سوف أصف بالتفصيل كل ماجرى لي في قبو المخابرات، وأرجو ألا يظنّ أحد بأنني شخص جبان أو خائن. لو كنت جبانا لما خرجت في المظاهرات ولما وضعت نفسي في موقف خطير كما هو الآن، رغم أنني لا أعرف حتى الآن لم يعتبرون المشاركة في مظاهرة جريمة تستحق كل هذا. كنا جالسين انا وحامد في بيته ندخن الأركيلة ونضحك حين سمعنا طرقا قويا على الباب. فتحت الباب أخت حامد فسمعنا جلبة وصراخا ثم ولاويل الاخت ثم صراخ الأم والأب ثم انفتح باب غرفة نوم الأولاد حيث كنا ممددين على السريرين ندخن ودخل ثلاثة رجال ضخام. لم ينتظروا إذنا من أحد بل هرعوا الينا وجرونا غير آبهين بأركيلتي التي انقلبت وتبعثرت. حاول أهل حامد منعهم من أخذنا ولكن الأب تلقى صفعة على رأسه وتلقت الأم بصقة في وجهها فاستسلمنا لهم جميعا. انني الآن متقوقع في الزنزانة في قبو المخابرات المظلم والرطب مرتجفا (نعم، كنت ارتجف وهذا ليس عيبا) وانا اسمع الى صراخ حامد وهو يضرب بالجنازير. عرفت انه يضرب بالجنازير لأنها كانت تخشخش حين ترتفع وتنهال على الجسد ثم وحين يتأهب المحقق ليضرب ثانية. بعد وقت لم اعرف كم توقف صراخ حامد ثم انفتح باب الزنزانة فدخل عنصران وكانا ضخمين أيضا يجران حامدا ثم القياه على الارض وخرجا.
ظل صوت انصفاق الباب المعدني يطن في اذني مدة غير قصيرة وانا أحاول ان أركز نظري على جسد حامد الممدد أمامي على الأرض الاسمنتية. كان غائبا عن الوعي يئن بصوت خافت ويتلفظ بكلمات لم أكن أفهمها. كنت مرعوبا، ارتجف كعادتي، ليس بسبب البرد فأنا أعرف نفسي بل كنت خائفا. كان عليهم أن يأخذوني بعد أن انتهوا من حامد ولكنهم تركوني لفترة أخرى، ربما الى حين يحل الليل وحتى ذلك الوقت على رعبي ان يمتد ويتصاعد حتى يشلني.
زحفت الى حامد. كان يئن كما قلت دون أن يحرك أيا من أعضائه. كان مغطى بدمائه واستطعت أن أميز تفاصيل جسده مستعينا بضوء النهار الضعيف الذي يأتي من مكان ما. كانت هناك بقع منتفخة على وجهه وجروح عميقة خاصة فوق عينه اليمنى بينما انشقت شفته العليا بجرح طويل اصاب انفه.
سمعته يهذي فقربت اذني لأعرف ما كان يتلفظ. لم أستطع الاستناد على ذراعيّ لانني كنت ارتجف فسجدت قربه وأدنيت رأسي من فمه فلاحظت فجا طويلا في الرأس. ولكنني لم أفهم شيئا فقد كانت الكلمات غير مفهومة وغير مترابطة. رحت اجول بنظري في أرجاء الجسد المدمى. كان قميصه وبنطلونه قد تمزقا في عدة أماكن وكان بدون حذاء. أين حذاؤه؟
راح انفي يسيل ثم اكتشفت انني كنت ابكي وعندما حاولت ان امسح عيني بيدي لاحظت شدة ارتجافي. تركت عيني وتكومت على نفسي محتضنا نفسي بذراعيّ. كنت خائفا وأصبحت أبكي بصوت خافت وأنادي على أمي. سمعت اصواتا في الخارج غير صرخات الألم والضرب المستمرة من لحظة وصولنا. توقفت عن الأنين وراح قلبي يدق بعنف. إنهم قادمون ليأخذوني. ولكن الاصوات مرت ثم ابتعدت. اكتشفت انني لم أكن أتنفس فشهقت. كأنني كنت غريقا ثم وجدت سبيلا الى الهواء. عدت الى بكائي الذي يقطعه ارتجاف حلقي فأمسكت بيد حامد ورحت أقبلها. وجدت نفسي اتكلم مع حامد فقلت له ياحامد ياحامد الله يخليك سامحني، انا الذي أقنعك نطلع في المظاهرات، وانا الآن خائف. اصح الله يخليك وقل لي هل سأصمد أم أنني سأموت لأنني أضعف منك؟
لمست نفسي بشكل عفوي فاكتشفت ان بنطلوني مبتلّ. لقد بلت فيه دون أن أعلم، هذا لايهم الآن. وجدت أن علي أن أسعف حامدا قدر المستطاع ولكن ليس لدي ماء ولا خرق نظيفة. خلعت قميصي وقطعته بأسناني ثم ربطت الجرح الكبير في الرأس وحاولت الضغط عليه لأوقف النزيف. سمعت أنينه للحظة ثم صمتَ فتابعت مسح الجروح الأخرى على وجهه ويديه وقدميه. رحت أتحدث اليه لأخفف عن نفسي وعنه. سألته كيف عرفوا اننا كنا في المظاهرة، هل تعتقد اننا ظهرنا في شريط فيديو أم أن شخصا خائنا وشى بنا؟ قلت له إننا سوف نعرف ذلك حين نخرج ولكن الآن أريد أن أصف لك ياحامد مشاعري حين كنت أهتف في المظاهرة. كنت سعيدا وكانت لذة غريبة تدغدغ صدري. انها نفس المشاعر التي أحسست بها مرة حين ابتسمت لي تلك الفتاة الممشوقة التي صادفناها ثلاث مرات في الطريق الى المدرسة. لقد قلت لك حينها انها ابتسمت لي في المرة الثالثة بينما انت استئت وقتها لأنها أعجبتك وكنت تتمناها لنفسك. إن خرجنا بسلام فإنني سأتخلى لك عنها. أقسم بالله أنني سأتخلى عنها ياحامد.
تحدثت اليه مطولا بينما كنت أمسح الدماء عن جروحه. كنت أستعد لأعترف له بشيء لطالما خبأته عنه حين لاحظت أن الظلام كان قد حلّ وأن بصيصا من نور ينسرب من أسفل وأطراف الباب. في تلك اللحظة بالذات سمعت وقع خطوات ثقيلة تتجه نحونا فتجمدت وجف حلقي وغار قلبي في صدري. انسحب الترباس وانفتح الباب ووقف رجل ضخم يحيط به نور المصباح الكهربائي الذي في السقف.
قال لي قوم يا ابن القحبة فنهضت ولكنني سقطت من جديد على ذراع حامد دون أن يظهر عليه انه تألم بسبب سقوطي عليه. اقترب مني الرجل الضخم وأمسك بي من شعري وشدني فانقذفت الى الخارج ولكنه ظل ممسكا بي فشعرت وكأن خصلة كبيرة من شعر رأسي تكاد أن تنفصل عن جلدة رأسي. استسلمت ليده وانا أحاول ان أنسى الألم فالقادم أعظم. لاحظت أنه كان ينظر باستمرار الى حامد. دفعني من جديد الى الداخل وتركني ليتفحص حامدا. راح يهزه بحذائه بالبداية بشكل خفيف ثم بشكل عنيف إلا أن حامدا ظل هامدا. تركني داخل الزنزانة ثم أغلق الباب ورحل. قرفصت مستندا الى الجدار وانا أرتجف.
في الصباح أخذوني الى التحقيق. وضعوني على الدولاب وراحوا يضربونني بسلك كهربائي، إلا أنني اعترفت حين أمسك أحدهم بالجنزير. قلت لهم إن حامدا هو الذي أقنعني بأن نسير في المظاهرة، وهذا الاعتراف لن يضر حامدا أبدا فعندما عاد الرجل الضخم مع اثنين آخرين اكتشفوا أنه ميت فسحبوه ورحلوا.
[URL]http://alantologia.com/data/xengallery/1/1020-c187ac8faa10351edd14425c2f0614f1.jpg[/URL]
الثقافة
ظل صوت انصفاق الباب المعدني يطن في اذني مدة غير قصيرة وانا أحاول ان أركز نظري على جسد حامد الممدد أمامي على الأرض الاسمنتية. كان غائبا عن الوعي يئن بصوت خافت ويتلفظ بكلمات لم أكن أفهمها. كنت مرعوبا، ارتجف كعادتي، ليس بسبب البرد فأنا أعرف نفسي بل كنت خائفا. كان عليهم أن يأخذوني بعد أن انتهوا من حامد ولكنهم تركوني لفترة أخرى، ربما الى حين يحل الليل وحتى ذلك الوقت على رعبي ان يمتد ويتصاعد حتى يشلني.
زحفت الى حامد. كان يئن كما قلت دون أن يحرك أيا من أعضائه. كان مغطى بدمائه واستطعت أن أميز تفاصيل جسده مستعينا بضوء النهار الضعيف الذي يأتي من مكان ما. كانت هناك بقع منتفخة على وجهه وجروح عميقة خاصة فوق عينه اليمنى بينما انشقت شفته العليا بجرح طويل اصاب انفه.
سمعته يهذي فقربت اذني لأعرف ما كان يتلفظ. لم أستطع الاستناد على ذراعيّ لانني كنت ارتجف فسجدت قربه وأدنيت رأسي من فمه فلاحظت فجا طويلا في الرأس. ولكنني لم أفهم شيئا فقد كانت الكلمات غير مفهومة وغير مترابطة. رحت اجول بنظري في أرجاء الجسد المدمى. كان قميصه وبنطلونه قد تمزقا في عدة أماكن وكان بدون حذاء. أين حذاؤه؟
راح انفي يسيل ثم اكتشفت انني كنت ابكي وعندما حاولت ان امسح عيني بيدي لاحظت شدة ارتجافي. تركت عيني وتكومت على نفسي محتضنا نفسي بذراعيّ. كنت خائفا وأصبحت أبكي بصوت خافت وأنادي على أمي. سمعت اصواتا في الخارج غير صرخات الألم والضرب المستمرة من لحظة وصولنا. توقفت عن الأنين وراح قلبي يدق بعنف. إنهم قادمون ليأخذوني. ولكن الاصوات مرت ثم ابتعدت. اكتشفت انني لم أكن أتنفس فشهقت. كأنني كنت غريقا ثم وجدت سبيلا الى الهواء. عدت الى بكائي الذي يقطعه ارتجاف حلقي فأمسكت بيد حامد ورحت أقبلها. وجدت نفسي اتكلم مع حامد فقلت له ياحامد ياحامد الله يخليك سامحني، انا الذي أقنعك نطلع في المظاهرات، وانا الآن خائف. اصح الله يخليك وقل لي هل سأصمد أم أنني سأموت لأنني أضعف منك؟
لمست نفسي بشكل عفوي فاكتشفت ان بنطلوني مبتلّ. لقد بلت فيه دون أن أعلم، هذا لايهم الآن. وجدت أن علي أن أسعف حامدا قدر المستطاع ولكن ليس لدي ماء ولا خرق نظيفة. خلعت قميصي وقطعته بأسناني ثم ربطت الجرح الكبير في الرأس وحاولت الضغط عليه لأوقف النزيف. سمعت أنينه للحظة ثم صمتَ فتابعت مسح الجروح الأخرى على وجهه ويديه وقدميه. رحت أتحدث اليه لأخفف عن نفسي وعنه. سألته كيف عرفوا اننا كنا في المظاهرة، هل تعتقد اننا ظهرنا في شريط فيديو أم أن شخصا خائنا وشى بنا؟ قلت له إننا سوف نعرف ذلك حين نخرج ولكن الآن أريد أن أصف لك ياحامد مشاعري حين كنت أهتف في المظاهرة. كنت سعيدا وكانت لذة غريبة تدغدغ صدري. انها نفس المشاعر التي أحسست بها مرة حين ابتسمت لي تلك الفتاة الممشوقة التي صادفناها ثلاث مرات في الطريق الى المدرسة. لقد قلت لك حينها انها ابتسمت لي في المرة الثالثة بينما انت استئت وقتها لأنها أعجبتك وكنت تتمناها لنفسك. إن خرجنا بسلام فإنني سأتخلى لك عنها. أقسم بالله أنني سأتخلى عنها ياحامد.
تحدثت اليه مطولا بينما كنت أمسح الدماء عن جروحه. كنت أستعد لأعترف له بشيء لطالما خبأته عنه حين لاحظت أن الظلام كان قد حلّ وأن بصيصا من نور ينسرب من أسفل وأطراف الباب. في تلك اللحظة بالذات سمعت وقع خطوات ثقيلة تتجه نحونا فتجمدت وجف حلقي وغار قلبي في صدري. انسحب الترباس وانفتح الباب ووقف رجل ضخم يحيط به نور المصباح الكهربائي الذي في السقف.
قال لي قوم يا ابن القحبة فنهضت ولكنني سقطت من جديد على ذراع حامد دون أن يظهر عليه انه تألم بسبب سقوطي عليه. اقترب مني الرجل الضخم وأمسك بي من شعري وشدني فانقذفت الى الخارج ولكنه ظل ممسكا بي فشعرت وكأن خصلة كبيرة من شعر رأسي تكاد أن تنفصل عن جلدة رأسي. استسلمت ليده وانا أحاول ان أنسى الألم فالقادم أعظم. لاحظت أنه كان ينظر باستمرار الى حامد. دفعني من جديد الى الداخل وتركني ليتفحص حامدا. راح يهزه بحذائه بالبداية بشكل خفيف ثم بشكل عنيف إلا أن حامدا ظل هامدا. تركني داخل الزنزانة ثم أغلق الباب ورحل. قرفصت مستندا الى الجدار وانا أرتجف.
في الصباح أخذوني الى التحقيق. وضعوني على الدولاب وراحوا يضربونني بسلك كهربائي، إلا أنني اعترفت حين أمسك أحدهم بالجنزير. قلت لهم إن حامدا هو الذي أقنعني بأن نسير في المظاهرة، وهذا الاعتراف لن يضر حامدا أبدا فعندما عاد الرجل الضخم مع اثنين آخرين اكتشفوا أنه ميت فسحبوه ورحلوا.
[URL]http://alantologia.com/data/xengallery/1/1020-c187ac8faa10351edd14425c2f0614f1.jpg[/URL]
الثقافة