ثقافة شعبية د. سلوى عبد المجيد أحمد المشلي - من فنون الأداء الشعبي السوداني

رقصة الموت عند بعض القبائل السودانية
كتبت في منشورات سابقة عن بعض المناحات مثل مناحة شغبة المرغومابية و الفافنوس و غيرها.
و المناحة هنا تتم بالرقص للمناحة و الردحي ، و تقع بحسب ما قسم د. ريتشارد درسون علم الفولكلور لأربعة ميادين
تحت ميدان فنون الاداء الشعبي ( الموسيقى_ الرقص _ الدراما).
الرقص الشعبي عرفته إجرائيا بأنه:" رقص شعبي في الغالب جماعي و هو رقص تعبيري يفسر مجموعة من العواطف المفرحة أو المحزنة من خلال حركة الراقصين، وفيه كل راقص يعبر عن مشاعره بحركات إرتجالية".
رقصة الموت ( الكابور- الكبور) :
كنت قد كتبت عنها في مقال سابق بعنوان:"الكابور و مقترح مسرح للفولكلور السوداني"، بتاريخ ٦/ ١١/ ٢٠٢٣م كدعوة للمسئولين و المهتمين في هذا المجال لإنشاء مسرح للفولكلور :" رقصة الكبور كأنمودج يمكن أن تحاك حبكة درامية من الواقع المعاش للمناطق التي بها الرقصات الشعبية التعبيرية لنخلق مسرحاً للفولكلور".
عن رقصة الكابور وهي رقصة حزينة تقام لبكاء فقد عزيز في عدة مناطق

1762090638534.png

رقصة الكابور:
أن رقصة الكابور رقص جماعي فيه نوع من الدراما الحزينة (التراجيديا) وهو نوع من الأدب التمثيلي الذي يؤدي إلى الحزن، فإذا اعتبرنا الدارة أو الدائرة مجال هذه الرقصة الحزينة ودخول النساء فرادى لعزاء ست العزاء وهي الشخصية المحورية التي تتلقى العزاء و القائمة بالفعل الدرامي هي و المعزيات بتلقى العزاء منهن، و وجودها في وسط الدارة يمثل هذا المسرح.
الايقاع والرقص نوع من المسرح الموسيقى الذي يحقق تعبيراً و متنفساً لمشاعر الراقصين الحزينة .
نقارة الكابور:
لم أجد معنى لكلمة الكابور، و الكابور هو الطبل أو النُقارة التي تصدر ايقاع الرقصة.
النقارة نوع من المجلدات أو ذات الجلد تصنع من تجويف جزع أو ساق غليظ من شجر الدوم و يشد عليه بجلد من البقر أو العجل، وإذا كان الجزع صغيراً يشد عليه بجلد خراف أو غنم، و استبدلت النقارة بطشت ينقر عليه بكفيه على وجهه وينقر على ظهره.

1762090685257.png

كيفية رقصة الموت:
تصاحب الرقص النقارة الحزامة: قديما كان يتحزم الرجل عند الرجل عن الدخول في عراك او عند الدخول لحمام الجنازة، أما المرأة تتحزم عند البكاء على الجنازة عند البكا عند بعض نساء بعض القبائل مع حمل السيف ودق النقارة كما في طقس الكابور، و نساء الرباطاب اتحزموا وادقوا النقارة
و يضعن الهُماد ( الرماد) في رأسهم او تلبس الحُزامة؛" العروس عند دخلتها فيربط لها الرحط و فوقه حزام حتى يصعب فكه، وعندما يأتي العريس يدفع حق فتح الباب
(حق البنات) و عندما يدخل يدفع حق (فك الحُزامة).
رقصة الموت عند بعض القبائل:
- رقصة الكابور:
كتب محمد مصطفي النور عنها في منطقة الحماداب في احد إصدارات وحدة تنفيذ السدود بعنوان :" الفولكلور و الحياة الشعبية في منطقة الحماداب"، إصدارة (٤)، واصفاً لرقصة الكابور :" رقص يعبر عن وفاة شخص عزيز، يجتمع النساء عند الصياح ( فلان راح في حق الله) في بيت المتوفى حتى تجهز الجنازة وتحمل للمقابر، ثم تخرج النساء و يرقصون الكابور تحت شجر النخيل بالايقاعات الصادرة من النقارة الذي تضرب عليه إحدى النساء و تتحلق النساء في دائرة غير مكتملة تتوسطها النقارة وطشت آخر مليء بالرماد أو التراب لتاخذ منه النسوة وتذرن في رؤوسهن في النواح، وتقف أقرب إمرأة للمتوفي في الوسط و تدخل عليها النساء كل قادمة العزاء تصيح ( حي ووب) مع رفع الأيدي لأعلى و القفز و الصراخ، مع إيقاع النقارة الذي يكرر مقطع حي حي حي ليعطي إنطباعاً وكأنه تنهدات شخص يبكي". (النور، ٢٠٠٤م: ٨٤).
و يستمر الكاتب:" تبدو رقصة الموت ( الكابور ) كعمل درامي - مسرحي يجسد منظر جثة تتحلق حولها الصقور وتدور في انتظار أن تتأكد من موتها لتلتهمها، وحركة اليدين مع الدوران حول نقطة الارتكاز في الوسط، التي تمثلها قريبة المتوفي تبدو لي كحركة أجنحة الصقور وهي تدور حول الجثة".
منطقة الحامداب ذكرها د. عامر عبد الحميد عضو إتحاد النسابين العرب انها :" يسكنها قبيلة الشايقية و هي من المناطق التي تأثرت بخزان مروي أو الحماداب، و إمري نقلت إلى الحامداب الجديدة و إمري الجديدة قرب مدينة الدبة بولاية نهر النيل" .
- رقصة الكبور :
الكبور في الثقافة البجاوية تقام عند موت كبير من الادارات الاهلية من البجا و فيه النساء يتحزمن وتلبسن المرأة ملابس الرجل عالي المقام الذي مات و تتقلد أدواته من أسلحة
و خلافه و تلبسن العمة و الصديري، و يخرجن النساء في مسيرة بصفوف يحملن السيوف للكبور الرقص بهم.
وعن كيفية كبورهم كتب محمد طه:" تجلس امرأة تضرب على عودين و طبل عبارة عن آلة من قرع توضع على طشت به ماء، و كبور تعني عند البنى عامر خبور بقلب حرف الخاء إلى حرف الكاف وهي لإسماع القرى المجاورة خبر الموت، ويصطف النساء صف للبكا و تتوسطهم إمرأة متوسطة في العمر تمسك رمح، وفي وسط الصف الأمامي امراة ترتدي سيف أو تضع على رأسها مخدة المتوفي المسماة مُطراسيٌت، و يرقص بضرب الصدور و الافخاذ و يتشقلبن على الارض".
- الكبور عند الشكرية:
كتب عنها أبيات الشاعر عبدالله أبو سن أخ الشاعر الكبير الحردلو من قبيلة الشكرية:
الكبور ضرب و اتجمع البيشان
و جن بنات رفاعة و لبسن النيشان
حين جات الرضية و عبت الدشمان
ذي هنتر نهار يوم صابح أم درمان
وشعره يدلل على وجود الكبور إما في مناطقهم ( تستوطن الشكرية أربعة ولايات هي ولاية الجزيرة و ولاية القضارف
و ولاية كسلا و ولاية نهر النيل، في المنطقة المعروفة باسم البطانة والممتدة من نهر النيل الأزرق جنوباً و حتي نهر عطبرة شمالا)، او ما جاورها، و لعل وصف الكبور السابق بحركة الصقور حول الجثة ما يطابق :" رقصة الصقرية عند الشكرية و عموم اهل البطانة".
- الكبور عند قبيلة النارا:
كتب الاستاذ حسين بلال في مقال أن المناحة:" لدى نساء النارا بالهرولة بشكل دائري وذكر مناقب الميت و شجاعته مع رش التراب و يكون السعف حاضراً ، ويضرب فيها طبل الكبور و تسمى عادة المناحة لدى النارا (هيبو)".
- الكبور عند النوبيون الكنوز:
كما ذكر أيضا الاستاذ حسين بلال:" ان نفس هذه التقاليد كانت موجوده عند الكنوز حتى وقت قريب بعد التهجير كانت اقرب الاقربين ان كان المتوفى شاب ان تقف الام
و الاخت فى الوسط و تربط ( الشُجة) من الوسط تتدلى لاسفل و تكشف راسها والنساء يدورون حولهم فى دائرة
و يعددون بكلمات معينة لها نغمة خاصة و عند حضور احدى المعزيات من بعيد تطلق صرخة مدوية بقولها:" ياهبار الشوووم"، بمعنى يا اخبار الشؤم و تدخل فى الوسط و تعدد مع اهل المتوفى ".
- الكبور في ولاية نهر النيل:
الكبور في مدينة العبيدية و الباوقة كان يقام في فسحة واسعة امام البيوت يصطفون في دارة (دائرة) يزدحم المكان الراقصون الرجال صفوف و النساء صفوف و يوضع صندوق ربما عليھ الجثمان و يبدأ الكبور بالردحي و الرقص الجنائزي.
أما في مدينة شندي اشتهرت مناحة :" الوليد الضيف"، وأن علاقة صداقة و زمالة في العمل نشاْت بين شابين الاول من ابناء منطقة الجريف شرق بمحافظة شرق النيل بالخرطوم
و الثاني من ابناء قرية صغيرة بالقرب من منطقة حوش بانقا بالقرب من مدينة شندي وعند زواج ابن الجريف شرق أصر صديقه باقامة حفل حناء بقريتهم بمنطقة شندي و كانت عادتهم عندما تبدأ الحنة يذهب العريس لنهر النيل ليغتسل فخرج الاهل جميعهم و معهم العريس الضيف واصدقاءه الى شاطئ النيل ونزل العريس ليغتسل و غطس ولم يخرج مرة اخرى .
فمنحت ام صاحب الضيف فكانت مناحة:"الوليد الضيف غرقتنو كيف؟"، التي تغنى بها الفنان المرهف مصطفى مضوي تقول المناحة :
الوليد الضيف غرقتنو كيف ؟
جيبو لي هدومو الراقدة فوق القيف
خلني النمنح بالقرع و السيف
واا سواد أمو الأهلو في الجريف
- الكبور في ولاية القضارف:
يروي الراوي الصادق بشير محمد عبد الرحيم عن جده المرحوم العمدة مختار محمد أحمد من منطقة دوكة جنوب القضارف بولاية القضارف و التي يسكنها خليط من القبائل:" أنه هنالك نائحات معروفات يتم استقدامهن للنياح وذكر مناقب المتوفي و لا يقتصر على النساء وحدهن بل تتم العملية بمشاركة الرجال، و ذلك بعد الفراغ من غسل الميت و تكفينه و تجهيزه يتحزم أحد الرجال من أصحاب الأصوات الجهيرة و لعله القائد المجتمعي، ويقف عند عنقريب الجنازة ويصيح بصوت مؤثر و بكلمات مصحوبة بلحن حزين ويقول:" الزايلة جاتني و شالت لَي، حبيباً لَي و قُولَن ووب قولن حي قولن ووب قولن حي، فيتصايح النسوة من خلفه ووب حي ووب حي مع رفع اليدين و تحريكهما بالخلاف ثم يتبعن الجنازة حتى باب البيت"
و يستمر الراوي يوضح كيفية االنواح:" يوضع القرع الجاف
و المقطوع إلى نصفين في وعاء كبير مملوء بالماء يضرب عليه مع ترديد شكر المتوفي و تمجيده، ومشهد آخر وهو وضع طست مملوء بالرماد و تأتي كل امرأة وتملأ رأسها و تتكتح بالرماد دلالة على الحزن".
لتوثيق الطلبة و الباحثين :

سلوى عبد المجيد احمد المشلي :" مقالات من تراثنا الشعبي السوداني" ، ( كتاب غير منشور)، ٢٠٢٥م.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى