مصطفى الحاج حسين

تحتَ أنقاضِ حزنِنا لا نعثَرُ على دمعةٍ حانيةٍ تنتشلُنا كلُّ مَن يعنيهِ أمرَنا ماتَ وبُتِرَت روحُهُ لم يبقَ حولَنا إلا قَتَلةٌ ومحتلٌ بحاجةِ أرضِنا وفي عوزٍ إلى بحرنا َولهُ مشاريع في سمائنا ونحنُ لامكانَ ليدفنوا تاريخِنا ولا ندري بأيِّ مكانٍ نركنُ أونكْمِلُ موتَنا دونَ أن نعوِّقَ المنتصرَ...
أعترفُ لكم يا حكامَنا بخيانتي فأنا مثلُ أبي أحبُّ فلسطينَ مثلَ أمي أتمسَّكُ بشرفي مثلَ أخوتي لا أبيعُ وطني وقد تكونُ خيانتي لكم إيمانَ جَدِّي بعزّةِ العروبـةِ نعم.. خنتُكم وأفتخـرُ فما عادت سجونُكم ترهبُني ولا اسْمُ كلابِكم يدبُّ الذعرَ بقلبي خنتُكم.. وهتفتُ لغَـزةَ خنتُكم.. وتعاطفتُ مع أهلِها...
من صمتِكم نستمدُّ الهلاكَ حكامَ رقابِنا الجبناء تزرعون الموتَ في حقولِنا لينهشَ العدُوُّ بيادرَنا وراياتُكم ترفرفُ بدمِنا وتزيّنُ أوسمتُكمُ الأشلاءَ حكامَنا والبغيُ مسارُكم شعارُكم أن نولدَ ونموتَ أذلّاءَ تصفِّقُ لكم دموعُنا وحناجرُنـا المقطوعةُ تهتفُ لكم بدوامِ البقاء نحنُ أمّةٌ أكلَها...
أصابعُكِ المثمرةُ بالهمساتِ والمورقةُ بالمدى والممطرةُ بالنّدى والمتدفّقةُ الضّوءِ ترسمُ على صفَحَاتِ قلبي أناهيدَ الدّروبِ لتمضي أشرعتي صوبَ القبلةِ الطّافحةِ بالشّطآنِ وبالمرجانِ الحميمِ تنثالُ الأغنياتُ من أصابعِكِ تتهادى أعاصيرُ البوحِ ويتدفَّقُ رحيقُ الابتسامةِ عذراءَ النقاوةِ طاهرةَ...
الرَّغيفُ يبكي جوعاً لفمِ الفقراءِ والخبّـازُ يعجنُ قهرَهُ ليأكلَهُ البطشُ نهدُ السّنبلةِ يرضعُهُ الصّرصار لقمةُ النّدى يمضغُها الجفافُ وكبدُ القمحِ يتلوّى في مخازنِ الثّعالبِ جوعٌ يفترسُ بيادرَنا ويتسلّقُ سحابَ المدينةِ يداهمُ أمواجَ النّورِ ويحصدُ دروبَ الحمامِ يصنعُ الكعكَ مِن نبضِنا ومن...
يتهدَّمُ الأفقُ ويموتُ الهواءُ ويتعالى نباحُ التّاريخِ على رقصةِ العدمِ الأرضُ تتقيَّأُ ما في رحمِها والمقابرُ تصلَبُ على الشاشاتِ النّدى يقصَفُ وأعشاشُ الأحلامِ تتفجّرُ والسّماءُ تتلوّى مِنَ الحرائقِ والجنةُ يطالُها الحصارُ والجحيمُ بفسقٍ تهاجمُ الملائكةَ والشّيطانُ لا يرتوي مِنَ الدّمِ...
القادمُ يتقدّمَهُ الفجـرُ والنّدى يورقُ بالدّروبِ وتحملُ الشّمسُ الرّايةَ فوقَ قممِ الحقِّ المشبعِ بطعمِ الخبزِ والقوتُ من نبضِ الحجرِ يرسلُ للقلوبِ إشراقةَ الوجوهِ الطّافحةِ بسهوبِ العسلِ موجٌ يتفتّتُ على رملِ العذابِ وصهيلُ رياحٍ يتكسّرُ عندَ الأبوابِ ونوافذُ أفقٍ يولدُ في ساحاتِ النّزيفِ...
الوجـعُ يحتلُّ جسدي يتناثرُ في أزقّـةِ الرّوحِ ويتراكمُ عندَ منعطفاتِ النّبضِ مكدّساً في ساحاتِ الأملِ يهتاجُ بقوّةٍ ويتنفّسُ الظّلماتِ تذرفُ عيناهُ الضّوءَ فما مِنْ أحدٍ يسمعُ دويَّ نزيفِهِ وليسَ هناك مَنْ يتحسّسُ برقَـهُ وجعي تُغتالُ دروبَـهُ وتزوّدُ أغصانَـهُ بالحرائقِ تسدلُ على نوافذِهِ...
إيَّـاكَ والموتُ يدركُكَ تشبَّـثْ بضوءِ قلبِـكَ وبأفقِ روحِـكَ بأقمارِ أحلامِكَ عَلِقَتْ بأقدامِكَ الدّروبُ وَتَعَلَّقَتِ الجِبالُ بجناحَيكَ النّدى نقشَ اسْمَـكَ فوقَ الرّفيف الحقولُ تمجدُ ينابيعَكَ والأرضُ رحابَ أعاليكَ تَمَسَّكْ بأمواجِ الحنينِ وبقلاعِ قامتِكَ السّامقةِ أنتَ عشبُ النّقاءِ...
يندلقُ الجَحيمُ يتفجَّـرُ النَّـدى يتناثرُ السَّـرابُ ويتفحَّمُ الضَّـوءُ الأفقُ يتهـاوى ويتحطَّمُ الضَّبـابُ وتسحقُ الطّرقات الظّلامُ يتمترسُ خلفَ الرُّكامِ وصدى الانهيارِ ثقيلٌ المقابرُ تستنكرُ أناشيدَ القتلى والموتُ يهجسُ بالقلقِ المتعدّدِ الألوانِ دمٌ يصعدُ الجدرانَ وأدراجٌ تنحدرُ إلى...
تتفشّى الأوجـاعُ يتلبّدُ النّدى يتسمّمُ الضَّوءُ وتتقيّـأُ الأيّـامُ أفقٌ يتقلّصُ وترابٌ يبكي ومطرٌ يختلُّ توازنُـهُ سرابٌ يتقمّصُ الموجَ وأشرعةٌ تجفُّ رياحُهـا الدّربُ يعتصرُ رحابَـهُ والشّجـرُ تثقلُـهُ أوراقُـهُ النّسائمُ معطوبةُ البصيرةِ والينابيعُ مكتوفةُ الشّريانِ كلُّ الجِهاتِ يابسةٌ...
لن ترضى عنكَ النّفوسُ الفاجرةُ ولا القلوبُ القاتمةُ ولا الأصحابُ المدَجّجون بالضغينةِ وبالغدرِ الأليمِ هم يكرهونَكَ بعددِ ما ابتسمتَ لهم وأضعافَ نجاحاتِكَ الكثرِ وما قدَّمتَ لهم من أمطارٍ مشبعةٍ بالوفاءِ هم يمقتونَ شمسَكَ المشرقةَ على صحرائِهِمُ الرّقطاءِ أياديهم في دمِكَ يشربونه أسنانُهم...
وقعتُ في قبضةِ عينيكِ انغرزتْ رموشُكِ بنبضي أحداقُكِ سحقت قامتي جفونُكِ أكلتْ أحلامي والحاجبانِ جرجراني للصاعقةِ وجهُكِ منارةُ الكون الشّمسُ تبصرُ من خلالِ شعرِكِ الفاحمِ والسّماءُ ترتدي ابتسامتَكِ عاليةُ الأغصانِ رحابُـكِ سامقةُ الأبوابِ ينابيعُـكِ ومقبض عطرِكِ البرقُ أحِبُّ شفقَ...
غادرتني الدّروبُ وسقطتْ أجنحتي في مستنقعِ الرّمادِ نخرَ الحبرُ أصابعي سفحتِ الأيامُ بسمتي ودمعتي طافتْ فوق أسواري بلّلتْ أسطحةَ الرّؤى صارَ الأفقُ نفقَ الآهةِ أبكي على سحابٍ أُثقِل بالقهرِ على شجرٍ يقطفُ ثمرَهُ ويرميه للثعبانِ أنادي أناشيدَ بلادي وراياتِ الموجِ ورحيقَ التّرابِ الضّاوي وصهيلَ...
قطعَ عنقَ الماءِ سفحَ دمَ الرّغيفِ بترَ توهُّجَ الشّمسِ أحرقَ أجنحةَ المطرِ دمّرَ ابتساماتِنا مزّقَ أنفاسَنا هدّمَ عروشَ أحلامِنا باعَنا للهلاكِ وقدّمَنا نبيذاً للعدمِ كنّا قد أجلسناهُ على عرشِ النّدى وطوّقناهُ بصهيلِ الرّؤى أمسكتْ يداهُ ينابيعَ آفاقِنا خنقَ ازدهارَ خطاوينا راكمَ أمامَ أجنحتِنا...

هذا الملف

نصوص
279
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى