(1)
سنة 1991 كنت طالبا سنة ثانية بكلية الآداب رقادة وكنت أنتمي إلى الطلبة العرب التقدميين الوحدويين وكانت سنة مشتعلة بسبب حرب الخليج الثانية التي أدت إلى ارتفاع حدة المعارضة داخل الجامعات التونسية.
ولأن الحس الثوري كان عنيفا لدينا آنذاك كنا عرضة لهجمات متكررة من الأمن التونسي واعتقلات شتى...
عاد المساء كما عاد الرّيح
بلا أجنحة
بلا صوت
إلاّ المخالب والمناقير
عادت إلى رأسي الخالي من وسادة
الطّيورُ الخائنةُ
ذات الأعشاش المريبة
الطّيور الخالية تماما من الأغصان
من حبّات المطر الباقية
من صوت كان يعيش في صوتي
وكان ينام حول نومي
ماذا تنتظر أشجار الزّيتون
الماء؟
- موجود
الشّمس؟...
"تدعونا اللّذةُ فنُنيخُ الرّحالَ عند السّلحفاة فيغضبُ الألمُ ويضاجع الأرنبَ وتلك كانت غايتي.
وصاحبي يجيدُ الفرارَ من الجسد إلاّ أنَّ اقتحامَه العنيفَ كثيرا ما يقضُّ مضجعَ الأرنب فيمنعُني الألمُ من السّجود.
ولا وجود للذّةٍ مصدرُها الغزوُ ولكنْ تضاريسَ جسدي تتوحّشُ إن ظلّتْ مجهولةً، فلتُفتحْ إذنْ،...
لستُ على ما يرامِ هذه الأيّامَ. الأرضُ تافهةٌ جدّا مثل حبّةِ رملٍ علقتْ بحذاءِ شرطيِّ والشّمسُ "مصباح كلب"(1) وأستطيعُ بعينيّ الخارقتين وعقلي الإلهيّ أن أحصيَ حتّى عدد النّمل هناك
لكنّي
لستُ
على ما يرامٍ
كيفَ سأتحمّلُ هذه الأرضَ التّافهةَ ولماذا أشغلُ نفسي بتفاصيلِ تفاصيلها؟
لماذا عليّ أن أستمعَ...
ذلك البائعُ الطيّبُ يحبُّني
يسألُ عنّي ويذيعُ أخباري
ولا أخرجُ من عنده بعلبة سجائر و"تيكي أورونج" إلاّ بعد ربع ساعة على الأقلّ من الثرثرة
منذ مدّة وأنا ألاحظُ الشّبهَ الغريبَ بينَنا:
نفسُ الجبهة العريضَة
نفسُ العينين الكستنائيتين
نفسُ الشّفتين الغليظتين...
هذا الصّباحُ خطرَ لي أن أحلقَ شاربي قبل...
(نص ممنوع على أقلّ من تسعين سنة)
لستُ سعيدًا ولستُ حزينًا
لا أفكّرُ كثيرًا بالأكلِ أو الشّربِ أو المضاجعةِ
لا أهتمّ مطلقًا بنظافةِ جسمي أو ملابسي ولا أعتني بتحليقِ شعري
لا أكترثُ بطريقةِ الأداءِ في عملي
لم أعد أشغل نفسي لا بالدّين ولا بالسّياسة ولا بالشّعر
قريبًا ربّما أنسى بلدي
وأنسى...
قرّرتُ أن أخرجٓ من حياتي الماضيةِ
احتفظتُ بجسدي كما هو
طهّرتُهُ بزجاجتي Mornag* وألقيتُ بملابسي السّابقةِ إلى النْارِ
ارتديتُ برنساً وخرجتُ
بيتي الّذي كانٓ، يتراءي لي من بعيدٍ كوردةٍ حزينةٍ تعبثُ بها المناسباتُ
مدينتي العامرةُ عاهرةٌ تكرهُ الرّجالٓ المفلِسينٓ
أمشي وعقلي يودُّ لو أتمّٓ كتابٓهُ...
اسمي (عبد الواحد) في علاقةٍ اعتباطيّةٍ معي
جسدي استعارةٌ لقشّةٍ في عاصفةٍ
لم أمسك مرَةً نجمةً واحدةً
لم أعانق مرّةً فراشةً باللّيل
لم أتذوّقْ مرّةً نبيذا مع سمكةٍ
رغبتي في الانتحار كبيرةٌ
أيّتها الشّجرةُ الَتي أكتبُ لها أنا قادمٌ إليكِ بحبلي
بعد يومٍ أجدُني في علاقةٍ اعتباطيَةٍ مع المصيرِ
ما...
في مقهى "طاسكو" أرواحٌ شرّيرةٌ تمنعُني من الفوزِ في لعبة ال"رامي"
يضحكُ منّي "نيتشة" كلّما عدتُ خائبًا آخرَ اللّيلِ.
البارحةَ كان انتصاري ساحقًا
ربّما لأنّي تقمّصتُ شخصيّةَ "زارادشت"
في العاشرةِ من عمُري كنتُ أتحاشى الجنائزَ
والبارحةَ قبلَ الذّهاب إلى المقهى اضطُررتُ إلى تقديمِ العزاءِ في...