سفر: العاشقين
رأيت في القطار الفاخر أيضًا فتاة تتحدث في المحمول بينما عيناها تلمع وابتسامة على شفتيها، أدرك أنها تكلم حبيب القلب، لم تتوقف منذ أن انطلق القطار حتى اقتربنا من محطة الوصول (قاهرة المعز)، هل كل ذلك حديث الحب، من أين يأتون بالكلام، من أين يأتي الحب أصلاً؟.. الحب الآن يحتاج إلى كثير من الفلوس.. يحتاج إلى المكان.. دائرة المكان تطاردني، حتى المشاعر لا سبيل إلى ظهورها إلا بوجود الحيز.. المادة.. المكان.. مطاردة صاخبة هي تحتاج وحبيبها إلى مكان يضمهما والمكان يحتاج إلى نقود والنقود تبدو متوافرة لديها، إنها في أزهى ثياب وتركب الدرجة الأولى الفاخرة لكن ربما حبيب قلبها كالعادة جيوبه مرقعة، لا توجد بها نقود هذا هو الحال في الغالب، قصص الحب قديمًا تمزقت سطورها تلاشت تفاصيلها اندثرت أحلامها بسبب المستوى الاجتماعي العقبة الكؤود منذ عنترة وعبلة، العبيد لا يتزوجون من الأسياد، الأفندية لا يتزوجون من البهوات ونادرًا ما يسمح للبهوات أن يتزوجوا من الباشوات فقط على أمل أن ينتقلوا إلى حيز الباشوات باعتبار المستقبل والقادم، كل طبقة لها وجود معنوي، حيز غير مرئي، لكنها في الحقيقة تقف على حدود الأرض بتفاصيل مادية دقيقة.. الآن لا توجد طبقات.. طبقتان فقط، أصحاب المال أين كانوا ومن أيّ مكان جاءوا وطبقة لا تملك المال تشتهي حتى ما تعيش عليه، لا يتبقى في جيبها إلى آخر الشهر ومن بعيد يتراوح بين الطبقتين أصحاب النفوذ والسلطة تارة ينزلون وتارة يصعدون أحيانًا بعضهم يمارس السيادة على تلك الطبقة التي لا تملك أكياس المال في الوقت الذي يكون في خدمة طبقة أكياس المال وأحيانًا يميل هؤلاء إلى الجيوب الخاوية وينددون بأصحاب الجيوب الممتلئة إما حقدًا وإما رغبة في عدالة غائبة ولا يبدو أن حضورها قريب أو أن الأمل فيها حقيقي.. الحقيقة أن العدالة ومعها بعض القيم المعنوية الشيء الوحيد الذي ليس له حيز ولا وجود منذ زمن في أرض الواقع مهما كانت المحاولة، وإن تصادف وجودها كان لوقت، لمرحلة، لهدف، وليس لكونها أساس ضرورة للحياة كالماء والهواء.
لم أشغل نفسي كثيرًا بتلك الفتاة الغضة الجميلة التي بدت كزرعة خضراء تحتاج إلى مياه الحب لتثمر وتصبح وارفة الظلال ولكني تمنيت ألا يكون مصيرها مثل عزة، وعزة هذه ليست حبيبة كُثير الشاعر الجاهلي الذي عرف بها فسُمّي «كُثير عزة»، الذي خلدها في أشعاره ولكنها كانت ابنة رجل غني مشهور له فيلا رابضة بناصية الشارع الذي كنت أقطنه أنا وزملائي في الدراسة ونحن طلبة بالكلية بمنطقة الشاطبى، ورغم أن عزة كانت أكبر منا فإننا كنا نحبها من بعيد لجمالها.. الشارع كله يحبها يتمناها أن تضحك له فتضحك الدنيا بأسرها.. أحبت عزة زميلها، أما والدها ذو النفوذ والمال الذي حلبه من بقرة الانفتاح والاتجار في السلع الفاسدة والتموين المدعم ثم تحول إلى العقارات وتقسيم الأراضي هددها بأن يدفنها حية هي وابن الواطي الذي أحبته.. واليقين أن والدها لم يكن هناك من هو أوطى منه.. فتاريخ والدها الذي يسكن ألسِنة الناس يبدأ من حيث كان يقف أمام المحكمة البحرية بجوار الجندي المجهول ليستأجره المحامون معدومو الضمير ليلقنوه الشهادة الزور مقابل عشرة جنيهات، ولما زاد وعيه بمواهبه ارتفعت القيمة بحسب الكذبة وأثرها على الموضوع، ثم أخذ خطوة أخرى نحو شارع النصر المتفرع من ميدان المنشية وينتهي إلى الميناء، أصبح مهربًا مرموقًا ولم يترك عملاً سيئًا ولا مشبوهًا إلا وطرق بابه حتى وجد ضالته في السلع الفاسدة واللحم المجمد النافق.. ولم نعرف حبيب عزة ولكن عرفنا ماذا فعل أبوها كان طامحًا في أن تتزوج وكيل النيابة ابن مدير الأمن، الأخير لم يبحث طويلاً في تاريخ أبيها، السيارة الفارهة والسيجار الذي يضعه والدها في فمه والثراء الفاحش أغلق باب التحريات عن العروس وأسرتها الثرية.. العريس أبوه سيكون وزيرًا للداخلية بالتأكيد فعمه يعمل في قصر الرئيس.. عزة خضعت لأبيها غير راغبة.. لم تستمر الزيجة طويلاً.. الموت استجاب لعزة ولم يتركها وحيدة، ماتت عزة دون سبب معروف لكن أغرب ما تردد أن السيد مدير الأمن لم يُجْرِ تحريات لأنه كان يعلم كل شيء عن أبيها فقط تناسى ما يوقنه كان يعرف والدها كما كان يعرف إدمان ابنه وشذوذه السلبي الذي لم تتحمله عزة في غرفة نومها حيث وجدت ثالثًا بينهما، السيد مدير الأمن بحسه الشرطي وتاريخه في البحث الجنائي وجد الضحية ليستر عورة نجله ولم يجد إلا عزة ليذبحها بسكين التاريخ المشبوه لوالدها.. سكوت عزة ورضاها وإلا تُفتح ملفات والدها.. لم تتحمل الصبية.. كفت عن الطعام.. واستمرت في البكاء.. هزل جسدها.. خارت قواها.. حين لاح الموت أمام عينيها كانت تبتسم تستعجله تستحثه تحتضنه.. لقيت ربها ورأسها في حجر أمها فكان الموت نجاة من حياة لا يمكن أن يكون لها عنوان إلا البؤس الأبدي والشقاء حتى الموت.
حكى لي القصة وعيني تدمع لشدة تأثري عمي مسعود خفير الفيلا أما بعض الخبثاء من أهل المنطقة فقالوا إن ما زاد مرضها وقضى على حياتها رد أبيها وشعورها من الرد أنه كان يعلم وراضيًا لها بهذا المصير الأسود الذي كان يتوقع أن يجني من ورائه أكثر مما جناه في عمره هو ومن يعرفهم من ثراة هذا الزمن ثم يضيفون ربما نكاية فيه أنه بحكم تاريخه المدنس بكل الملوثات التي اكتسبها صنوف البشر المنحرفين عبر التاريخ قال لها ما فهمت أنه لا مانع أن يكون لها صديق، عيشي حياتك كما تشائين مثلما يعيش زوجك حياته، ويؤكدون ذلك وكأنهم عاشوا هذه اللحظات.. عاشوا فيها سمعوا تفاصيلها بآذانهم وشاهدوها بعيونهم .. عزة البرئية النقية لم تكن تعلم أن والدها عمل قوادًا لفترة غير بسيطة من ضمن قائمة الوظائف غير الشريفة التي مارسها وأوصلته إلى ما هو فيه. والحقيقة أن ما زاد من ألمها كما عُرف فيما بعد أن حبيبها بعد تخرجه في الكلية إلى سويقة العاطلين وانكسار قلبه انخرط في صفوف الجماعات الإسلامية هرب إلى حضن الدين إلى ساحة الخروج على المجتمع.. جبهة الرفض والغضب جماعات التكفير والهجرة إلى الله كذبًا ووهمًا.. هاجر إلى مجهول، إلى عالم مضاد، إلى كل ما كان قبله.. هاجر إلى الموت من عالم لا يعترف له بحق الحياة في صورتها البسيطة فكفر الحاكم وكفر البلد وكفر الناس وانتهى به الأمر في سجن غير معلوم ولم يعرف له أحد مصيراً وإن تردد أنه من فرط رقته التي كان يخفيها وراء اللحية والصوت العالي لم يقدر على مواجهة السجون والتعذيب والحبس الانفرادي وأنه حتى لحظتنا الراهنة أصبح نزيلاً لمستشفى الأمراض النفسية بالعباسية وقيل بالمعمورة، لا أحد يعرف بالتحديد، وليس لأهله البسطاء قدرة على أن يتتبعوا مكانه.
لقد أصبحت الفيلا كئيبة وأشجارها صفراء، سكنها الخريف في جميع الفصول تشعر أن صفرة وجه الخريف لا تبرحها، البوم زاعق فيها ووجهها كالح ربما حزنًا على عزة أما أبوها فقد تزوج سكرتيرته من بين نساء كثيرات عرفهن في لياليه الحمراء ربما لتنجب ولدًا يرث مملكة الفساد والمال الملوث بعد أن حرمت أمها نفسها عليه، لم تعش كثيرًا ماتت في عقب عزة ففضل أن ينتقل بزوجته الجديدة إلى السكن في مبنى الفورسيزون وبرجه العاجي على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. لِمَ لا وهو يعمل «مقاول من الباطن» -رغم ثروته الطائلة- مع صاحب البرج الشهير الذي يعد والد عزة بالنسبة له صفرًا على الشمال أما نحن فأكيد صفر الصفر.
وعلى الرغم من أن قصة عزة وجدت من يعبر عنها وأنها وردت دون تفاصيلها الدقيقة كثيرًا في أفلام نجلاء فتحي ومرفت أمين، فكم عزة لم تجد من يحكي قصتها وكم عزة راحت ضحية الفقر ولم تجمعها بحبيبها الأيام بسبب العقد الاجتماعي والجري وراء نعرة الطبقات.
غير أن أحداً لم يعبر أبدًا عن مأساة «ناهد».. كانت ناهد جميلة جدًّا وكانت صديقة لأختي. ناهد أحبت شابًّا من عزبة مجاورة لقريتنا وحين تقدم لحطبتها رفضه والدها بشدة لأنه من أصول أدنى.. والدها كان يعمل موجهًا في التربية والتعليم والشاب من أصول عربية جاءوا كرعاة للغنم أو للعمل لدى واحد من بهوات عائلتي القدامى.. «حامد» سافر مكدودًا إلى العراق، كان هنا مشغولاً بالسياسة مفتونًا بعبدالناصر، لم يعاصره إلا صبي، رأى فيه سيدًا للعالم، آمن أنه يخيف أمريكا وإنجلترا وإسرائيل وفرنسا أما روسيا فكانت تحاول أن تتقرب منه، عاش وهمًا كبيرًا لم يخرجه منه فقدان ابن عمه الكبير وثلاثة آخرين من قريتنا ذهبوا إلى الحرب ولم يعودوا لا أحياء ليقصوا علينا تفاصيل الهزيمة، أحداث الانتكاسة، ولا عرفنا أنهم شهداء عند ربهم يُرزقون.. الاحتمال الأخير هو الأرجح وحتى بعد أن دُوِّن في الدفاتر الرسمية أمامهم «مفقودون»، مفقودون للأبد ظلت زوجاتهم تتجرع مرارة الترمل وأولادهم يرتدون ثياب اليتم التي لا تغادر أجسادهم، كل ذلك لم يقنع حامد أن الأمر كان وهمًا كبيرًا.. حلمًا من خيال.. سرابًا أفضى إلى لا شيء.. خرج مع آلاف البشر يطلبون عدم التنحي من الزعيم، بكى بحرقة يوم وفاته أكثر من بكائه على أبيه وعلى ابن عمه الذي طُويت صفحته مع نكسة 67.. عبدالناصر زعيم بلا خطيئة.. لم يصدق أن عبدالناصر يموت مع أن محمد رسول الله خاتم المرسلين مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
يقولون إنه انضم إلى حزب البعث، كان مولعًا بصدام حسين بطل الشباب العربي، رأى فيه عبدالناصر بكل تفاصيله وملامحه التي رآها في أوراق الجرايد، لم يتحسسها عن قرب ولم يرَها في التلفاز إلا مرة أو مرتين على الأكثر وبعد وفاة الزعيم وقبل أن يغلق السادات كتاب عبدالناصر كان ذلك في التلفاز الذي لم يدخل قريتنا إلا حينما باع والدي ستة قراريط لا تجلب شيئًا مؤجرة وفقًا لقوانين سنها ناصر زعيم الشعب ما لبثت أن غلَّبت نصف الشعب على الشعب اقتسمها المستأجر معنا بالمخالفة لكل قواعد الدين والعدالة وتحت قوة سيف هذه القوانين واشترينا تلفازًا لنطل منه على العالم.
هناك في أرض الرافدين سقطت صفحات النكسة من ذاكرته وكأنه ثوب فتق ورقعه صدام حسين، إذن المسيرة لا تنقطع.. سيما انه لم يسعد كثيرا بحرب اكتوبر ولم اعلم ان كان قد شارك فيها او كان سنه لم يكن يسمح بعد .. سر نحو القدس يا زعيم.. قيل إنه تزوج وأنجب وقيل إنه أقام علاقة غير مشروعة وقيل أيضًا إن ذكاءه المصري وحبه لصدام حسين، إخلاصه لعبدالناصر، مكنه من أن يصل في حزب البعث أسرع وأبعد لما وصل إليه شباب العراق.. المهم نتيجة لذلك أو لذلك جميعه رجع إلى قريتنا.. انتظر وصوله أهل القرية ومعهم أهالي العزب المجاورة أسبوع حتى وصل في ليلة مظلمة حالكة السوداء لم يبدد ظلامها عدة كلوبات، واحد يخص عبدالله المكوجي والآخر أبوخطوة الترزي والثالث كان من بيتنا، وعدة لمبات من الجاز اصطف الناس في صفين على الطريق الترابي المبلل بقطرات خفيفة من شتاء أمشير، عبث بها الريح العاصف بدت كدموع عين لم تكن متلاحقة، لكنها عبرت عن حزن ملأ الفضاء اخترقت السيارة تحت الطلب الصفوف.. كان مشهدًا مهيبًا وكأن الصفين حشد من الجنود يودعون بطلاً ثائرًا في معركة لم نعرف شيئًا عنها رغم اكتوائنا بنارها، الحقيقة المؤكدة أن واحدًا من زينة شباب القرية هو الآن جثة هامدة مجمدة ماتت من رصاصات لم يحاسَب مصدرها، وُضعت في تابوت خشبي لم يألفه أهل القرية إلا أنهم ما لبثوا في انتظاره تعودوا عليه لتكرار المشهد كأنه فيلم يعاد من حين لآخر حين ينادي ميكروفون المسجد «توفي إلى رحمة الله تعالى فلان ابن فلان والدفنة عند وصول الجثة من العراق».. عدد لا بأس به خطا نفس الخطوات أو شبيهًا بها، لاسيما في رحلة العودة إلى مدافن القرية من ذات البلد بعد قصة مأساوية التفاصيل لم يروِها لنا أحد لكن شممنا رائحتها من رائحة الموت الذي يسكن التابوت الخشبي رحلة.. من رحلات عذاب البشر.. الهجرة ولو مؤقتًا من مصر بحثًا عن المصاري.. سبحان الخالق الرازق.. المال في دول العرب يسمى «المصاري»، ربما يكون نسبة لمصر.. مصر الخير.. بينما هو شحيح في مصر، يعز على أبنائها يبحثون عنه فيها فلا يجدونه، مكدسة به جيوب القلة وبنوك الدولة بفائدة تأكل رأس المال، لا مفر من التنقيب عنه في بلاد المجهول بلاد الموت.. تمامًا كـ«حامد» وإن تعددت الأسباب، قيل بعد ذلك إن الزعيم أمر بتصفيتهم لخلافات مع رئيس مصر تأكيدًا لأن البشر في دول العرب مجرد حروف مكتوبة بالطباشير أو مكتوبة بالرصاص الجاف، ما أسهل محوها من كتاب الحياة أو هي مرسومة على الأرض بيد طفل صغير تدوسها فلول الكبار فيهرول الصغير باكيًا في حجر أمه.
أما حبيبة قلبه فكان أن تزوجت في قرية مجاورة لكن حامد لم يغب عنها ولم يفارق قلبها قبل خيالها حتى وهي في أحضان زوجها، رُوي أنه أغشي عليها حينما علمت بموته، تقول أختي إنها جاءت في غبش الصباح وزارت قبره وروت الصبارة التي اعتدنا أن نضعها على قبور أهالينا الراحلين البادئين لرحلة خلود الروح بعد فناء الجسد، روت الصبارة بدموعها كادت الدموع لكثرتها أن تروي حقل الأرز المجاور للمدافن لا مجرد صبارة يكفيها قطرة من الماء، لم تمضِ أيام حتى كانت قد حضرت هي الأخرى إلى مقابر القرية جثة هامدة وأوصت أن تدفن عند أهلها ربما لتكون بجوار حبيبها، تعددت الروايات والموت واحد.. الأولى أنها أشعلت في نفسها النار لخلافاتها الدائمة مع زوجها، الثانية أن زوجها رمى عليها بابور الجاز غضبًا منها ولإخلاصها لرجل لم يعد موجودًا بين الأحياء، نفوذ أقاربها كتم على الموضوع، ولم تذهب إلى الطب الشرعي وقُيِّد الحادث «قضاء وقدر»، دفنت بعد صلاة الظهر. أكيد التقت روحها بروح حبيبها، لم يعرف أحد سبب موتهما أو قتلهما ولا تفاصيلهما الدقيقة ولكني كنت على يقين من السبب والكيفية وتفاصيل الوفاء واللحظات الأخيرة، كنت متأكدًا أن كلّاً منهما رأى الآخر ممسكًا بيده يضمه إليه والملائكة تزهو بأجنحتها، أوقن أن حبهما كان طاهرًا، لم تعرف قريتنا في ذلك العصر دنس العشق، تربيتها لا تسمح لها بذلك، لم تكن المسلسلات الأجنبية والتركية غزت قريتنا بعد، ولا التعري أمام كاميرات الفيسبوك، لقد ماتا بالحب وللحب ومن أجل الحب ولم يعد أحد يذكرهما إلا قليلاً من أهلهما بعد أن أصبح الاثنان ذكرى وقبضة من تراب لا أحد ربما يودهما في موتهما إلا عرضًا بقراءة الفاتحة أو حينما يخرج أهل القرية كعادتهم بعد صلاة العيد إلى قبورنا فيزورون الأهل من سكان القبور ويقرأون عليهم الفاتحة وما تيسر من كتاب الله ستندثر حكايتهم، ستتلاشى كذاكرة البشر، طائر الحب المسكين يطير ولو بغير جناح لكنه لا يجد عشًّا له فيرحل إلى بلاد بعيدة ويبحث عن وطن.. دفء.. حب.. ماء، أشفقت أن يكون هذا مصير العاشقين، هذا مصير المحبين... لم يتوقف قطار الحياة ولا الزمن تمامًا كالقطار الذي أركبه انطلق مسرعًا إلى القاهرة.