أنا لم أعد مرئيا.
لم أعد إبنا بارا لقانون الجاذبية.
ولا صديقا جيدا لرواد الحانة.
ولا منادى عليه في الحدائق المدهشة.
لم أعد شيئا من الأشياء في الملكوت.
كلما أراك تضحكين في الباص
أو تسحبين مترين من النعاس الخالص من حديقة رأسك.
أناديك مثل غيمة تحتضر على حافة كتفيك.
وحين لا تسمعين إيقاع المطر في...
إذا قدر لي العيش مرة ثانية
سأطرد الكثير من الغيوم من حجرة باربرا.
أهديها صحنا طائرا لزيارة بوذا
وإعادة مصابيح اليوغا إلى المنتحرين.
أجلب الكثير من السحرة والمنجمين لاستشفاف حركات المستقبل.
إذا قدر لي العيش مرة ثانية
سأقفز كثيرا في محيط الميتافيزيقا.
سأحب نهرا من النساء
يصب في سريري كل ليلة...
ما أفظع وحش السرطان الضاري.
يا للحظ السيء!
قبل أن يأتي الربيع
وتشتعل الربوة بالذهب
قبل أن تحمل اللقالق
بريده إلى الله
وترميه الغيوم بالفواكه والدراهم
يموت (حسن)
في حجرة ضيقة مختنقا الأسئلة الحرجة
حتى الملائكة فرت مذعورة
من ثقابة عينيه المسمرتين
نحو الأعلى
من أجنحة صلواته المحترقة
من ديدانه...
هكذا قالت لي المتنبئة العجوز
بلكنة متوترة للغاية :
قريبا ستمسي خفاشا قرما
ستلعب النرد مع بنات نعش
سيختفي النهار من ألبومك الشخصي
سيشك الموسيقيون في علل الضوء
وتمدحك الأشجار في الليل
مثل دراج أسطوري يتطوح في الهواء.
كازاموتز ملعون ومتآمر عليه
تلاحقه أرواح شريرة من مرتفعات جبال المايا
إوز الذكريات...
سأحمل غيمتك ونذهب إلى الكنيسة.
ستقرع الأجراس قريبا.
سيلمع الرب في الحناجر.
المسيح في انتظارنا.
سيهديك صلبانا من الفضة
لتطردي الأشباح
التي تأكل الشوكولاطة تحت سريرك
أيام الشتاء الباردة.
سيهديك عربة جيدة لنقل الأموات
لتحملي ضحايا الهولوكست
إلى المقبرة.
لتحملي جثث نهاراتنا
المقتولة بإيقاع القباطنة...
** أمام الحانة
رأيت إلها طويلا مثل زرافة.
يحمل ممحاة ضخمة.
حاول سحب مؤخرتي
وأنا سكران.
غير أني فررت مثل غزال مذعور.
***
** رأيت تفاحة تتكلم بطلاقة :
- لم أر أحدا في حياتي.
لا حواء ولا آدم ولا الشيطان.
أنا ملعونة منذ بدء الخليقة.
***
** رأيت ناقدا يتجسس
من شرفة النص.
فتحت النار عليه.
***
** رأيت...
أنظروا جيدا..
أنا شجرة النهار الغريبة..
جذعي ضارب في الصيرورة..
وغصوني تنمو ببطء..
غير مبالية بزئير الهاوية..
تحط على رأسي بلابل من ذهب..
تشعل العالم بايقاع المحبة
كما لو أنها سرب متصوفة يترجمون
أسرار الغيبيات للعميان..
كتفاي مملوءتان بالفواكه..
ويداي مرفوعتان الى الشمس..
هكذا أقطع غابة يومي...
** ظهور الترابطات والمميزات والاختلافات اللغوية تقودنا إلى نوعية النصّ الشعري ونحن نقرأ قصيدة الشاعر فتحي مهذب (صديق الموتى )؛ لذلك فالواضع مؤول بجانبين: الجانب التلفظي، والجانب التركيبي؛ مما تم تأسيس النصّ الشعري بالأشكال الدلالية والتي تواجدت من خلال تواجد الدال ..
نصّ مبهر له أولياته...
** آخر الليل
بعد هروبي من الحانة
مثل موريسكي في الهزيع الأخير من الجنون.
تطارده قافلة من الهواجس
ناس مظلمون على أحصنة عمياء
آخر الليل
بعد هروبي خلسة من سم الخياط
من قاع الحانة
كأحد الناجين القلائل من عضة أفعى المامبا.
تاركا الغرسونة معلقة على حبل الشهوة.
تلعق رائحتي بحوافر أنفها الطويل
تاركا...
** أيها اللاوعي.
يا زيز الحصاد الأسود.
نساج المطرزات الأثيلة في الأدغال المعتمة.
سأسحبك بأحبال مخيلتي
ليرشقك الصبية بالحجارة.
ليدهسك قطار متخم بالثلوج والنوستالجيا.
خير لك أن تختبئ في تابوت فرويد.
قبل أن يضربك الأعمى بعصاه.
ويفر سكان المغارة من حرائق التنظير .
***
** العميان يمطرون بغزارة.
طردنا...
الأمطار مثل الطواويس
تزين الحدائق والمنتجعات
والأرصفة مؤثثة بسبائك الثلج
المتسولون مصابيح كابية
والريح تخاطب أشجار السرو
بنبرة المتصوف
وأنا أفكر في سلمى
في بناء مجرة صغيرة من الفرح
في ترويض العزلة المفترسة
في قطف شقائق النعمان من شفتيك يا سلمى.
أفكر في سرقة الأجنحة من كبير الملائكة
وارتياد برج...
( منذ العشرات من النصوص والقصائد والكتابات و فتحي مهذب يطلق لا قانون الكتابة، القاريء هنا يبدو منقادا طوعا لما يسرد الشاعر من أقوال وأحداث وتصورات، ليس من السهل أن يتقدم القاريء على الشاعر في تجارب كتابية مختلفة، الشاعر يتحرك فوق أرض رغم أنها صلبة إلا أنها في نفس الوقت أرضا قلقة، لا سمات ثابتة،...