تُعد قصيدة "يا ليلى ليلك جن" لعبدالإله زمراوي نموذجًا للنص الشعري الحداثي الذي ينهل من الرمزية والأسطورة والتناص والتفكيك ليؤسس عالماً شعرياً مركباً يمتح من التراث والأسطورة ويعيد تشكيلهما في سياق حداثي. وسنقوم بتحليلها من منظور المدرسة الحداثية التي تهتم بتفكيك النص، وتأويله بعيدًا عن المعنى الأحادي، مع الأخذ في الاعتبار البعد البنيوي والدلالي والتجريبي في النص.
1- العنوان: "يا ليلى ليلك جن"
يشكل العنوان مدخلاً دلاليًا معقدًا؛ إذ يحمل في طياته غموضًا، ويعتمد على المفارقة، فـ"ليلى" تحيل إلى دلالات متعددة منها العشق والصوفية والمجهول، بينما "ليلها" الذي "جنّ" يوحي بالاضطراب والتحول عن المألوف، مما يفتح أفق التأويل على مصراعيه. الجملة تبدو كنداء أو مناجاة لكنها أيضًا تقرير بحالة الليل الجنونية.
2- البنية الدلالية والتناص:
أ- التناص الديني والأسطوري:
تظهر في القصيدة إشارات واضحة إلى قصة هابيل وقابيل، والتي تمثل أول جريمة قتل في التاريخ الإنساني. الشاعر يبدأ بسؤال "هل أنا هابيل أم قابيل؟" ليضع المتلقي في مواجهة سؤال أخلاقي وجودي، حيث يُحيلنا هذا التساؤل إلى الثنائية الأزلية بين الخير والشر، وبين الضحية والجلاد. هذا التناص يخلق تراكبًا دلاليًا يجعل النص متشظيًا بين العنف والتطهير، بين الجريمة والغفران، بين الحياة والموت.
كما يوظف الشاعر مفاهيم صوفية ودينية مثل "الناقوس"، و"الجنة"، و"الصباح"، و"النبيذ"، و"الملائكة"، حيث تتحول هذه الرموز إلى أدوات تعبير عن صراع الوجود داخل النص، مما يعكس بعدًا تصوفيًا ضمنيًا.
ب- التناص الصوفي والميتافيزيقي:
تمتلئ القصيدة بروح صوفية، حيث يختلط الواقع بالمطلق، والذاتي بالكوني. يلاحظ القارئ استعمال الألفاظ ذات البعد التصوفي مثل "المعنى"، "الخمرة"، "اللباس"، "المغنى"، "الشطحة"، وهي مفردات ذات دلالات مشبعة بالإيحاء الصوفي الذي يتحدث عن الحب الإلهي والانخطاف في تجربة الوجد.
3- اللغة والصورة الشعرية:
يعتمد الشاعر على اللغة الكثيفة الموحية ذات التراكيب المفتوحة، حيث يبتعد عن الخطاب المباشر ويستخدم الصور المفاجئة التي تعتمد على المفارقة والانزياح الدلالي. على سبيل المثال:
"أين أمي تقرع الناقوس" → هنا تحوير للأسطورة الدينية وتقديمها بصيغة حديثة تستدعي الحزن العميق، ربما كناية عن فقدان السلطة الروحية في مواجهة الفوضى.
"أين أقراين ومن شادوا قصور الليل" → يوظف "قصور الليل" كصورة شعرية مجازية، قد ترمز إلى الأحلام المهدورة أو الآمال التي لم تكتمل.
"يا لهذا الليل يرزح بين مطرقة وسندان وأنة" → إعادة تشكيل لصورة الليل وجعله كائنًا محسوسًا يتألم بين أدوات الصراع.
القصيدة إذن تعتمد على الاستعارة التصويرية التي تجعل الكلمات كائنات تتحرك داخل النص، مما يخلق ديناميكية بصرية وموسيقية غنية.
4- البنية الإيقاعية والتكرار:
يستخدم الشاعر التكرار بطريقة توظيفية وليس زخرفية، حيث نجد تكرار جملة "يا ليلى ليلك جن" في أكثر من موضع، وهي تلعب دور:
البناء الإيقاعي المتناغم مع الدفقة العاطفية.
تعزيز الفكرة المحورية للقصيدة (التحول، الجنون، الانخطاف الصوفي).
إحداث تكرار بصري صوتي يجعل المتلقي عالقًا في دوامة النص الشعري.
5- التفكيك وإعادة تركيب المعاني:
تنطلق المدرسة الحداثية في النقد من مبدأ تفكيك المعاني التقليدية وإعادة إنتاجها داخل النص، وهو ما يظهر جليًا في هذه القصيدة، حيث لا يوجد معنى ثابت أو مغلق، بل نجد شبكة من المعاني تتداخل فيما بينها:
القضية الأخلاقية: (هابيل وقابيل) كرمزية للصراع المستمر بين القاتل والمقتول.
القضية الوجودية: (ليلى، الليل، الجنون) كحالة من الضياع والتساؤل المفتوح.
القضية الصوفية: (المعنى، النبيذ، الجنة) كرغبة في التماهي مع المطلق.
القضية السياسية/التاريخية: (المشانق، القصور، المطرقة والسندان) كمؤشرات على الصراع الطبقي أو الاضطهاد.
6- الحداثة والتجريب في الأسلوب:
تتميز القصيدة بعناصر التجريب التي تميز الشعر الحداثي، مثل:
غياب الترتيب الزمني المنطقي: إذ لا تتبع الأفكار تسلسلاً خطيًا بل تتشابك في شكل تداعيات حرة.
التراكيب المفتوحة والمراوغة الدلالية: حيث يظل المعنى متأرجحًا بين عدة تأويلات.
الدمج بين الأسطوري والتاريخي والذاتي: مما يمنح القصيدة طابعًا متعدد الطبقات.
هل القصيدة تجاوزت الحداثة إلى ما بعد الحداثة؟
بقراءة النص عبر منظور حداثي، نجد أنه يتجاوز فقط التجديد في الشكل إلى التجديد في الرؤية، حيث يعيد إنتاج الواقع بلغة مشحونة بالألم، والتساؤل، والتناص، والتصوف، مما يجعلها قصيدة حداثية بامتياز. لكن هناك بعض التقنيات، مثل تفكيك السرديات الكبرى (الدين، الأخلاق، الهوية)، التي يمكن أن تضع النص أيضًا في دائرة ما بعد الحداثة، حيث تتداخل الأصوات وتتفكك المعاني بدلًا من تقديم حقيقة مطلقة.
إجمالًا، القصيدة تمثل نموذجًا شعريًا حداثيًا منفتحًا، حيث تتشابك العناصر الأسطورية والتاريخية والدينية مع الحس الوجودي واللغة التجريبية، لتخلق فضاءً شعريًا متجاوزًا للأنماط التقليدية.
زهير عثمان
1- العنوان: "يا ليلى ليلك جن"
يشكل العنوان مدخلاً دلاليًا معقدًا؛ إذ يحمل في طياته غموضًا، ويعتمد على المفارقة، فـ"ليلى" تحيل إلى دلالات متعددة منها العشق والصوفية والمجهول، بينما "ليلها" الذي "جنّ" يوحي بالاضطراب والتحول عن المألوف، مما يفتح أفق التأويل على مصراعيه. الجملة تبدو كنداء أو مناجاة لكنها أيضًا تقرير بحالة الليل الجنونية.
2- البنية الدلالية والتناص:
أ- التناص الديني والأسطوري:
تظهر في القصيدة إشارات واضحة إلى قصة هابيل وقابيل، والتي تمثل أول جريمة قتل في التاريخ الإنساني. الشاعر يبدأ بسؤال "هل أنا هابيل أم قابيل؟" ليضع المتلقي في مواجهة سؤال أخلاقي وجودي، حيث يُحيلنا هذا التساؤل إلى الثنائية الأزلية بين الخير والشر، وبين الضحية والجلاد. هذا التناص يخلق تراكبًا دلاليًا يجعل النص متشظيًا بين العنف والتطهير، بين الجريمة والغفران، بين الحياة والموت.
كما يوظف الشاعر مفاهيم صوفية ودينية مثل "الناقوس"، و"الجنة"، و"الصباح"، و"النبيذ"، و"الملائكة"، حيث تتحول هذه الرموز إلى أدوات تعبير عن صراع الوجود داخل النص، مما يعكس بعدًا تصوفيًا ضمنيًا.
ب- التناص الصوفي والميتافيزيقي:
تمتلئ القصيدة بروح صوفية، حيث يختلط الواقع بالمطلق، والذاتي بالكوني. يلاحظ القارئ استعمال الألفاظ ذات البعد التصوفي مثل "المعنى"، "الخمرة"، "اللباس"، "المغنى"، "الشطحة"، وهي مفردات ذات دلالات مشبعة بالإيحاء الصوفي الذي يتحدث عن الحب الإلهي والانخطاف في تجربة الوجد.
3- اللغة والصورة الشعرية:
يعتمد الشاعر على اللغة الكثيفة الموحية ذات التراكيب المفتوحة، حيث يبتعد عن الخطاب المباشر ويستخدم الصور المفاجئة التي تعتمد على المفارقة والانزياح الدلالي. على سبيل المثال:
"أين أمي تقرع الناقوس" → هنا تحوير للأسطورة الدينية وتقديمها بصيغة حديثة تستدعي الحزن العميق، ربما كناية عن فقدان السلطة الروحية في مواجهة الفوضى.
"أين أقراين ومن شادوا قصور الليل" → يوظف "قصور الليل" كصورة شعرية مجازية، قد ترمز إلى الأحلام المهدورة أو الآمال التي لم تكتمل.
"يا لهذا الليل يرزح بين مطرقة وسندان وأنة" → إعادة تشكيل لصورة الليل وجعله كائنًا محسوسًا يتألم بين أدوات الصراع.
القصيدة إذن تعتمد على الاستعارة التصويرية التي تجعل الكلمات كائنات تتحرك داخل النص، مما يخلق ديناميكية بصرية وموسيقية غنية.
4- البنية الإيقاعية والتكرار:
يستخدم الشاعر التكرار بطريقة توظيفية وليس زخرفية، حيث نجد تكرار جملة "يا ليلى ليلك جن" في أكثر من موضع، وهي تلعب دور:
البناء الإيقاعي المتناغم مع الدفقة العاطفية.
تعزيز الفكرة المحورية للقصيدة (التحول، الجنون، الانخطاف الصوفي).
إحداث تكرار بصري صوتي يجعل المتلقي عالقًا في دوامة النص الشعري.
5- التفكيك وإعادة تركيب المعاني:
تنطلق المدرسة الحداثية في النقد من مبدأ تفكيك المعاني التقليدية وإعادة إنتاجها داخل النص، وهو ما يظهر جليًا في هذه القصيدة، حيث لا يوجد معنى ثابت أو مغلق، بل نجد شبكة من المعاني تتداخل فيما بينها:
القضية الأخلاقية: (هابيل وقابيل) كرمزية للصراع المستمر بين القاتل والمقتول.
القضية الوجودية: (ليلى، الليل، الجنون) كحالة من الضياع والتساؤل المفتوح.
القضية الصوفية: (المعنى، النبيذ، الجنة) كرغبة في التماهي مع المطلق.
القضية السياسية/التاريخية: (المشانق، القصور، المطرقة والسندان) كمؤشرات على الصراع الطبقي أو الاضطهاد.
6- الحداثة والتجريب في الأسلوب:
تتميز القصيدة بعناصر التجريب التي تميز الشعر الحداثي، مثل:
غياب الترتيب الزمني المنطقي: إذ لا تتبع الأفكار تسلسلاً خطيًا بل تتشابك في شكل تداعيات حرة.
التراكيب المفتوحة والمراوغة الدلالية: حيث يظل المعنى متأرجحًا بين عدة تأويلات.
الدمج بين الأسطوري والتاريخي والذاتي: مما يمنح القصيدة طابعًا متعدد الطبقات.
هل القصيدة تجاوزت الحداثة إلى ما بعد الحداثة؟
بقراءة النص عبر منظور حداثي، نجد أنه يتجاوز فقط التجديد في الشكل إلى التجديد في الرؤية، حيث يعيد إنتاج الواقع بلغة مشحونة بالألم، والتساؤل، والتناص، والتصوف، مما يجعلها قصيدة حداثية بامتياز. لكن هناك بعض التقنيات، مثل تفكيك السرديات الكبرى (الدين، الأخلاق، الهوية)، التي يمكن أن تضع النص أيضًا في دائرة ما بعد الحداثة، حيث تتداخل الأصوات وتتفكك المعاني بدلًا من تقديم حقيقة مطلقة.
إجمالًا، القصيدة تمثل نموذجًا شعريًا حداثيًا منفتحًا، حيث تتشابك العناصر الأسطورية والتاريخية والدينية مع الحس الوجودي واللغة التجريبية، لتخلق فضاءً شعريًا متجاوزًا للأنماط التقليدية.
زهير عثمان