أغنيتان طويلتان للمطر
أغنيتان حبيستان والليل أعمى
العين تسأل بلا توقف
عن سحابة مغرورة
طال انتظارها
سحابة قاسية لا تستمع إلى أنين الأرض
سحابة صماء تسجن بداخلها لحن جهور
تصيبه بالبكم ولا تبالي
ترهقه بانقباضها كلما رعدت السماء
يصرخ اللحن رغم تبكمه
تبرق السحابة غضبا
أغنيتان على الأرض بملحها...
في الحفل المُقام على مقبرةِ الحزن
سأُوزع الحلوى
وأنثر الورد الأبيض بحركة بهلوانية
لن أذكر رفات خيبات الوعد والطريق
سأذكر حلمي على جناح فراشةٍ زاهية
تحمل روحي الطفلة
وهوسي بلقاء السماء السابعة
فراشة تعرف ثقلي وخوفي
تحملني بلا وجس
لا تمل تَعرق يدي
وعجرفة أسئلتي
تحملني عاليًا.. بجناحٍ فقط...
لا يحزنني الوقت ولا تماطل الأقدار
لا تكدرني الأحوال والتقلبات
أريد أن أثار فقط
لأيامي العطشى
ودقاتي الوَاجِلة
أن أبصق مُر هذا العالم
أقلع جلد الندم
أقف عارية من حنقِ الملذات الضاحلة
يحزنني جدًّا هذا الضيق
ومتسع الخطى قيد النور
والقمر غائب
والشمس بكهوفِ الأعداء
تتهشم بصفعِ الضباب...
هسيس الليل يقتات بقايا نحيبي
يلزمني بعهدٍ ثقيل
لا أقوى على فضه
تنازلني النجوم على عرشي
وأفتح ذراعيَّ بانشراح
أستقبل أسهم البغض
أغار على الورق من دمي
أنزف على بيتي
ولا هَوَارَة عليه
أعود إلى رشف خيباتي
قنوط وانزواء وشوائب رمادية
تزجني بأعتى كهوف الظلام
أنام بنصف جفن وأحلم بحريتي
أحادث...
صديقي يعشق الخياطة، يتفنن في القصات العصرية، ولولا حبه لهذه الأرض _لكان الآن مشاركًا في أفخم عروض الأزياء العالمية، هاتفني هذا الصباح ولأننا لم نلتقِ لسنوات قال لي ممازحًا "أنتظر هدية ثمينة منكِ، تغفر ما صنعه الغياب"، وكنت أعلم أنه يجهز لي فخًا من الأسئلة العويصة، كنت كعادتي في حيرة شائكة، كيف...
أنقذتني الريشة
عندما رسمتني على جدرانٍ شفافة
أنقذتني مرة ثانية عندما نفضت عني غشاوة الرماد
أنقذني الفن كثيرًا وما زال
يعطف بي زحمة الكسر
يكتبني قصيدة طويلة لامعة
يوزعني على نوتات القلب
يودعني سريرة الأشياء الغريبة
لتنقذني الغرابة
تسمع اسمي فينتمي إليها
تشهد حظي ليشبه طالع حروفها
تتغنى...
كنت لأقف بينك وبين الحزن
أتلقى الطعنات بدلًا عنك
كنت لأكتب نفسي شقية
لو أنك مددت يدك إلى روحي
واقتلعت ذلك الشك _بأنك لم تحبني يومًا
كنت لأقف وحدي في المعركة
وأنتصر بسهمٍ واحدٍ
لو أنك رميتني بتلك النظرة التي تخصني
كنت لأذهب إلى النهايات كلها
وأخبرك عن الجحيم والنعيم
لو أنك صدقت وأخبرتني...
عندما أمد يدي لمصافحة الغرباء
أتوقف سنينًا أتفحص خطوطهم الشائكة
أَشْتم عطر الغياب الأخير
وصفعة الغدر الدامية
أحاول أن أسترجع يدي قبل أن تتلطخ بجراحهم
أصنع سدًا منيعًا بيني وبين الجاذبية
ترمقني بصيرة القدر بحنكة
بينما قدرتي على التخفي تلعب دورها
أبدو مثل الهواء
والذبذبات الهاربة...
عيناك صوب الاحتراق والمسافة
صوب حلمي الفسيح
صوب التذمر والتهكم
وانزلاق الحدقة نحو الفضاء
نحو انجلاء النهاية والخصام
التحام الليل عنوة ببصيص لا يُرى
وكأن الليل يقتل كل مَنْ نسى الصباح
عيناك رغم قطيعة الأشواق تشبه معدني
وتطوقني بالماء النقيع
وأستعذب الريق المنمق بالحكايا
أحكي عنك
لك...
لا أستطيع هزيمتك
لكنك فعلت
عندما مررت بمسامي
وتعطرت خلايايّ بحدسك
عندما حبستك بصدري طوعًا
فسمعت فرقعة شوقك
عندما اهتزَّ توازن المرآة
ورأيتك أمواجًا زرقاء
عندما تعهدت أمامك بالثبات
ووقعت عند أول تفحص
هزمتني وأنا في طريقي إلى التلون بالحزن
وجدتك منصفًا تحمل بقلبك لغة جديدة تشبه...
ناعمة لا يخدشها الصبار
حادة تتكور داخل فقاعتها
تنتظر نيازك الخلاص دون ملل
بخيالها القديس الذي ينثر الحَب للحمائم
يرفع رأسه باحثًا عن غيمة
كأنه يخاف على محرابه
ترعبه فكرة الغرق في اللَّاهوت
نكرةٌ في جُبِّ الحقيقة
تعتصرني براحة الماء
أتوسد نفسي الجوفاء
أعاند هالتي العطشى وأطفو
فوق الثريا...
وزنك الذي على خارطتي
يفوق كيلوجرامات الأثقال الواهية
لا أحد قبلك يعرف محيطاتي
ولا التضاريس الخفية
لا الليل يدرك أسواري
ولا جنيات البحر اللامعة
وطني الذي هجرته طوعًا
نسى نقاط الحس التي تُوترني
أحسستك مثل مسامي
تنتح آهات الحرمان
تتوسد بوح ترنحها
تغرها الأزقة
تفتن تلميحاتك البعيدة...
بُتِرَ الجِذْع الذي خدع البذرة
تنافرت أملاح الأرض
جذعت غلائل الصبر
وأتاني الليل غَليلًا
يحاول شُرب قطراتي
خطيئة واحدة
وحرب ضَّروس
عهد وهدنة
كالبياب الذي يكيد حلقًا جافًا
تسمر وتفحم
لكنه ما زال يغني
ما زال يصدق -أن مَوْئِله بقلبي
حيث الصبابة
والخباب
حيث استهواء السراب
عجلة التيه...