د. أحمد جمعه

لقد توقف إطلاق الرصاص ولم يعد أخي بعد دوما يجيء في مثل الوقت بعد أن يفرغ حنجرته ويسدد دين الحجارة، وأمي ما تزال أمام التلفاز تراقب شريط الأخبار وتخفي دموعها، أمي امرأة قديمة لكن فقدها لأبي هز نخلة دموعها الشامخة فتساقطت من عينيها على طول المخيّم مواويل، أنا شاب جبان أتعلل بساقيّ المقطوعتين، وهل...
في فلسطين.. ماذا ستفعل الفتاة الشقراء بعد أن خاطت جُرح حبيبها الجندي بشعرها الحريري؟! ماذا سيفعل الطفل الرضيع بثدي أمّه بعد أنه تركته في فمه وجرت نحو القذيفة تصدّها عنه؟! ماذا سيحكي الجندي العائد من الحرب بقدمٍ وحيدة لزوجته الطفلة التي ما زالت ترسم في وسط البيت مربعات الحجلة؟! ماذا سيغني الوطن...
ولأنّي حزينٌ.. گ مئذنةٍ في دمشق گ جرس كنيسةٍ مهجورةٍ في القدس گ سنديانةٍ صمّاء بين شمالِ السودانِ وجنوبها أُصلّي أرقصُ أُغنّي أصعد إلى اللهِ بموسيقى اليتامى نحيب الأرامل وارتطامِ ملحٍ.. يسقطُ من عيونِ الأمهاتِ على ظهورِ القبور، أسيرُ نحو الحلم گ الأسير گ جنديٍ تركَ الحبيبةَ تعوي ليجلبَ لها...
الشهداء في القدس القديمة يبنون مسجدًا من حلوى ليصلّي نحوه الأطفال. الشهداء في بغداد ما زالوا يعلّمون الآباء شعر الأوائل والأواخر ينزعون من يد أطفال الكرادة البنادق ويقولون: صلّوا نحو مسجد الحلوى في القدس القديمة. الشهداء في دمشق يلمون العظام وتوالف البنادق يقولون: كوني ياسمينا فتكون نساءً ينجبن...
ولدت بأسرة فقيرة كنا ننام تسعتُنا بغرفة واحدة، غرفة تتسع للجلوس للطعام والنوم، نستقبل فيها ضيوفنا وفيها أيضًا كنا نستحم من نظرات العالم المثالي ونغسل ثيابنا مما علق بها من بقع الطبقيين والمتنمرين، وفيها كان أبي وأمي يتحينان نومنا ليخطفا جماعًا سريعًا، كان الصبر شِرعة ومنهاجًا وكانت اللقمة...
لست حزينا يا حبيبتي.. لست حزينا لأنكِ تحبين الجنود وتعشقين تغطية نظراتكِ ببذلاتهم الحربية وتحلمين بالإبحار نحو السلام في بطن خوذة ولا لأنك تدندنين أغنياتهم الحالمة وتضمدين جروح الجدران بصور القطارات المعبئة بالمهاجرين نحو الموت، لست حزينا لبكائك القططي كلما عاد قطار بأحشاء خاوية يعوي ولا من...
العيد يا حلوتي ألا تقف الورود في حدائق حبنا على أطراف جذورها مرتجفة البتلات، أن يسقط من فم البنادق الرصاص خاشعًا عند قدمي طفلة بينما في الهواء كبارودٍ تتطاير الضحكات. العيد يا حلوتي فرحة المناجل -التي انحنت حزنا على الحقول- حين يعود من حروب العالم فلاحُها ويطهّر يديه بالفؤوس من نجاسة البنادق،...
تعالي أشبّك يديّ وأحملكِ عليهما، ترنين جرس باب الشعر ثم نجري، ونختبئ وحين يخرج الشعر نتمرغ من الضحك. تعالي أحملكِ على ظهري لتقفزي من على سور التعقل ثم أقفز خلفكِ ونهرب للجنون. تعالي نضع سويا حزما من مفرقعات الكلام تحت كرسي الخوف ثم نتقافز ضحكا حين نراه مفزوعا. تعالي نغزل ثوبا من الوعود والأمنيات...
أحب هؤلاء النسوة اللاتي لا يكتبن الشعر، لكنهن متذوقات بارعات للجمال ويعرفن الفن ذلك الذي لا يجهد أنوثتهن لكنه يجعل منهن دريات، أحبهن بذكائهن الصادق والذي لم يستنفد في كتابات مستهلكة أفكارها لكنهن يعرفن الشعر من آخر سطر، يعرفنه كما يعرفن الأسماك التي تسبح في دموع الفرح حاملة ألوان الأحبة،...
ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ.. ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﺮﺗﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﺭﻫﺎ ﻛﻮﻥ ﻓﺮﺍﺷﺎﺕ ﻭﺗﻔﻴﺾ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﺑﺠﺰﻳﻞ ﺍﻟﻨﺤﻞ، ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻭﺟﻊ ﻣﺪﻳﻨﺔٍ ﻭﺗﺨﺒﺰ ﺭﻭﺣﻬﺎ ﻟﻠﺠﻨﻮﺩ ﺗﻜﺘﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻷﻏﺎﻧﻲ ﻭﺗﻘﺮﺃ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﺤﻤﺎﻡ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺍﻟﻴﺎﺳﻤﻴﻦ، ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ.. ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺗﺮﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻒ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ _ ﺍﻟﻤﺤﻤﻮﻡ ﺑﺎﻟﺒﺎﺭﻭﺩ _ ﺑﺎﻟﻌﻄﺮ ﻭﺗﻌﺼﺮ ﻣﻦ ﺷﻔﺘﻴﻬﺎ ﺍﻟﺒﺴﻤﺎﺕ ﻟﻸﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ، ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻟﻤﺎ ﻧﻈﺮﺕ...
اسمي أحمد، وليس لي من اسمي نصيب؛ فلا أحمد كوني من هذه البلاد التي لا أملك فيها قبرًا ولست سوى رقم في سجل كبير من سجلاتها المحترقة. لوني قمحاوي وهذه ميزة استغلتها البلاد بأن خمّرتني في قصعة الكراهية ثم حمّصتني رغيفًا طازجًا للحرب مغمّسًا بالرصاص. روحي يتزاحم فيها النعام المفاخر بتاريخ عريق من دفن...
أنتم لا تعرفون الأمهات في القرى غير أنهن فلاحات حاذقات يعزقن، يحصدن، يعلفن، يحلبن فإنهن أيضا خياطات ماهرات يحكن من صبرهن قمصانًا تقيهن برد الضجر يحكن من القليل مفارش كثيرة يجلس عليها الفرح إنهن تاجرات أيضا تجلس الأم منهن في "كشك البقالة" تبيع الصباحات الندية في علب الحلوى تقول لها: كيلو سكر...
لجارنا عشرة أبناء، رأيتهم جميعا في صورة باهتة لكثرة ما بللها بدموعه، يقول لي: كنت وحيد أبي وكان كل عائلتي، صنعت له من قلبي قاربا أبحر به الحياة حتى أدركه المرض، كنتُ حذاءه ولباسه كنت نظارته وكيس فضلاته. حين دق الموت باب روحه، قال لي: يا بني، اجعل لك من الأبناء عشرا يعزوك عن فراقي. أتعرف يا...
كنت في آخر الدنيا، لكنّهم قالوا: إنّها مريضة، لا أعرف كيف بهاتين القدمين العاجزتين أتيت لكن أتيت... جسدها الأطيب من دموع الأمهات ساخن، ينتفض، وعيناها تقلّبان ملامحي وتوصيان... سمعتهم يتهامسون بألسنتهم الحجارة: "ربنا يريحها". ليت ما كانت لهم ألسنة؛ كيف يتمنى الحبيب لمن يحب أن يموت؟! كيف يا...
طفلك.. الذي لم ينل منك سوى الصراخ بينما توفر لواحدة أخرى غير أمّه صوتك الرقيق؛ خفية وكما اللصوص تبثها شهوتك ووحده دون علمك يراقبك.. يراقبك حين تهمله بينما تحكي لامرأة أخرى غير أُمّه عن حبك للأطفال وبحبٍ فائقٍ تخبرها كيف ستلعب طوال الوقت مع طفلها الذي يشبهها تماما، وبنغمة رقيقة تقول لها: كم...

هذا الملف

نصوص
87
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى