجارُ منّي
والعصافيرُ التي أطعمُتها قمحًا ودُودٌا
ولها عطـَّرتُ وِدّيِ
تتحاشاني ولا تسألُ عني
وفَمِي يصرخ كيْ يُبْعِد قُطـْعانَ الضِّـبَأعِ
خوْف أنِ تـُصبحَ أسماكي لها
في غـفـْلة مني عَشاءً أو فـَـطـُورًا
ويقول البحْر لي
أنتَ قدْ عرّضتَ أبنائي إلى خُطـْبٍ ،
فمنْ يمسحُ دمْع الموْجِ ...
مَنْ يُبْعِدُ خَيْمَ الحزْن عن جَزْري ومَدِّي؟..
يا إلاهي !
ألِهذا نَبَذتني ورْطـةٌ نَكْراءُ كيْ ألزِمَ حَدّي ؟
(4)
أنّ حُوتَ الأرض إذْ يسبحُ في برٍّ
يُعَرّي كُلّ ما يخضَرّ من خُضرَتِه
ويُعَرّي العَرَقَ السائلَ من أتعابِهِ
وعلى أنيابِهِ
كُلُّ شيءٍ جاهزٍ للموْتِ حتّى الوطنُ
ما الذي يبقى إذنْ ؟
ما الذي يجدُر بالنّاجين أن يمتهنوا
عندما تـُقفِر من دفْءٍ بيُوتْ
وخيوطُ العنكبوتْ
لن تـَزُوغَ النَّسمَةُ الهيفاءُ عن أحْبْولِها
فاعذريني يا بلادًا
ضيّعتْ ثـُلـْثيْن من أسطولِها
(5)
إنّها تغريدتي:
أحتفي بالصبح يغـْزو غرْفتي
عندما أفتــــحُ عـيـْنَ النّافــذَهْ
كَيْ يراني مطـَرٌ منهمِـــــــرٌ
ومياهٌ بـِتـُرابـي لائـــــــــذهْ
تشتهي سهْـلاً خـصيبا باذخـا
وحُقولا ـ من جـفـافٍ ـ عـائـذه
ليْت شعْـري هـا هنا ألـْوِِيـــــةً
وحُـروفـي طـلـَقـاتٍ نــافِـــــــذه
ليْتـَها تغـْريدتي .
(6)
كلُّ أمٍّ لا ترى أبناءَهـــــــا
يلـْبَسون الضَّوْءَ: أمٌّ محْبـَطـَهْ
كل أختِ لا ترى مِـرْآتـَـها
بينَهم ترْقُصُ: أخْتٌ مثـْبَـطــهْ
كلُّ جَدّ أو أبٍ أو جَـــــــدّةٍ
علـَّقوا أمالَهمْ كالأشرِطـَـــــــهْ
ثمّ في رَفـَّة حُـلْـــم زُوٍِّرَتْ
تتَـلـَقَّاهُمْ حيَـاةٌ مُـسْـقَطـَـــــــهْ
أيها الواعـظُ لا ترْحَـلْ بِهِـمْ
في خـَيَال لمْ يـُصَحِّحْ غـَلـَطـهْ
أنت لا تقــــرأ ما يشغلهـــم
وعلى رأسك تاج السفسطـه
إنّما يجدر ألاَّ يدخلــــــــوا
في سـُبَاتٍ كسُـباتِ القِـطَـطَـهْ
(7)
صاحبي.. زهْرةُ أنسي !
إنني أُلقي عليكَ الرّوحَ في زُرْقـَتِها
فإذا لاحظتَ فيها وَجَعًا
فارْمِ من صبْرِك ما يقـْضي على حُرقـَتِها
إنها تبحث عن ساحل عشقٍ...
عنْ ملاذْ...
عن بلادٍ لمْ يُغَرّبْها مًصيرٌ أحْدَبُ
ولسانٌ يكذِبُ
ويَدٌ أقلامُها أُمّيّةٌ لا تكتُبُ
بعدما ابيَضّتْ هنا التربَة
واسْوَدّ الرذاذِ ...
صاحبي .. يا صاحبي !
لا أنا الكاهنُ ، لا أنت النّبي
لنرى ماذا غدا نحتسِبُ
فلْتـُعاهدْني على صبرْ جميلْ
بهِ في حالتِنا نرتقبٌ الآتي
فما شكْلُ الذي نرتقبُ؟

م ع ش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى