الأدب هو وسيلة غنية للتعبير عن المشاعر والأفكار، يعكس تجارب الإنسان وصراعاته في عالم مليء بالتحديات. مثلما يعد رسالة عن قضايا الوجود الإنساني. وهو ما نراه في المجموعة القصصية "ما بعد جلجامش"، للأديب العراقي علي لفتة سعيد، حيث يقدم رؤيةً عميقة حول قضايا الوجود والهوية والسلطة، من خلال شخصيات معقدة وأحداث مليئة بالتأثير. النصوص تطرح موضوعات عن البحث عن المعنى في الحياة، والصراع مع الأنظمة الحاكمة، والتفكير في مسألة الموت والخلود. أسلوب السرد المتنوع يجذب القارئ إلى عوالم شخصياته، مما يتيح له فرصة استكشاف أفكار فلسفية متنوعة وعميقة.
في مجموعة "ما بعد جلجامش"، نجد أن العديد من القضايا الوجودية التي لا تزال تؤثّر في الفكر الإنساني المعاصر تتجلّى بوضوح. من خلال دراسة البناء السردي والكرونوتوب، حيث يمكننا أن نرى كيف يتداخل الزمن والمكان، لتشكيل تجربة الشخصيات. وكما يقدم ميخايل باختين مفهوم الكرونوتوب كأداة لفهم تداخل الزمن والمكان في الأدب،ففي هذه المجموعة، لا يسير الزمن بشكل خطّي فقط، بل يتداخل مع المكان، ليخلق فضاءًسرديًا معقدًا. فالشخصيات تعيش في زمنٍ يتجاوز اللحظة الراهنة، حيث تتجلّى ذكريات الماضي وآمال المستقبل في كلّ لحظة، مما يعكس حالةً من القلق والترقّب، حيث يسعى الأبطال إلى فهم مصيرهم في عالمٍ مليءٍ بالتحديات.
البناء ونظرية الاستجابة
إن البناء السردي في المجموعة، يعكس تنوّع التجارب الإنسانية، حيث يتنقّل السرد بين شخصياتٍ متعدّدة، ما يتيح للقارئ أن يرى الأحداث من زوايا مختلفة. وهذا التنوع في الأصوات السردية يعكس الصراع بين الأفراد والأنظمة الحاكمة، ويطرح تساؤلاتٍ حول طبيعة السلطة والدكتاتورية. ويتساءل الكاتب: "من الذي يصنع الدكتاتور ومتى يصنع؟"، وهو سؤال يفتح المجال لفهم أعمق للآليات التي تؤدي إلى نشوء الأنظمة الاستبدادية، وكيف يتفاعل الأفراد مع هذه الأنظمة.
ومن خلال نظرية الاستجابة الجمالية كما طرحها هانز روبرت ياوس، يمكننا تحليل المجموعة القصصية "ما بعد جلجامش" بشكلٍ منهجي. تركز هذه النظرية على كيفية تفاعل القارئ مع النصوص وتحولات أفق التوقعات وفتح مساحات جديدة للتأويل الأدبي. النصوص القصصية في المجموعة تدعو القارئ لإعادة تشكيل توقّعاته باستمرار.خاصثةً وإن العنوان الرئيس "ما بعد جلجامش" الذي لم يكن عنوان قصة من القصص،يثير فكرةً أسطوريةً متجذّرةً في ملحمة جلجامش، مما يوحي بأن القارئ سيواجه قصّةً تقليديةً، أو إعادة إحياءٍ للأسطورة، لكن النصوص تتجاوز هذه التوقّعات بأسلوبٍ سرديّ حديث يمزج بين التأمّل الفلسفي والتناص مع الأسطورة.
ففي قصة( بعد أن رأى كل شيء) نقرأ: "وكنت أنظر في عينيه كي أتمكّن من مغالبة الخوف، ومراقبة التفاصيل والملامح التي سيطرت على الذّاكرة حتى بات الشكل الواحد له، هو الذي لم يغادر نصوصه وأنا أتلو على مسامعي النبوءات التي غزت معترك الهدوء."، وهنا نجد أن النصيتجاوز التوقّعات المعتادة للأدب الأسطوري، ليغوص في أبعادٍ إنسانيةٍ أعمق، ويعالج قضايا مثل السلطة والخوف، ويتناول الأسئلة الوجودية الكبرى. هذه العبارة تكشف عن طريقةٍ جديدةٍ للتفاعل مع التراث الأسطوري، مما يمنح النص قيمة تأملية أكبر.
الجمال واستجابة القارئ
وفقاً لمفهوم ياوس، تتشكّل القيمة الجمالية للنص، من خلال استجابة القارئ المستمرة له. في "ما بعد جلجامش"، يُحفز القارئ على المشاركة في بناء النصوص، عبر ملء الفراغات النصية والتفكير في القضايا الفلسفية المطروحة، مثل البحث عن الخلود والحكمة. في أحد المقاطع الأخرى من قصة ( خمرة الآلهة) "أريد أن أحصل على عشبةٍ من نوعٍ آخر.. عشبة لا تمنحني الخلود بل تعطيني الخلاص.."، يدعو النص القارئ للتفكير في معنى الوجود والذات، متجاوزاً البنية السطحية للأسطورة إلى مساحات أعمق من التساؤل الوجودي.
إن النص يتناول أيضًا الحياة والموت، ويحث القارئ على التفكير في هذه الثنائية التي تحدّد الوجود الإنساني. يظهر في النص شاب يحاول التعبير عن آمال الجماهير في تحقيق العدالة وسط الفوضى والدمار، ما يعكس الصراع بين الرغبة في التغيير والواقع المرير الذي يعيشه الناس. هذا يمثل تأملًا فلسفيًا حول معنى الوجود، ويشجّع القارئ على التفكير في تأثير الحياة المعذّبة، على التفكير الجماعي والسعي نحو الإصلاح.
إن أهمية قصص "ما بعد جلجامش"تكمن في قدرتها على إعادة صياغة القيم التاريخية والمعرفية عبر منظورٍ معاصر. ولهذا يعكس النص تحوّلًا في الذائقة الأدبية، حيث تُعرض الشخصيات الأسطورية بطريقةٍ جديدة: لا كأبطالٍ خارقين، بل كرموزٍ إنسانيةٍ، تعاني من الشكوك والصراعات الداخلية. كما يقول النص: "لكن سيدوري وهي تشكو ظلم جلجامش لها لم تتمكّن من بث شكواها الكاملة.. كانت تريد القول لي إنها وبعد أن ساعدت جلجامش وجدته طاغياً يحكم بالعصا والنار.." هذا يعكس إعادة تشكيل أفق توقعات القارئ، الذي كان يتوقّع صورة بطلٍ أسطوري، ليجد شخصيةً تتّسم بالإنسانية، تحمل ضعفها وتسعى لاكتشاف نفسها.
الشخصيات وتفاعل القصص
إن الشخصيات في المجموعة تعكس تجارب إنسانية عميقة، حيث يسعى الأفراد لإيجاد معنى في عالمٍ مليءٍ بالتحديات. ولهذا نجد ان القصص تتحدّث عن أهمية الفرح والاحتفال بالحياة حتى في أحلك الظروف، مما يعكس الأمل الذي يمكن أن يظهر حتى في الأوقات العصيبة. بدلاً من تقديم إجابات حاسمة، وتترك القصص القارئ حرية تأويل الأحداث والشخصيات، ما يجعلها مفتوحةً لتعددية المعاني.
ولهذا نجد أن مع تقدّم السرد، تطرأ تغيّراتٍ ملحوظةً على اللغة والأسلوب، ما يعكس تطور الشخصيات والأحداث وتأثير الزمن والمكان على التجربة الإنسانية. بمعنى ان في البداية، تكون اللغة أكثر رسميةً أو شاعرية، حيث تعكس التأمّلات العميقة حول الحياة والموت. ومع تقدّم القصص، تصبح اللغة أكثر مباشرةً وعامية، ما يعكس مشاعر الإحباط والقلق من الأحداث.
في الختام نتوصل الى أن "ما بعد جلجامش" تمثّل رحلةً قرائيةً متجدّدةً، تتماشى مع نظرية ياوس، حيث يعاد تشكيل أفق التوقّعات باستمرار، ويشارك القارئ في صياغة التجربة النصية. ويعيد العمل تعريف العلاقة بين النص والقارئ من خلال التفاعل الديناميكي بين الموروث الأسطوري والرؤية المعاصرة للحياة. من خلال تحليل الكرونوتوب والبناء السردي، نتمكّن من فهم كيف يتداخل الزمن والمكان لتشكيل تجربة الشخصيات، وكيف يمكن للأدب أن يصبح أداةً لفهم الواقع، ومساعدتنا في مواجهة تحديات الحياة اليومية.
.
في مجموعة "ما بعد جلجامش"، نجد أن العديد من القضايا الوجودية التي لا تزال تؤثّر في الفكر الإنساني المعاصر تتجلّى بوضوح. من خلال دراسة البناء السردي والكرونوتوب، حيث يمكننا أن نرى كيف يتداخل الزمن والمكان، لتشكيل تجربة الشخصيات. وكما يقدم ميخايل باختين مفهوم الكرونوتوب كأداة لفهم تداخل الزمن والمكان في الأدب،ففي هذه المجموعة، لا يسير الزمن بشكل خطّي فقط، بل يتداخل مع المكان، ليخلق فضاءًسرديًا معقدًا. فالشخصيات تعيش في زمنٍ يتجاوز اللحظة الراهنة، حيث تتجلّى ذكريات الماضي وآمال المستقبل في كلّ لحظة، مما يعكس حالةً من القلق والترقّب، حيث يسعى الأبطال إلى فهم مصيرهم في عالمٍ مليءٍ بالتحديات.
البناء ونظرية الاستجابة
إن البناء السردي في المجموعة، يعكس تنوّع التجارب الإنسانية، حيث يتنقّل السرد بين شخصياتٍ متعدّدة، ما يتيح للقارئ أن يرى الأحداث من زوايا مختلفة. وهذا التنوع في الأصوات السردية يعكس الصراع بين الأفراد والأنظمة الحاكمة، ويطرح تساؤلاتٍ حول طبيعة السلطة والدكتاتورية. ويتساءل الكاتب: "من الذي يصنع الدكتاتور ومتى يصنع؟"، وهو سؤال يفتح المجال لفهم أعمق للآليات التي تؤدي إلى نشوء الأنظمة الاستبدادية، وكيف يتفاعل الأفراد مع هذه الأنظمة.
ومن خلال نظرية الاستجابة الجمالية كما طرحها هانز روبرت ياوس، يمكننا تحليل المجموعة القصصية "ما بعد جلجامش" بشكلٍ منهجي. تركز هذه النظرية على كيفية تفاعل القارئ مع النصوص وتحولات أفق التوقعات وفتح مساحات جديدة للتأويل الأدبي. النصوص القصصية في المجموعة تدعو القارئ لإعادة تشكيل توقّعاته باستمرار.خاصثةً وإن العنوان الرئيس "ما بعد جلجامش" الذي لم يكن عنوان قصة من القصص،يثير فكرةً أسطوريةً متجذّرةً في ملحمة جلجامش، مما يوحي بأن القارئ سيواجه قصّةً تقليديةً، أو إعادة إحياءٍ للأسطورة، لكن النصوص تتجاوز هذه التوقّعات بأسلوبٍ سرديّ حديث يمزج بين التأمّل الفلسفي والتناص مع الأسطورة.
ففي قصة( بعد أن رأى كل شيء) نقرأ: "وكنت أنظر في عينيه كي أتمكّن من مغالبة الخوف، ومراقبة التفاصيل والملامح التي سيطرت على الذّاكرة حتى بات الشكل الواحد له، هو الذي لم يغادر نصوصه وأنا أتلو على مسامعي النبوءات التي غزت معترك الهدوء."، وهنا نجد أن النصيتجاوز التوقّعات المعتادة للأدب الأسطوري، ليغوص في أبعادٍ إنسانيةٍ أعمق، ويعالج قضايا مثل السلطة والخوف، ويتناول الأسئلة الوجودية الكبرى. هذه العبارة تكشف عن طريقةٍ جديدةٍ للتفاعل مع التراث الأسطوري، مما يمنح النص قيمة تأملية أكبر.
الجمال واستجابة القارئ
وفقاً لمفهوم ياوس، تتشكّل القيمة الجمالية للنص، من خلال استجابة القارئ المستمرة له. في "ما بعد جلجامش"، يُحفز القارئ على المشاركة في بناء النصوص، عبر ملء الفراغات النصية والتفكير في القضايا الفلسفية المطروحة، مثل البحث عن الخلود والحكمة. في أحد المقاطع الأخرى من قصة ( خمرة الآلهة) "أريد أن أحصل على عشبةٍ من نوعٍ آخر.. عشبة لا تمنحني الخلود بل تعطيني الخلاص.."، يدعو النص القارئ للتفكير في معنى الوجود والذات، متجاوزاً البنية السطحية للأسطورة إلى مساحات أعمق من التساؤل الوجودي.
إن النص يتناول أيضًا الحياة والموت، ويحث القارئ على التفكير في هذه الثنائية التي تحدّد الوجود الإنساني. يظهر في النص شاب يحاول التعبير عن آمال الجماهير في تحقيق العدالة وسط الفوضى والدمار، ما يعكس الصراع بين الرغبة في التغيير والواقع المرير الذي يعيشه الناس. هذا يمثل تأملًا فلسفيًا حول معنى الوجود، ويشجّع القارئ على التفكير في تأثير الحياة المعذّبة، على التفكير الجماعي والسعي نحو الإصلاح.
إن أهمية قصص "ما بعد جلجامش"تكمن في قدرتها على إعادة صياغة القيم التاريخية والمعرفية عبر منظورٍ معاصر. ولهذا يعكس النص تحوّلًا في الذائقة الأدبية، حيث تُعرض الشخصيات الأسطورية بطريقةٍ جديدة: لا كأبطالٍ خارقين، بل كرموزٍ إنسانيةٍ، تعاني من الشكوك والصراعات الداخلية. كما يقول النص: "لكن سيدوري وهي تشكو ظلم جلجامش لها لم تتمكّن من بث شكواها الكاملة.. كانت تريد القول لي إنها وبعد أن ساعدت جلجامش وجدته طاغياً يحكم بالعصا والنار.." هذا يعكس إعادة تشكيل أفق توقعات القارئ، الذي كان يتوقّع صورة بطلٍ أسطوري، ليجد شخصيةً تتّسم بالإنسانية، تحمل ضعفها وتسعى لاكتشاف نفسها.
الشخصيات وتفاعل القصص
إن الشخصيات في المجموعة تعكس تجارب إنسانية عميقة، حيث يسعى الأفراد لإيجاد معنى في عالمٍ مليءٍ بالتحديات. ولهذا نجد ان القصص تتحدّث عن أهمية الفرح والاحتفال بالحياة حتى في أحلك الظروف، مما يعكس الأمل الذي يمكن أن يظهر حتى في الأوقات العصيبة. بدلاً من تقديم إجابات حاسمة، وتترك القصص القارئ حرية تأويل الأحداث والشخصيات، ما يجعلها مفتوحةً لتعددية المعاني.
ولهذا نجد أن مع تقدّم السرد، تطرأ تغيّراتٍ ملحوظةً على اللغة والأسلوب، ما يعكس تطور الشخصيات والأحداث وتأثير الزمن والمكان على التجربة الإنسانية. بمعنى ان في البداية، تكون اللغة أكثر رسميةً أو شاعرية، حيث تعكس التأمّلات العميقة حول الحياة والموت. ومع تقدّم القصص، تصبح اللغة أكثر مباشرةً وعامية، ما يعكس مشاعر الإحباط والقلق من الأحداث.
في الختام نتوصل الى أن "ما بعد جلجامش" تمثّل رحلةً قرائيةً متجدّدةً، تتماشى مع نظرية ياوس، حيث يعاد تشكيل أفق التوقّعات باستمرار، ويشارك القارئ في صياغة التجربة النصية. ويعيد العمل تعريف العلاقة بين النص والقارئ من خلال التفاعل الديناميكي بين الموروث الأسطوري والرؤية المعاصرة للحياة. من خلال تحليل الكرونوتوب والبناء السردي، نتمكّن من فهم كيف يتداخل الزمن والمكان لتشكيل تجربة الشخصيات، وكيف يمكن للأدب أن يصبح أداةً لفهم الواقع، ومساعدتنا في مواجهة تحديات الحياة اليومية.
.