د. أحمد جمعه

لأن الحب.. كان ورقتي الأخيرة والرابحة لأستعيد منصبي كابنٍ محبوب في العائلة، لكن القدر مزّقها مع ابتسامةٍ باردة في وجهي المتيبّس، قررتُ الرحيل.. ولئلا أترك خلفي أثرًا استبدلت يوم الرحيل بيوم ميلادي منكرًا الحمض الذي يثور داخلي، كسّرت بطاقة هاتفي بيد أن ما انكسر كان قلبي ورقمي الفردي حصيلة الضرب...
اسمي أحمد، وليس لي من اسمي نصيب؛ فلا أحمد كوني من هذه البلاد التي لا أملك فيها قبرًا ولست سوى رقم في سجل كبير من سجلاتها المحترقة. لوني قمحاوي وهذه ميزة استغلتها البلاد بأن خمّرتني في قصعة الكراهية ثم حمّصتني رغيفًا طازجًا للحرب مغمّسًا بالرصاص. روحي يتزاحم فيها النعام المفاخر بتاريخ عريق من دفن...
في السجن لم نكن ننقب عن كنز الحرية كنا نحفر الجدران بمعاول من الصمت القاسي وندفن فيها أحلامنا، كنا نكفّن سنواتنا بالشيب، وكان الذين تحملت ظهورنا جلد جدران الحبس الانفرادي لأجلهم، يكيلون الحمد في قصائدهم للطغاة. في السجن كنا نبحث في وجوه بعضنا عن ملامح البلاد، كنا نخط بنظراتنا على ظهور بعضنا...
ثمّةَ حبٌّ صامت، ثمّة حبٌّ متناهي الثرثرة خلال صمتِه القاتم، ثمّةَ حبٌّ جسدي حبٌّ يتولّدُ من رقصةٍ مبللةٍ بالعطر بالنظراتِ المعجونةِ بالشهوة، ثمّةَ حبٌّ روحي حبٌّ يفوحُ في الظلام يفوحُ من جثّةٍ تحت أنقاض الألم. ثمّةَ حبٌّ من طرفٍ وحيد حبٌّ يذهبُ كلَّ قمرِ حنينٍ يعوي وحيدًا فوق جبل التعب حبٌّ...
أُمّي.. كانت تُقسِم بيد أبيها الطاهرة، أن المرأة التي تبكي شرخٌ في جدار الرجولة. تقول: يا بني المرأة أرض خصبة كل مطالبها فلّاح، يا بني الكلمة الطيبة فأس لا تعجزه صخرة، واليد الحانية منجلٌ كل حصاده جمال. كان جدك يا بني، رجلًا شامخا تقبّل جبهته الشمسُ وتئن تحت قدمية الحقول، لكنه يا بني إذا خلا...
أريد أن أحيا، لكن الحياة ليست قطعة موسيقى عابرة ولا كأس برتقال على طريق مجهول. أريد أن أحيا، والحياة أغنية باردة على جيتار ساخن صرخة مكتومة في حنجرة صحراء دمعة لا ملامح قد تحتويها لطفلة يقاسمها نومها على الرصيف الفل. أريد أن أحيا، لكن يد الحب في جيب سروالي القديم عين الصدق في منتصف رأس نكاتي...
لم أحِبّكِ لأنّكِ تناسبين مقاس قلبي ولا لأنّكِ تروين معي كل ليلةٍ وردةَ الحب قبل أن تذبل على السرير ولا لأنّكِ تروّضين جنون الفكرة المتقافزة في دمي. لم أحبكِ لأنّكِ حررت الذئب القابع خلف ضلوعي ولا لأنّكِ وقفتِ بمحاذاة قلبي تماما فوق جبل الشوق تطاردان بعوائكما قمر الحب ولا لأنّكِ منحتني عينيكِ...
آسف يا عزيزتي؛ أحب واحدة أخرى أكثر مما أحبّكِ، تتحمل رائحة فمي الموبوء بالقبلات ولا يزعجها جيبي الهزيل، لا تصرخ فيَّ حين أبللها بعرق يدي وتذهب ملاصقة لي لأي مكان أريد، لا يكبر سنّها لا تقطّب جبينها لا تتغير ملامح وجهها المفعم بالحب ولا تفارق شفتيها ابتسامتها، تنظر لي بنفس النظرة الرقيقة الباسمة...
لم أعرف الحب قبل، لكنني سمعت عانسا تقول: تفاحة هو الحب إن لم تقضمه مرّة واحدة حين يتعرى لك سيفسد لحمه هواء العابرين، أقول ربما الحب رمانة تنفرط حبّة حبّة بين يدي رجلٍ لا يجيد القُبل لكنّه من سلالة البرتقال ويعرف أن المشمس الناضج غير صالحٍ للتخزين، الحب امرأة أعني امرأة تجاوزت الياسمين تعيد تشكيل...
طفلة، هو كل ما حلمت به؛ لذلك حملت معولي وخرجت للعالم كبرت سريعا وقعت في الحب دون أن انتبه (أواقفا كنت أم على رقبتي) المهم أن قلبي أخذني مكبّلا بالرغبة لزيجة أبدية. طفلة، أخرج كل صباح مبتسما لألبي حاجياتها -بينما سكاكين تنخر في عظامي- وحين أعود في المساء ترمم ما أتلفه العالم من ملامحي بابتسامتها،...
ميلادك.. مهد حضارة الرمان، الرمان الذي ينفرط أطفالا بعيون من عنب يعيدون هيكلة الضحكات في عيون النسوة التي خانهن الحظ وصرن يائسات. كنّا حزينين، نجر خلفنا نهر الدموع بلا أمل ونجتّر يائسين الذكريات. كنا نبيع لأطفال خيالنا أشجار ميلادٍ مزينة بابتسامات رخيصة، ونكرر سعادة زائفة. في عيون الأطفال، كنا...
لي صديقة شاعرة.. تكتب كل يوم أكثر من عشرة نصوص كأبدع ما يمكن لشاعر أن يكتب وفي كل نص تراها امرأة أخرى تشعر بأن داخلها عشرات الشواعر يتصارعن على القصيدة، في يوم واحد، قرأتُ لها.. قصيدة عن امرأةٍ مثل شارع مهجور في الصومال تضفر شعرها الأبيض بالغيوم، وأخرى عن امرأة مثل كلب يسابق العقارب كي ينبح في...
ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ.. ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﺮﺗﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ ﻛﻮﻥ ﻓﺮﺍﺷﺎﺕ ﻭﺗﻔﻴﺾ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﺑﺠﺰﻳﻞ ﺍﻟﻨﺤﻞ، ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻭﺟﻊ ﻣﺪﻳﻨﺔٍ ﻭﺗﺨﺒﺰ ﺭﻭﺣﻬﺎ ﻟﻠﺠﻨﻮﺩ ﺗﻜﺘﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻷﻏﺎﻧﻲ ﻭﺗﻘﺮﺃ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﺤﻤﺎﻡ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺍﻟﻴﺎﺳﻤﻴﻦ، ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ.. ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ _ ﺍﻟﻤﺤﻤﻮﻡ ﺑﺎﻟﺒﺎﺭﻭﺩ _ ﺑﺎﻟﻌﻄﺮ ﻭﺗﻌﺼﺮ ﻣﻦ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ ﺍﻟﺒﺴﻤﺎﺕ ﻟﻸﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ، ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻟﻤﺎ ﻧﻈﺮﺕ...
قرر أبي أن يغلق عينيه ويصمت، يا أبي، لا يجيب، يا أبي، لا يتحرك ولا يجيب ولا ترتجف جفناه، أحضرنا خشبة تغسيل الموتى؛ لنهدده بها، لكنه لم ينطق، صببنا عليه الماء، ولم ينطق، أحضرنا الكفن كإجراء تهديدي أكبر، ولم يعرنا اهتماما أيضا، لم يتحرك، لم يتكلم، لم يفتح عينيه، لففناه وأحكمنا الرباط؛ لعله يخاف...
لأمي إذا حلّ المساء.. عشرة من الأقمار حول عينيها يشع منهم البهاء وعند مفرقها قمرٌ يصلي.. في ابتهالات الزرع نداوة الإصباح لأمي إذا ابتسمت.. ألف مئذنة تشق أحجبة السماء يفيض نهر تمرٍ من عيونِ نخيلٍ باسقات ويولد ضوء جديد يسبّح بالجمال لأمي إذا حزنت... حزناً شفيفاً كون من الشمع العتيق ينطفئ ويشتعل...

هذا الملف

نصوص
87
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى