الأشجار لا تذرف الدموع..
حين تحاورها الفؤوس بنبرة القتلة..
وترن أجراس البرقماتيزم
في دم الحطابين..
حين تتكسر ظلالها مثل زجاج الذكريات المريرة..
تواجه مصيرها بضحكة مجلجلة..
تعامل الريح بحكمة الفلاسفة..
الأشجار لم تك عدوانية بالمرة..
لم تهدم ضريح شاعر موهوب..
لم تطلق رصاصة واحدة
لقتل زهرة...
بالرغم من زخم الكتابات التي رسمها الشاعر التونسي فتحي مهذب، أرى من خلاله ذلك الكائن الذي استجاب لمرحلته الآنية، وهو يخوض معاركه الشعرية بين الحين والحين، ومن خلال هذا المسلك وسلوكية الشعر لدى الشاعر قبل غيره، جمع ملفا شعريا تجاوز الـ 750 صفحة على صيغة بي دي أف، ووضع كتابتي الجزئية( ماوراء...
لما دخل أبي إلى النار
مقيدا بسلاسل صدئة
بتهمة الهروب الأبدي من البيت
قتل الملائكة في عيوننا الصغيرة
إلقاء صلواته الجافة إلى ثعبان الشك
حرق مصحف العائلة بدم بارد
تمزيق العلاقات الأبوية بفأس اللامبالاة
بكيت طويلا أمام خازن النار
راجيا تخليصه من براثن المحرقة
بما أن له كسورا عميقة في مخياله القروي...
هكذا دائما وبشراهة قندس
نأكل الوحل والقش ونعوي في الليل.
نهوى رائحة الدم والفضيحة.
إهداء ذكرياتنا لوحش من السيراميك.
قطع أصابعنا ورميها لبنات نعش.
نستمني ونطعم النعاس الأظافر .
الليل طويل القامة وأمنا لم تعد من المبغى.
نسيت نهديها الساهرين في فم كنغر.
الأشباح تروض اللامعنى أمام البيت...
لا تقتربوا كثيرا من نصوصي في الليل.
إنها مسكونة بالأشباح الشريرة.
بريش حمامة مكسورة الخاطر.
بإيقاع الموتى في قاع الجحيم.
ببنادق تنبح طوال الليل.
تنادي جنودا ماتوا مشنوقين
في حجرة النسيان المظلمة.
بزئير شعراء ماتوا مختنقين في خرم الإبرة.
لا تقتربوا كثيرا من نصوصي في العتمة.
أنا ملعون...
في سلته الكثير من الضوء;
قمر
يزور المرضى.
***
حرب قذرة
لم تزل تدق
ساعة اليد المقطوعة.
***
مشرحة ;
من السماء يتساقط
ذراق الطائرات.
***
بيت متواضع ;
مع ثلة دبابير
نتقاسم صحن التوت.
***
على الطريق ;
زهرة ذابلة
المارة عميان بعيون مفتوحة.
***
أول الصيف
تكاد تبتلع البيت
غيمة.
***
متجر قديم ...
صباح الخير يا لوترايامون..
مثلك أمس حي ويقظان..
طردت حراسي الشخصين من أقاصي المجرة..
لم أحدق في مرآة الأبدية..
لم ألبس قميصا جاهزا لارتكاب جريمة..
لم أقتل شاعرا في مستشفى
أو لقلقا يبيع مطريات للأشجار..
لم أهشم دراجة المومس..
وزجاج نافذة الرهبان..
لم أفجر نفسي بحزام ناسف
داخل قافلة من الهواجس...
في يوم شتوي قاتم
سيهب إعصار عظيم
ستسقط أعمدة التليغراف
وأشجار الكاليبتوس
وترمي الغيوم شباكها في الجو
حيث ينفق البوم والغربان
ستأكل المياه القبور المسنة
سينهار ضريحي مزقا موقا
وتحمل السيول جمجمتي إلى القرى
مثل قوقعة جافة
فارغة من أسئلة الوجود الكبرى
من نواقيس الكاتدرائيات
من صخب البوهيمين...
فوق الجسر
أنا وحبيبتي ديانا والمطر
تبتلع أعيننا النوارس والمراكب
أنا وحبيبتي ديانا
موجتان من الفضة
تختزلان الضوء والموسيقى
بينما العالم يجر ضحاياه الجدد
باتجاه الأقاليم البعيدة
السماء تفاحة زرقاء
ملطخة بالدم
السحرة يجلبون القمر من البرية
أجلب كنوزا نادرة
من عينيك الحلوتين
قلبك نورس سكران...
الحقيقة في مكان ما
من هذا العالم
تصعد معنا الباص مثل شبح حزين
تظل مطرقة طويلا تفكر في الإنتحار
القفز من الشباك على قفاها الزجاجي
لأن رواد الباص لا يفكرون
إلا في استخلاص الديون
وشطائر البيتزا
الحقيقة في بطن الأرض
يحفر الفلاسفة أنفاقا عميقة
كل يحمل مصباحه السحري
سلة مثقوبة ليملأها بمياه التفكير...
كان يوما يشبه الأيام الأولى في الحرب التي تدور رحاها بين البشر أو بين الحيوانات الضارية في الغابات السحيقة.
عربات الغيوم المتدافعة تكاد تسحق رؤوسنا لفرط دنوها من الأرض. الشمس مختبئة في نفق سماوي كما لو أنها أرنب مذعور يطارده ثعلب تخلى عن وجاره منذ يومين.
الناس يسرعون في اتجاهات شتى
لقضاء...
أسلمتني بريدك
تلك الفراشة المصطفقة
بكيت طويلا يا أمي
لما اكتشفت إيقاع روحك في الكلمات..
صوتك العائم في مياه المخيلة..
قرأت رسالتك جيدا..
واكتشفت أنك في المساء
تزورين بيتنا خلسة
تشعلين المحبة في وردة المزهرية
تضيئين كل الأمكنة المعتمة..
تطردين ذئاب الغياب..
وفي مطلع الفجر
تعودين إلى بيتك الأبدي...