كاهنة عباس

حين صرّح القاضي بالحكم، سمعت صوته، كأنّه يأتيني من بعيد، كدت لا أصّدق ما تلاه :"حكمنا إبتدائيّا حضوريّا على المتّهم بالسّجن ثلاث سنوات من أجل ارتكابه لجريمة إشاعة أخبار زائفة و بثّ الفوضى وتعكير صفو النّظام العام . صدرت منّي التفاتة، وأنا أحاول استفسار ما سمعت ، إذ بعون يضع الكبل من حول يديّ،...
هل يمكن لرواية ما، أن تبعث من رحم رواية أخرى سبقتها، لتكشف عن أسرار وحقائق لم تتعرض لها هذه الاخيرة ؟ إن كان الجواب إيجابا، كيف يمكن للرواية " المتفرعة " أن تقنع المتلقي بحقيقة عالمها: من أحداث وشخصيات وسرد ،وقد أسست على التناص ، أي على ما هو مبتكر ومتخيل ونابع من أثر أدبي سابق لها ؟ ما الذي...
تململت في الفراش، بعد أن انتابتني أوجاع كبيرة، تسرّبت من الرّقبة لتمتدّ إلى كامل الظّهر، حتّى هجر النّوم أجفاني فبتّ ساهرة ، أنتظر بين الفينة والأخرى ،أنّ تمرّ أزمتي بسلام ،وأن ينجلي عنّي الألم ،تجرّعت الحبوب المسكّنة واستعملت المراهم لكنّها لم تخفّف من حدّة أوجاعي إلا لمدّة قصيرة، دامت ساعتين...
لا شك أن رواية "الطلياني" للكاتب و الجامعي و الناقد السيد شكري مبخوت و الصادرة عن دار التنوير للنشر، لم تحصل على جائزتي كومار و البوكر من باب الصدفة، فقد استطاعت الشخصيتان الاساسيتان الاقتراب من القارئ وشد انتباهه منذ الصفحات الاولى للرواية، للتعبير عن هواجسه و مشاكله ،حتى وإن كان يختلف معهما...
يقظة ، منام ، سفر ، هيام ، في غياهبها : قامت ، تكلّمت ، استيقظت ، نامت ، أحبّت ، كرهت . كان ذلك في مكان ، تراجعت فيه الابواب، ثمّ كسرّت ونصبت الطّرقات في ثناياه ثمّ كالسّراب اختفت . وأقيمت الاسقف منازلا ، ثم انهارت ، أسقطت . فنحن لا ندري في أيّ فضاء ، كانت قد تحرّكت ، فقامت، تكلّمت ، استيقظت...
شرب من كأس الحبّ، فما ارتوى بل ازداد تعطّشا وترقّبا. وكان له المال والسّلطة فما هدأ، بل سعى يبحث عن بلوغ أوجهما. وكان له الولد ولم يفارقه الشّباب بعد ، إلاّ أنّه لم يسعد بهما . وبعد طول التّجربة ، انطلق يبحث عن نفسه ، فعلم أن عطشه يعود الى إحساسه بالحرمان ، ثم علم بأن قدره أن لا يبلغ الكمال...
هاتي يدك الصغيرة يا ميمي، لأضّمها إليّ ، أتسمعينني ؟ أدرك أنّك تتألّمين ، فأنينك يدوّي بداخلي، ولا أملك الحول ولا القوّة ،حتى أردّه عنك وعنّي . سعيت إلى علاجك ، لكن يبدو أن ساعة فراقنا قد اقتربت ،لذلك سأبوح لك بأسرار لم أبح بها لأحد قطّ . سأحاول بقدر المستطاع ، أن أختصر حديثي حتّى لا أرهقك ، أن...
أن نتحدث عن الموت، معناه أن نقر بأن وجودنا ليس سوى حدثا مؤقتا وأن الزوال ينتظرنا ،وأن جميع أهدافنا لا جدوى منها . أن نتحدث عن الموت، معناه قبول الاستمرار وما يقتضيه من بداية ونهاية، وما يطرحه من تساؤل، وما يبثه من رهبة وقدسية . بل إن الحديث عن الموت، يجعل من الحب حاجة أكيدة وملحة لدينا، بل...
أ ولعنة، هي ، أن يكنّى شخص ما "بسيدي علي الريح" ؟ أم هو اسم لبطل عظيم الشّأن نسيه التّاريخ ، فلم يخلّد ذكراه ؟ أم يكون مستمدّا من الأساطير القديمة الّتي تروي تقمّص الرّيح لهيئة رجل غريب الأطوار، عجيب ؟ فلم توّج الاسم إذا ، بصفة السيّادة تبجيلا وتفضيلا للمكنّى ؟ ألم تكن عبارة "سيدي" حكرا على...
لا أدري كيف حدثت تلك الفجوة في ذاتي ،كان ذلك منذ عشر سنوات خلت ،عندما كنت تلميذا بالمعهد الثنوي بأريانة الجديدة ،كنت أنتظر كل صباح حلول الساعة الثامنة الا ربع ،فأمرّ بالقسم الذي كنت به أدرس ،أخترق ممرا طويلا حتى أبلغ منتهاه ،ثم أقف لحظة لأرى "إلهام" فأبادلها تحية صباحية عابرة ثم أعود الى قسمي...
متى نعترف بالانسان؟ من أكبر المفارقات، أن كلمة الحرية التى نادى بها التونسيون في ثورة الرابع عشر من جانفي ألفين إحدى عشر، كانت أكثر الكلمات تداولا واستعمالا في جميع الخطب، باختلافها إعلامية كانت أو ثقافية أو حقوقية أو سياسية، وأكثرها التباسا وغموضا . أما الأغرب من ذلك كله، فهي الكلمة التي...
بعض المفكّرين يوهمونك أنّ اللّغة الّتي يكتبون بها قادرة على التفكير، فتتابع هندسة أفكارهم وأسسها وما اتّخذته من أساليب ، كي تنشأ فكرا له كيان ينبع من صلب النّصّ. المقصود إذا ، ليست النّصوص النّاقلة لأفكار معروفة متداولة وسابقة لكاتبها ، لغاية تأويلها أو نقدها من طرفه،ولا تلك الّتي تكتفي بوصف...
قضّيت اليوم الثالث على التّوالي أجوب أسواق العاصمة دون كلل أو ملل: سوق لافيات ،سوق باب الفلّة ،سوق باب الجزيرة، أبحث عن العنب الأرجوانيّ وكنت في كلّ مرّة أتلقّى من الباعة هذا الرّد : لاوجود للعنب في اللّيالي ، فالحال شتاء ولا أمل لي في العثورعليه في مثل هذا الفصل ،قد يكون ظهوره وليد معجزة...
غادر بيته عند الفجر،مبتعدا رويدا رويدا عن تونس العاصمة وصخبها وبنيانها وضجيجها متّجها إلى ذلك المكان الخالي من البشر ومن العمران والّذي يسمّى " مرسى الامير" الواقع "بالوطن القبلي ". قضّى أكثر من ساعة ليخترق المدن والقرى، وعند طلوع الصباح وصل الغاب. كانت سيّارته تهتزّ سالكة طريقها بين الدروب،...
غالبا ما تفتقد وجهة نظر الادباء والاعلاميين والباحثين، سواء في الغرب أو في الشرق أو في المغرب الى الموضوعية، في ما يتعلق بالثورة التونسية، فتكتسي آراؤهم طابعا ذاتيا يتناول الموضوع من زاوية معينة دون اعتبارعناصر أخرى مثل الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد التونسي لخضوع نصف مبادلاته الى ما يسمى...

هذا الملف

نصوص
93
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى