حينما انتهت المعركة ؛ لم يكن يستر عاره سوى بطاقة متسخة معلقة على صدره مكتوب عليها اسمه و وظيفته. جادو متحصل رسوم النفايات. بدت حواء بائعة الشاي سعيدة بالنصر الذي حققته؛ وقفت تتلفت كلبوة تتلمظ شفتيها بعدما شبعت من لحم فريستها؛ رفعت قبضة يدها للحشد الذي بدأ هو أيضا سعيدا بالمصير الذي لقيه...
- خيبة الله عليك
- أخفض صوتك يا أستاذ لا تفضحنا..
قال بصوت مبحوح وقفز من مكانه لملاقاتي. يجلس عبده في مدخل زقاق سوق الخردة؛ عادة يكون منهمكا في شأنه خلف مكتبه؛ من خلف النظارة الطبية يختفي شبح عالم أو مخترع ويبرز مكانه وجه نحيف أسمر؛ لوهلة يبدو لك شاب في الثلاثين؛ لكن عندما تقترب منه وتخاطبه؛...
وبهتز ردف الساحة أمام المحلات؛ على وقع ضربات الدرويش على الطبل.
تجلس حواء في الموقع الذي اختارته أسفل شجرة النيم؛ أمام مطعم الأسماك. تقدم المرأة المكافحة الشاي والقهوة و ( الانقارة) شاي الكركديه لزبائنها الذين يتوافدون إلى محلها منذ الصباح الباكر وحتى المغيب. ثمة همس يدور في السوق أن سبب تلك...
لا يدري أي إحساس انتابه وهز بدنه; وهو منهمك في عمله ليندلق اللحن ويجرى على لسانه بتلك الطلاوة والحلاوة( لا شوفتن تبل الشوق ولا رد يطمن; أريتك تبقى طيب أنت أنا البي كلو هين). صعد على متن العربة التي يجرها حماره (المكادي) طيب المعشر; بعدما أفرغ آخر عبوة في برميل جارتهم (عيشة).
وهو مستلق على...
وحده الوجوم مرسوما على ملامح الحجارة التي استقبلتني أعلى التل في حافة الوادي. أذكر وأنا صغير حينما كنت أمر من تلك الأنحاء أتطلع إليها من بعيد كلغز محير وأقول في نفسي لابد أن يأتي يوم وأفك شفرته. ظلت تلك الفكرة مسيطرة عليّ حتى بعدما جرفتني الحياة بعيدا، لم يسبق لي أن كنت قريبا منها إلى هذا الحد،...
كل شيء يحدث في الظلام. أمام باب غرفة صغيرة في الطابق العلوي في بناية مهجورة; كان ثمة رجلان يقفان في الممر; عندما تسربت حزمة ضوء من نافذة مكسورة وارتمت متعبة على البلاط. بصق أحد الرجلين وكان ضخما مقارنة بحجم الرجل الآخر على بقعة الضوء وقال:
- إنها لقطة; لو عرف الناس من كان يسكن هذه الغرفة...
ما توشكون على قراءته; ربما يكون اعترافا بالخطأ الذي ارتكبته. ومع أنني ظللت أهرب طيلة سنوات من هذه اللحظة; وأنا أعيش وهم النسيان; لكن بعض الأمور في الآونة الأخيرة يبدو أنها بدأت تفلت مني.
في لحظة; وأنت متنازع بين الحقيقة والوهم; وتلك القوى الخفية تشل حركتك; و تطبق على حنجرتك; ومع وذلك الألم...
ببساطة لقد ضبطته يخونني; لم أكن أحب التطرق للأمر; بسبب أنني أجلس هنا في جو تحفه السكينة والوقار من كل جانب; كنت أخشى لو أطلقت لنفسي العنان; ربما أتلفظ بكلمات قد تخدش الحياء; وتكون سببا في ابعادي من هذا المكان; لذا جثوت في مكاني ورحت أرقب الأطياف النورانية وهي سابحة في الملكوت الأعلى; حتى تهجد...
كانت تقف ساهمة أمام اللوحة كما لو أنها تقف أمام مرآة ذاتها. لم يشأ أن يقطع خلوتها; سحب نفسه بهدوء إلى ركن في نهاية الصالة حيث يوجد بار صغير. جلس إلى أقرب طاولة ومن مكانه راح يراقبها. كانت لا تزال متسمرة أمام اللوحة لدرجة أنها لم تهتم بالمرور على باقي اللوحات. طلب زجاجة جن كاملة; وراح يفكر...
ها أنت تقف وحيدا وسط الجسر الذي شهد ردة فعلها التي لم تكن تتوقعها أو أنك توقعهتا لكنك تعمدت عدم الركون لتفاصيل اللحظة لكونها عودتك بعد كل مشادة تنشأ بينكما تخرج لبعض الوقت ثم تدخل عليها آخر الليل تحمل وردة حمراء تهرع هي إليك وتأخذك في حضنها وتنامان. لكن في ذلك اليوم وأنت تقف وسط الجسر فاجأتك...
تقديم:
يقول الكاتب في لقاء قديم بصحيفة اليوم السعودية ( ولدت على هذه الأرض ولبست لباسها).
إن رفد الأجيال والعالم بما اختزنته الذاكرة من تجارب وخبرات إنسانية, هي بالأصل نسيج الموروث الشعبي, وتقديمه في شكل عمل إبداعي, يعد من الأعمال النبيلة التي تساهم في تعزيز, و تعضيد مفهوم الهوية الجامعة...
شبت في القرية صدفة; عائلتها المكونة من الأب الكهل وحمار عجوز ومعزة وحيدة وكلب أسود; نزلت ذات صباح تحت شجرة الحراز المنتصبة في حافة الوادي. شجرة معمّرة تكره العيش في فصل الخريف; وهي ترى الحياة من حولها تكتسي بخضرة داكنة; فيشتعل عودها بنار غامضة. نار لها حفيف مخيف; تستعر من بعد المغيب حتى بزوغ...
لا أدري. هكذا هبط النصيب فجأة من السماء في شكل رجل طويل ونحيل وقد جاء خاطبا يدها. أسبلت عينيها بحركة لا إرادية; حين سألها أبوها عن رأيها في العريس.
- لقطة.
أجابت أمها نيابة عنها. أما هي; فلم تتب عيناها من هذا الفعل المنكر أو أنها أدمنت الانكسار في مواجهة سطوة الجسد ومتطلباته البيلوجية. كررت...
وأنت تمشي وحدك في العتمة مختالا كشمعة; تتلاعب بك ريح النشوة وعلى شفتيك يسيل طعم القبلة التي ارتشفتها خلسة من فم العدم. لا تكترث بالكلب الذي كشر عن أنيابه وبدأ متأهبا للدفاع عن حرمة الشارع. ذلك الكلب المتحفز عندما مررت به وسمعك تترنم بمقطع أنشودة الجن( قم يا طرير الشباب غني لنا غني وأعصر لي...
هيا قبلني بسرعة وأمضي: لفح سموم العبارة المليئة بالرغبة الجامحة أحمى صفحة وجهه; فار الدم في عروقه; سرت مفاصله قشعريرة حمى اللذة; تلألأت قطرات الخوف على شفتيه وضجت أصوات السكون بدواخله. وهو ما بين مصدق ومكذب راح يحدق مشدوها في أعطافها الممددة باكتناز فوضوي مثير:
هل دعتني بالفعل إلى تقبيلها أم...