لودي شمس الدين - في مكان ما، أمام قمر كريستالي...

يوم غائم، كانت الطيور تشق طريقها من بين المدن، بنعومة وخوف، سكون تام، وامرأة عجوز في رأسي تبكي، قلقة عليك.
الغاردينيا جنب النهر، ماء في المدى، زيتون، قمح وبارود.
لقد مرّ شهرين على انقطاع كتابتي لك، لم تمنحني الأيام أيّة كلمة أو حجرة، ربما لأني منحت الوقت عينيك والشجر.
الأفق، الأرض، السماء، الصحراء، الغابات والحقول، لا شيء في العالم أكثر انبساطاً من كفيك عندما تدير وجهي نحو الحياة.
الحياة التي تبدأ بصوتك وتنتهي بصمتك. لا، أنا لست أبالغ فكل ما لم يلمسه حضورك هو فارغ وهش حتى قلبي.
أنت رسولي الخفي، طائري الآتٍ من الغيب، خنجري المغروز في النار،خشوعي الدائم، بصمتي بالحبر والدم وكل أشيائي الخالدة بعدي.
فرسالتي لك اليوم عاطفية بامتياز، لا أود أن أحدثك بشيء سوى عن عاطفتي لك،لأنني اشتقت لنا.
نحن الذين نحاور الليلك والبنفسج حاملين بين ذراعينا السنابل والحمام.
يا لك من رجل مكشوف بغموض في عيني ومعروف مجهول في كتاباتي.
الدخان يندمج بالعشب وتبقى الوردة، الرمال تختلط بالموج ويبقى المحار، الشمس تتحد بالغيم ويبقى النور، هكذا أحبك.
فالإنسان لا يشفيه ويضنيه سوى العشق، العشق المرادف للموت.
لكن بطبيعة الحال الجميع يخاف الموت، أما أنا أخاف أن أفقدك، بمجرد تفكيري بهذا الشكل ينتابني الوجع، التوتر، الجنون وأشعر بالإحباط طوال النهار وكأنني مريضة في قلبي ومصابة في كل مكان بجسدي.
تفاهة ما أحسه، صحيح؟ هي كفكرة غير موجودة على الإطلاق، صحيح؟ عاطفتي اتجاهك تكون طفولية وسخفية مرات أعلم، لكنها أحاسيس حقيقية لا يمكن أن أخفيها عنك أبداً.
أتخيلك الآن تضحك، أضحك كي أؤكد لمخيلتي بأنني أتوهم كثيراً وكل أفكاري باطلة وغير صحيحة بهذا الشأن.
لأنه لا شيء سيبعدك عني سوى الموت.
أضحك يا رجلي المقاوم، يحق لقدميك الشريفة أن تنعَم بالحب والقُبل والسلام.
أقنعني، كيف يستطيع العالم أن يُدرك معنى الأمان إن لم يعرفك؟
وكيف للسماء أن تتباهى بعلوها وأنتَ مقامك أعلى منها؟
آه يا حسِن الملامح، أخبرني ما نفع عيني إن لم يكن بصري خاشع لك في كل زمان ومكان وفي كل حضور وغياب لك.
أُصرِّح لك للمرة الأولى، بأن في أيام الحرب أيقنت مدى ثبات قلبي على حبك وشعرت بإحساس والتزامات وواجبات الأمومة اتجاهك.
وأدركت في الحرب بأنني أحببتك بموت، فعندما كنا نكون قريبين من الغارات، كنت أضحك من شدة الأمان والسعادة لأنك معي.
في الموت حياة وأنت جنبي وفي الحياة موت وأنت بعيد عني.
أتذكر كم مرة قلت لك "أتمنى الآن وفي هذه اللحظة أن أموت وأنا معك، هكذا أموت وأنا مخلصة ووفية لك،أموت وأنا أحملك في قلبي".
أتعلم؟ كتب كافكا أجمل الرسائل لميلينا وجبران خليل جبران خليل كتب أجمل الرسائل لميّ زيادة و ألبير كامو كتب أجمل الرسائل لماريا كازاريس، أما أنا دائما في حالة من المحاولة للكتابة لك، أحاول أن أسحب أعصاب روحي للورقة كي أرضيك ولو بقليل من الكلمات.
ماذا أفعل؟ أشعر بالخجل والحرج أمام سموك بالشريف، فخذني على محمل حبي وغيرتي عليك بكل فعلٍ وتصرف وكلمة.
فأنت وحدك تهزني كلما تراخيت أو تشتت وتضحي بكل شيء لأجلي، لا شيء في الوجود أغلى من رحمتك وحنانك عليّ.
أتعلم ماذا قال الفيلسوف الكبير أرسطو: "الحب الذي ينتهي ليس حبا حقيقيا" ورابليه قال: "الحب لا يعيش إلا بالتضحية"، هل فهمتني أكثر الان؟
أنت تعلم بأنني أكره السطحية بكل شيء، لذلك أحب فيك عمقك وذكائك بأدق التفاصيل، فالمرء السطحي يغرق بحرف وتبدده الفراغات حتى الشقاء والهلاك.
ولكن الإدراك والوعي يجلب الهموم والمتاعب أيضاً، بحيث يصبح العقل أضخم من الواقع بتفسيره وتحليله لخلفيات وماورائيات المواضيع. أعلم بأنك تفهمني جيدا، لذا لست بحاجة للربط والشرح لك، هكذا أحبك.
حان وقت أن أختم رسالتي من غير أية إضافات..
فقط ضمها لقلبك ولو كانت أحرفي مرتجفة.
لحسن حظي ستقرأها عينيك عليها، فحتما ستهدأ،
ستهدأ حتماً يا عشقي حتى الممات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى