أحمد عبدالله إسماعيل - رواية "المتشابهون" للأديب أحمد طايل تحمل رسالة فنية سامية في الأدب المعاصر.

تعتبر رواية "المتشابهون" للأديب أحمد طايل نصًا أدبيًا يعكس صراع الأجيال من خلال تسليط الضوء على التشابهات الاجتماعية وكيفية فقدانها عبر الزمن. يعكس النص الواقع الاجتماعي والمفاهيم الأسرية المفقودة، ويقدم صورة حية عن الانقسام بين القيم التقليدية والتحديات الاجتماعية الحديثة،ومن خلال الأسلوب السردي الواقعي والتوظيف الرمزي الجمالي، يساهم الكاتب الروائي أحمد طايل في خلق تجربة أدبية غنية فكريًا وجماليًا.
تسعى الرواية إلى إيصال رسالة فنية سامية، تتعلق بالحفاظ على القيم والروابط الاجتماعية بين الأفراد، والتي يتم تمثيلها في التشابه السلوكي بين الأجيال، ومن خلال هذه الشخصية، يظهر طايل كيف يمكن أن يشكل التشابه في الفكر والسلوك طريقًا لتحقيق التماسك الاجتماعي.

1739692830770.png

العتبات النصية
في البداية، يشكل العنوان "المتشابهون" نقطة انطلاق مهمة لفهم مضمون الرواية بشكل عام.
باستخدام المنهج السيميائي، يمكننا أن نفهم العنوان باعتباره"عتبة نصية"أي مدخل لفك رموز النص والمفاهيم التي سيتطرق إليها. اللفظة المفردة "المتشابهون" تجسد التوظيف السيميائي للدلالة على شيء غير مُحدد أو شائع، ما يثير الفضول حول نوع هذا التشابه وماهيته. هنا، العنوان يظل غامضًا في البداية، مما يدفع القارئ إلى مواصلة القراءة لاكتشاف التشابهات المقصودة التي سيتناولها الراوي.
يمكن القول إنّ التشابه الاجتماعي هو المحور الأساسي الذي يسعى الكاتب الروائي أحمد طايل إلى تسليط الضوء عليه.
عبر استخدامه لتعبير "المتشابهون"، يُحاول طايل التنقيب في القيم الاجتماعية السائدة في الماضي وتطورها في الحاضر. التشابه الذي يسعى الراوي لاستكشافه هو الارتباط الاجتماعي العميق بين أفراد الأسرة، خاصة العلاقة بين الأبناء والآباء والأجداد، والتغيرات التي طرأت على هذه العلاقات في زمنٍ باتت فيه القيم الاجتماعية مهددة بالتفكك.
بالحديث عن "التشابه" يُمكننا ربط العنوان بموضوعات مثل الاستمرارية والهوية والتقاليد. يستدعي العنوان فكرة التكرار في التصرفات والعلاقات الاجتماعية والمكانة داخل الأسرة والمجتمع، كما يعكس تساؤلات حول كيف يمكن للزمن أن يغير هذه التشابهات الطبيعية التي كانت موجودة في الماضي، وهو ما يستمر طيلة أحداث الرواية.
تقدم رواية "المتشابهون" نموذجًا فنيًا وأدبيًا متكاملًا يجمع بين السرد الواقعي والبحث العميق في بنية الشخصيات، وتبرز الجماليات الفنية من خلال التشابك بين الشخصيات والمكان، وتعكس اللغة المستخدمة في الرواية براعة في التعبير عن الواقع الاجتماعي؛ حيث يحفز الأسلوب الواقعي في السرد القارئ على التفكير في معضلات المجتمع المعاصر، مما يجعل الرواية نموذجًا يعكس واقعًا إنسانيًا يتجاوز حدود الزمان والمكان.
يعتبر طايل في روايته أن التشابه ليس فقط في التصرفات أو الأفعال بل أيضًا في القيم التي كان يتسم بها المجتمع العربي في العقود الماضية. يتضح من خلال الحوارات بين الشخوص، مثل الحوار بين رضوان وزوجته ناهد، أن القيم الاجتماعية التي كانت تربط أفراد الأسرة وتضمن استمراريتها قد بدأت في التلاشي في العصر الحديث، ويعكس هذا تحولات الأنماط الاجتماعية والفجوات التي أحدثها التغير الاجتماعي في المجتمع المصري.
من خلال شخصية "رضوان"، نجد أن الرغبة في العودة إلى ماضي الأسرة - حيث كانت الروابط الأسرية أكثر ترابطًا، وكان الأبناء يعيشون قريبين من آبائهم وأجدادهم - تمثل الصراع الداخلي للشخصية. هذا الصراع بين التشبث بالقيم القديمة والمواجهة مع واقع جديد يتسم بالعزلة والبعد عن الأسرة، يساهم في بناء التوتر الدرامي داخل الرواية. تأتي هذه الرغبة للتأكيد على أهمية التواصل الاجتماعي والترابط الأسري في بناء مجتمع سليم ومستقر.
تمثل الرواية الأسرة كأحد أعمدة بناء المجتمع، وفقدان التشابه في العلاقات الأسرية بين الماضي والحاضر هو المحور الذي يدفع الشخصيات إلى البحث عن إجابات لأسئلتهم الوجودية، كما يظهر جليًا في قول "ناهد" (زوجة رضوان) أثناء حوارها معه:
"هل من العدل أن نتعب ونسهر الليالي، نكبّر ونحلم بهم معنا لا يغادروننا، وعندما نصل لمحطة الحلم واكتمال تحقيقه، تأتي الزوجات وتبتعد بهم؟" (الرواية/ 37).
تعكس هذه الكلمات حنينًا إلى الماضي و قيمة التلاحم الأسرى التي كانت سائدة، وتحليلًا لواقع تفكك الأسرة في ظل التحولات الاجتماعية.

الموضوع الرئيس
يعتبر طايل أن الفن الروائي يجب أن يكون أداة لفهم الحياة، ومن ثم نجد في هذه الرواية أن الموضوع الرئيس يدور حول التشابه بين الشخصيات، والمجتمع الذي يختبر نفسه في مرآة تلك التشابهات. يعكس الأديب، من خلال الحوارات والأحداث المتشابكة، قدرة الشخصيات على التكيف مع وضعها الاجتماعي، وتحقيق الأهداف أو السقوط في الفخاخ النفسية. يستخدم طايل الرمزية من خلال التكرار المتعمد للتشابهات بين الشخصيات والأماكن، مما يخلق طبقات من المعاني داخل الرواية.
ينقلها النص مجموعة من الرسائل الرئيسةمن خلال موضوع التشابه. لا تقتصر هذه الثيمة على مستوى واحد من المعنى، بل تتوزع على مستويات اجتماعية وأخلاقية وإنسانية، مما يجعلها محورية لفهم الرسالة التي يحاول الكاتب إيصالها.
أرى من وجهة نظري أن الأديب أحمد طايل يدعو من خلال سطور هذه الرواية إلى :

1. الرجوع للماضي الإيجابي:
يسعى الكاتب، من خلال استخدام ثيمة التشابه، إلى الدعوة للرجوع إلى الماضي الإيجابي الذي كان يتميز بالقيم الإنسانية والأخلاقية مثل التلاحم الأسري، والتعاون بين أفراد المجتمع، والتمسك بالمبادئ الأخلاقية. تظهر هذه الدعوة بشكل متكرر في السرد عبر شخصيات الرواية التي تعبر عن رغبتها في استعادة الماضي المثالي الذي كان يتسم بالثبات العائلي والاستقرار الاجتماعي. وفي هذا السياق، تتكرر في الحوارات والتوصيفات الاجتماعية أفكار تدعو إلى تعزيز الترابط بين الأجيال، والحفاظ على المبادئ السامية التي كانت تحكم العلاقات الاجتماعية.

لا يتوقف الخطاب السردي في هذه الرواية عند ذكر هذا الماضي فحسب، بل يحاول أيضًا إحياء هذه القيم من خلال تشابه سلوكيات الشخصيات الحالية مع سلوكيات الأجيال السابقة. لا تُصور هذه العودة للماضي بشكل مثالي مجرد، بل كمطلب اجتماعي و أخلاقي ضروري لاستعادة نوع من التوازن الاجتماعي الذي افتقدته المجتمعات الحديثة.

2. "رضوان" كنموذج للتشابه السلوكي والإنساني:
رضوان في الرواية يمثل نموذجًا للتشابه السلوكي والإنساني، حيث يسعى الكاتب من خلاله إلى إبراز الفكرة الأساسية للرواية التي تتعلق بالمحاكاة والتقليد السلوكي لما كان عليه الآباء والأجداد. يبرز رضوان في الرواية كقدوة حسنة لما كان عليه المجتمع من قيم إنسانية راقية؛ ولذلك يُطلب من القارئ أن يتخذ هذا النموذج قدوة في حياته اليومية. ويعكس ذلك دعوة الرواية إلى اتخاذ التشابه الأخلاقي والإنساني مع الشخصيات المثالية في المجتمع، والتي تجسد المثل العليا للأُسر والعلاقات الإنسانية.

كما أن الصراع الذي يعايشه رضوان بين واقع الحاضر و ماضيه المثالي يعكس التناقضات الاجتماعية والضغوط التي تواجه الفرد في محاولة الحفاظ على هذه القيم في زمن تتغير فيه كثير من المعايير الأخلاقية والاجتماعية. هنا، يُظهر الروائي صراعًا داخليًا للشخصية التي تسعى إلى استعادة القيم الإنسانية التي فقدها المجتمع، ويُقدّم ذلك عبر سرد يلتقط التوتر بين الماضي والحاضر، ويعكس مشاعر القلق والحيرة الناتجة عن هذا التناقض.

3. الملمح النفسي في الرواية:
الخطاب الروائي في الرواية يعكس الكثير من المؤثرات السوسيولوجية والنفسية، حيث يحاول الكاتب من خلال أسلوبه السردي الإضاءة على التحديات النفسية التي يواجهها الأفراد في ظل صراعهم مع الواقع الاجتماعي. الرواية لا تكتفي بتقديم الأحداث، بل تُدخل البعد النفسي للشخصيات في الصورة، فتُظهر كيفية تفاعل الشخصيات مع واقعها الاجتماعي، وكيف أن البحث عن التشابه الاجتماعي والأخلاقي يمكن أن يكون محفزًا نفسيًا للشخصيات.

يتضح هذا الملمح السوسيولوجي من خلال التشابك بين شخصيات الرواية؛ حيث نجد أن التشابه لا يتم فقط بين الأشخاص في شكل الملامح الجسدية أو التصرفات الخارجية، بل يمتد إلى الجانب النفسي أيضًا، الذي يعكس رغبة الأشخاص في العودة إلى الماضي الأفضل.

4.القيم الإنسانية في النص:
عبر الحوار والوصفيات في الرواية، نجد أن الكاتب يعمد إلى ترسيخ القيم الإنسانية مثل التعاون، الصداقات، والتكافل العائلي. تظهر هذه القيم في مشاهد عديدة، خاصة في حوارات الشخصيات التي تؤكد على ضرورة التفاعل الاجتماعي الإيجابي والتكافل بين أفراد المجتمع. الروائي يسعى إلى إبراز الروابط الإنسانية الأساسية التي هي جوهر التماسك الاجتماعي. هذه القيم تُظهر فقدان المجتمع المعاصر لهذه المبادئ، مما يزيد من أهمية العودة إلى التشابه في السلوكيات.

5. الأسلوب الفني في الرواية:
الأسلوب الفني في الرواية يتميز بقدر من السلاسة والواقعية المؤثرة، مما يجعلها قابلة للتفاعل مع كافة الفئات. لا يقتصر الأسلوب على تقديم الأحداث فقط، بل يسعى إلى إيصال رسائل اجتماعية وإنسانية أعمق. يقوم السرد على بناءٍ من المشاهد الواقعية التي تسلط الضوء على التحديات الاجتماعية، في حين يتخللها أسلوب سردي جذاب يدعو القارئ للتفاعل مع الشخصيات ومواقفها.

6. نظرية "الفن من أجل الحياة":
تعتبر هذه الرواية تجسيدًا حقيقيًا لنظرية "الفن من أجل الحياة" التي دعا إليها الفلاسفة اليونانيون. من خلال سرد الروائي لحياة الشخصيات وتفاعلها مع المجتمع، فإن النص لا يُعنى فقط بتقديم قصة، بل يعرض نموذجًا اجتماعيًا يُمكّن القارئ من استيعاب مشاعر الشخصيات ومواقفها الاجتماعية والنفسية. هذه الفكرة تعكس إيمان الكاتب بأن الأدب يجب أن يكون وسيلة لتحفيز الحياة البشرية وتحسين الواقع الاجتماعي من خلال تقديم نماذج سلوكية إنسانية إيجابية.

الأسلوب السردي والأداء اللغوي:
يعتمد طايل على "اللغة السردية الواقعية" لتقديم عالمه الروائي، وهي لغة تعكس الواقع الاجتماعي، فتسعى الرواية إلى تصوير الحياة كما هي، دون أن تبتعد عن تفاصيل الحياة اليومية أو تقيم فواصل بين الأدب والواقع. تهدف هذه اللغة إلى نقل الكينونة الاجتماعية من خلال أسلوب سردي مباشر وسلس، يُظهر التفاصيل التي تخلق صورة حية عن المجتمع وحياة الأفراد فيه.
يقدم أحمد طايل صورة دقيقة ومعبرة عن الحياة اليومية والتفاعلات الاجتماعية، ويتسم الأسلوب بالبساطة والوضوح، مما يسهل على القارئ التفاعل مع النص وفهم الشخصيات والأحداث. من خلال استخدام الحوارات المباشرة بين الشخصيات، يتم بناء الصراع الداخلي والخارجي بشكل يجعل القارئ يشعر بالاستغراق في النص.
يتميز الأسلوب السردي في الرواية بمزيج من التقنيات الحديثة مثل استخدام الذكريات والملاحظات الداخلية التي تفسح المجال للشخصيات لعرض وجهات نظرهم بطريقة تفاعلية مع الزمن الماضي والحاضر. هذا الأسلوب يجعل الرواية لا تقتصر على تقديم الأحداث، بل تدعو القارئ إلى التحليل الفكري والتأمل في القيم الاجتماعية.
يتسم الأسلوب اللغوي في "المتشابهون" بالبساطة والوضوح، مع التركيز على بناء الجمل السلسة التي تتناسب مع جو الرواية الواقعي. يستخدم طايل التعبير اليومي واللغة الشعبية لتسليط الضوء على ملامح الشخصية، مما يعكس حياة المجتمع المصري بشكل حقيقي. اللغة في هذه الرواية ليست محض وسيلة للتواصل، بل هي أداة تعبيرية قوية تساهم في بناء عالم الشخصيات، بحيث تعكس الصراع الداخلي والأزمات النفسية بشكل صريح.
يعتمد طايل في سرد الرواية على أسلوب لغوي سلس، يجمع بين البساطة والتعقيد في آن واحد. نجد أن الحوار بين الشخصيات يأخذ نبرة عاطفية وفكرية، حيث يتم تكرار فكرة التشابه بين الأجيال، ولكن بأسلوب يعكس التساؤل والتأمل في مواقف الحياة اليومية. هذه الحوارات تساعد في إبراز فكرة التشابه وتوضيحها للقارئ بشكل مبدع وواقعي، مما يجعل النص أكثر تأثيرًا.
نجد في أسلوب طايل تأثُّرًا بالأدب الواقعي الاجتماعي، حيث يتسم الأسلوب اللغوي بالحوار البسيط والمباشر، الذي يعتمد على الجمل القصيرة والتعبيرات المألوفة في الحياة اليومية. كما أن الرمزية اللغوية جزء من الأسلوب اللغوي للرواية، حيث يتم تكرار بعض العبارات والأفكار التي تعزز الفكرة المحورية للرواية، مثل التشابه بين الشخصيات وتكرار الحوادث التي تعكس حال المجتمع.

التصوير في المتشابهون
يعكس طايل في "المتشابهون" صورة معقدة للعلاقات الاجتماعية في المجتمع المصري، خاصة العلاقات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. تصور الرواية التشابهات في المصائر بين الشخصيات التي تواجه نفس الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، مما يُظهر كيف تتشابك حياة الأفراد حتى في مواقفهم الإنسانية. تتعامل شخصيات الرواية مع الأزمات التي لا تُحل في الغالب، مما يعكس حالة اللاجدوى والتماثل في المجتمعات المعاصرة.
الرواية قائمة على تصوير "الواقع" الاجتماعي والسياسي، وتقديم الشخصيات بأبعاد واقعية غير مثالية. يعكس هذا الفهم للواقع حالة من التجريد والتجسيد في آن واحد، بحيث تصبح الحكاية والتفاصيل مرآة حقيقية للواقع الاجتماعي الذي تتناوله الرواية. لا تقتصر بنية الرواية على السرد المباشر للأحداث، بل تقدم الصراع الداخلي للشخصيات من خلال لغتها وأفعالها، مما يضفي على النص عمقًا سيميائيًا دلاليًا.
يستخدم طايل التقنيات الجمالية في تصوير الحياة الأسرية بشكل يجعل القارئ يشعر بأنها صورة حية ومؤلمة في ذات الوقت. تم تصوير العلاقات الأسرية بحميمية، حيث تكون الذكريات عن الماضي بمثابة المعركة بين الجيلين، بين التمسك بالقيم القديمة والانفتاح على التجارب الحديثة.

الصراع
يمكن ملاحظة الصراع الداخلي بين الشخصيات، الذي يظهر جليًا في تعاملهم مع الواقع الاجتماعي والسياسي. ينعكس هذا الصراع في قراراتهم وردود أفعالهم تجاه المواقف، مما يخلق جوًا من التوتر والبحث المستمر عن الهوية. يتجسد الصراع الخارجي في المواجهات المجتمعية والعلاقات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، مع التركيز على الطبقة الوسطى في المجتمع المصري.

تطرح الرواية، من خلال تلك التشابهات بين الشخصيات، تساؤلات حول الهوية والحرية في عالم يضيق فيه الأفق أمام الأفراد. تتناول الرواية بحث الشخصيات عن المعنى الحقيقي للحياة وسط القمع الاجتماعي والسياسي.
في "المتشابهون"، نجد أن البنية السردية تميل إلى الترابط بين الأزمنة والمكان، مع توظيف الفلاش باك أو الحكايات المتوازية لتسليط الضوء على تجارب مختلفة ولكن متشابكة؛ مما يعزز من قدرة الرواية على إبراز التشابهات بين الشخصيات والأحداث، مظهرًا التداخل بين فترات حياتهم ومواقفهم.

الزمن والمكان في الرواية
الزمن والمكان في الرواية لا يُعتبران مجرد خلفيات، بل هما عنصران أساسيان في خلق هذا التشابه بين الماضي والحاضر. نجد أن الزمن الماضي في الرواية مرتبط بالذكريات والأحداث الاجتماعية التي كانت تعكس التلاحم الأسري، بينما يمثل الحاضر نوعًا من الانفصال الاجتماعي والمادي، مما يعزز من فكرة التباين بين الجيلين والأزمات التي يعاني منها أفراد الأسرة في ظل التحولات الاجتماعية.
المكان في الرواية ليس مجرد خلفية للأحداث، بل هو عنصر جوهري يرتبط بأحاسيس الشخصيات. تتجسد جمالية المكان في تصويره كمكان مغلق أو محدود يرمز إلى القيد الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الشخصيات. قد تكون هذه الأماكن مغلقة مثل غرف الشقق أو الأماكن العامة التي تضيق عليها الحياة، مما يعزز من الإحساس بالاختناق.

الرمزية في الرواية
يطغى على الرواية توظيف الرمزية للروابط الأسرية والتشابهات بين الأجيال، ويمثل "الجد" في الرواية رمزًا للارتباط بالماضي و القيم الأصيلة، حيث يعكس الأمل في استمرار هذه القيم في الجيل الجديد، أما الأحفاد فيظهرون كرمز للتغيير، حيث يتنقلون بين الماضي والحاضر، وبين الأجيال المختلفة. يضيف هذا التوظيف الرمزي بُعدًا جماليًا للنص، ويعزز فهم القارئ للصراع بين الأجيال.
يعتمد طايل على الجماليات الرمزية لتوصيل الرسائل الخفية من خلال العبارات المتكررة والصور الموحية،ويعكس تشابك الشخصيات في الدور الاجتماعي والمجتمعي تناغمًا فنيًا بين الكتل البشرية التي تلتقي عبر مصائر مختلفة. تزداد هذه الجماليات تعقيدًا من خلال تصوير الشخصيات في حالة من التمرد على الحياة التي لا تسمح لهم بالظهور في صورة مختلفة عن الصورة التي فرضها عليهم المجتمع.
تمثلت الرمزية في هذه الرواية في التشابه بين الأجيال، حيث يصبح هذا التشابه عنصرًا حيويًا لفهم العلاقات الاجتماعية. تحاول الرواية إظهار أنماط الحياة القديمة التي كانت تسود المجتمعات العربية، وكيف أن هذه الأنماط تشكلت عبر التوارث الاجتماعي، وتستمر حتى في الأجيال المعاصرة.
عبر روايته، يقدم طايل نقدًا اجتماعيًا عميقًا للوضع الراهن، خاصة فيما يتعلق بالتغيرات في القيم الأسرية وكيف أدت هذه التغيرات إلى تفكك الروابط الأسرية التي كانت تشكل نواة المجتمع العربي، وهكذا نجد أن هذه الرواية تناقش فكرة "التمرد"على الماضي وتقديم بدائل اجتماعية قد تكون أكثر قسوة وصعوبة.
يُستخدم التشابه في الرواية، كرمز للمواصلة بين الأجيال، وهو يحمل دلالات جمالية ترمز إلى الاستمرارية والتكامل في الحياة الاجتماعية. شخصية "رضوان"مثلًا، وهي تَحمل صفات والده، تمثل الروابط المتينة بين الأفراد في العائلة، وتُشير إلى الدور الكبير الذي يلعبه التوارث الثقافي والاجتماعي في تعزيز هذه الروابط.
التصريحات التي تأتي على لسان الشخصيات في الرواية، مثل تلك التي تقول:
"انت دوماً هكذا … ورثت عن أبينا كل صفاته، وأيضاً الكثير من ملامحه…" (الرواية: 49)
تُبرز التشابه كرمز للأصالة والاتصال المستمر بين الأجيال. من خلال هذه التصريحات، يسعى طايل إلى إظهار أن القيم والعادات الاجتماعية لا تقتصر على الجوانب المادية أو الشكلية فقط، بل هي امتداد للأفعال والأفكار التي تتناقلها الأجيال، وتبقى حية في سلوكهم.
تطرح الرواية تساؤلات حول فقدان التشابه بين الأجيال نتيجة للضغوط الاجتماعية والاقتصادية، مما يعكس حالة من التحول التي يعيشها المجتمع، ويربط الكاتب فقدان التشابه بتدهور القيم الاجتماعية التي كانت تضمن الترابط والتماسك الأسري في الماضي.

الشخصية الرئيسة :
في رواية "المتشابهون"، يُركز الأديب أحمد طايل على الشخصية الرئيسة كأداة رئيسة لنقل الفكرة السامية التي يسعى إليها؛ حيث يعمل، من خلال تقنية السرد، على رسم الشخصية بطريقة تسهم في بناء التوافق مع الأنماط الاجتماعية، حيث يصبح "التشابه" العنصر الرئيس الذي يعكس القيم المجتمعية المتجددة والمستمرة عبر الأجيال. هذه الشخصية الرئيسية، التي تمثلها شخصية"رضوان" أو غيرها من الشخصيات الداعمة في النص، تجسد الصراع بين الماضي والحاضر وكيف تتوارث الأجيال الصفات والطباع.
رواية "المتشابهون" للأديب أحمد طايل هي نص أدبي وفني يتناول قضية التشابه بين الأجيال كعنصر رئيس يعكس قيمًا اجتماعية وأخلاقية أصيلة. يهدف الكاتب إلى الدعوة للعودة للماضي الإيجابي مع اتباع نموذج "رضوان" في سلوكه الإنساني والاجتماعي. من خلال أسلوب سردي واقعي وجميل، يفتح طايل الباب للقارئ ليتأمل في التحديات الاجتماعية والنفسية التي يواجهها الأفراد في ظل التغيرات المعاصرة.
تقدم رواية "المتشابهون"للأديب أحمد طايل شخصية رئيسة تشكل نموذجًا اجتماعيًا مهمًا، حيث يتم تصويرها عبر التمثيل السردي والرمزية الجمالية لتؤكد على فكرة التشابه السلوكي الإيجابي بين الأجيال. هذه الشخصية تعمل كوسيلة لدعوة المجتمع إلى العودة إلى قيم التلاحم الأسري، والتمسك بالقيم الاجتماعية التي كانت تسود في الماضي. من خلال الأسلوب السردي والحوار المتكرر حول التشابه بين الشخصيات، يعكس طايل تأثير الترابط الاجتماعي بين الأفراد في تعزيز الاستمرارية الثقافية في المجتمع.
تجسد الشخصية الرئيسة نموذجًا للأجيال السابقة التي حافظت على التشابه بين الأفراد، خاصة في تعاملاتهم وعلاقاتهم العائلية والاجتماعية. من خلال هذا التمثيل، يدعو طايل إلى إعادة النظر في النظام الاجتماعي المعاصر، الذي يعاني من التفكك والانفصال بين الأجيال، وتقدم الرواية نقدًا للعزلة التي يعاني منها الأفراد في زمننا الحالي، حيث يتم فقدان التشابه بين الأفراد على المستويات الاجتماعية والعائلية.


تقنية التكرار :
يستخدم الأديب تقنية التكرار بشكل واضح في السرد لتأكيد الثيمة الأساسية للرواية، وهي التشابه السلوكي بين الأجيال، حيث نجد أن تكرار الحديث عن التشابه بين الأفراد وخصوصًا بين "رضوان" وأخيه"بهيج" يعكس فهم الكاتب لهذا التشابه ليس فقط على مستوى الشكل (الملامح) ولكن على مستوى التصرفات والقرارات. هذا التكرار يشكل أداة فنية لإيصال رسالة بأن التشابه بين الأفراد يعد سمة حيوية في الحياة الاجتماعية، وله دور في ترسيخ القيم الإيجابية في المجتمع.

تقنية الاسترجاع (الفلاش باك) :
تعتبر تقنية الاسترجاع من الأدوات السردية الهامة في رواية "المتشابهون"للأديب أحمد طايل، وتستخدم لتقديم لمحات من الماضي التي تساعد على تعزيز الثيمة الرئيسة للرواية، وهي التشابه الاجتماعي والإنساني.
يعتمد الروائي على هذه التقنية في تسليط الضوء على العوامل التي شكلت العلاقات الاجتماعية بين الشخصيات، خاصة في المواقف التي تتطلب فهمًا أعمق لأبعاد الشخصيات وأفعالهم.

تتيح تقنية الاسترجاع (الفلاش باك) للروائي العودة إلى الأحداث الماضية التي تسهم في فهم تطور الشخصيات والعلاقات بين الأفراد، بما يتناسب مع الغاية السردية. يتم استرجاع الماضي الأسري للشخصياتفي رواية "المتشابهون"، كما في حادثة زواج رضوان من ناهد؛ ليثبت السرد كيف أن العلاقات بين العائلات وذوي القربى تكون محكومة بعلاقات ‏هو كده كده يبرد بين الأجيال. من خلال الاسترجاع، يظهر لنا الكاتب كيف كانت الروابط الاجتماعية و العلاقات الأسرية تتسم بقدر كبير من التكامل و الانسجام.

فعلى سبيل المثال، استرجاع المشهد الخاص بزواج رضوان و ناهد يوضح تشابه الأسر في القيم والتقاليد، ويسلط الضوء على فكرة أن المصاهرة بين العائلات تجعل هناك تماثلًا أخلاقيًا واجتماعيًا يتيح تماسك العلاقات. هذا يعود إلى تلك الفكرة التي يعبر عنها الكاتب في العديد من المواقف: التشابه بين الأجيال في كيفية النظر إلى الأسرة والمجتمع.

تضاف هذه التقنية لتدعيم منظور جورجلوكاتس في الأدب، حيث تظهر الشخصيات الإشكالية التي تعاني من صراع بين المثل العليا و الواقع المعيش، كما في شخصية رضوان الذي يسعى للتمسك بالقيم التقليدية التي رسخها الأجداد، بينما يواجه الصراع مع الواقع المعاصر الذي أفرغ الأسرة والمجتمع من بعض القيم التي كانت سائدة سابقًا.

استحضار الكاتب لحادثة ثريا تُظهر الجانب الاجتماعي والنفسي للشخصيات، خصوصًا في الطريقة التي تعامل فيها رضوان مع مشكلة ثريا وابن عمها. بعد أن واجهت ثريا مشكلات في زواجها نتيجة للمشاكل الجسدية لزوجها، أصبح رضوان حلاً للمشكلة، وهو ما يعكس الشخصية المثالية من ناحية الاستجابة الإنسانية التي تمثل قدوة اجتماعية. استرجاع الماضي هنا يتجسد في الاستجابة الجماعية والتعاون المجتمعي لإيجاد الحلول للأزمات، بما يعكس ذلك نظام التشابه بين الجيل الحالي والأجيال السابقة التي كانت دائمًا تتشارك في حل القضايا المشتركة.

من خلال الاسترجاع السردي للحوادث الماضية، تبرز المواقف الإنسانية التي تعكس التضامن الاجتماعي وتوضّح دور الشخصيات مثل رضوان في حل المشكلات الاجتماعية مما يسهم في تكوين نموذج أخلاقي؛ إذ يحاول الكاتب من خلال شخصية رضوان أن يقدم المثل الأعلى في كيفية التصرف في مواجهة الأزمات الاجتماعية.

عندما يتعامل رضوان مع قضية ثريا، يسعى من خلال تعاطيه مع الموقف إلى إعادة ترسيخ القيم الإنسانية التي كانت سائدة في الماضي، مثل الستر و الحفاظ على كرامة الأفراد في المجتمع. هذا السلوك يضعه في موقف الأمل و الحل وسط التغيرات الاجتماعية التي يشير إليها الكاتب، وتُظهر هذه الاستجابة الاجتماعية كيف يمكن استرجاع القيم الإنسانية من الماضي للإسهام في حل الأزمات الاجتماعية التي نعيشها.

لا يقتصر الفلاش باك على تقديم المشاهد الماضية فقط بل يقدم من خلال ذلك تفسيرًا للواقع الاجتماعي المعاصر، ويطرح نقدًا لاذعًا للأوضاع السائدة؛ حيث أن استرجاع حادثة ثريا يعكس الصراع بين الواقع المثالي والمجتمع المعاصر، تحاول شخصية رضوان أن تنقذ الموقف، مما يعكس دعوة إلى العودة إلى القيم الاجتماعية الإيجابية.

في هذا السياق، يمكن للروائي أن يُظهر التشابه بين الشخصيات ليس فقط في الملامح ولكن أيضًا في السلوكيات و القيم الاجتماعية التي تسعى إلى الحفاظ عليها في ظل تغييرات المجتمع.

باستخدام تقنية الاسترجاع (الفلاش باك) في رواية "المتشابهون"، يتمكن أحمد طايل من ترسيخ ثيمة التشابه بين الأجيال، سواء في السلوكيات الإنسانية أو القيم الاجتماعية؛ فالرواية لا تكتفي بسرد الأحداث بل تعمد إلى استرجاع الماضي لشرح الحاضر ودعوة الأفراد إلى العودة إلى القيم الاجتماعية الإنسانية. بذلك، يتمكن الروائي من خلق نموذج اجتماعي في شخصية رضوان، الذي يقدم قدوة اجتماعية وأخلاقية تحاكي الماضي وتساعد في معالجة مساوئ الحاضر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى