راقتْ لي قطعة لحم في مبرد العرض الزجاجي، تأملتُها؛ فشعرتُ أن شيئا فيها يناديني، تخيَّلتُها مطهوة في طبق، وفوقها بعض الفِطْر الطازج، فرغبتُ في الحصول عليها، استفسرت من البائع عن سر ارتفاع سعرها مقارنة بباقي القطع، أخبرني أنها شديدة الندرة؛ لتمتُّعِها بمواصفات خاصة، ولذا تتضاعف قيمتها مرات عن...
هي الأقراص التي أعطيتني إياها، الأقراص المنومة التي كادت أن تتسبب في تَركِ كُرسيّك شاغرا أعلى المنصة في الجامعة الأوربية العريقة منذ شهور. عشر دقائق فقط هي ما استطعتُ الحصول عليه من يقظة نائمة. رأيت أعلى أحد الأرفف المصقولة فيما يشبه حجرة معمل إناءً به بضع ثمرات صفراء لا أعرف لها صنفا محددا،...
حين مرضتْ أمي؛ لجأتُ للمياه نفْسها، لأيام لم ألتقط إلا صرخات معدتي وإخوتي، استعرتُ يدها بعروقها النافرة، التي تنبض بإيقاع عميق، ببشرتها الشفافة الملساء، وردَّدتُ ذات الكلمات التي همسَت بها في أُذني؛ فخرجت سمكة كبيرة، من حولها تقافزت أسماك كثيرة ملوَّنة، امتلأتْ بها ردهة البيت الجانبية، هرولت...
يحكي بعض من حَضَر تشييع جثمان طه حسين، الذي خرج من جامعة القاهرة، في واقعة كانت الأولى من نوعها، كيف خيَّم الحزن على المثقَّفين المصريين والعرب، وكيف رثاه نزار قباني بقصيدة مؤثرة، وتحدَّث عبد العزيز المقالح عن ريادته للتنوير في الثقافة العربية، وذلك أثناء حفل تأبينه، الذي أقيم بجامعة الدول...
لم أستطع وضْع صورتها على الحائط المواجه لمكتبي، اقترحت على مهندس الديكور تخصيصه لبورتريهات تشكيلية تجسد الشخصيات الأهم في حياتي، طالما خشيت اهتزاز منظومتي حال استمرار علاقتنا أو ظهورها للعلن.
أُمرِّر إليها القليل من المفردات، ربما محض تحية مساء، أو سؤال عن الأحوال. لا أردُّ على رسائلها إلا...
كان عليها أن ترسل إيميل للشركة في هولندا ترجوهم إلغاء سفرتها التي تقررت في السابق، تبحث عن حاسوبها، تتظاهر بأنها لا تراه، في النهاية تُرغم أصابعها على الكتابة.
تقف خلف الزجاج تراقب حبات البرَد الصغيرة، تتساقط بيضاء دائرية، ثم ما تلبث أن تذوب وتختفي، تتجمد أطرافها رغم كوب القرفة الساخن، الذي...
«حين توجَّه المَلِك بالسؤال إلى هاملت: أين بولونيوس؟ رد هاملت: على مائدة العشاء.
سأله: العشاء أين؟
أجاب: ليس حيث يأكل؛ بل حيث يُؤكل”
قالت: لستُ حيث أحبُ، تضعني على مائدتك لتعاود النظر في وجودي عشرات المرات، تحشرني في فائض الوقت، أو تطويني في جيبك الخلفي لشهور. تعوِّل على أن الوهج – الذي...
أين نحن؟ سألني والدهشة صوته.
رفعتُ عينَيَّ عن صغيري، الذي انتابته نوبة صراخ منذ ثوانٍ، نظرتُ إلى الطريق من حولي؛ فلم أتعرَّف معالمه. نظرتُ إلى زوجي؛ فوجدتُ الذهول على وجهه والحيرة، لمحتُ ساعة السيارة فوجدتها تشير إلى السادسة وعَشْر دقائق؛ وقت مغيب الشمس.
لم يكن هذا امتدادًا لطريقنا الذي نسافر...
اقترح عليها أن يكون لقاؤهما في "براغ"، المدينة التي يعشقها، كان يريد أن يشاركها أجمل ما رأت عيناه؛ قالت: أنت أجمل الأماكن، أنت كلها أيضا.
تعانقت أيديهما منذ أن وصلا، رفع أناملها إلى شفتيه ولثمها، ثم ضمَّها ناحية قلبه، انغمست روحُ كلٍّ منهما في الآخَر منذ زمن.
كانا قد انتظرا طويلا ليكونا معًا،...
عندما طُلب مني الاشتراك في الكتابة حول "الفن عندما يكون العالم على أطراف النهاية" تدافعت برأسي مجموعة من الأسئلة والتصورات في دفقة واحدة، للحد الذي جعلني استمهلها كي أعاود النظر فيها بروية.
كان أول الأسئلة وأهمها: هل ابتعدنا نحن العرب عن الموت أو النهايات في أي مرحلة زمنية منذ ما يقترب من...
تناهى إلى سمعها خطوات ثقيلة، وأصوات خشنة. كانت بجوار التليفزيون، الذي لم تنتبه لما يعرضه منذ ساعات، يقضمها القلق قطعة تلو الأخرى؛ حتى ظنت أنها تلاشت، ترتدي طرْحتَها وتهبُّ واقفة، كلما تحركتْ خطوة نحو الباب؛ كانت يداها كأنها تتفادَى موجودات من أمامها، كأن هناك ما يعوقها أو يعرقلها، تقف خلفه بينما...
بعيدا عن كل الصيغ والأحكام الحدية، التي تضع القضية على صورة هذه المواجهة:" شخص المبدع أم النَّص"، مَن الأهم، ومَن له الحضور الأكثر جذبا، ومَن فيهما قد يخلد؟
وبعيدا أيضا عن كل صيغ أفعل التفضيل، وتصوُّرنا حول ضرورة أن يتغلب طرف على الطرف الآخر، وما تصنعه طريقة التفكير تلك من تطرُّف وتغييب...
ذهبتْ حيثُ النقطة التي كانا يتوقفان عندها قبل أن يودعها في كل مرة، بحثت عن اللافتة فلم تجدها، نظرت برويّة ثم أوقفت السيارة تماما، لا شيء، حَسِبتْ أنها أخطأت الموقع فتقدمت لمسافة. لم ترها، استدارت وعادت للمكان نفسه، فشعرت بشيء غريب هش لم تتبينه على نحو واضح.
ربما أزيحت محطتهما لشارع آخر جانبي...
وضعَ رقعة شطرنج عاجية القطع فوق طاولة مربعة على يمين مكتبه منذ زمن، لا يُجهد نفسه في اختيار اللون الذي سيلعب به، فهو من يتناوب الجلوس على المقعدين طرفي الطاولة، يحلو له هذا.
في أحد الصباحات المسحورة لمحت عيناه امرأة، بدا له أن الشمس تنثر من أجلها قطع الحلوى المذهبة، فتتوهج على سطح الفرح...
بعض الخطابات التي تقابل بالتصفيق والتهليل من الجموع تدعوني للقلق مباشرة، فالجماعات تشعر بالخدر في الغالب في النطاق الذي اعتادوه، تنخدع بالأوهام لا الحقائق المنطقية، تدغدغ عواطفها اليقينيات المتأصلة السهلة التي خبروها وعاشوا وفق مقولاتها، خاصة لو أنها تعالت لمرتبة التقديس، وجاءت على لسان شيوخ...