فاطمة البسريني - المشعوذ...

لا تصدق ( مينا ) القصص الخيالية ، العالم الواقعي أكثر غرابة منها .
تشعر داخلها أن سوءا سيقع ، لا يمكنها تفسير ذلك ، إنه شيء فطري أو موهبة ، هي لا تعرف .
اليوم ، انعكاس في مرآتها أوضح لها أن عائلتها ستدمر وأن أخاها الصغير ( حمي) في خطر كبير .
ذهبت إلى أمها وهي تبكي وتخبرها برؤيتها .
أجابتها والدتها حازمة أن ذلك يحصل من مرآتها أيضا وكثيرا ، لكنها مجرد تهيؤات وخيالات وأضافت :
ـ إن ظننت أنك تتلقين التحذيرات من المرآة فذلك أمر خارق وهو ليس حقيقيا ولن يكون ..
في حديقة الأطفال ، اختفى (حمي )عن أنظارها ، بحثت عنه في كل مكان وقد تملكها الرعب والفزع .
وأخيرا ، عثرت عليه مع ذلك الرجل القبيح الشكل ، والذي كان منظره يصيبها بالخوف والهلع ، تعرفت إليه لأنه كان يحوم حول الحديقة لمدة طويلة .
لاحظت ذلك في المرة السابقة عندما أحضرت أخيها الصغير ( حمي ) هناك .
كان مع ذلك الشخص ذي أنف بينوكيو وملامح ساحر شرير ، كان يحكي للصغير (حمي ) حكاية مخيفة جحظت لها عيناه وارتعش لها جسمه .وعندما أنهى كلامه ، أهداه دمية من القش .
كانت ( مينا) واقفة على بعد عدة أمتار منهما تنظر إلى كل ذلك وقد سمرت في مكانها، وكأنها مشلولة لا تستطيع الحركة .
لماذا لا يمكنها أن تتحرك وتأخذ شقيقها فحسب ؟
لماذا تشعر أن هذا الشخص يستحوذ على أخيها ويستبعدها ؟ وبسرعة فائقة ، اندفعت وشدت أخاها إليها وقد انتابها رعب شديد مما يمكن أن يفعله له هذا الرجل الغريب .
نظر إليها الرجل وقد أبان عن أسنان صفراء في نصف ابتسامة متحدية وهو مندهش من قوتها وقوة إرادتها .
ــ أنت محقة في خوفك عليه ، لكنه طفل جرئ وجميل ، لو كنت والدكما لراقبتكما جيدا ..
ابتعدت خطوات إلى الخلف وهي مازالت تواجهه ، وقالت له في غيظ :
ــ كيف تفعل ذلك ؟ لما أخذت حمي ؟ لقد أفزعتني كثيرا ..
لم يهتم بالجواب على كلامها بل أشار بأنفه الطويل المعقوف إليها وقال لها :
ــ أظن أنك طفلة صالحة .. ما الذي يميزك ؟
نظرت إليه شزرا ، وقالت في خوف :
ــ ابتعد عنا ..
رفعت (مينا ) رأسها إلى الأعلى وهي تأخذ يد أخيها قائلة :
ــ هيا بنا حمي .
جاءها صوته مؤكدا :
ـــ أنتما لي .. تذكري هذا .
نظرت ( مينا ) إلى الخلف وهي تحث الخطى وأجابت :
ـــ ابتعد عنا أيها المشعوذ الحقير ،
توقفت لما سمعته يضيف :
ــ مرآتك مخيفة حتى أنها تفقدك صوابك ، أليس كذلك ؟ .
ارتعدت فرائصها من فرط الخوف سألته باندهاش و ذهول :
ـــ من أنت ؟
أكد لها وساوسها ومخاوفها مجيبا :
ـــ أنا من سيأخذ قلبك وقلبه أيضا ، ألقيت عليكما تعويذة سحرية يا جميلتي ..
أليس والدك من قال ( إن لم تؤمني بالسحر ، فلن تجديه .)
ـــ من أنت ؟ وماذا تريد منا ؟ ابتعد عنا .. هيا بنا يا أخي ..
وأنت لا تعد إلى مثل هذا مرة أخرى وإلا اشتكيتك للشرطة ..
أجابها غير مهتم بتهديدها وقال :
ــ لن تصبحي ساحرة حتى تسيري على النار ، عليك الدخول إلى نفسك وتسأليها لتجدي نفسك الحقيقية .. يمكن أن يصبح الإحساس مشعوذا ..
دارت بخلدها فكرة أنها تخاف أن تجد نفسها في مواجهة نفسها لكنها طردتها بحركة من رأسها وهي تقول لأخيها :
ــ لنرحل يا حمي ، إنه مخبول فقط ..
ـ لن تستطيعا الرحيل ، فأنتما أسيرين لدي ، حاولا الرحيل وسترين ...ـ
حاولت أن تشد أخاها وتتحرك لكنها لم تتمكن من ذلك.
سألته وقد اختنق صوتها من الخوف :
ــ كيف تفعل ذلك ، كيف .. ؟
أبرقت عيناه وأرعدت ، وقال بصوت متهدج :
ــ بكل شيء مظلم ومتوهج ، أمد يدي إليك وإلى أخيك وأسحب روحيكما منكما ، أمد يدي إليكما وأستحوذ عليكما .
وفجأة شعرت (مينا ) أن أخيها الصغير ينفلت منها ويبتعد في اتجاه المشعوذ ، طافت بذهنها فكرة أنها لن تتمكن من العيش دونه مدت يدها في محاولة للإمساك به ، لكنها لم تعد تراه فجأة ، فقد اختفى على حين غرة ، كيف اختفى ؟ لا يمكنها أن تعرف ..
كانت تصرخ بكل المارة ، بوجه مبلل بالدموع ونظرات تائهة وشفتين بلون الدم :
ــ أين أنت ؟ حمي ... حمي ؟
شعرت بيد أحدهم تهزها :
ـ استيقظي يا ( مينا) لقد كنت تتخبطين وتشهقين باكية أثناء نومك.. أفيقي .. ما بك يا ابنتي ؟ ما بك ؟
ــ أين أخي الصغير ؟ أين (حمي ).. ؟
سألت والدتها وهي ترتجف ..
ــ لا بأس .. لا بأس عليك ، إنه هنا يلعب بدمية القش التي أهداها له أحد المارة ، في حديقة البيت الخلفية ..
اهتزت مينا من الأعماق ، قفزت في رعب وهلع وركضت خارج البيت ، ـــ اه .. أه ـ الدمية ... الدمية ... الدمية لا ..لا
انتزعت الدمية من بين يديه بسرعة ، وأخذتها إلى المطبخ وأشعلت فيها النار ، كل ذلك ووالدتها تركض هي الأخرى وراءها مستغربة ومندهشة من تصرفات ( مينا ) .
بعد ما احترقت الدمية بكاملها ، ألقت ( مينا) بنفسها في حضن والدتها وقد أخذ منها الفزع أيما مأخذ . .
كانت تردد في نفسها ( لا أومن بالقصص الخيالية ، تتحقق الأحلام فقط في ضوء النهار) .
وكانت والدتها تضمها إليها وهي تطمئنها ( لا تخافي .. أنت خائفة فقط) بينما كان ( حمي ) ينظر إلى المشهد أمامه بهدوء وصبر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى