محمد محضار - الفكرة المجنونة...

فكّرَ، ثُمَّ اخْتمرت الفكرة في رأسه حتى صَارت ذات بُعد عميق يعكس رغبته القويّة في المرور من أحلام اليَقظة إلى مرحلة الوعي بحدود رغباته ومدى إمكانيّة تحقق ذلك في العالم الواقعي، عندما أسَرّ لصديقه بالفكرة التي أصبحت تسيطر على عقله وتضغط على تفكيره بإلحاح لا يُمكن تجاهله أو غضُّ الطَّرْفِ عنه، لم يَتردّد الصّديق في نعتِ فِكرته بالمَجْنونة وغَيرِ المَقْبولة، لكنه لم يتقبّل منه القول، واعْترض على كلامه قائلا:
-فِكرتي عميقة وليست مجنونة، لأنها ستعيد لحياتي نكهتها، وتمنحني فرصة جديدة للاستمتاع بتجربة ناجحة.
ابتسم صديقه وقال بصوت ساخر:
-أنت تسوغ لِنفسك ما تراه يَستجِيب لأهْوَائِك ويَخدُم مُغامرتكَ غيرِ المأمونة العواقب.
تحسّس شَعْرَ رأسه، وزَوّى ما بينَ حَاجبيه وهتف بصوتٍ غاضبٍ:
-ما أنا مُقْبل عليهِ هو عَينُ الصّواب، وسَلوة الفؤادِ وغاية النّفْسِ
-بل هو الجنون عَينه، يا صَاح
تَوقَّف الأمر عند هذا الحدّ، وقرر أن يتجاوز الدّخول في جدل لن يغير من الأمر شيئا.
زاد ثقل الفكرة على رأسه، وأحس بأنه يَحسنُ به تقاسمها مع شخص أخر يفهمه ولا يخذله، وبعد تمحُّص و تأمّل لم يخطر بباله إلا شقيقه الأصغر فهو من ذَوي القربي وقد أوتهما نفس البطن ورضعا من نفس الثدي، ويمكنه أن يستأنس برأيه، لم يتردد في الاتصال به وألحّ عليه في الحضور قائلا: " نلتقي بعد ساعة من الأن بنادي فضاء الحرية لرجال التعليم " حاول شقيقه الاسْتفسَار عن سبب الإلْحَاح، لكنه تجاهل طلَبه وقال له بصوت جَازم : "هذا ليس وقت استفسار أيها العزيز".
جَاء شقيقه في الموعد المحدد، تبادلا العناق والأحضان، ثم جلسا في مكان يُطِل على حديقة النَّادي الفسيحَةِ، سأل شقيقه عن أحواله فحمدل وقال:
-لا نملك سِوى شُكر الله على نعمةِ الصّحة والعَافية وسِعةِ الرزق
-هذا يسعدني ويمنحني فرصة الحديث إليكَ بكثير من الأَريحية
حرَّك أخوه رأسه مؤيّدا كلامه، بينما تابع هو حديثه، قال أن صلة الرحم مَكْرُمَةٌ ربَّانية، وأن لقاءَ الأحبَّة بين الفِينَة والأُخرى وسِيلةٌ لاستعادة الذِّكريات والترحُّم على الراحلين من الأهل والأقارب، ثم أضاف وهو يبتسم : "لدي موضوع عَنَّتْ لي فكرته مؤخرا، وأريد أن أتقاسم معك فحواه، لعلّي أجد عندك ما يُساعدني على ترتيب أوراقي والخروج بفكرتي إلى عالم الواقع".
ظل شقيقه ينظر إليه باستغراب، ويتساءل في قرارة نفسه عن سِرّ هذه المُقَدّمات، بعد لحظة صمت قصيرة تابع كَلامه مُتحدثاً بِأنَاة وتُؤدة، والشّقيق مُنْصِتٌ لِحديثه وهو يَتوسّع في شرح فكرته وتوضيح ما بَطنَ منها وما ظَهرَ، والكَشفِ عن رغبة مُتأَصِّلة ومتنامية لديه في دخول تجربة جديدة مبنِيَّة على المُغامرة الخَلاّقَةِ،
تَوقَّف فجأة وسأل شقيقه عن رأيه، حدّق به أخوه وقد ارتسمتْ على وجهه معالم الدّهشة، وقال:
-لا رأيَ لي، وفِكرتك تتجاوزُ بِعمقِها وأبعادها الشّاسعة حُدود إدراكي، لأنني كنت دائما أتحرك في ظلّك ولا قدرة لي على تجاوزك.
-ولكنني أرغب في الاستئناس برأيك حتى أكون قادرا على بدء مغامرتي
ردّ شقيقه وهو متهيِّب من الموقف الذي وجد نفسه فيه:
-لا أستطيع أن أعبر عن رأيي، ولن أتقدم خطوة واحدة أمامك
تقبل حِيادية أخيه، واعتبر ردّه تسليما بالأمر الواقع ودعماً لمغامرته التي تتماهى تماما مع الفكرة التي اختمرت في ذهنه واعترتْ وجدانَهُ، لذلك لم يتردد في دعوته لتناول وجبة عَشاء تشمل أطباق سمك مشويّ وسَلَطَاتٍ متنوعة، أكلا وهما يتبادلان المستملحات والنكت، ويستعيدان ذكريات الطفولة وشغب أيّام المراهقة والشباب، ثم افترقا على أمل تجَدُّد اللقاء.
""""""""""""""""
في طريق عودته للبيت عَبرَ شارع القدس في اتجاه مدار عزبان ثم انعطف نحو شارع الليمون، كان الليل يحتضن المدينة ويُسبل عليها هالة من ضوء القمر، وقد أشاع ذلك في نفسه إحساسا جميلا بسعادة طارئة وانتشاء حَاصل، تَوقّف أمام إشارة المرور الضوئية بشارع عمر الخيام، قفزت إلى ذهنه أبياتُ رباعياته كما ترجمها أحمد رامي وغنتها أم كلثوم وأطلق العنان للسانه يلهج بالمقطع الذي كان يستهويه ويحفظه عن ظهر قلب:
أولى بهذا القلبِ أن يَخْفِق
وفي ضِرامِ الحُبِّ أنْ يُحرَق
ما أضْيَعَ اليومَ الذي مَرَّ بي
من غير أن أهْوى وأن أعْشَق
أفِقْ خَفيفَ الظِلِ هذا السَحَر
نادى دَعِ النّومَ وناغِ الوَتَر
فما أطالَ النومُ عُمرا
ولا قَصَرَ في الأعمارَ طولُ السَهَر
" الحياة تفقد بريقها وقيمتها الاعتبارية دون إبداع خلاق، دون كلمة موحية ونغم مؤثر، دون شعر عذبٍ ونثر منتقى، "
هكذا فكر وهو يواصل طريقه نحو مسكنه بحي اسميرالدا، تسربت إلى خياشيمه رائحة نبتة مسك الليل المنتشرة بالمغاني القائمة على طول شارعي الليمون وعمر الخيام، فزادت درجة انتشائه وشعوره بالرغبة في التعبير عن ذاته بِطريقته الخاصة المبنية على الفِكرة المستجدّة التي عَنّتْ له دون سابق إنذار وسيطرت على عقله ووجدانه.
من حقه الأن أن يحلم ويُسافر في بحر اِستيهاماته، و يحاول تحقيق تناغم نَفْسِيٍّ يقوده للإشباع.
كان قد وصل لِمسكنه، رَكن سيّارته في الموقف المجاور، وجد زوجته جالسة بالصالون تنتظر حضوره، تبادلا التحية وسألته:
-هل أعد لك وجبة العشاء؟
رد مبتسما :
-تعشيتُ رُفقة شقيقي بنادي المعلمين
-كيف هي أحواله؟
-بخير ويبلغك سلامه
دعاها للجلوس بجانبه، أمسك بيدها وحدّق في وجهها ، كان محياها مشرقا، ومعالم جمال آبق ترتسم عليه، قال بصوت خافت:
-الحياة تدعونا للتصالح مع ذواتنا، ونحتاج دائما لمحطة استراحة قبل مواصلة الرحلة
ابتسمت، وقالت:
-لغتك مُشَفّرة وحديثك يصب في اتجاه فلسفي غير واضِح
ران صمت خفيف عليهما، سرعان ما كسّره عندما بدأ يتحدث عن الفكرة التي اختمرت في ذهنه وتفرعت حتى سيطرت على وجدانه وصارت هوسا مُؤثرا، نظرتْ إليه باستغراب ودهشة ثم هَتفتْ بصوت غاضب:
-هل تتصور أننا يمكن أن نعيش بعد كلامك هذا تحتَ سقفٍ واحد؟
لم تنتظر جوابه، ثم هرولت مغادرة البيت وهي تردد:
-أنا عندَ ابنتي حتى تعود لجادة الصواب
لم يلتفتْ لكلامها، وأشعل سيجارة، نفثَ دُخانها واِنْدفع نَحو شُرفة البيت، رأى زوجته تركب سيّارتها الصغيرة ثم تمضي لحال سبيلها، ارتمى جالسا على أحد مقاعد الشرفة، وأسلم نفسه للأفكار المتصارعة داخل عقله، وارتسم أمامه سؤال أنطولوجي عميق، يتلخص في مدى توافق أفكاره مع كينونته و وجوده؟.
ترك الشُّرفة إلى الصَّالون، شَغّل جِهاز التلفاز الذكي، واِنتقى أغنية كيني روجرز "LADY" ، هذه الأغنية تعيده إلى سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، حين كان ما يزال شابّاً طَريّ العُود، يبحث عن ذاته ويحاول اكتشاف أبجديات الحياة، ويَنسُج خيوط علاقته الأولى مع الجنس الأخر، ليبدأ مرحلة زمن الوصْل والبحث عن فاكهة بستان عَدن، هي أياّم لاتزال كامنةً في عقله الباطن لا يمكن تجاوزها البَتّة، اِختار المغامرة عن طيب خاطر وانطلق دون عِقَال في ربطِ علاقات تتجاوزُ المَعقُول، كان الحبّ بالنسبة له نشوة واستمتاعا وتجديد صِلاتٍ، صَال ذَات اليَمين والشِّمال، عرف الشَّقراء واسْتفْردَ بالسَّمراء، ولم يُخْلفْ الوَعد مع الكاعِب ذات الجسم المَمْشوق، و لا المُمْتَلِئة ذات الوسْط البَارِز،
كانت اللحظة بالنسبة له أنْساً وكأساً، ولا يتوانى في ترديد قول أبي نواس:
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند
واشرب على الورد من حمراء كالورد
فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة
في كفّ جارية ممشوقة القدّ
تسقيك من طرفها خمرًا ومن يدها
خمرًا فما لك من سكرين من بدّ
عاش هذه الحياة سنوات طويلة تَجَاوزت العَشر ونَيّف، وفجأة أفاق على صوت داخِلِي يَصْرخ بين جَوانِحه: إلى مَتَى هذا الوضْع ؟ العُمر يمضي ولحظاته تنفلتُ تِباعا إلى غير رجعةٍ، وعليه أن يفعلَ شيئا يغير واقعه ويتجاوز به تأثير المللِ الذي يكاد يَتحوّل إلى أَلَم،
حينها لم يتردّد في الاستجابة لإلحاح والدته التي اقترحت عليه الزواج من اِبنة صديقتها التي كانت تشتغل في سلك التعليم، وهي شابة تصغره بخمس سنوات تتمتع بجمال طبيعي، وجاذبية لا يمكن الصُّمود أمامها، سُرعان ما انجذب إليها و اختارها شريكة لحياته، و معها قضى أكثر من ثلاثين عاما ، ورزقا بولد وبنت كلاهما انفرد بحياته الخاصة وأنشأ أسرة، وبقيا معا يعيشان حياتهما بشكل تحكمه الرَّتابة و يَسُوده البُرود، تَقبَّل هذا الوضع في أول الأمر بشكل عادي وكأنه واقع مفروض لا يمكن التمرد عليه، لكن سرعان ما بدأ الانزعاج يستبدُّ به ويقوده نحو متاهة لا سبيل للخروج منها، وتَذكَّر حديثا عارضا دار بينه وبين زميل سابق له بالعمل حول موضوع أزمة منتصف العمر التي يعاني منها أغلب الرجال، أترى ما يحسه اليوم من أعراضها ؟؟ أتراه يَعيش فُصولها وتسْتبدّ به هواجسها.
انتبه فجأة إلى أن الليل قد أدرك السحر، وعيناه قد أثقلهما الوَسَن
فقام إلى غرفة نَومه طلبا للراحة والسَّكينة.
""""""""""""""""""""""
اِسْتغرق في نوم عميق، واِستسلم لِعقله البَاطن الّذي أطلق العنانَ لرغباته المكبوتة ومشاعره المدْفونة لِتَتجلَّى في أحلامه وتُوقظها في أشكال مُتَعدّدة، وتُلامس نُقَط ضعفه إِزاء التحوّلات الطَّارئة التي مَسَّت حَياته وزادت من استيهاماته، حَلم خلال هذه الليلة بنفسه في أحضان امرأة مُتوسطة العمر ممتلئة الجسم بصدر كاعب، وأرداف بضة مستديرة، كانت تعانقه بحرارة وتبادله القبل الحارة بشكل هستيري، وكان هو مستمتعا بدفء جسدها المشتعل بالشبق ونداء الرغبة الملحّ، غير مبالٍ بما حوله، و يأكل الفاكهة المحرمة دون هوادة أو تؤدة، فالأمر بالنسبة له رغبة متجددة ودافع لا يتوقف.
استيقظ في اليوم الموالي متأخرا، وقد بلغت الشمس كبد السماء وانتشر شعاعها في كل الآفاق، كان رأسه ثقيلا وعيناه تكتنفهما غشاوة وزغْلَلة، دخلَ الحَمام ، نَضَا عَنه ثِيّابه و اندفع تحت مِسرّة الدوش، اِنساب الماء الدّفيء على جسده ومعه انسابت هواجسه وشاب نفسه احساس بالدعَةِ والهدوء.
ارتدى بيجامة قطنية، ودخل المطبخ، أعدّ لنفسه فنجان قهوة وجلس بالشرفة يرشفه بانتشاء، وقد مدّ رجليه فوق الكرسي المقابل، رنّ فجأة هاتفه النّقال، فردّ بصوت رخو على المتصل،
كان المتصل ممثلا لإحدى شركات توزيع البضائع بالبيوت، أخبره أنه بعد ساعة سيقوم مندوب الشركة بزيارته لتسليمه طلبيّتهُ، تهللت أساريره و شكر المتصل.
" منطق الأشياء يقول: أن الحياة لعبة والمفروض أن نتعامل مع قواعدها بذكاء تارة، وبغباء تارة أخرى، لأن هذه القواعد زِئبقية ومُراوغة بل قل مُنَاوِرة ومُخاتلة، هي لعبة شطرنج مبنية على الأولويات والاختيارات والتضْحيات، وأي نقلة على رُقعتها تحتاج لِحساب وتفكير يراعي نقلات الخصم"
أيقظهُ صوت جَرس الاِتصال الدّاخلي من سهوته، أسرع يَرفع المِسَرِّة ، وردّ عليه مندوب شركة التوزيع يخبره بأن طلبيته جاهزة للتسليم، ضغط على زِرّ فَتْح الباب عن بعد، صعد عُمال شركة التوزيع يحملون صندوق مستطيلا من الورق المقوّى بُرتقالي اللون، طلب منهم وضعه في غرفة النوم ثم نفحهم بورقتي بنكوت وصَرفَهم إلى حال سبيلهم، حان وقت الانعتاق والخروج من دائرة الأزمة ، وإذا كان شُوبنهاور يقول: أن "الحياة تتأرجح كالبندول بين الألم والملل" فهو سيخالفه ويقول أن "الحياة تتأرجح كالبندول بين الألم و الأمل"، اليوم سيحتفي بالأمل العائد ويجالس الفكرة التي اختمرت في دماغه ويُعيد تنظيم تفاصيل حياته الظاهر منها والباطن بشكل يجعل ما تبقى من سَنوات عمره يَمرّ بسلام وتصالح تام مع الذَّات.
ا
استجمع انفاسه واتجه نحو الخزانة الضخمة التي كانت تَتوسّط غرفة الجُلوس محتضنة بين رفوفها موسوعات تاريخية وعلمية ودينية، أَقْعى ثم فتح دفة الخِزانة التَّحتية واستخرج زجاجة شمبانيا كان قد أهداه إياها صديق طفولته عَمّار بنجلون الذي كان رفيقا له في الانتماء النقابي والحزبي وقاسمه مِحنة الاعتقال في فترة معينة أصبحت اليوم بالنسبة لهما معا مجرد ذكرى عابرة،
سيبدأ اللحظة تصالحه مع ذاته ولا ضير في أن يشرب كأس شامبانيا استثناءً هذه الليلة فهو مقلع عن شرب الخمور منذ سنوات لاعتبارات دينية وأيضا صحية، اختار غرفة النوم مكانا لجلسة الصُّلح مع الذات، أعدّ لهذه الجلسة طاولة صغيرة وضع عليها بلاطو من الفضة يَحتض زجاجة الشمبانيا وآنية للثلج وكؤوسا بَلُّورية وصحن مكسرات ، ولم يغفل الموسيقى التي اختارها صامتة للموزع الإيطالي ROTA NINO صاحب الموسيقى التصويرية الشهيرة لفيلم العراب، شرب كأسه الأول ثم الثاني وأنشد من رباعيات الطبيب النطاسي الفيلسوف المسلم ابن سينا الفارسي الأصل:
شربنا على الصَّوت القديم قديمة
لكل قديم أوّل، وهي أول
ولو لم تكن في حيّز قلتُ إنها
هي العِلّة الأولى التي لا تُعلّل
هو دائما يجد متعته في شعر الخيام وابن سينا وجلال الدين الرُّومي ومن على شاكلتهم لأن شِعرهم يخاطب الروح قبل العقل، ويتسم بلغته الصوفية التي تتجاوز المحسوس إلى الباطن.
شرب كأسه الثالثة ثم الرابعة وسرى في عروقه دفء ونشوة فهتف وقد تهللت أسارير وجهه وعيناه تقعان على الصّندوق الذي أحضره عمال شركة التوزيع: " أتمنى أجد داخلك أيها الصندوق العجيب ضَالّتي وأحظى بما يتوافق مع تطلعاتي ويطابق أفكاري الجامحة".
" حَانت اللحظة الفَارقة، وفتح الصندوق الأن هو سِدرة المُنتهى وغاية النَّفس وهوى القلب"
تقدم من الصندوق وبدأ بقص الأشرطة المشدودة إليه، تردد لحظة قبل أن يرفع الغطاء، وعندما رفعه بُهت لِما رأى، وظَلَّ فاغر الفاه رَدحا من الزمن، ولما انتبه لنفسه قال مخاطبا نفسه:
"ما كذّب الفؤادُ ما رأى ، هذا سحر عُجاب، إنها حورية وليست مجرد دمية جنسية كما يقولون، صَدرٌ كاعبٌ، وجسمٌ ممشوقٌ ، وقِوامٌ منحوت بِإزْميل الجَمال "
يُمكنه الأن أن يُطبِّق فِكرته في حَضرة قُوتِ القُلوب وهو الاسْم الذي اِختاره لِحُوريته، حَمَلها بِحُنو زَائد كان جِسمها لَدِناً ومثيراَ، وضعها على سَرير نومه وهو سعيدٌ.
" الليلة يا أميرتي سَنعيش قِصة حُبّ مُلتهبة، وسأعزف على جسدك أحلى المعزوفات، وستبتسم لنا الحياة وتبسط رِمشَها نمشي عَليه الهُويْنَا، أه يا أميرتي اللّيلة أنتِ حقيقةٌ أكيدة وواقع ملموس ولن أخذلكِ وسأؤكد لك أنني فارس قادم من خلف السحاب"
استعار من كُمودينو زوجته قارورة العطر الفرنسي " لولو كاشاريل"، ورشَّ عليها بِسخاء، وهو يداعب مناطق جسمها الحساسة، ثم تناول " حبة زرقاء " وشرب بعدها كأس شمبانيا، ارتفع منسوب الانتشاء لديه وانتابته حالة شبق رهيبة، ولم يتردد في أكل فاكهة الدمية، دون كلل أو ملل.
***
في ساعة متأخرة من الليل رَن" هاتِف زوجته المحمول، عندما ردت سمعتْ صوته يأتيها واهنا، ضَعيفا وهو يقول :" أنقديني يا فريدة، أنا لا أستطيع التَّنفس، وأشعر بأوجاع قاتلة تمزق صدري، لا تتأخري عنّي أرجوك ..."
قامت زوجته مُهرولة قاصدة سيارتها وهي فَريسَةٌ لكل هواجس العَالم.


محمد محضار
الدار البيضاء :20 نونبر 2024

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى