د. أحمد الحطاب - الفرق بين كتاب الله وكُتُبُ البشر

ما أقصده ب"كتاب الله"، هو القرآن الكريم، أي الوحيُ الذي نزل من الله على آخِرِ الرسل والأنبياء، محمد (ص). وما أقصده ب"كُتُب البشر"، هي الكُتُب التي ألَّفها علماء وفقهاءُ الدين بعد وفاة الرسول (ص). السؤال الذي يفرض نفسَه علينا هنا، هو : هل هناك فرقٌ différence أو فروقٌ des différences بين "القرآن الكريم" و"كُتب البشر"؟

بالطبع وبكل تأكيد، إن هناك فروقاً بين "القرآن الكريم" و "كُتب البشر". ومن بين هذه الفروق، أذكر، على سبيل المثال، ما يلي:

1.كلام الله، في القرآن الكريم، كله، موجَّه للرسول (ص)، ومن خلاله، للبشرية جمعاء. بينما ما وَردَ في كُتُب علماء وفقهاء الدين، موجَّهٌ، فقط وحصريا، للمسلمين، أي للناس الذين آمنوا برسالة محمد (ص)، أي برسالة الإسلام. ورسالة الإسلام بدأت منذ عهد نوحٍ، عليه السلام، واستمرَّت مع كل الرسل والأنبياء إلى غاية آخرهم، محمد (ص). فلماذا لم يتَّبع علماءُ وفقهاءُ الدين النَّهجَ القرآني المتمثِّل في إعلاءِ كلمة الله، وبالتالي، توجيه محتوى كُتُبهم إلى جميع الناس، مساهمةً منهم في نشر هذا الإسلام؟

ما فعله وسعوا إلى تكريسه هؤلاء العلماء والفقهاء، في كُتُبهم، هو نشر الفتنة بين المسلنين بتقسيم الدين الإسلامي إلى عدة نُسَخٍ مُتجلِّية في المذاهب والطوائف والفِرَق.

2."القرآن الكريم" فيه كلامٌ مطلقٌ، أي كلامٌ مستقل عن الزمان والمكان، بمعنى أن قائلَه، هو نفسُه، مستقل عن الزمان والمكان، أي لا بدايةَ له ولا نهاية. وعندما أقول "فيه كلامٌ مُطلق، فهذا لا يعني أن كل القرآن كلامٌ مطلق. القرآن فيه كلامٌ مُطلقٌ وفيه كلامٌ غير مطلق. وبصفة عامة، فيه ما هو مُطلق كوحدانية الله وقدرته على الخلق وإحياء الموتى وتسيير الكون كما يريد، سبحانه وتعالى، ومغفرة الذنوب…، مصداقا لقولِه، سبحانه وتعالى : "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (يس، 83). و"مَلَكُوتُ" تعني في هذه الآية، له سلطان على كل الأشياء الموجودة في الكون والتي هي من خَلقِه.

وفيه ما هو غير مطلق كالدعوة إلى الإسلام التي هي اختيارية. وبصفة إجمالية، القرآن الكريم تطرَّق لِما فيه خيرٌ للبشرية جمعاء. وما فيه خيرٌ للبشرية جمعاء، لخَّصَه الله، سبحانه وتعالى، في قرآنه الكريم في العبادات وفي المعاملات. والله، عزَّ وجلَّ، لا يُجبر أحدا من البشرية لا على الإيمان ولا على التَّقوى. والله، سبحانه وتعالى، يُرشد عبادَه لِما لهم فيه خيرٌ ويترك لهم حرِّيةَ الاختيار. بينما "كُتب البشر" فيها كلامٌ أو خطاب كله رهين بظروف الزمان والمكان التي تمَّ فيها تأليف أو إنشاء هذه الكُتُب أو محتوى هذه الكُتُب. بمعنى أن هذا المحتوى رهين بالخلفيات الفكرية، الثقافية والاجتماعية التي كانت سائدةً حين تأليف هذه الكتب. ولعلَّ أكبر فرقٍ بين كتاب الله وكُتُب البشر، هو أن الدينَ الذي أراده ويريده علماءُ وفقهاءُ الدين للناس، خلافا للاختيارية possibilité de choix التي جاء بها القرآن الكريم، دينٌ فيه تخويفٌ وترهيبٌ وترعيبٌ وعقاب دنيوي وقهرٌ وإجبارٌ…

3."كتاب الله" يُخبرنا بأنه، سبحانه وتعالى، يعلم الغيب، أي على علمٍ بكل أمور الدنيا بل على علم بكل أمور الكون، ماضيها وحاضِرها ومستقبلها، مصداقا لقولِه، سبحانه وتعالى : "وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (النحل، 77). بينما "كُتُب البشر" لا يمكن أن تأتي إلا بما يُتِيحهما الزمان والمكان للعقل البشري من خلفيات، أي من مكتسباتٍ وتجارب، فكرية، ثقافية واجتماعية، مصداقا لقولِه، سبحانه وتعالى : "هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (آل عمران، 66).

4."القرآن الكريم" لا يتغيَّر مضمونُه، فيه ما هو صالحٌ لكل زمان ومكان، كقوله، سبحانه وتعالى : "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" (النحل، 18). في هذه الآية الكريمة، تِعدادُ نِعَم الله التي أنعم الله، عزَّ وحلَّ، بها على عباده، غير ممكنٍ، سواءً في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. لماذا؟

لأن اللهَ، سبحانه وتعالى، لا يتوقَّف عن الخلقِ والعطاء للإنسان، مصداقا لقولِه، سبحانه وتعالى : "وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم، 34). و،هذا العطاء لخَّصَه، عزَّ وجلَّ، في الآية رقم 20 من سورة لقمان، حين قال : "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ". في هذه الآية الكريمة، كلمة "مَّا" (مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) تعني كلَّ الأشياء الموجودة في الكون.

5."كتاب الله"، أي القرآن الكريم، كتابٌ مقدَّسٌ. وتقديس كتاب الله هو تقديسٌ لله. وتقديس الله هو تعظيمُه، وبالأخص، تنزيهُه عن كل ما لا يليق بألوهيته، سبحانه وتعالى. أما "كُتُب البشر" لا يجوز، على الإطلاق، تقديسُها. والرسول (ص) عندما ينزل عليه الوحي ويُبلِّغه إلى الناس، فهو فعلا رسول. لكن عندما يختلط مع الناس، في الحياة اليومية، فهو بشر. والبشر يصيبون ويخطئون.

فما بالُكم ببشرٍ اتَّخذوا من أقوال الرسول ديناً، وعلى رأسهم البخاري الذي قدَّسَه كثيرٌ من علماء وفقهاء الدين وجعلوا من "صحيحه" أصح كتاب بعد القرآن الكريم؟

السؤال الذي يفرض نفسَه علينا هنا هو : "هل الرسول، محمد (ص) أرسله الله، سبحانه وتعالى، لنشر دين الله الذي هو الإسلام، أم أرسله لينشرَ ديناً ابتدعه هو شخصيا؟ الجواب على هذا السؤال موجودٌ في كثيرٍ من آيات القرآن الكريم!

وعليه، فلماذا قال، عزَّ وجل : "مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ" (المائدة، 99)؟

ولماذا قال، سبحانه وتعالى : "... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي…" (المائدة، 3)؟

ولماذا قال، سبحانه وتعالى : "وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا" (النصر، 2)؟

ولماذا قال، عزَّ وجلَّ : "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" (الأنعام، 159)؟

ولماذا قال، سبحانه وتعالى : "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ" (الشورى، 13)؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى