مصطفى الحاج حسين - أصبع عائبة...

تمّ اغتصاب (سميرة) ابنة حارتنا، وهي ابنة الخامسة عشر من عمرها، لها أخوة وأخوات، أكبر، وأصغر منها، فهي تقع بين أخوتها، في مرتبة الوسط.. أمّها منهمكة في المطبخ، تطبخ، وتغسل، وتنظف، وترتّب، وتستسلم لرغبات زوجها، (أبو رحمو)
، بعد منتصف الليل، وهي في ذروة الإرهاق، والتعب والرّغبة القويّة في النّوم العميق.

كانت دارهم، قريبة من مدرسة الشّهيد (صالح نقّار)، التي تحوّلت إلى مركز للجيش، (الوحدات الخاصة).. ولقد انتبه القائد، لهذه الفتاة، تقف، وتتفرّج، وتلهو، أمام باب منزلها.. فناداها الضّابط، وراح يسألها، عن والدها، وأخوتها الذّكور ، وأخواتها البنات، وأمّها، وكافة أفراد عائلتها.. ولمّا لمس الضّابط، عند هذه الفتاة، مدى الرّعب والخوف منه، ومن عناصره، صار يهدّدها، بأنّه سيعتقل والدها، وأخوتها الشّباب، بتهمة علاقتهم (بالإخوان المسلمين)، والدّليل ذهابهم، وتردّدهم على الجامع، بحجّة تأدية الصّلاة..وخافت البنت، وراحت تترجّى الضّابط الأشقر، وتتوسّل إليه، أن يترك والدها، وأخوتها بحالهم، فهم لا علاقة لهم (بالإخوان المسلمين).. فطلب منها، أن ترافقه، لداخل المدرسة، ولمّا استجابت بدافع الخوف، دعاها أيضا لدخول مكتبه، فامتثلت مكرهة.. وهناك في المكتب، أغلق عليها الباب، وقام باغتصابها، بعد أن هدّدها بالقتل، وشاهدت بأمّ عينيها، كميّة السّلاح المرّعبة، والمتواجدة في مكتبه فقط.. قام بتعريّتها، وتمتّع بكامل جسدها، الطّافح بالأنوثةِ والحيويّة.. بكت حين شاهدت، قطرات الدّم الأحمر، تنساب من بين فخذيها، فأمرها بمسح الدّم، بعد أن أعطاها المحارم البيضاء، وقال لها:

- إن أخبرت أحداً، بما فعلناه، سأًرمي والدك، وأخويك، في المعتقل.

بدافع خوفها لم تخبر أمها، بما تعرّضت له.. حتّى شقيقتها (أميرة)، التي تكبرها بسنتين، والقريبة منها جداً، خافت من الاعتراف لها.. وحين مرّ عليها اليوم بسلام، ولم ينتبه عليها أحد من العائلة، شعرت بالأمان، فقد كانت طوال الوقت، تتهرّب من مخالطة الجميع، بحجّة أنّها متوعّكة.. في اليوم الثٌاني، أرادت أن تلقي نظرة، خاطفة على الشّارع، وبوّابة المدرسة، وإذ بها تجد الضّابط الأشقر، يجلس مع عناصره، عند الحاجز.. ولمّا لمحها، ناداها، أمام عناصره، الذين كانوا ينظرون إليها مبتسمين.. حاولت أن تعود أدراجَها، وتدخل دارهم.. فإذ بالضّابط يناديها، بصوت آمر، وباسمها:

- (سميرة).. تعالي إلى هنا.. بسرعة.

تسلّل إلى قلبها الصّغير الخوف.. هذا الضّابط لا يخاف، ولا يحسب لأحد حساباً، وإن لم تذهب إليه.. سيعمل لها فضيحة، ويأمر عناصره، ليقوموا بجرّها من شعرها، وإحضارها لعنده، فهو معلّمهم.. فوجدت نفسها تنصاع، وتتحرّك نحو الضّابط.. الذي نهض بدوره، واخذها إلى ذات المكتب، ليعاود النّوم معها.. بوقت أطول، من الوقت، الذي استغرقه يوم أمس.

قال لها، بعد أن فرغ منها، وتركها قطعة لحم، تلبس ثيابها، المرميّة على الأرض:

- كلّ يوم، في هذا الوقت.. أريدك أن تأتيّ، إليّ هنا.. والويل لك، إن تأخرت
، سأدخل لعندكم في البيت، وأجرّك من شعرك الأسود، هذا.. أمام أمّك.. وأحضرك إلى هنا.

ومضت أيام، و(سميرة) تلبّي طلب الضّابط الأشقر، وتتسلّل بالخفـاء عن أمّها وأخوتها، وتأتي طائعة.. إلى أن اعتادت هذا الأمر.. وبدأت تشارك، ضابطها الأشقر، المتعة واللذّة.

أشهر عديدة مضت، وطابت لعناصر (الوحدات الخاصة)، الإقامة في المدرسة، ودوام الطّلاب، ما زال معلَّقاً، إنّهم في عطلة مفتوحة، إلى أن يستتبّ الأمن، والأمان، في ربوع (سوريّة).

ووقع المحظور، وحبلت (سميرة)، وانفضح أمرها، بعد أن تعبت، وبدأت عوارض الحمل، تظهر عليها، وصارت بطنها تكبر، وأمّها ارتابت في أمرها، سحبتها إلى غرفتها، لتحقّق معها.. لكنّ (سميرة)، حاولت أن تتهرّب، وأن لا تعترف، وحلفت، وبكت، وأنكرت، وادّعت أنّها بخير، فقد كانت مصابة (بالرّشح)، بسبب مغص عارض ألمّ بها.. لكنّها تشعر الآن بأنّها قد تحسنت.. لكنّ أمّها لم تقتنع، فأصرّت أن تعرضها على أمّ (ساروب)، العجوز اللبنانيّة، والتي تسكن بالحارة، مستأجرة عند السّائق (أبو نجيب)، الذي قُتِل ابنه (نجيب) منذ فترة، بحوادث الشّغب اللعينة وأمّ (ساروب)، هذه كانت تعمل، قابلة نسائية، ولها سنوات عديدة في هذه الحارة.. وعندها خبرة كبيرة، في الحمل والولادة.

منذ النّظرة الأولى، والكلمة الأولى، قالت أمّ (ساروب)، تبشّر أمّ(سميرة):

- مبروك.. ابنتك حامل.

انهارت (سميرة) .. وصُعقت أمّها.. وأحسّت (ام ساروب) بأنّها تسرّعت.. لكنّ الحقيقة لا يمكن إخفاءها.. صاحت الأمّ بابنتها (سميرة)، المتخشّبة:

- من؟!.. قولي من فعل بك هذا؟!.. ومتى؟!.. وكيف؟!.

وأجهشت (سميرة) بالبكاء، وارتمتْ على قدميّ أمّها.. المذهولة و غير المصدّقة.

وحاولت أمّ (ساروب)، أن تتقدَّم من أمّ (سميرة)، لتهدّئ من روعها، وتخفّف من فاجعتها، وألم روحها.. فقالت:

- لا أدري ماذا أقول لك..ولكن أرجوك تماسَكي، وكوني مع ابنتك، لا عليها..
ربّما تكون مظلومة.. مغلوبة على أمرها، لقد مرّت عليّ حالات كثيرة.

قالت الأمِّ بلهفة ومرارةِ، وحرقة:

- ألا يوجد حل، أرجوك هل عندك حلّ، لمثل هذه الأمور؟.

- يبدو أنّ ابنتكِ حامل، منذ أشهر عديدة.. يعني الجنين، صارت له روح.

صرخت أمّ (سميرة)، كمجنونة فقدت صوابها.. وابنتها مازالت تنشج، راكعة عند قدميّ أمّها:

- قولي يا ابنة الحرام، مّمن حبلتِ؟!، ومنذ متى وأنت حامل؟!.

كان لا يمكن لأمّ (ساروب) أن تجري (لسميرة) عمليّة الإجهاض.. فالعمليّة هنا تكون جريمة قتل.. سيحاسبها القانون.. وهي مسيحيّة تخاف الله.

واعترفت (سميرة) لأمّها، ومن ثمّ لأبيها عن الفاعل.. وكان أبوها الذي، يشخر كالثّور الهائج، من شدّة غضبه، مذهولاً، ومصعوقاً، ومرتجفاً من داخله.. وكم تمنّى على ابنته الكلبة، أن تذكر اسم، غير هذا الضّابط، يا ليتها قالت إنّ من فعل بي هذا، (جمال) ابن خالتي، أو (شهاب) ابن عمي، لكان سَحَبه من رقبته، وهدّده بالذّبح، إن لم يصلّح خطأه.. ولكن هنا ماذا يفعل؟!.. هل يذهب ويواجه ذاك الضّابط الأشقر، الذي يرمقه بنظرات الغضب، كلّما مرّ بالقرب من حاجزه.. الآن فهم معنى نظرات الغضب هذه.. كأنّه يحاول إخافته.. وهو كان يخافه بالفعل، ويخشاه، ويتجنّبه.. ماذا عليه أن يفعل الآن؟!.. يتركه، ولا يحاسبه، يتظاهر بعدم معرفته، بالذي قام بالاعتداء على شرفه؟!.. وسأل، والدّمع ملأ حنجرته واختناقه:

- يا الله!!.. لم هذا يا الله؟!.. أنا إنسان بسيط وفقير، تركت ضيعتي لأشتغل هنا في (حلب) وأستطيع أن أطعم أولادي.. والآن كيف سأواجه الموقف
؟!.. هل أنا من سيحاسب هذا الضّابط؟!.. ألا تعرف من هو يا الله، ألا تعرف من أيّ ضيعة ينحدر؟!.. من أيّ طائفة هو؟!.. ومن يقف معه؟!.. ويسانده؟!.. إنّه فوق القانون.. نعم.. هذا يستطيع أن يبول على القانون، ودستور البلاد، أمام القاضي الأوّل.. لا قدرة لي على مواجهته، أو حتّى على معاتبته.. أنا أضعف من هذا يا ربي.. وأصغر، وأجبن، فلماذا وضعتْني، في هذا الموقف يا ربي؟!.

ابنته فعلت هذا، من شدّة خوفها عليه، وعلى أخواتها، وأخواتها (رحمو..ورحيم)، وأمّها.. وهي شاهدت هذا الضّابط، وعناصره كيف قتلوا (نجيب) ابن جارهم، وأصابوا برصاصهم فخذ (لبابة) ابنة جارهم، وكيف اخترقت الرّصاصة فخذها، وخرجت، من الطّرف الآخر.. وكان هذا الحقير، طوال الوقت، يهدّد (سميرة) بأنّه سيعتقلنا، أَو يقتلنا، إن لم تستجب، لطلباته الوضيعة، وتتركه ينام معها.

وتساءل (أبو رحمو)، هل يكون جزاء (سميرة) القتل؟!.. إنّها ضحت بنفسها من أجلنا نحن؟!.

الموت عليك حرام يا (سميرة).. لكن تقاليدنا، وأعرافنا، وعاداتنا،
ومفاهيمنا، ورجولتنا، وأخلاقنا، تقول:

- يجب قتلك يا (سميرة).. لا مبرّر لك.. لا شفيع لك.. لا عذر لك، وإن كنت تضحّين بنفسك، من أجل عائلتك.. كان يضحك على سذاجتك
.. لو كان لهم علينا ملاحظة، أنا وأخوتك، لما تركونا دقيقة.. ضحك عليك يا (سميرة).. خدعك.. استغلّ صغر سنك..وأنا أستطيع أن أحاسبك أنت فقط، وَأقتلك أنت فقط.. أما هو، فممنوع عليّ، أن أسأله، لماذا فعل معك هذا؟!.. ممنوع عليّ أن أقتربُ منه.. أن أنظر في عينيه .. أن ألمس حذاءه.. لحذائه عند الدولة مكانة أكثر من مكانتنا يا (سميرة).. سأقتلك.. وأنا أحبّك يا (سميرة).. سأذبحك بيديّ، وأنت أطهر ما لمسته يديَّ.. ستموتين، وأنت البريئة والضّحيّة.. جلبتِ لنا العار يا ابنتي، وأنت كنت تريدين لنا الخير.. حتّى وإن قتلناك، ففعلتك الشنيعة ستطاردنا للأبد، أنا وأخوتك.. وأبناء عمومتك، من سيقبل أن يتزوج من واحدة، من أخواتك؟!.. من سيرضى، أن يعطي ابنته عروساً، لواحد من أخوتك؟!.. حتّى لو قتلناك.. حتّى لو أحرقناك؟!.. حتّى وإن متنا؟!.. سيحكون عنك.. وسيحكون عنّا.. لأولادهم، ولأحفادهم، وللتاريخ.

(سميرة) محبوسة في غرفتها، لا أحد يدخل عليها، حتّى أمّها.. ممنوع عليها الخروج، فقط لدورة المياه.. وتكون تحت المراقبة الصّارمة من الجميع.. الكلّ مسؤول عن تحرّكاتها.. في الليل والنّهار.

سيرسل والدها صباحاّ، أحد ولديّه، إلى أخوته الثّلاثة، في قريته الأصليّة، سيأتون ويتشاورون فيما بينهم، ويبحثون عن الحلّ المناسب.

إنطفأت جميع الأنوار، وهجع كلّ من في الدّار لفراشه.. لكنّ النّومِ على خصام مع أفراد الأسرة.. كلّ يفكّر، يتقلّب، يتساءل، يخطّط، يرسم، يعتزمُ، ينوي، يتخيّل، يتمنّى، يرغب، يتحسّر، يتألم، يتأوّه، يستجمع قواه، يمسح دمعه، يشهق بصمت.. وفجأة انبعث صوت قويّ، يصرخ،ويستغيث
، ويتأوّه.

اشتعلت الأضواء من جديد، فتحت أبواب الغرف، الجميع يركض إلى غرفة (سميرة)، مصدر الصّوت المنبعث، كان الباب مفتوحاً، ووجدوا به (رحيم)، واقفاً، وبيده سكيناً جاء به من المطبخ، وكانت (سميرة)، مطعونة عند كتفها، والدّم يغدق، وينبع من تحت (بلوزتها)، ومباشرة هجم عليه أبوه، بينما كانت الأمِّ، وابنتها الكبرى (أميرة) تصرخان وتبكيان، صاح الأب بانفعال وغضب:

- ماذا فعلت يا مجنون؟!.

وزعق (رحيم)، بقوّةٍ، وانفعال، وتحدّي:

- سأقتلها.. والله نهايتها على يدي.. الفاجرةُ، العائبة.

ودقّ باب الدّار، دقات عنيفة،متوالية
، غير منتظرة، يرافقها صراخ وزعيق، وصياح، وأوامر شديدة، مع رشقة من أعيرة ناريّة:

- افتحوا الباب.. أسرعوا.. هيا.. عجّلوا.

ثمّ بدأت (رفسات الأبواب)العسكريّة
، تنهال على الباب المغلق.. وكأن لا أحد يرغب بفتحه.. وفتحت أبواب الجوار، وأطلَّت منها، الرّؤوس السّافرة، والمحجّبة.. وخرج الرّجَالُ والشّباب والأطفال الصّغار.

تقرّر قتل (سميرة) ، (أبو رحمو)، وأخوته الثلاثة، اتّخذوا قرارهم، ولا رجعة لهم عنه، أمّا الضّابط فسيكون حسابه فيما بعد، لم يواجه أحد الآن، سيتظاهرون، بعدم معرفة من جنى على ابنتهم (سميرة).

واتفقوا، على أن من سيقوم، بمهمّة القتل، شقيقها الصغير (عُبادة)، عمره بحدود الثّانية عشر سنة، تحت السّن القانونيّ.. حينها سيكون حكمه مخفّفاً جداً لصغر سنه.

وصاروا يدرّبونه على استعمال السّلاح، اشتروا له مسّدساً، وضعوا له المسدّس في مكان بارز، عند سطح منزلهم، وتركوه يجد المسّدس من تلقاء نفسه، حتّى لا يعترف على صاحب المسّدس، أو من الذي اشتراه له.

بدأوا بتدريبه، كيف يمسك المسّدس،
كيف تتمّ عمليّة التّلقيم، وكيف يتمّ الضّغط على الزّناد، إلى أن يفرغ من طلقاته التّسع، وكيف يسدّد، ويصوّب، ويكون رابط الجأش، لا يخاف، أو ترتعش يده، وألّا يتراجع، أو يشفق، أو يستمع لنداء من يطلب عطفه، أو يرعبه الصّراخ، أو رؤية الدّم النّازف، وأن يكون سريعاً في تنفيذ المهمّة، كلّ هذا سيكون مقابل أن يشتري له درّاجة هوائيّة، ليلعب بها ويسوقها في الحارة.

وكان الطّفل (عُبادة) سعيداً، بهذا وفرح، حيث كان يهرع لأخته (سميرة)، ويخبرها بأنّه يتدرب على استعمال المسّدس، ليقتلها، ويحصل على جائزة، من أبيه، وهي الدّراجة الهوائيّة.

(سميرة)، كانت تعلم بأنّها ستموت، هي لا تغادر غرفتها، إلّا لقضاء حاجتها، محروسة من أخويّها (رحمو) أو (رحيم).. وكانت حين تجوع جداً، تزدردُ بضع لقيمات، لتمنع وجع الجوع عنها.. ولا تشرب إلّا إذا تشقّقت شفتاها، من العطش.. ولا تلجأ للنوم، إلّا إذا انهدّ حيلها، وفرض النّوم نفسه عليها.. الأمُّ ممنوعة عنها بتاتاً، مع تهديد لها بالحساب، لأنّها أهملت تربية ابنتها، ولكنّ أيضاً هذا الحساب مؤجّل.. شقيقتها (أميرة) كذلك الأمر لا يسمح لها، بمقابلة أختها (سميرة)، ولا التّحدث معها.

الضّابط الأشقر، أدرك أنّ أهل
(سميرة) اكتشفوا أمر ابنتهم، لكنْه يجهل إن كانت، اعترفت عليه أم لا.. وهو في كلّ الأحوال، غير سائل، أو مهتم، أو خائف، فهو محميّ بعناصره
، الذين يرعبون القلوب.

كتبت (أميرة) على ورقة صغيرة،
وأعطتها لأخيها الصّغير (عُبادة)، وطلبت منه أن يعطيها، (لسميرة) فهو مسموح له بمقابلتها، وأخذ (عُبادة)، الورقة الصّغيرة، ودسّها في جيب بنطلونه، وناولها إلى (سميرة):

- سيقتلونك.. اهربي.

طوت (سميرة) الورقة، ولم تقل شيئاً، كانت مستسلمة لقدرها.

ثمّ قالت الأمّ لابنها (عُبادة)، توشوشه:

- قل (لسميرة)، أنّ أمّك، تقول لك اهربي.. ستقتلين.

ونفذ (عُبادة) ما طلبته منه أمّه.. وقال (لسميرة) الشّاحبة الوجه:

- قالت ماما.. اهربي.. سيقتلونك.

ضمّت (سميرة) رأس أخيها، (عُبادة) إلى صدرها، وقبّلته.. وبقيت صامتة.

وفي الليل. نادى (رحمو) شقيقه (عُبادة)، وهمس بإذنه:

- أريدك أن تقول (لسميرة)، إن (رحمو) يقول لك، أن تهربي، سيقتلونك.. وأنا في هذا الليل، سأترك لها باب الدّار مفتوحاً.

وكالعادة.. ذهب (عُبادة) إلى أخته (سميرة)، ونقل لها قول، (رحمو)، ولم تحرّك ساكناً.

وفي هذه المرّة، صاح (رحيم) الذي حاول طعن أخته، (سميرة) سابقاً، على (عُبادة) ، وطلب منه، أن يدخل على (سميرة)، ويطلب منها، الهرب فوراً من دارهم، والذّهاب إلى أيّ مكان، لأنّهم سيقتلونها.. وهو سيقوم بالتّغطية على هربها الآن.

لكنّ (سميرة) ظلّت في غرفتها، ولم تغادرها، كانت تسهر، مع دمع عينيها.

وقبيل الصّباح، وبعد صلاة الفجر، طلب (أبو رحمو) من ابنه (رحيم)، الذي يقوم بحراسة غرفة(سميرة)، أن يدخل غرفته، وينام بعض الشّيء، ويبقى هو بدلاً عنه، للحراسة
.. وذهب (رحيم)، ودخل (أبو رحمو)
، على ابنته (سميرة)، وحين شاهدت أبوها، انكمشت على نفسها، ونهضت بتثاقل وجذع:

- ابنتي.. هيا.. حاولي أن تهربي.. مطلوب منّي أن أقتلك، وأنا لا أقوى على هذا.. خذي هذه النّقود.. وافتحي الباب، واذهبي إلى بلاد الله الواسعة، اذهبي أنت، واتركي عارك لي ولأخوتك.

رفضت أن تمدّ يدها للنقود، التي ظلت في يد أبيها، وارتمتْ تقبل يده وتبكي.. وتطلب منه مسامحتها.

وعند العصر، وبعد الصّلاة، بدأ التّجمع عند باب الدّار، في الحارة، وعند الجهة المقابلة لباب الدّار، التّم الأعمام الثّلاثة، وأولادهم الشّباب، الذين لحقوا بآبائهم، و (أبو رحمو) ووالديه (رحيم) و (رحمو).. و أمّ (رحمو) وابنتها (أميرة)، والعمّات، والخالات، وزوجات الأعمام، وبنات الأعمام.. وعدد كبير من أهالي الحارة.. (وعبادة)، الذي كان يبتسم، لكلّ من ينظر إليه.. وكان معظم المتواجدين، جالسين، يسندون ظهورهم إلى الجدران.. نظر الأب إلى ابنه (عبادة)، ابتسم مشجعاً، وقال:

- هيا يا (عبادة) .. أثبت لي شطارتك.

وتحرك (عبادة)، دخل الدّار، بمفرده، وكانت الدّار خالية، إلّا من (سميرة).

أمّا عناصر الجيش، فقد كانوا عند حاجزهم، يراقبون ولا يتدخلون.. والضّابط الأشقر، غير موجود بينهم.

فتح (عبادة) الباب، على (سميرة) ، وفي يده يحمل المسّدس، نهضتِ حين رأت أخيها، وهتفت:

- هل حان موعد قتلي؟!.. اقتلني ولكن لا تقتله.

وأشارت بيدها لبطنها:

- سيموت.. ولكن لا تصوّب عليه.. لا ذنب له يا (عبادة).

وانهمر الرْصاص.. دوى.. تصاعد.. لعلع.. وانبعثت الزّغاريد من خارج الدّار، تصاعدت، انتشرت، خيّمت على سماء الحارة، وانتقلت إلى الحارات المجاورةََ.. وهنا بادر العمّ (عدنان)، شقيق (أبو رحمو)، وأخرج من جيب شرواله مسدّساً، وأشهره إلى الأعلى، وراح يطلق الأعيرة النّارية.. ويصرخ:

- إصبع (عابت) وقطعناها.

مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى